وزير الأوقاف: الأبيض والأسود والرمادي , والمتردد كان غداؤه في التحرير ، وعشاؤه في رابعة
الأبيض هنا رمز لمن يبني ويعمر ، والأسود لمن يهدم ويخرب ، والرمادي للمحايدين والمترددين وممسكي العصا من المنتصف .
وقد دفعني إلى كتابة هذا المقال خبر نُشر على لسان الأستاذ / هشام رامز محافظ البنك المركزي الذي تحدث فيه بثقة مطمئنة عن الاقتصاد المصري وقدرته على الصمود وعلى الوفاء بالتزاماته المحلية والدولية ، حيث أعلن عن استعداد البنك وجاهزيته لسداد الوديعة القطرية متى طلبت ، بواقع نصف مليار دولار في أكتوبر ، وملياري ونصف المليار دولار في نوفمبر ، وأكد أن ذلك لن يؤثر على الاحتياطي النقدي للبنك المركزي ، لأن الثقة في تعافي الاقتصاد المصري تتزايد رغم الصعوبات والتحديات التي نواجهها في الداخل من المخربين والمدمرين وأصحاب النفوس الضعيفة وفاقدي الحس والولاء الوطني ، وفي الخارج من التحديات الإقليمية المحيطة بنا .
وازنت بين ذلك وبين وضعنا يوم أن كنا نُصَاب بالرعب النفسي ، والتخويف بنفاذ الاحتياطي النقدي الأجنبي بالبنك المركزي ، وعدم قدرته على الوفاء باحتياجات مصر لأكثر من مائة يوم ، إذ كنا على حافة الهاوية ، وتسلّمَتْ القيادة السياسية والاقتصادية بعد 30 يونيو من الإخوان خزانة خاوية أو شبه خاوية ، حيث كان الاحتياطي يتهاوى يومًا بعد يوم ، مع بذخٍ إخواني هنا وهناك ، فأدركت الفرق الشاسع بين الأبيض والأسود ، بين من يبني ومن يهدم ، بين من يعمّر ومن يخرّب .
وموازنة أخرى تستدعي الانتباه ، هي تلك المفارقة الواضحة بين حماة الوطن من المصريين الشرفاء من أبناء القوات المسلحة الباسلة وأبناء الشرطة البواسل أيضًا ، ممن يحملون أرواحهم على أكفهم فداء لوطنهم ، وحفاظًا على كل ذرة رمل منه ، وبين العملاء والخونة والقتلة والسفاحين وسافكي الدماء ، والمخربين ممن يعملون في مجال الهدم بتدمير المرافق والبنية التحتية من أبراج الكهرباء ، وأبراج المحمول ، وسد منافذ الصرف الصحي ، وغلق محابس المياه ، وحرق وسائل المواصلات وآليات ومركبات الجيش والشرطة ، وقطع الطرق ، بلا وازع من دين أو ضمير إنساني أو حس وطني ، حيث أعمى هؤلاء جميعًا خيانتهم وعمالتهم وحبهم للسلطة حتى لو كانت وهمًا وخداعًا ، وحبهم للمال المغدق عليهم الذي يأكلونه في بطونهم نارًا ، وسيكون وبالا وحسرة عليهم في الدنيا والآخرة ، أما من ينفقون عليهم فنقول لهم ما قاله الحق سبحانه وتعالى : ” فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ” .
أما المفارقة الثالثة بين الأبيض والأسود ، فهي بين من يبذلون أقصى جهدهم لدفع عجلة العمل والإنتاج إلى الأمام ، يواصلون الليل بالنهار لتوفير فرص العمل وتحقيق إنجاز ملموس على أرض الواقع ، يحسن الأحوال المعيشية للمواطنين ، ويوفر البنية التحتية لاقتصاد صلب قوي ، ويؤهل لتنمية اقتصادية واجتماعية ومجتمعية شاملة ، وبين من قَصَروا فكرهم وجهدهم على قلب الحقائق ، يطبعون الأشياء كلها بطابع السواد والحقد الذي يملأ نفوسهم تجاه المجتمع كله ، يكفرونه حينًا ، ويعملون على تخريب وتدمير مكتسباته حينًا آخر ، وعلى إضعاف الروح المعنوية لمن يعملون وإحباطهم وتيئيسهم على طول الخط ، والعمل على قلب الحسنات إلى سيئات كذبًا ومخادعة ، مع شن حملات تشويه ممنهجة لكل الرموز الوطنية التي تعمل ليل نهار ، وحشد كل طاقاتهم للنيل من هؤلاء الوطنيين لتشتيت جهودهم ، وشغلهم عن قضايا العمل والإنتاج والتطوير ، وكل ما يمكن أن يسهم في نهضة المجتمع ورقيه .
وهناك من يعملون في المنطقة الرمادية ، إما حيادية وترقبًا خوفًا من تقلب الأوضاع ، فهم لا يريدون أن يخسروا أي شيء على الإطلاق ، ويريدون السلامة والسلامة فحسب ، ولهؤلاء نقول : إن هذا الوقت لا يحتمل سوى شيء واحد ، هو الانضمام بوضوح إلى اللحمة الوطنية وما فيه صالح هذا الوطن ، وما يحفظ استقراره وأمنه القومي ، لأن حجم التحديات خطير ، ويحتاج إلى جهد كل وطني مخلص وبأقصى طاقاته ، لنجني معًا ثمرة هذا الكفاح ، ونتفادى مخاطر لا تصيب الذين ظلموا خاصة ، إنما تكون آثارها وخيمة ومدمرة على الجميع ، وبلا استثناء ، وساعتها سيكون ندم المتقاعسين أشد ، وخسارتهم أفدح .
وإلى جانب هؤلاء الحيادين نجد المترددين الذين هم لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، وقد حدّثني بعض الناس أن أحد الشباب كان غداؤه في التحرير ، وعشاؤه في رابعة ، ليقول لمن تكون له الغلبة ” ألم نكن معكم ” ، فهو أناني نفعي ، لا تعنيه إلا نفسه ونفسه ونفسه أولا وأولا وأولا ، وليذهب بعد ذلك العالم كله في نظره إلى الجحيم ، وهؤلاء قوم لا خلاق لهم ، ولا مروءة لهم ، ولا إنسانية لهم ، ونقول لهؤلاء : إن الوطن أكبر من أن يُخدَع ، وقد قالوا : من الممكن أن تَخدَع بعض الناس لبعض الوقت ، ولكن لا يمكن أن تخدع كل الناس كل الوقت ، وقد قال الشاعر الحكيم :
ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تعلم