وزير الأوقاف يكتب : الأم مدرســة
الأم مدرســـــة إذا أعددتهــا
أعددت شعبًا طيب الأعراق
” الأم مدرسة ” جملة من كلمتين حملها التاريخ وحلق بها عاليًا علو شأن الأم ، بحيث صار بيت شوقي سالف الذكر أشهر بيت يجري على الألسنة في الحديث عن الأم سواء في المناسبات العامة أم الخاصة التي تدور حول هذا الموضوع ، وحق له ذلك ، فحديث القرآن الكريم عن الوالدين بصفة عامة وعن الأم بصفة خاصة قد أعطاها حقها وأنزلها المنزلة التي تستحقها ، لافتا النظر إلى مكانها ومكانتها وضرورة تكريمها ، فقال سبحانه : ” وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيًرا ” (الإسراء 23 : 24) ، وقال سبحانه : ” وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ” (الأحقاف : 15-16) ، وقال سبحانه : ” وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ” (لقمان :14-15 ) ، وإن من يتتبع الأحاديث النبوية يجدها تتوالى لتؤكد فضل بر الوالدين عامة ، وتحذر من عقوقهما أو الإساءة إليهما أو إلى أي منهما ، فقد روى الشيخان (رضي الله عنهما)عن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: سألت النبي (صلى الله عليه وسلم) أي العمل أحب إلى الله؟ قال الصلاة على وقتها ، قال: ثم أي قال: ثم بر الوالدين قال: ثم أي قال: الجهاد في سبيل الله) .
ولفضل الأم وبيان مكانتها ، والتأكيد على ضرورة إكرامها خصها النبي (صلى الله عليه وسلم) بمزيد من الفضل والبر ، فعندما سأل أحد الصحابة نبينا (صلى الله عليه وسلم) : يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: ” أُمُّكَ” قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ” ثُمَّ أُمُّكَ” قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ” ثُمَّ أُمُّكَ” قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ” ثُمَّ أَبُوكَ ” (رواه البخاري) ، ويقول النبي (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : “إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِآبَائِكُمْ، ثُمَّ يُوصِيكُمْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ” (رواه البخاري) ، فالأم محل إكرام وتقدير ، أوصى بها الإسلام في كل الأحوال ، فعندما جاء رجل إلى النبي (صلي الله عليه وسلم) يستأذنه في الغزو ، قال : ” ألك أم ؟ ” قال: نعم ، قال : ” فالزمها فإن الجنة تحت قدميها ” وكان سيدنا عبد الله بن عباس (رضي الله عنهما) يقول : ثَلَاثُ آيَاتٍ نَزَلَتْ مَقْرُونَةً بِثَلَاثِ آيَاتٍ لَا تُقْبَل وَاحِدَةٌ مِنْهَا بِغَيْرِ قَرِينَتِهَا ، أَوَّلُهَا : “وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ” (البقرة: 43) ، فمن أقام الصلاة ومنع الزكاة فما أدى حق الله عليه ، وَالثَّانِي قَوْله تَعَالَى: ” أن اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ” (لقمان:14) فمن شكر الله عز وجل ولم يشكر والديه لم يكن شاكرًا حقيقيًّا لله (عز وجل) ، وَالثَّالِثُ قَوْله تَعَالَى : “وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ”(النساء: 59) ، فَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ وَلَمْ يُطِعْ الرَّسُولَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ .
على أن بيت شوقي سالف الذكر الذي صدرنا به المقال يحمل في طياته معنيين هامين:
الأول : ضرورة إعداد بناتنا إعدادًا خاصا وتأهليهن تأهيلا تربويًّا ، وأخلاقيًّا ، وفكريًّا ، وعلميًّا ، وسلوكيًّا ، ليكنَّ على مستوى الأمومة الذي تطمح إليه والذي عبر عنه شوقي بقوله : “الأم المدرسة ” .
الأمر الآخر : أن تعي هذه الأم دورها المنوط بها في تربية أبنائها على الأخلاق ، والقيم الحميدة ، وأن تعمل مع الأب على حمايتهم من الفكر المتطرف ،ومن أصدقاء السوء ، ورفقاء الشر ، ودعاة الفساد والإفساد .
وبما أن الأم هي الأكثر معايشة لأبنائها في الغالب الأعم ، فإنها بوعيها وثقافتها وفطنتها وفطرتها قادرة على اكتشاف أي انحراف يمكن أن يطرأ على سلوك أبنائها أو على سلوك بعضهم ، فإذا أعددناها الإعداد الجيد الذي يجب أن يكون كان لديها من الحصافة والحصانة ضد الفكر المتطرف ما يمكنها من تحصين أبنائها وحمايتهم من الزلل .