مقال بعنوان:حرمة دماء غير المسلمين، للدكتور خالد بدير
مقال بعنوان:حرمة دماء غير المسلمين، للدكتور خالد بدير .
لتحميل المقال بصيغة word أضغط هنا
لتحميل المقال بصيغة pdf أضغط هنا
الحمد لله وكفى وصلاة وسلاما على عباد الذين اصطفى أما بعد ؛؛؛
فإن الدم الإنساني من أعظم وأجل ما ينبغي أن يصان ويحفظ، قال القرطبي رحمه الله-: «الدماء أحق ما احتيط لها؛ إذ الأصل صيانتها في أهبها [أي: جلودها] فلا تستباح إلا بأمر بين لا إشكال فيه»
وقد جاءت النصوص – قرآنا وسنة – بالنهي عن قتل النفس بغير حق مطلقا، فيدخل في ذلك النفس المؤمنة والنفوس الكافرة ممن لهم عهد أو أمان أو ذمة، ومن ذلك قوله تعالى:{ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ } [الأنعام:151]، ثم قال تعالى في آخر الآية:{ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ } قال الشيخ السعدي رحمه الله: «وهذا شامل لكل نفس حرم الله قتلها، من صغير وكبير، وذكر وأنثى، وحر وعبد، ومسلم وكافر له عهد: إلا بالحق».
وقال سبحانه وتعالى:{ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ }[المائدة:32] قال ابن عباس – رضي الله عنهما – :«يعني من حرم قتلها إلا بحق حيي الناس منه جميعا».وعن سليمان بن علي الربعي قال: قلت للحسن: {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس .. }الآية، أهي لنا يا أبا سعيد كما كانت لبني إسرائيل؟ فقال: «أي والذي لا إله غيره؛ كما كانت لبني إسرائيل، وما جعل دماء بني إسرائيل أكرم على الله من دمائنا».( تفسير ابن كثير )
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التعرض للمعاهدين والمستأمنين من المشركين وأهل الذمة بأذى؛ وما ذاك إلا تعظيما لحرمة الدماء وصونا للعهد، وتشديدا على من يتساهل فيها، ولو كانت الدماء لغير المسلمين، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم:” مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا ” [البخاري]، وعن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا فِي غَيْرِ كُنْهِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ » [ أبو داود]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ؛ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » [ أبو داود].
لذا أقول لسفاك الدماء؛ ولكل من يقوم بعمليات التجفير والتخريب؛ إن الرسول صلى الله عليه وسلم تبرأ منك حتى لو قتلت كافرا؛ فعن عمرو بن الحَمَق رضي الله عنه عن النبي قال «من أمن رجلاً على دمه فقتله؛ فأنا بريء من القاتل وإن كان المقتول كافرًا» (أخرجه البخاري في تاريخه، والبيهقي في السنن الصغرى).
إن كثيراً من الناس – في مصر وخارجها – ينسبون هذه الجرائم البشعة من قتل وتحريق وتمثيل وتنكيل ….. وغير ذلك إلى الإسلام والمسلمين !! لذلك لابد لنا من وقفة لنعرض روح الإسلام وتسامحه وأخلاقه في التعامل مع الآخر ؛ حتى يظهر الوجه الحقيق للإسلام ونبرأه من كل ما لصق به من تهم ؛ وما ارتكب باسمه من جرائم !!
لقد أمرنا الله عز وجل بالبر والإحسان – لا أقول مع الأهل والوالدين – بل مع الأعداء والمعاهدين فقال الله تعالى: { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الممتحنة: 8) قال ابن جرير:” عُنى بذلك: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين من جميع أصناف الملل والأديان، أن تبرُّوهم وتصلوهم وتُقسطوا إليهم؛ لأن بِرَّ المؤمنِ من أهل الحرب ممن بينه قرابةُ نسب، أو ممن لا قرابة بينه وبينه ولا نسب غيرُ مُحَرَّم ولا منهىٍّ عنه، إذا لم يكن فى ذلك دلالةٌ له أو لأهل الحرب على عورة لأهل الإسلام، أو تقويةٌ لهم بكُراع أو سلاح، وقوله: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) يقول: إن الله يحب المنصفين الذين ينصفون الناس، ويعطونهم الحقَّ والعدل من أنفسهم، فيبَرُّون من بَرَّهم، ويحسنون إلى من أحسن إليهم”
إن الإسلام حثنا على الأخلاق العالية والبر والإحسان مع غير المسلمين حتى في الحروب والغزوات!! ففي الحرب التي تأكل الأخضر واليابس وتزهق فيها الأرواح وتدمر المدن والقرى ويموت الصغير والكبير؛ أمر الإسلام بالسماحة والعدل وحرم الظلم. فقد روى مسلم في صحيحه عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ” كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَمْثُلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا”؛ فلا يجوز أن يُقصد بالقتال مَن ليسوا بأهل له، كالنِّساء والأطفال والشُّيوخ، والزَّمنى والعُمي والعَجَزة، والذين لا يُباشرونه عادةً كالرُّهبان والفلاَّحين، إلاَّ إذا اشترك هؤلاء في القِتال وبدؤوا هم بالاعتداء، فعندها يجوز قتالُهم. هذه السماحة في حال الحرب فما بالك في حال السلم؟!! هذه أخلاق سيد البشر وصحابته في جهادهم فشتان بين من كان خلقه القرآن؛ ومن كانت غاياته مليئة بالحقد والكراهية والأفكار المتطرفة يتلذذ بالقتل والتفجير والحرق والتدمير والإهانة !!
إن ما نشاهده من جرائم ارتكبت ودماء سفكت وبلاد خربت وأطفال يتمت ونساء رملت ….!! الهدف من كل ذلك هو تشويه صورة المسلمين؛ وتمزيق وحدة الصف ؛ وزرع الفتن الطائفية وتقسيم الدولة إلى دويلات !!
فأوصيكم بالتكاتف ، والرحمة والتآلف ، وجمع الكلمة ، والحذر الحذر من تلكم الأقلام المسمومة ، التي تطعن في الظهور ، وتندس في الجحور ، تريد النيل من الإسلام ودولة الإسلام ، تريد أن تجعل من هذه الحوادث قصصاً منسوجة ، ترضي من خلالها أعوانها ، وتطعن في ولائها وبلدها ودينها ، ثم اتقوا الله أيها الآباء واضطلعوا بمسؤولياتكم ، تجاه أبنائكم ، فلا تتركوهم فريسة للأهواء ، والأفكار الهوجاء ، وسموم الخمر والمخدرات ، وهموم المسكرات والمنبهات ، فيقحمون أنفسهم في مضاربات وملاسنات لا قبل لهم بها ، فيكثر بسببها القتلى ، ويزداد الجرحى ، واحذروا ضعاف النفوس ، ومرضى الأفكار المتطرفة التكفيرية، الذين يوجهون الشباب لعمليات التفجير والتخريب المتكررة ، من خلال تجمعات مشبوهة ، ورحلات مجهولة , واستراحات مريبة ، يكيدون لهم المكائد ، وينصبون لهم المصائد ، ليقعوا فريسة لأعداء الدين من المنحرفين ، واحرصوا يرعاكم الله أن تقوموا بالتوجيه السليم ، والبعد عن الفكر السقيم.
حفظ الله مصر وشعبها من كل مكروه وسوء ؛؛
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين؛؛؛؛
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوى