وزير الأوقاف : ديننا دين القيم و الأخلاق ، و جحود فضل المنعم سبيل زوال النعم
خلال حلقات برنامج : ” في رحاب القرآن الكريم”
وزير الأوقاف :
ديننا دين القيم و الأخلاق .
والمؤمن متواضع شكور .
و جحود فضل المنعم سبيل زوال النعم .
في إطار غرس القيم الإيمانية الصحيحة وإظهار الصورة المشرقة للفكر الإسلامي الصحيح، وفي ضوء العناية بكتاب الله (عز وجل) وبيان مقاصده وأسراره ، أكد معالي أ.د/ محمد مختار جمعة وزير الأوقاف – خلال برنامج : ”في رحاب القرآن الكريم” بعنوان : ” في رحاب سورة الكهف” يوم الاثنين ٢٥ رمضان١٤٤١هـ ، الموافق ١٨/ ٥/ ٢٠٢٠ م والذي يذاع على القناة الفضائية المصرية ، وقناة النيل الثقافية ، وقناة نايل لايف – أن في قصة صاحب الجنة آياتٍ بينات ، ودروسًا وعبرًا تحث على التواضع ، وتحذر من عاقبة الكبر والاستعلاء ، مقدمًا معاليه لهذا الموضوع المهم بقوله تعالى لنبينا (صلى الله عليه وسلم) : “وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا” ، ذلك أن بعض كفار قريش قالوا للنبي (صلى الله عليه وسلم) : نريد أن نؤمن بك وأن نتبعك ، لكننا لا نستطيع أن نجلس مع عبيدنا وخدمنا ، فاجعل لهم يومًا ولنا يومًا ، فجاء النص القرآني :”وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا” ، وهذا ما علمَّه النبي(صلى الله عليه وسلم) لأصحابه الكرام (رضي الله عنهم) ، حينما مر رَجُلٌ عَلَى سيدنا رَسُولِ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فَقَالَ: “مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا ؟” ، قَالُوا : حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ ، وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتمَعَ ، ثُمَّ سَكَتَ (صلى الله عليه وسلم ) فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ ، فَقَالَ (صلى الله عليه وسلم) : ” مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟” ، قَالُوا : حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْتَمَعَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) :” هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا ” ، ويقول رسولنا (صلى الله عليه وسلم) : ” إِنَّ الله لا يَنْظُرُ إِلى أَجْسامِكْم ، وَلا إِلى صُوَرِكُمْ ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ ” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم ) :” رُبَّ أَشعَثَ أَغْبرَ ذِي طِمْرَينِ مَدفُوعٍ بالأبوابِ لَو أَقسَمَ على اللهِ لأَبَرَّهُ ” ، فما عليك يا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلا البلاغ ، “وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ” ، فالهداية ليست بيدك ، فإنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ، ومن أحسن فلنفسه ، ومن أساء فعليها ، ثم يجد هذا عاقبته وهذا عاقبته ، والفارق بين العاقبتين كبير ، يقول سبحانه :” إنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا” ، أحاطت بهم من كل جانب ، ” وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا ” ، لكن بأي شيء يغاثوا؟ ” بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ ” بماء مغلي ، والماء المغلي من طبيعته أنه يشوي الجلد ، يشوي اللسان ، يشوي الحلق ، يشوي الأمعاء ، لكنّ ماء جهنم من نظر إليه من بُعد تساقط لحم وجهه من شدة الغليان ؛ لأن الله تعالى لم يقل : يشوي البطون ، أو يشوي الحلوق ، وإنما قال سبحانه :”يشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا . إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا . أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا”.
كما بين معاليه أنه تعالى ضرب مثالًا واضحًا لمن يتكبر على خلق الله ويتعالى بملكه ، حيث يقول سبحانه : “وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا ” ، نحن الذين جعلنا لأحدهما جنتين ، فالجعل منه سبحانه وتعالى ، كما حففناهما بنخل فضلاً منا ، وجعلنا بقدرتنا بينهما زرعًا ، “كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا ، وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ ” ، وهنا بدأ الاستعلاء بالمال ، “فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا” ، ثم ازداد في طغيانه ، فتكبر واستعلى على خالقه ، ” وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا ” ، ثم تطاول فأنكر البعث والقيامة ، وقال : ” وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً ” ثم ازداد كبره ، واشتد استعلاؤه، فقال : حتى لو كانت هناك قيامة فأنا الفائز فيها ، ” وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ” ، وهنا لم يحتمل صاحبه هذا التطاول والتجاوز في حق الذات العلية ، ” قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ “، بدل أن تشكره على النعم التي أولاها لك ، أأدّى بك كثرة المال والطغيان أن تكفر بالله تعالى؟ ، ” أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ” أنسيت كل هذه النعم ؟ لكني مع فقري وحاجتي ، “لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا”، سأشكره في الضراء والسراء ، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) :”عجبًا لأمر المؤمن! ، إن أمره كله خير ، وليس ذلك إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له” ، يقول سبحانه : “وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا ، فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا” ، ملساء لا يثبت فيها زرع ولا نبات ،” أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا” ، لأنه هو الذي فجّر النهر خلالها ، يقول تعالى : “قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ” ، ويقول تعالى: “أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ ، أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ ، لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ “، وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا ، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا ” ، هذا جزاء كفران النعم ، والتكبر.