وزير الأوقاف يكتب.. البغي وسوء العاقبة
البغي وسوء العاقبة أمران متلازمان لا ينفكان ، يقول الحق سبحانه : ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ” ( يونس :23 ) ، ويقول سبحانه : ” فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنصَرُونَ” ( فصلت : 15- 16) ، ويقول سبحانه : ” فَلَمَّا عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ ” (الأعراف : 166) ، وقد قرر أهل العلم أن الله (عز وجل) ينصر الأمة العادلة ولوكانت كافرة ، ولا ينصر الأمة الظالمة الباغية ولو كانت مؤمنة .
والبغي قد يكون بغي أفراد ، وقد يكون بغي جماعات ، وهو من يطلق عليهم ” البغاة ” ، وقد يكون بغي دول ، وما من شخص أو طائفة أو جماعة بغت وطغت واستعلت وتجبرت إلا أخذها رب العزة (عز وجل) أخذ عزيز مقتدر ، يقول الحق سبحانه : ” وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ” (هود : 102) ، ويقول (عز وجل) في شأن قارون : ” إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ” (القصص : 76 -81 ) .
وفي قصة صالح عليه السلام مع قومه ، يقول الحق سبحانه : ” فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ ” (الأعراف : 77 – 79 ) .
وفي قصة شعيب عليه السلام مع قومه يقول رب العزة (عز وجل) في شأنهم لما طغوا وتجبروا : “وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ * كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ ” (هود : 94 , 95 ).
ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ ” ، فالظلم ظلمات يوم القيامة ، ولا يحيق المكر السيىء إلا بأهله .
ومن هنا فإنني أؤكد أن عاقبة الدول الباغية إلى زوال ، ولله در شاعر النيل حافظ إبراهيم ، حيث يقول في قصيدته الرائعة ” مصر تتحدث عن نفسها ” :
كــــــم بغت دول عليَّ وجـــارت |
ثم زالــــــت وتلك عقبى التعدي |
ما رمـــــــاني رام وراح سليــــــما |
من قديــــــم عنــــاية الله جندي |
فالدول التي تقوم على البغي والحضارات التي ترسخ للظلم تحمل عوامل هدمها وسقوطها ، بل إن هذا البغي ليعجل بسقوط مدوي وسريع .
والجماعات التي تقوم على الاستعلاء والإقصاء والظلم والبغي وتجاوز الحد في الإجرام كتلك الجماعات التي تتبنى عمليات الانتحار والتفجير والتدمير ، وتستحل ذبح الإنسان وحرقه والتمثيل به ، وإذلال البشر ، وبيع الحرائر سبايا ، وهدم الحضارات ، وتخريب العامر ، ونقض البنيان ، وإحراق الأخضر واليابس ، وإهلاك الحرث والنسل ، إنما تحمل عوامل سقوطها وسر دمارها وهلاكها ، لأن الله (عز وجل) لا يحب الفساد ولا الإفساد ولا المفسدين ، ومن ثمة فإني أبشر بهلاك عاجل لداعش وأخواتها من القاعدة، وأعداء بيت المقدس ، وبوكوحرام ، وسائر الجماعات الإرهابية والظلامية والمتطرفة والمعوجة ،”وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ” (يوسف : 21) .