مقال للدكتور أحمد البصيلي بعنوان “ظاهرة التسول أسبابها وعلاجها”
بسم الله الرحمن الرحيم
ظاهرة التسول أسبابها وعلاجها
لعلي أفاجئ القارئ الكريم إذا قلت إن مشكلة التسول تمس قضية الأمن القومي لأي بلد بصورة مباشرة أو غير مباشرة.. ولعلي أيضا أخفف من هول المفاجأة إذا ذكرتُ أن65% من الأطفال المتسولين يتم استغلالهم من «غرباء» و«أقارب»، وأن 13% منهم يتعرضون لبتر أعضائهم من عصابات في الخارج لاستخدامهم في أغراض التسول واستدرار عطف الناس – حسْب ما أوردته جريدة الشرق الأوسط -.
ولقد تم القبض على عصابتين فى شهر أكتوبر2010 فى كل من حى العجوزة والإزبكية ومنطقة مشعل بالهرم. حيث يقوم زعيم العصابة – حسب ما ذكرته جريدة الوفد 24 – 01 – 2011- باختطاف الأولاد القصّر وإرهابهم تحت وطأة السلاح الابيض ثم اغتصابهم وتشويه أجسادهم وذلك لاستغلالهم فى كل الأعمال غير المشروعة.
إذن فنحن أمام ظاهرة خطيرة ربما تكون عالمية، ولكنها متفشية فى بلدان العالم الثالث وبعض البلدان النامية وهى ظاهرة (أولاد الشوارع) وعندما نذكر أولاد الشوارع يتبادر للذهن السؤال الآتى: من هم هؤلاء؟ ومن أين أتوا؟ وإذا ماأردنا الاجابة عن هذين السؤالين باختصار شديد سنقول الآتى:
أولا: الجزء الأكبر منهم هم المتسربون من التعليم الإلزامى لعدم قدرة أولياء الأمور على إعالتهم وتربيتهم. وهنا تفصيل ليس هذا محله.
ثانيا: هم أبناء لمواطنين يعيشون على الأرصفة وفى المقابر والكهوف.. الرجل يتزوج بأكثر من امرأة، وعليه أن ينجب عدداً وافراً من الأبناء، فتصبح الزوجات والأبناء ثروته الحقيقية، ويصبح على عاتقهم جلب المال بكل الطرق غير المشروعة (تسول – تجارة مخدرات – جنس ودعارة) ومن هنا كان لزاما أن ينتشر الجهل والفقر والمرض بينهم.
ثالثا: أيضا من بين تكوينات هذه المؤسسة العصابية نسبة من أولاد “البغاء” الذين لاحول لهم ولا قوة، وعن طريق المصادفة يلتقطهم رؤساء هذه المؤسسة، وتتم إعالتهم حتى سن الخامسة ثم يبدأ تدريبهم على النشل والتسول بعد إحداث بعض التشوهات فى أجسادهم .
من هنا نستطيع القول إن ظاهرة أولاد الشوارع – “التي تمثل القاعدة العريضة والرصينة لظاهرة التسول” – قد استفحلت وتفشت فى الوقت الحالى حيث وصل تعدادهم اليوم لأكثر من مليون مقياسا بسنة 1975 حيث كان تعدادهم لايزيد علي ثلاثين ألفا، وذلك نتيجة التدهور الاقتصادى الذى رفع نسبة الفقر فى مصر بصفة خاصة الى أكثر من ستين فى المائة، – حسب ما أعلنه المركز القومي المصري للتعبئة العامة والإحصاء أواخر عام 2013م-. ومن هنا ارتفعت نسبة الأمية فى مصر من خمسة وثلاثين فى المائة سنة 1975 الى أكثر من ستين فى المائة. الأمر الذى جعلنا نقف أمام تحديات كبيرة مثلنا مثل الهند وباكستان وبنجلاديش وأفغانستان (مع الفارق فى المستوى التقني وعدد السكان). أما العراق الذى لم يكن فيه أمي واحد قبل الغزو الأمريكي الغاشم، فأصبح فيه 2 مليون أمي بعد الغزو، علما بأن عدد السكان وقتها كان لايزيد على سبعة وعشرين مليونا أثناء الغزو، وكل هذا بالطبع يغذي روافد التسول بشكل مباشر، فما الإنسان إلا ابن بيئته التي تؤثر قطعا في هيكلة ملامح شخصيته وميولاته.!
فعلى مرأى من الجميع تنتشر ظاهرة باتت مألوفة بحكم المشهد اليومي أثناء سيرك أو قيادتك لسيارتك أو صعودك على أحد جسور المشاة، أطفال ورثوا التسول والتذلل في عمر لا يتجاوز في كثير من الأحيان عشر سنوات، ألفوا العيش على الطرقات وحواف الأرصفة، وربما وجدوا عند تقاطع الإشارات مكاناً مناسباً لتكرار جملهم المستجدية للإحسان، وعرض بضاعتهم التي لا تنفي عنهم صفة المتسول. أطفال من كلا الجنسين يهيمون في الشوارع، ويتعرضون للأذى والعنف والفساد الأخلاقي كتعرضهم لبرد الشتاء وحر الصيف.
والواقع أن بعض المجتمعات تعاني من ظاهرة التسول، خاصة التي تعاني من أزمات اقتصادية طاحنة ويرتفع فيها معدلات البطالة والقهر الاجتماعي، كما يتخذ التسول أشكالا عدة باختلاف ثقافة وعادات المجتمع، ففي أوربا يتسول البعض من خلال العزف على الآلات الموسيقية مثل الجيتار، وفي بعض الدول العربية يتجمع المتسولون في إشارات المرور وفي الأسواق يستعطفون المارة لحل أزماتهم المادية، وفي بعض المجتمعات المنغلقة يطرق الشحاذون أبواب البيوت ومؤسسات القطاع الخاص لمقابلة أصحابها لعرض مشاكلهم وطلب المساعدة المالية.
تبدو ظاهرة التسول مشكلة اجتماعية آخذة بالازدياد مع انتشار حالات البطالة والفقر والتشرد. ولكن ما يلفت الانتباه في هذه الظاهرة القديمة الحديثة دخول العديد من الأطفال والنساء هذا المجال الذي تحول بالفعل إلى مهنة تدر على أصحابها الأموال الطائلة.
وبرزت هذه الظاهرة المزعجة مع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية العديدة التي تشهدها أقطار العالم كافة، ولا تكاد تخلو منها حتى أشهر شوارع دول العالم الغنية، ورغم ذلك ومع أهمية هذه الظاهرة تبقى الدراسات المعمقة عنها قليلة خصوصاً في الوطن العربي .
فكثيرا ما نسمع أخبارا في الصحف والمجلات العربية عن إلقاء القبض على متسول يمتلك الملايين جراء التسول والتظاهر أمام الناس والمارة بأنه صاحب عاهة مستديمة، كما أوردت جريدة الأهرام المصرية “بتاريخ “2014-01-29 أن متسولا يقوم بعمليات إيداع أسبوعية تصل إلى 10 آلاف جنيه، حتى وصل حجم محفظته التى يستثمرها بالبورصة إلى 400 ألف جنيه فى عام واحد.!
ولعل أخطر ما ترنو إليه هذه الظاهرة: أنها مرتع خصب للأوبئة الخلقية الفتاكة، والإدمان، وأنها بصورة أو بأخرى لا تلبث إلا أن تتحول إلى وكر “للبلطجية”، يفرضون الإتاوات على المواطنين بتبريرات شتى، حتى وصل الأمر إلى “تسعيرة جبرية” يدفعها المواطن مثلا إذا أراد أن ينتظر بسيارته على أحد جانبي الطريق، إلى غير ذلك..
والمتسولون في مصر يلجأون إلى طرق مبتكرة للتكسب من التسول، والتأثير على ضحاياهم بطرق غير تقليدية مستغلين في ذلك الجانب الإنساني لدى المصريين. حيث يختلف أسلوب التسول باختلاف المستوى الاقتصادي لكل حي.
وهناك متسولون عند إشارات المرور يمسحون زجاج السيارات، ثم يطلبون المقابل لعمل لم يطلبه منهم أحد.
بل يوجد متسولون يجوبون الأرياف في مواسم الحصاد، ويكون معهم أشولة ويشترطون أن يأخذوا أرز أو دقيق، وإذا جمعوا كمية كبيرة يبيعونها أحياناً داخل نفس القرية التي جمعوا منها المحصول.
وهناك أماكن مفضلة للمتسولين مثل الوقوف أمام المساجد، أو الوقوف عند مواقف السيارات والأتوبيسات، أو أمام الأماكن السياحية، وهناك مواسم مفضلة لديهم مثل شهر رمضان الذي يكثر فيه إخراج الصدقات، ومواسم الحصاد في الأرياف.
ولعلاج هذه الظاهرة أرى أنه يجب إتباع ثلاثة سياسات، أولها تجفيف منابع التسول، وثانيها تأهيل المتسولين، وثالثها تغليظ العقوبات.
أما عن تجفيف منابع التسول نجد أن هناك خطوات عديدة لتحقيق ذلك، أهمها محاربة الفقر والبطالة، وذلك بتوفير فرص عمل للقادرين على العمل، وتشجيع الاستثمارات، وخلق فرص عمل جديدة، وفي نفس الوقت نشر الوعي الديني للحض على العمل، حيث إنه في مواضع كثيرة من القرآن يأمرنا الله عز وجل بالعمل، منها قوله عز وجل “وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” (التوبة 105) ، وكذلك في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم يحثنا على العمل “ما أكل أحد طعاما قط، خيرا من أن يأكل من عمل يده ، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده” (رواه البخاري)، وقال صلى الله عليه وسلم “لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحداً فيعطيه أو يمنعه” (متفق عليه) ، ولا يجب أن يسأل المسلم الصدقة من أحد إلا لحاجة قهرية، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله وليس في وجهه مُزعة لحم ” (متفق عليه) (والمٌزعة هي القطعة).
ولكي نجفف منابع التسول يجب كذلك أن تصل المساعدات المالية لمستحقيها من أموال الزكاة والصدقات عبر الجمعيات الأهلية، وعبر أجهزة الدولة المختلفة، ويكون إنفاق الزكاة والصدقات في مصارفها الشرعية كما أمرنا الله عز وجل في قوله “إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم ” (التوبة : آية60)، وأن تكفل الدولة والمؤسسات الأهلية الغير قادرين على العمل وتكفل علاج المرضى الذين لا يملكون ثمن علاجهم.
وكذلك يجب إعادة تأهيل المتسولين بإعداد وتنفيذ برامج مناسبة لتعليمهم حرف يدوية مناسبة لقدراتهم، أو مساعداتهم لعمل مشاريع تجارية صغيرة كأكشاك وخلافه.
وبعد تنفيذ البندين السابقين لمحاربة ظاهرة التسول يجب تغليظ العقوبات على المتسولين، ومن يتكرر القبض بتهمة التسول أقترح أن تكون العقوبة أكثر غلظة ممن يتم القبض عليهم لأول مرة.
ونرجو أن تتكاتف الجهود للقضاء على ظاهرة التسول التي تمثل ظاهرة سلبية خطيرة، وتمثل مرض خطير تصيب جسد الوطن، وأن نرى هذه الظاهرة تتضاءل، ومع زيادة الاهتمام بمكافحة هذا الوباء نحلم بأن تختفي هذه الظاهرة وهذا الوباء من مجتمعنا تماماً.
وقد اهتم الإسلام بمحاربة هذه الظاهرة منذ بزوغ فجره ، فلقد بايع الرسول صحابته على العفة والكرامة وحرمة التسول، فعن أبي مسلم الخولاني قال: حدثنى عوف بن مالك قال: ” كنا عند رسول ، سبعة أو ثمانية أو تسعة فقال: ” ألا تبايعون رسول الله ؟ ولنا حديث عهد ببيعة ” قلنا: قد بايعناك ! حتى قالها ثلاثاً . وبسطنا أيدينا فبايعنا. فقال قائل : يا رسول الله ، إنا قد بايعناك فعلام نبايعك ؟ قال : ” أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً . وتصلوا الصلوات الخمس ، وتسمعوا وتطيعوا ” وأسر كلمة خفية : قال ” ولا تسألوا الناس شيئاً ” قال راوي الحديث : فلقد كان بعض أولئك النفر يسقط سوطه ، فما يسأل أحدأ أن يناوله إياه .( رواه مسلم وأبو داود والنسائى ، وابن ماجه).
هذا .. وقد وردت أدلة كثيرة تنهى عن التسول، وسؤال الناس من غير ضرورة أو حاجة ملحة منها:
حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ( ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مزعة لحم ) رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ( من سأل الناس أموالهم تكثراً فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر). رواه مسلم.
وعن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله : إن المسألة كدٌ يكد بها الرجل وجهه إلا أن يسأل الرجل سلطاناً أو في أمر لا بد منه ) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله: (من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته ومن أنزلها بالله أوشك الله له بالغنى إما بموت عاجل، أو غنى عاجل ) رواه أبو داود والترمذي وقال:حسن صحيح.
وعن أبي هريرة أن رسول الله قال: ( والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره فيتصدق به على الناس: خيرٌ له من أن يأتي رجلاً فيسأله أعطاه أو منعه ) رواه البخاري ومسلم.
وعن ثوبان مولى رسول الله ، قال : قال رسول الله :” من يتكفل لى أن لا يسأل الناس شيئا وأتكفل له بالجنة “؟ فقال ثوبان : أنا يا رسول ، فقال : “لا تسأل الناس شيئا ” فكان لا يسأل أحداً شيئاً ( رواه أبو داود، والبيهقي).
وعن قبيصة بن مخارق الهلالي قال: تحملت حمالةً فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها، قال : ثم قال: يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة، رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلَّت له المسألة حتى يصيب قواماً من عيش أو قال سداداً من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قواماً مـن عيش أو قال سداداً من عيش فما سواهن في المسألة، يا قبيصة سحتاً يأكلها صاحبها سحتاً). رواه مسلم.
وقد مر بنا وعيد الرسول لمن يتسول دون حاجة بنزع لحم وجهه يوم القيامة. لذا يجب تنظيم العلاقة بين الفقراء والأغنياء عن طريق “مأسسة أداء الصدقات والزكوات”، بطريقة نظامية تشرف عليه الدولة بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية، ولابد من مراعاة ذلك لدى المشرّع.
إذن ليس الحل في حرمان المتسولين، ولا ندعوا إلى ذلك إطلاقا، فالإسلام علمنا ألا نردّ سائلا حتى ولو أتانا على فرس، لكن ثمَّ فارق بين ما يلزم الفرد، وما يلزم المجتمع.
فعلى صناع القرار أن يهتموا بوضع خطة مرحلية لإنهاء هذه الظاهرة، التي كفاها مقتا أن تؤثر سلبا على السلم الاجتماعي، والأمن المجتمعي، والتكافل المنشود، وبالطبع تساهم في إرباك المشهد الداخلي المركب، والإساءة لسمعة الوطن.
فالحل ليس في حرمانهم، بل في تفعيل طاقاتهم؛ وذلك بتشغيل القادرين على العمل، وفتح أبواب العمل المناسبة لكل شريحة منهم، فيفيدوا ويستفيدوا. وكذا في إعانة العاجزين، بتوفير الأماكن التي تكفل لهم الغذاء والدواء والإيواء، وبعد ذلك نفرض العقوبة المغلظة على كل من ينتهك حرمة المجتمع بالتسول بعد ذلك، على النحو الذي ينظمه القانون.
فالحل العملي مقدم بالطبع على الحل الوعظي أو فرض العقوبات، وفي نفس الوقت لابد أن نتأكد من أن إعطاء الصدقة لغير مستحقيها تشجيع للبطالة وإضرار بالفقراء. يقول : “لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مِرّةٍ سَوِيّ”، وكل إعانة مادية تعطي لذي مرة سوى ليست في الواقع إلا تشجيعا للبطالة من جانب، ومزاحمة للضعفاء والعاجرين في حقوقهم من جانب آخر.
والعلاج هو ما فعله القائد الأكبر في هذه الواقعة، حين جاءه شاب وسأله مالا.. فقال له : فقال: أما في بيتك شيء؟، قال: بلى: حِلْسٌ «الحلس: كساء يوضع على ظهر البعير أو يفرض في البيت تحت حر الثياب» نلبس بعضه، ونبسط بعضه، وقَعْبٌ «والقعب: القدح – الاناء» نشرب فيه الماء، قال: ائتني بهما، فاتاه بهما، فأخذهما رسول الله ، وعقد أول مزاد في تاريخ الإسلام، وقال: من يشتري هذين؟ قال رجل: أنا أخذهما بدرهم، فقال: من يزيد على درهم؟ مرتين أو ثلاثا: قال رجل: أنا أخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين، واعطاهما الانصاري وقال: اشتر باحدهما طعاماً وانبذه إلى أهلك واشتر بالآخر قدوما فائتني به، فشد رسول الله عودا بيده (وجهّزه ليكون يدا للقادوم) ثم قال له: اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينك خمسة عشر يوما.! فذهب الرجل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما، حينها قال له سيدنا رسول الله : “هذا خير لك من أن تجئ المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة”. وفي هذا الحديث نجد النبي لم يُرِد للأنصاري أن يأخذ من الزكاة وهو قوي على الكسب، ولا يجوز له ذلك إلا إذا ضاقت أمامه المسالك، وأعيته الحيل، وولي الامر لابد أن يعينه في إتاحة الفرصة للكسب الحلال وفتح باب العمل أمامه.
نعم إنه لم يعالج السائل المحتاج بالمعونة المادية الوقتية كما يفكر كثيرون، كما لم يعالجه بالوعظ المجرد والتنفير من المسألة كما يصنع آخرون، ولكنه أخذ بيده في حل مشكلته بنفسه وعلاجها بطريقة ناجحة. وهذا ما ينبغي أن يتبناه المجتمع “مواطنون ومسؤولون”، فياليت المسؤولين في بلادنا يضعون هذا الحديث نصب أعينهم يسترشدون به في هذا الواقع الأليم.
أسأل الله أن يقي مصر وأهلها المصائب والمحن والفواحش والفتن ما ظهر منها وما بطن. والحمد لله رب العالمين.
وكتبه