وزير الأوقاف.. تنظيم النسل ضرورة وطنية
قضايا تنظيم النسل والمشكلات السكانية هي من المتغيرات التي يختلف الحكم فيها من زمان إلى زمان ، ومن مكان إلى مكان ، ومن دولة إلى أخرى ، بحيث لا يستطيع أي عالم أن يعطى فيها حكمًا قاطعًا أو عامًاً ، وحتى من يمعن النظر في مفهوم النصوص الواردة في هذا الشأن يدرك أنها تضمنت ما يشير إلى مراعاة المتغيرات ، فحيث يقول نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) : ” تناكحوا تكاثروا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة ” , يتوجه المعنى إلى الكثرة النافعة المنتجة القوية التي يقول فيها سيدنا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ): ” المؤمن القوي خير وأحب إلى الله – عز وجل – من المؤمن الضعيف” ، وهذه القوة التي تكون في العقل والفكر , والثقافة , والمستوى الإيماني ، والتعليمي , والاقتصادي , والعسكري , مع الإخلاص لله – عز وجل – في القول والعمل هي مناط وموضع المباهاة .
أما الكثرة الضعيفة المتخلفة التي تكون عالة على غيرها والتي تعانى الفقر والأمراض والتخلف العلمي والثقافي والحضاري فهي الكثرة السلبية التي عبر عنها نبينا (صلى الله عليه وسلم) بغثاء السيل ، حيث يقول عليه الصلاة والسلام : ” يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها ، قيل : أمن قلة نحن يومئذ يارسول الله ؟ فقال (صلى الله عليه وسلم): ” بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل”.
فالكثرة التي تدعو إلى المباهاة هى الكثرة العظيمة ، النافعة ، القوية ، المنتجة ، التي لا يمكن أن تكون عالة على الآخرين في طعامها أو غذائها أو كسائها أو دوائها ، أما كثرة كغثاء السيل فمدعاة لأن تتداعى علينا الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها ، فهي كثرة مذمومة لا ممدوحة .
وقد أكد القرآن الكريم على حق الطفل في الرعاية والإرضاع ، فقال الحق سبحانه وتعالى: ” وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ” ، وهذا الإرضاع حق للطفل ، لدرجة أن بعض الفقهاء أطلقوا على اللبن الذي يرضعه الطفل من أم حامل لبن الغِيْلَة ، وكأن أحد الطفلين اغتال حق أخيه أو أن كلا منها قد اغتال جزءًا من حق أخيه.
وعليه فالأولى أن يأخذ كل طفل حقه في مرحلتي الحمل والإرضاع ، وكذلك في التربية السوية ، مع ضرورة الوفاء بحقه في المطعم والملبس والصحة والتعليم ، أما التقصير في حق الأبناء ، وعدم الوفاء بواجباتهم في التربية فيعدُ ظلمًا لهم ، والنبي (صلى الله عليه وسلم ) يوضح لنا أننا مسئولون عن أبنائنا الذين هم أمانة في أعناقنا ، فيقول ( صلى الله عليه وسلم ) : ( كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول ) ، وفى رواية: ” كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت ” ، ويقول (صلى الله عليه وسلم ) : ” كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الرجل راع في بيته ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيتها ومسئولة عن رعيتها “.
ونؤكد أنه لكي يشعر المواطنون بتحسن الخدمات لابد أن يكون الناتج المحلي ضعف الزيادة السكانية على أقل تقدير ، وفي مثل ظروفنا الاقتصادية وما ورثناه من بنى تحتية مترهلة تحتاج إلى إعادة بناء من جديد في كثير من جوانبها فإننا في حاجة إلى أن يكون الناتج المحلي أضعاف الزيادة السكانية , ففي الوقت الذي تسعى فيه الدولة إلى رفع المستوى التعليمي بتحسين البنية التحتية للمدارس وتقليل كثافة الفصول تأتي الزيادة السكانية التي تضاف إلى القوة الطلابية في حدود مليونين ونصف في حاجة إلى خمسة آلاف مدرسة جديدة على الأقل للمرحلة الابتدائية ومثلها للإعدادي والثانوي مع تجهيز هذه المدارس وتعيين المعلمين لها , وعلى هذا فقس في سائر الخدمات .
ونؤكد أن حل هذه المشكلات يحتاج إلى تغيير النمط الفكري والثقافي للمواطنين , وهو ما يتطلب تعاونًا إيجابيًا واسعًا وسريعًا وملموسًا بين مؤسسات الدولة الدينية والثقافية والتعليمية والتربوية والإعلامية والطبية ؛ كي تؤتى الجهود المتكاملة أكلها وثمرتها في وقت مناسب قبل أن تستفحل المشكلة السكانية على حساب التنمية بل على حساب صحة المواطن وظروف معيشته , وهو ما ينعكس على أخلاقياته وسلوكياته وحتى على طريقة وأسلوب تدينه , حيث يهرب الكثير من واقعهم المر إلى التطرف والغلو والتشدد والانخراط في الجماعات التكفيرية الناقمة على المجتمع ، قد يميل بعضهم إلى جانب المخدرات والمسكرات والانحراف ليغيب عن واقعه المر إلى عالم أكثر مرارة وقساوة .
على أننا ينبغي أن نراعي طبيعة الزمان والمكان والحال والمرحلة وظروف كل دولة أو مجتمع على حدة ، فلا نطلق أحكامًا عامة ، ففي الوقت الذي تحتاج فيه بعض الدول إلى أيدٍ عاملة ولديها من فرص العمل ومن المقومات والإمكانات ما يؤهل لذلك يكون الإنجاب مطلبًا ، وتكون الكثرة مدعاة للتفاخر والمباهاة ، أما في الظروف الاستثنائية التي تمر بها بعض الدول في ظل ظروف لا تمكنها من توفير المقومات الأساسية من الصحة والتعليم والبنى التحتية في حالة الكثرة غير المنضبطة، وبما يرجح أن تكون كثرة كغثاء السيل ، فإن أي عاقل يدرك أنه إذا تعارض الكيف والكم كانت العبرة والمباهاة الحقيقية بالكيف لا بالكم .