وزير الأوقاف يكتب: التبني في الإسلام، والأيتام والمشردون
أبطل الإسلام عادة التبني التي كانت موجودة في الجاهلية ، فقال سبحانه وتعالى : “ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ” ، ولما كان بعض الناس في الجاهلية يطلقون على سيدنا زيد بن حارثة “زيد بن محمد” نزل قول الله تعالى : ” ما كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً”(الأحزاب : 40) ذلك أن قضية التبني يترتب عليها ما يترتب من الحقوق , وأخصها اكتساب حقوق غير مشروعة وضياع حقوق مشروعة على أصحابها وبخاصة في المواريث التي حدد الله (عز وجل) أنصبتها في كتابه العزيز ، ثم قال سبحانه محذرًا من مخالفتها : ” وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ “(النساء : 14)
ولكن الإسلام عندما أبطل عادة التبني جعل للعناية بالأيتام واللقطاء والضعفاء والمشردين سبلاً وأبوابًا واسعة ، يقول الحق سبحانه وتعالى : ” وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ” والإصلاح أمر جامع لكل ما يحتاج إليه اليتيم ، فقد يكون اليتيم فقيرًا يحتاج إلى المال ، فالإصلاح هنا يكون في جانب كفالته المادية ، وقد يكون اليتيم غنيًا يحتاج من يقوم على صناعته أو زراعته أو تجارته ومن يستثمر له أمواله ، فيكون إصلاحه في القيام بذلك له ، وقد يحتاج اليتيم مع هذا أو ذاك إلى التعليم والتربية وإلى تعويض دور الأب في ذلك ، فالإصلاح هنا يكون تربية وتعليمًا وتهذيبًا .
وقد يحتاج اليتيم إلى العطف والحٌنوّ والرحمة ، و إلى الأب الحاني في المجتمع , فيكون هذا هو الإصلاح له , على أن جزاء وثواب كفالة اليتيم ورعايته والإحسان إليه جد عظيم في الدنيا والآخرة , يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : “أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى”.
وكما عني الإسلام عناية بالغة بأمر الأيتام عني أيضا بأمر اللقطاء والمشردين وحث على ضرورة رعايتهم وإكرامهم بما يستوجب أن يتعاون المجتمع بسائر مؤسساته الحكومية والأهلية والمجتمعية على رعاية هؤلاء وتأهيلهم للاندماج السوي في المجتمع ، ولا يقولن أحد أو لا ينبغي أن يقول أحد : لا شأن لي ، وأن ينشغل بنفسه ، فهؤلاء إن قومناهم نجا المجتمع بأسره ، وإلا أصاب المجتمع بمن فيه الاضطراب والخلل ، وفي هذا يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : ” مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا ، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا ، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا ، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا ، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا ” (صحيح البخاري) ، فإذا أصلحنا من شأن الأيتام واللقطاء والمشردين وأطفال الشوارع عاش المجتمع كله آمنًا مطمئنًا , وخرج من بينهم من يرد له الجميل جميلين ، وإن تركنا هذه الفئة مشردة لا تجد من يرعاها ولا من يأخذ بيدها كانت خطرًا ووبالاً على المجتمع كله في نقمة وحقد شديدين لا رادع لها ، فإننا لا يمكن أن نجني من الشوك العنب ، فمن يزرع خيرًا يجنِ خيرًا ومن يزرع نباتًا مرًا يجنِ حنظلاً وعلقمًا .