مقالات وأراء

وزير الأوقاف يكتب ماذا قبل الحج ؟

الحج رحلة إيمانية عظيمة ، تتوق إليها نفوس المؤمنين الموحدين ، والعلماء العاملين ، والمحبين والذاكرين ، وسائر المسلمين ، فهو أُمنية كل مسلم ، ومتاب كل عاص ، وملاذ كل مستغيث ، فيه منافع للناس ، وكلٌ ومقصده ، على قول الشاعر :

فلما قضينا من منى كل حاجة

ومسح بالأركان من هو ماسح

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا

وسالت بأعناق المطي الأباطح

   هنالك تسكب العبرات ، وتغفر الزلات ، ولا ملاذ ولا ملجأ إلا إلى رب الأرض والسماوات ، من ذاق عرف ، ومن نهل اغترف ، ومن وصل فاز ، يقول نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) : ” من خرج يؤم هذا البيت حاجًا أو معتمرًا كان مضمونًا على الله ( عز وجل ) إن قبضه أن يدخله الجنة ، وإن رده رده بأجر وغنيمة ” ، ويقول ( صلى الله عليه وسلم ) : ” الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللهِ تَعَالَى، يُعْطِيهِمْ مَا سَأَلُوا، وَيَسْتَجِيبُ لَهُمْ فِيمَا دَعَوْا، وَيُخْلِفُ لَهُمْ مَا أَنْفَقُوا، وَيُضَاعِفُ لَهُمُ الدِّرْهَمَ أَلْفَ أَلْفَ دِرْهَمٍ”.

        هناك فقط يُقبّل الحجر ، ويُتمسح بالأركان ، ويكون المسعى والطواف ، وإلى هناك تُشدّ الرحال ، ويُساق الهدي ، ويعظم القصد :

إليك وإلا لا تشد الرحــــال

وعنك وإلا فالمحدث كاذب

        هنالك تعظم الذكريات ، حيث المسعى والمطاف ، وهاجر وزمزمها ، وإسماعيل وحجره ، والخليل ومقامه ، والحبيب وروضته ، وبيته وقبره ، والصدِّيق وصاحبه ، والبقيع وأهله وعترته ، والمدينة وأنصارها ، ومكة وجوارها ، والحرم وحمائمه ، ومعالم عديدة لها في القلب موضعها ، وفي التاريخ مكانها ، من عرفة إلى منى فمزدلفة ، فقباء والقبلتين ، وبدر وأحد ، والغارين : ثور وحراء ، وطريق الهجرة ، ومساجد ومآثر ، لها في قلوب الخلق كل الخلق ثم مكانة ومنازل .

        فإذا كان الأمر كذلك ، والحال على ما ذكر ، فينبغي التخلية قبل التحلية ، فيبدأ الحاج بتصحيح  النية ، وسداد الدين ، ورد المظالم ، وتطهير النفس والمال ، وصلة ما كان من الرحم مقطوعا ، وصلح من كان له مخاصمًا ، والاعتذار إلى من كان في حقه مخطئًا ، ثم ليفرغ إلى طاعته وعبادته ، وينأى بها على كل ما يفسدها أو ينال منها ، أو يعكر صفوها عليه أو على غيره من الحجيج ، فيعتزم اعتزال اللغو والرفث والفسوق والجدال والعصيان ، وإن كان يريد تمام المغفرة والقبول فليضع نصب عينيه قول الحبيب (صلى الله عليه وسلم ) : “منْ حَجّ لله فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَومِ وِلدَتِهِ أُمُّهُ”.

ولعل أهم ما ينبغي أن يفعله الحاج قبل سفره يتمثل في أمرين :

        الأول : التوبة النصوح ، التي تعني المراجعة الشاملة للنفس ، ولما كان منها في حق الله (عز وجل) وفي حق الناس ، فما كان من خير  حمد الإنسان عليه ربه ، وما كان غير ذلك تاب العبد منه توبه نصوحًا ، بكل ما تعنيه الكلمة من صدق العزيمة ورد المظالم إلى أهلها ، فإن هذه التوبة وحدها حتى ولو لم تكن مصحوبة بحج ولا غيره يُبدل الله (عز وجل) بها سيئات عبده حسنات ، حيث يقول الحق سبحانه : ” إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً * وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً ” .

         الأمر الآخر : أن يتحرى النفقة الحلال ، لأن الله عز وجل  طيب لا يقبل إلا طيبّا ، فقد ذكر نبينا (صلى الله عليه وسلم ) ” الرجل يطيل السفر أشعث أغبر ، مطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وغذي بالحرام، يرفع يديه إلى السماء ، يا رب يا رب أنى يستجاب له ، ” وإذا قال آكل الحرام : لبيك اللهم لبيك ، قيل له : لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك ، مطعمك حرام ، وملبسك حرام ، ونفقتك حرام فأنى يستجاب لك ؟ فــ ” كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به ” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم ) : ” إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ في مَالِ اللهِ بِغَيرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَومَ القِيَامَةِ” .

         ثم إن على الحاج أن يحاول الإلمام بالمناسك وأحكام الحج وآدابه قبل سفره ، ليحرص عليها ، ويتحلى بها ، ويؤدي حجه على الوجه الأكمل الذي يرجى معه تمام القبول والغفران .

         وإذا كان الكف عن أذى الناس مطلوبًا في كل وقت وحين وزمان ومكان فإن هذا الأمر يكون أشد تأكيدًا ، والأذى  يكون  أشد حرمة إذا ما حدث في حرم الله أو في جواره ، حيث يقول سبحانه: ” وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ” ، فليحرص الحاج على الإيثار والإكرام ، والصبر والاحتمال ، والبعد عن كل ألوان الأذى ولو بالكلمة أو النظرة الغاضية .

اظهر المزيد

admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »