مفاتيح الجنان بذكر صفات عبـــاد الرحـمن: الأمن النفسي ، للشيخ عمر مصطفي
مفاتيح الجنان بذكر صفات عبـــاد الرحـمن ، للشيخ عمر مصطفي ، 13رمضان 1444 هـ – 4 إبريل 2023م
الدرس الثالث عشر
الأمن النفسي
العناصر
أولاً : الأمــن من أعـظـم نعـــم الله علي عبـاده
ثانياً : الإيمان والاستقامة مصدر الأمن النفسي
لتحميل الدرس بصيغة word
لتحميل الدرس بصيغة pdf
الموضوع
الحَمْدُ لله الدَّاعي إلى بابه، الهادي من شاء لصوابِهِ، أنعم بإنزالِ كتابِه، فيه مُحكم ومتشابه، فأما الَّذَينَ في قُلُوبهم زَيْغٌ فيتبعونَ ما تَشَابَه منه، وأمَّا الراسخون في العلم فيقولون آمنا به، أحمده على الهدى وتَيسيرِ أسبابِه، وأشهد أنْ لا إِله إلاَّ الله وحدَه لا شَريكَ له شهادةً أرْجو بها النجاةَ مِنْ عقابِه، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه أكمَلُ النَّاس عَملاً في ذهابه وإيابه ، اللهم صلي عليه وعلي آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين . أما بعد :
أولاً : الأمن من أعظم نعم الله علي عباده
عباد الله: مازلنا مع صفات عباد الرحمن ومع صفة أخري وهي الأمن النفسي ، فعباد الرحمن زكوا نفوسهم وطهروا قلوبهم ، وساروا في طريق ربهم ، بتوحيد سليم وعبادة خالصة ، فاطمئنت قلوبهم وهدأت نفوسهم وسكنت جوارحهم ، ووصلوا بذلك إلي الأمن النفسي .
والأمن بأنواعه نعمة كبيرة ، ومنحة عظيمة من الله علي عباده ، وجعله الله قريناً لأهل الإيمان في الدنيا إن قاموا بواجبهم ، في امتثال الأوامر واجتناب النواهي ، قال تعالي :{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }(55)(النور).
{وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً} فقد كان السائر في الجاهلية لا يستطيع أن يمشي بضع خطوات؛ مطمئناً على نفسه، أو ماله؛ فجاء الإسلام فأحل الوئام مكان الخصام، والوفاق مكان الشقاق، والحب مكان الكراهية، والعطف والحنان مكان البغض والحقد.( أوضح التفاسير). ووعد الله بالنصر الذين آمنوا وعملوا الأعمال الصالحة، بأن يورثهم أرض المشركين، ويجعلهم خلفاء فيها، مثلما فعل مع أسلافهم من المؤمنين بالله ورسله، وأن يجعل دينهم الذي ارتضاه لهم وهو الإسلام دينًا عزيزًا مكينًا، وأن يبدل حالهم من الخوف إلى الأمن، إذا عبدوا الله وحده، واستقاموا على طاعته، ولم يشركوا معه شيئًا.(التفسير الميسر).
وفي الأخرة يأمن أهل الطاعة من الفزع قال تعالي {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ }(89)(النمل ). فكل من أتى بالحسنة فى الدنيا وهى الإيمان والإخلاص فى الطاعة فله فى الآخرة الثواب الأعظم من أجل ما تقدم، وأصحاب هذه الحسنات آمنون من الخوف والفزع يوم القيامة.(تفسير المنتخب).
والنبي صلي الله عليه وسلم يبين أن الأمن أعظم مطلب للمسلم في الحياة ، وأنه بحصوله كأن المسلم ظفر بما في الدنيا كلها من متاع .( قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا )(سنن الترمذي). ويشهد لهذا الحديث قوله تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ [قريش (3، 4) ] ، فإذا كان المسلم آمنًا في محله، صحيحًا عنده من القوت ما يكفه عن سؤال الناس، فهو في نعمة عظيمة.(تطريز رياض الصالحين ).فلولا الأمن لفسدت الحياة بشتي مناحيها .
لذلك قدمه إبراهيم عليه السلام في دعائه {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ }(35)(إبراهيم).
قال إبراهيم عليه السلام مناديا ربه: يا رب اجعل هذا البلد ذا أمن وسلام واستقرار ، وقدم إبراهيم عليه السلام في دعائه نعمة الأمن على غيرها لأنها أعظم أنواع النعم، ولأنها إذا فقدها الإنسان، اضطرب فكره، وصعب عليه أن يتفرغ لأمور الدين أو الدنيا بنفس مطمئنة، وبقلب خال من المنغصات والمزعجات.
قال الإمام الرازي: «سئل بعض العلماء: الأمن أفضل أم الصحة؟ فقال الأمن أفضل، والدليل عليه أن شاة لو انكسرت رجلها فإنها تصح بعد زمان، ولا يمنعها هذا الكسر من الإقبال على الرعي والأكل والشرب.
ولو أنها ربطت وهي سليمة في موضع، وربط بالقرب منها ذئب، فإنها تمسك عن الأكل والشرب، وقد تستمر على ذلك إلى أن تموت ، وذلك يدل على أن الضرر الحاصل من الخوف، أشد من الضرر الحاصل من ألم الجسد.(التفسير الوسيط).
ثانياً : الإيمان والاستقامة مصدر الأمن النفسي
عباد الله : الإيمان والعمل الصالح هما مصدر الأمن بأنواعه وخاصة الأمن النفسي .قال تعالي :{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }(55)(النور). وعد الله المؤمنين أن يخلفهم في الأرض وأن يمكن لهم دينهم وأن يبدل خوفهم أمنا إذا آمنوا إيمانا عميقا، وعملوا عملا وثيقا، وعبدوا الله عبادة خالصة يتحقق فيها قوله تعالى( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).(التفسير الواضح).
وقال تعالي :{ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (82)(الأنعام). أي هؤلاء الذين أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك له ولم يشركوا به شيئاً هم الآمنون يوم القيامة المهتدون في الدنيا والآخرة ،و عن عبد الله بن مسعود قال : لما نزلت هذه الآية : { الذين آمَنُواْ وَلَمْ يلبسوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } شق ذلك على الناس ، فقالوا : « يا رسول الله أينا لا يظلم نفسه؟ قال : » إنه ليس الذي تعنون ، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح : { يابني لاَ تُشْرِكْ بالله إِنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ] إنما هو الشرك .( تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير).
فالشرك سبب لذهاب الأمن ، ومحق البركات والخيرات ، ولله در القائل :
إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمن لم يحي دينا
ومن رضي الحياة بغير دين فقد جعل الفناء لها قرينا
والاستقامة علي الإيمان والعمل الصالح من أعظم أسباب تحقيق الأمن في الدنيا والآخرة .
قال تعالي :{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (13)(الأحقاف).
أي: إن الذين أقروا بربهم وشهدوا له بالوحدانية والتزموا طاعته وداموا على ذلك، و {اسْتَقَامُوا} مدة حياتهم {فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} من كل شر أمامهم، {وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} على ما خلفوا وراءهم.(تفسير السعدي).
وقال ابن القيم : فَإِنَّ الطَّاعَةَ حِصْنُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ، مَنْ دَخَلَهُ كَانَ مِنَ الْآمِنِينَ مِنْ عُقُوبَاتِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ خَرَجَ عَنْهُ أَحَاطَتْ بِهِ الْمَخَاوِفُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ انْقَلَبَتِ الْمَخَاوِفُ فِي حَقِّهِ أَمَانًا، وَمَنْ عَصَاهُ انْقَلَبَتْ مَآمِنُهُ مَخَاوِفَ، فَلَا تَجِدُ الْعَاصِيَ إِلَّا وَقَلْبُهُ كَأَنَّهُ بَيْنَ جَنَاحَيْ طَائِرٍ، إِنْ حَرَّكَتِ الرِّيحُ الْبَابَ قَالَ: جَاءَ الطَّلَبُ، وَإِنْ سَمِعَ وَقْعَ قَدَمٍ خَافَ أَنْ يَكُونَ نَذِيرًا بِالْعَطَبِ، يَحْسَبُ أَنَّ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِ، وَكُلَّ مَكْرُوهٍ قَاصِدٌ إِلَيْهِ، فَمَنْ خَافَ اللَّهَ آمَنَهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَمَنْ لَمْ يَخَفِ اللَّهَ أَخَافَهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ:
بِذَا قَضَى اللَّهُ بَيْنَ الْخَلْقِ مُذْ خُلِقُوا … أَنَّ الْمَخَاوِفَ وَالْأَجْرَامَ فِي قَرَنِ (الداء والدواء).
اللَّهُمَّ ارزقْنا تِلاوةَ كتابِكَ حقَّ التِّلاوة، واجْعَلنا مِمَّنْ نال به الفلاحَ والسَّعادة. اللَّهُمَّ ارزُقْنا إقَامَةَ لَفْظهِ ومَعْنَاه، وحِفْظَ حدودِه ورِعايَة حُرمتِهِ ، اللَّهُمَّ ارزقْنا تلاوته على الوجهِ الَّذِي يرْضيك عنَّا. واهدِنا به سُبُلَ السلام. وأخْرِجنَا بِه من الظُّلُماتِ إلى النُّور. واجعلْه حُجَّةً لَنَا لا علينا يا ربَّ العالَمِين. اللَّهُمَّ ارْفَعْ لَنَا به الدَّرجات. وأنْقِذْنَا به من الدَّرَكات. وكفِّرْ عنَّا به السيئات. واغْفِر لَنَا وَلِوَالِديِنَا ولجميعِ المسلمينَ برحمتكَ يا أرْحَمَ الراحمين. وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه راجي عفو ربه عمر مصطفي