مفاتيح الجنان بذكر صفات عبـــاد الرحـمن : الدرس السادس : تابع قيام الليل، للشيخ عمر مصطفي
مفاتيح الجنان بذكر صفات عبـــاد الرحـمن للشيخ عمر مصطفي 6 رمضان 1444 هـ – 28 مارس 2023م
الدرس السادس
تابع قيام الليل
العناصر
أولاً : شرف المؤمن قيامه بالليل
ثانياً : الدال علي الخير كفاعله
ثالثاً : الأسباب المعينة علي قيام الليل
لتحميل الدرس بصيغة word
لتحميل الدرس بصيغة word
الموضوع
الحَمْدُ لله الدَّاعي إلى بابه، الهادي من شاء لصوابِهِ، أنعم بإنزالِ كتابِه، فيه مُحكم ومتشابه، فأما الَّذَينَ في قُلُوبهم زَيْغٌ فيتبعونَ ما تَشَابَه منه، وأمَّا الراسخون في العلم فيقولون آمنا به، أحمده على الهدى وتَيسيرِ أسبابِه، وأشهد أنْ لا إِله إلاَّ الله وحدَه لا شَريكَ له شهادةً أرْجو بها النجاةَ مِنْ عقابِه، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه أكمَلُ النَّاس عَملاً في ذهابه وإيابه ، اللهم صلي عليه وعلي آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين . أما بعد :
أولاً : شرف المؤمن قيامه بالليل
عباد الله ما زال حديثنا موصولاً في رحاب صفات عباد الرحمن ، تحدثنا عن حالهم في أنفسهم فهم متواضعون لا متكبرون ، وحالهم مع الناس يتعاملون بالحلم ويتحملون الأذي ، ومع الصفة الثالثة والدرس الثاني مع هذه الصفة ، ألا وهي حالهم مع ربهم وخالقهم ، قيامهم بالليل بين يدي الملك سبحانه و تعالي .
قال تعالي : (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64)(الفرقان).
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَأَحْبِبْ مَنْ أَحْبَبْتَ فَإِنَّكَ مَفَارِقُهُ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ» ثُمَّ قَالَ: «يَا مُحَمَّدُ شَرَفُ الْمُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ وَعِزُّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ»(المستدرك علي الصحيحين). (أن شرف المؤمن) أي رفعته (قيامه بالليل) أي علاه ورفعته إحياء الليل بدوام التهجد فيه والذكر والتلاوة وهذا بيان لشيء من العمل المشار إليه بقوله اعمل ما شئت .(فيض القدير للمناوي).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ” يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ “(صحيح مسلم ).
ثانياً : الدال علي الخير كفاعله
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: “إِذَا اسْتَيْقَظَ الرَّجُلُ مِنْ اللَّيْلِ وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّيَا رَكْعَتَيْنِ، كُتِبَا مِنْ الذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ”(سنن ابن ماجة).
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ العَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ»(صحيح البخاري).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ، فَإِنْ أَبَتْ رَشَّ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَصَلَّى، فَإِنْ أَبَى رَشَّتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ”(سنن ابن ماجة).
وقال عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ لَيْلَةً، فَقَالَ: «أَلاَ تُصَلِّيَانِ؟» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا، فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْنَا ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا} [الكهف: 54](صحيح البخاري).
ثالثاً : الأسباب المعينة علي قيام الليل
الأسباب المعينة علي قيام الليل نوعان :
أولاً : الأسباب الظاهرة المعينة على قيام الليل :
** أن يترك العبد المعاصي بالنهار، قيل لبعض السلف: لا نستطيع قيام الليل، قال: أبعدتكم الذنوب.
وقال سفيان الثوري: منعت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أصبته.
وكان الحسن البصري إذا دخل السوق فسمع لغوهم ولغطهم يقول: ما أرى ليل هؤلاء إلا ليل سوء.
فمن كان نهاره في طاعة الله عز وجل فهو بالليل أقرب إلى رحمة الله عز وجل، ومن كان في المعاصي بالنهار فهو أبعد عن القيام بين يدي العزيز الغفار، والملوك لا يسمحون بالخلوة بهم ومناجاتهم إلا أهل الإخلاص في معاملتهم وفي طاعتهم.
والله عز وجل لا يسمح لكل أحد ولا يوفق كل أحد للقيام بين يديه بالليل، فينبغي على العبد أن يترك الذنوب بالنهار حتى يوفق لقيام الليل.
قيل لعبد الله بن مسعود: ما لنا لا نستطيع قيام الليل؟. قال أبعدتكم ذنوبكم.
** و عدم الإكثار من الطعام ، من أجل أن يخف لقيام الليل. أن لا يكثر العبد من الأكل والشرب، فيغلبه النوم أو يثقل عليه القيام وقد قيل: لا تأكل كثيرا فتشرب كثيرا، فتنام كثيرا، فتخسر كثيرا.
**كثرة ذكر الله، فإن الذكر حياة القلب، وصاحب القلب الحي موفق لقيام الليل إن شاء الله تعالى. فقد مثل النبي صلى الله عليه وسلم الذى يذكر ربه بالحي. وهو فعلا حي القلب – ومثل الغافل عن ذكر الله بالميت – وهو فعلا ميت القلب – فعن أبى موسى الأشعرى رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل الذى يذكر ربه والذي لا يذكره كمثل الحي والميت)(متفق عليه).
**أكل الحلال، والابتعاد عن الحرام، فكلما كان العبد متحريا الحلال كان موفقا، قال سهل بن عبد الله التسترى رحمه الله: من أكل الحلال أطاع الله شاء أو أبى. وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: ((يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا انى بما تعملون عليم)) .وقال ((يا أيها الذين ءامنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم)) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام، وغذى بالحرام فأنى يستجاب لذلك)) (صحيح مسلم ).وعن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أكل طيببا، وعمل فى سنة، وأمن الناس بوائقه، دخل الجنة)).(سنن الترمذي).
ثانياً : الأسباب الباطنة المعينة على قيام الليل :
**معرفة الآيات والأحاديث في فضل قيام الليل.
**طهارة القلب من الحقد والحسد ومن الشك والشرك ومن جميع أمراض القلوب ، وعن فضول هموم الدنيا كي ينشغل القلب بالله مولاه ويترك ما سواه.
**وخوف يغلب على قلب العبد فيجعله يقوم الليل يدعو الله عز وجل ويصلي له عز وجل.
**والشوق إلى الله عز وجل ومحبته عز وجل، كما قال بعضهم: عالجت قيام الليل سنة فتمتعت به عشرين سنة.
**تذكر حلاوة المناجاة والوقوف بين يدي الله، فان لقيام لذة فى القلب، وحلاوة فى النفس ولا يشعر بهذه اللذة وتلك الحلاوة إلا من أخلص الحب لله، وجرد الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى:
((قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم)) (آل عمران).
فأهل الإحسان والطاعة والعبادة يخف عليهم القيام، أما من لم يكن من أهل الإحسان فيشق عليه القيام، فينبغي عليه أن يجبر نفسه على القيام فترة حتى يذوق حلاوة الطاعة والعبادة، ثم بعد ذلك تساعد النفس صاحبها على الطاعة والعبادة، ويوفق لطاعة الله عز وجل وعبادته عز وجل.
اللَّهُمَّ ارزقْنا تِلاوةَ كتابِكَ حقَّ التِّلاوة، واجْعَلنا مِمَّنْ نال به الفلاحَ والسَّعادة. اللَّهُمَّ ارزُقْنا إقَامَةَ لَفْظهِ ومَعْنَاه، وحِفْظَ حدودِه ورِعايَة حُرمتِهِ ، اللَّهُمَّ ارزقْنا تلاوته على الوجهِ الَّذِي يرْضيك عنَّا. واهدِنا به سُبُلَ السلام. وأخْرِجنَا بِه من الظُّلُماتِ إلى النُّور. واجعلْه حُجَّةً لَنَا لا علينا يا ربَّ العالَمِين. اللَّهُمَّ ارْفَعْ لَنَا به الدَّرجات. وأنْقِذْنَا به من الدَّرَكات. وكفِّرْ عنَّا به السيئات. واغْفِر لَنَا وَلِوَالِديِنَا ولجميعِ المسلمينَ برحمتكَ يا أرْحَمَ الراحمين. وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه راجي عفو ربه عمر مصطفي