مظاهر السماحة واليسر في الإسلام خطبة الجمعة القادمة 24 شوال للدكتور خالد بدير
خطبة الجمعة القادمة 28 يونيو 2019 للدكتور خالد بدير : مظاهر السماحة واليسر في الإسلام بتاريخ : 24 شوال 1440هـ – 28 يونيو 2019م
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 28 يونيو 2019 للدكتور خالد بدير : مظاهر السماحة واليسر في الإسلام وعناصرها:
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 28 يونيو 2019 للدكتور خالد بدير ، مظاهر السماحة واليسر في الإسلام : بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 28 يونيو 2019 للدكتور خالد بدير ، مظاهر السماحة واليسر في الإسلام : بصيغة pdf أضغط هنا.
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للمزيد عن مسابقات الأوقاف
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 28 يونيو 2019 للدكتور خالد بدير ، مظاهر السماحة واليسر في الإسلام : كما يلي:
عناصر خطبة الجمعة القادمة 28 يونيو 2019 مظاهر السماحة واليسر في الإسلام ، 24 شوال 1440 :
العنصر الأول: الإسلام دين السماحة واليسر
العنصر الثاني: صور مشرقة من يسر وسماحة الإسلام
العنصر الثالث: السماحة واليسر في حياتنا المعاصرة بين الواقع والمأمول
المقدمة: أما بعد:
مظاهر السماحة واليسر في الإسلام
العنصر الأول: الإسلام دين السماحة واليسر
عباد الله: إن هذا الدين الإسلامي الحنيف الذي هدانا الله إليه، ومَنَّ علينا به دين السماحة واليسر، لا عسر فيه ولا تعسير، ولا عنت فيه ولا مشقة؛ وتأملوا – رعاكم الله – نبي الرحمة، وإمام الأمة – صلوات الله وسلامه عليه – وهو يبين للأمة يُسْرَ الدين وسماحته، ويبيِّن الحال التي ينبغي أن يكونَ عليها أهلُ الدِّين مع الدِّين، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “إن الدين يسرٌ، ولن يُشاد الدِّين أحدٌ إلا غلبه؛ فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغَدْوة والرَّوَحَة، وشيء من الدلجة” (البخاري ومسلم) وفي لفظ آخر للحديث: “والقصدَ القصدَ تبلغوا”
ومن يسر الإسلام وسماحته أنه لم يكلف الله هذه الأمة إلا بما تستطيع, فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
“لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ } قَالَ: فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ فَقَالُوا: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ؟ كُلِّفْنَا مِنْ الْأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ: الصَّلَاةَ وَالصِّيَامَ وَالْجِهَادَ وَالصَّدَقَةَ؛ وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَا نُطِيقُهَا! قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا؟! بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ؛ قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ ذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي إِثْرِهَا:
{ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }؛ فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ { رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا } قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ. { وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا } قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ” ( مسلم ).
قلت: من رحمة الله بعباده أنه لم يؤاخذهم بحديث النفس، لذلك بكى الصحابة بكاءً مريراً لما نزلت هذه الآية، فعن مجاهد، قال:
دخلت على ابن عباس فقلت: يا ابن عباس، كنت عند ابن عمر فقرأ هذه الآية فبكى. قال: أيَّة آية؟ قلت: { وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ } قال ابن عباس، إن هذه الآية حين أنزلت غَمَّت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غمًا شديدًا، وغاظتهم غيظًا شديدًا، يعني، وقالوا: يا رسول الله، هلكنا، إن كنا نؤاخذ بما تكلمنا وبما نعمل، فأما قلوبنا فليست بأيدينا، فقال لهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم: “قولوا: سمعنا وأطعنا”. قالوا: سمعنا وأطعنا. قال:
فنسختها هذه الآية: { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ } إلى { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ } فتَجوز لهم عن حديث النفس وأخذوا بالأعمال”( رواه أحمد )، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَجَاوَزَ لِأُمَّتِي عَمَّا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمْ بِهِ”( مسلم ) .
وليس هذا فحسب بل رفع الله عن المسلمين المشقة والحرج في جميع التكاليف قال تعالى : {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (الحج/78 ) .
وكل ذنب وقع فيه المسلم بسب الخطأ , أو النسيان , أو إكراه فإنه من جانب الله معفو عنه كما قال سبحانه: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}(البقرة/286) .
بل إن الدين الإسلامي انفرد بمحبة الله لسماحته! فعن ابن عبّاس- رضي اللّه عنهما- قال: قيل لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أيّ الأديان أحبّ إلى اللّه؟ قال: «الحنفيّة السّمحة») ( رواه أحمد ) .
وقد شهد لذلك المنصفون الغربيون:
يقول الفيلسوف جورج برناردشو : “الإسلام هو الدين الذي نجد فيه حسنات الأديان كلها، ولا نجد في الأديان حسناته! ولقد كان الإسلام موضع تقديري السامي دائماً ، لأنه الدين الوحيد الذي له ملكة هضم أطوار الحياة المختلفة، والذي يملك القدرة على جذب القلوب عبر العصور، وقد برهن الإسلام من ساعاته الأولى على أنه دين الأجناس جميعاً ، إذ ضم سلمان الفارسي وبلالاً الحبشي وصهيباً الرومي فانصهر الجميع في بوتقة واحدة ” .
لذلك حث الإسلام أفراده على السماحة؛ فعن ابن عباس- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «اسمح يسمح لك»)( رواه أحمد ) .
على أن السماحة لا تعني الضعف والهوان والذل والصغار؛ وإنما تعني العزة والكرامة؛ وهذه المعاني للسماحة قد وقف أمامها الغربيون عجباً ! يبين الشاعر غوته ملامح هذا التسامح في كتابه (أخلاق المسلمين) فيقول: “للحق أقول : إن تسامح المسلم ليس من ضعف، ولكن المسلم يتسامح مع اعتزازه بدينه، وتمسكه بعقيدته” .
عباد الله: السماحة هي طيب في النفس عن كرم وسخاء، وهي انشراح في الصدر عن تقى ونقاء، وهي لين في الجانب عن سهولة ويسر، وهي بشاشة في الوجه عن طلاقة وبشر، هي ذلة على المؤمنين دون ضعف ومهانة، وهي صدق في التعامل دون غبن وخيانة، هي تيسير في الدعوة إلى الله دون مجاملة ومداهنة، وهي انقياد لدين الله دون تشدد ورهبنة.
بها تصفو القلوب، ويسود الوئام، ويسعد الأنام، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : قلنا : يا نبي الله من خير الناس ؟ ، قال : « ذو القلب المخموم ، واللسان الصادق » قال : قلنا قد عرفنا اللسان الصادق فما القلب المخموم ؟ قال : « التقي النقي الذي لا إثم فيه ، ولا بغي، ولا حسد » ، قال : قلنا : يا رسول الله فمن على أثره ؟ قال : « الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة » ، قلنا : ما نعرف هذا فينا إلا رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن على إثره ؟ قال : « مؤمن في خلق حسن » ، قلنا : أما هذه ففينا” [ البيهقي بسند صحيح ] .
أحبتى في الله:
إن هذه الغـلـظـة التي نراها في تعامـل بعضنا ليست من ديننا في شئ، وإن هــذا الجفاء الذي نجده بين المسلمين هو أمر طارئ ومظهر يجب أن يختفي، إن المؤمن الحقيقي سمح مألوف، قال صلى الله عليه وسلم : “المؤمن يألف ويُؤلف، ولا خير فيمن لا يَألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس” [ الطبراني ]، بل إن السماحة هي من أفضل الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم : ” أفضل الإيمان الصبر والسماحة” [ الطبراني ] .
بهذه الأخلاق كان الرجل لا يكاد يعامل النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويسلم إن كان كافراً، أو يزيد إيمانه إن كان مسلماً، إننا يجب أن نكون دعاة بتعاملنا قبل أقوالنا، يجب أن نكون رحماء بإخواننا حتى تسود المودة، وينتشر الإخاء، لأن غياب التسامح يمزق شملنا، ويفرق جمعنا .
روي أن قيس بن عبادة كان من الأجواد المعروفين فمرض يوماً فاستبطأ إخوانه في عيادته، فسأل عنهم فقيل له : إنهم يستحيون مما لك عليهم من الدين، فقال أخزى الله مالاً يمنع الإخوان من الزيارة، ثم أمر منادياً ينادي: من كان عليه لقيس مال فهو منه في حل، فما أمسى حتى كسرت عتبة بابه لكثرة من عاده وزاره . (مدارج السالكين لابن القيم) .
عباد الله:
هكذا فلتكن الأخلاق، هكذا فليكن الصفح، وهكذا فلتكن السماحة، أما هذه الفظاظة والغلظة الظاهرة على وجوه الموظفين والعاملين، وهذا الصلفُ البين في تعامل أصحاب رؤوس الأموال والقادرين، وهذه الشدة التي تنفر منها الطباع في الأقوال والأفعال، فهي ليست من ديننا في شيء، وليست من أخلاق المؤمنين في شيء!!
العنصر الثاني: صور مشرقة من يسر وسماحة الإسلام
عباد الله: إن السماحة في الإسلام تتجلى في كل أمر من أموره، دقيقها وجليلها، لأن هذه الأخلاق لم تكن في الإسلام يوماً طلاء ذهبياً يتهافت الناس بسببه على سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، والسماجة ليست شعاراً براقاً يرفع في وقت دون وقت، بل هي خلق سام يتسع ويتسع حتى يتجاوز الإنسان، إلى الحيوان والنبات، فعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” قَالَ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ؛ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ؛ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ؛ وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ” ( مسلم ) .
ومن مظاهر السماحة في الإسلام ما جاء فيه من رُخَص كثيرة، في مجالات شتى، يقول عنها – صلى الله عليه وسلم -: “إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته”، وفي رواية: “كما يحب أن تؤتى عزائمه”( أحمد) .
ومن يسر الإسلام وسماحته أن العبادات – مع أنها أركان الإسلام – تسقط في حالات الأعذار وعدم القدرة.
فالزكاة لا تجب إلا على من ملك نصابًا وحال عليه الحول؛ ثم هي نسبة قليلة تنفع الفقير ولا تضر الغني؛ والصوم لا يجب إلا على المسلم البالغ العاقل القادر على الصوم؛ والحج لا يجب إلا على المستطيع مرة واحدة في العمر؛ والصلوات الخمس شرعت في أوقات مناسبة لا تمنع من عمل ولا تفوت بها مصلحة؛ ورخص قصر الصلاة الرباعية في السفر والجمع بين الصلاتين؛ والفطر في رمضان للمريض والمسافر؛ والمريض يصلي قائمًا فإن لم يستطع فقاعدا فإن لم يستطع فعلى جنبه، وفي الطهارة أباح المسح على الخفين والجوارب بدل غسل الرجلين في الوضوء بشرطه؛ وأباح التيمم بدل الوضوء والغسل للمريض الذي يضره الماء…… وهكذا
وهنا وقفة هامة في هذا الجانب:
الإسلام أباح لك بعض الرخص تيسيرا على الناس من المشقة – كالصور السالفة الذكر- وهناك أمور خلافية في فروع العبادات كما هو مفصل في كتب الفقه ؛ كالأذانين للجمعة، والجهر أو الإخفاء بالبسملة في الصلاة؛ والقنوت في الصبح ؛ والجمع في المطر….إلخ ؛ فللأسف ترى الناس متفرقين ومختلفين من أجل هذه الأمور التي لو أديت بأي وجه صحت! ومع ذلك ترى الشقاق والخلاف والتحزب والتصنيف ؛ وكل هذا يأباه الدين الحنيف السمح الهين اللين اليسير؛ الذي يدعو أفراده إلى التحلي بهذه القيم والأخلاق النبيلة.
أما أن يكون هذا المسلم حاقدًا على أخيه المسلم لمجرد خلاف في الرأي أو الفقه، وبالتالي يتواطأ هذا الأخ المحسوب على الإسلام ضد أخيه المسلم، ويذهب إلى تكفيره أو تفسيقه، أو يُؤلِّب السلطة عليه، أو يُصدر ضده كتب التجريح والتشهير، وليس النقد العلمي الكريم النزيه، فتلك هي الآفة المدمرة التي تفرق المجتمع وتفكك أوصاله وتهدم بنيانه.
عباد الله:
ما أحوجنا إلى الخلق الجليل في زمن بلغ فيه البغض غايته، ورفع فيه الحسد رايته، ما أحوجنا إلى السهولة واليسر، والسماحة والتجاوز، حتى نعيش في هذه الدنيا بهناء، ونكون يوم القيامة سعداء، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “مَنْ كان سهْلًا هيِّنًا لَيِّنًا، حرَّمَهُ اللهُ على النَّارِ” (صحيح الجامع ).وعن جابر قال قال صلى الله عليه وسلم :” ألَا أُخبِرُكم على مَن تحرُمُ النَّارُ غدًا على كلِّ هيِّنٍ ليِّنٍ سهلٍ قريبٍ ” (ابن حبان والطبراني) .
أحبتي في الله:
ومن أهم مظاهر السماحة في الإسلام ( السماحة مع غير المسلمين ) في السلم والحرب ؛ ففي الحرب التي تأكل الأخضر واليابس وتزهق فيها الأرواح وتدمر المدن والقرى ويموت الصغير والكبير؛ أمر الإسلام بالسماحة والعدل وحرم الظلم. فقد روى مسلم في صحيحه عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ” كَانَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ، أَوْ سَرِيَّةٍ، أَوْصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا، ثُمَّ قَالَ: اغْزُوا بِاسْمِ اللهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَمْثُلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا” .
فلا يجوز أن يُقصد بالقتال مَن ليسوا بأهل له، كالنِّساء والأطفال والشُّيوخ، والزَّمنى والعُمي والعَجَزة، والذين لا يُباشرونه عادةً كالرُّهبان والفلاَّحين، إلاَّ إذا اشترك هؤلاء في القِتال وبدؤوا هم بالاعتداء، فعندها يجوز قتالُهم؛ وقد تكلمنا في ذلك كثيراً مما يغني عن إعادته .
عباد الله:
إن سماحة الإسلام لم تقتصرِ على النهي عن الاعتداء على بني البَشر فقط؛ وإنَّما تجاوز ذلك ليشملَ النهي عن الإتلاف، وقطع الشَّجر، وقتْل الحيوانات، وتخريب الممتلكات والمنشآت العامة، وهذا سُموٌّ أخلاقي لم تعرفْ له البشرية مثيلاً في تاريخها قديمًا وحديثًا!!
فإذا كانت سماحة الإسلام مع غير المسلمين بهذه العظمة والسمو فإن السماحة بين المسلمين أنفسهم يجب أن ترتقي أعلاء من ذلك؛ فالمجتمع المسلم يجب أن يعيش أبناءه في حب وتسامح وتراحم وأن يسود حياتهم اللين والسهولة واليسر إن العنف والشدة والحقد ودوافع الانتقام والكراهية تنذر بالهلاك فتقطع الأرحام وتكثر الصراعات وتنزع الرحمة ويحل الشقاء ويذهب الخير بين الناس وتقوض مجتمعات بسبب ذلك وتتلاشى أمم وتنهار حضارات …
العنصر الثالث: السماحة واليسر في حياتنا المعاصرة بين الواقع والمأمول
أيها المسلمون: ينبغي على المسلم أن يجعل السماحة في سلوكه ومعاملاته مع الآخرين، فالعبادات لا يمكن أن تؤتى ثمرتها المرجُوّة إلا إذا ظهر أثرها في سلوك المرء وأخلاقه وتعامله مع الآخرين، فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له، ومن لم ينهه حجه وصومه عن اللغو والرفث والفسوق فما انتفع بحج ولا بصيام …..وهكذا
فيجب عليك أخي المسلم أن تجعل هذه الأخلاق منهج حياة تطبقها على أرض الواقع، فلا تطلق لسانك سباً وشتماً في الآخرين، بل تتحلى بالحلم والصبر والسماحة، وأن الله سيوكل ملكاً يدافع عنك، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّهُ قَالَ : بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ ، وَقَعَ رَجُلٌ بِأَبِي بَكْرٍ فَآذَاهُ ، فَصَمَتَ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، ثُمَّ آذَاهُ الثَّانِيَةَ ، فَصَمَتَ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ ، ثُمَّ آذَاهُ الثَّالِثَةَ ، فَانْتَصَرَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ انْتَصَرَ أَبُو بَكْرٍ , فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَوَجَدْتَ عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” نَزَلَ مَلَكٌ مِنَ السَّمَاءِ يُكَذِّبُهُ بِمَا قَالَ لَكَ ، فَلَمَّا انْتَصَرْتَ وَقَعَ الشَّيْطَانُ ، فَلَمْ أَكُنْ لأَجْلِسَ إِذْ وَقَعَ الشَّيْطَانُ “( أحمد وأبو داود بسند حسن ) .
ولتعلم أن حسن خلقك وسماحتك وعفوك عن الآخرين سبيل إلى مرافقة نبيك صلى الله عليه وسلم في الجنة؛ وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم:
“إن أحبَّكم إليَّ، وأقربَكم مني في الآخرة مجلسًا، أحاسنُكم أخلاقًا، وإن أبغضَكم إليَّ وأبعدَكم مني في الآخرة أسوَؤُكم أخلاقًا، الثَّرثارون المُتفَيْهِقون المُتشدِّقون”، (أحمد والطبراني بسند صحيح “)، وعن عبد اللّه بن عمرو- رضي اللّه عنهما- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «دخل رجل الجنّة بسماحته قاضيا ومتقاضيا») ( أحمد ) ؛ كذلك جعَل أجر حُسن الخُلق ثقيلاً في الميزان، بل لا شيء أثقلُ منه، فقال صلّى اللّه عليه وسلّم: “ما من شيءِ أثقلَ في ميزان المؤمن يوم القيامة مِن حُسن الخُلق”، ( الترمذي وقال : حديث حسن صحيح )، وجعَل كذلك أجرَ حُسن الخُلق كأجرِ العبادات الأساسية، مِن صيام وقيام، فقال صلى الله عليه وسلم:
“إن المؤمنَ لَيُدركُ بحُسن الخُلق درجةَ الصائمِ القائم”، (أبوداود بسند صحيح )، وفي حديث آخرَ ضمِن لصاحب الخُلق دخولَ الجنة، بل أعلى درجاتها، فقال صلى الله عليه وسلم: “أنا زعيمٌ ببيت في ربَضِ – أطراف – الجنَّةِ لِمَن ترَك المِراءَ وإن كان محقًّا، وببيتٍ في وسَط الجنة لِمَن ترَك الكذبَ وإن كان مازحًا، وببيتٍ في أعلى الجنَّة لمن حسُن خلُقه”( أبو داود وابن ماجة والترمذي وحسنه ) .
كما أن خلقاً واحداً من بين سائر الأخلاق قد يكون سبباً في دخولك الجنة، فعَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ قَالَ: اجْتَمَعَ حُذَيْفَةُ وَأَبُو مَسْعُودٍ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: رَجُلٌ لَقِيَ رَبَّهُ فَقَالَ مَا عَمِلْتَ؟ قَالَ: مَا عَمِلْتُ مِنْ الْخَيْرِ إِلَّا أَنِّي كُنْتُ رَجُلًا ذَا مَالٍ فَكُنْتُ أُطَالِبُ بِهِ النَّاسَ فَكُنْتُ أَقْبَلُ الْمَيْسُورَ وَأَتَجَاوَزُ عَنْ الْمَعْسُورِ، فَقَالَ: تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي” (مسلم)
فهذا الرجل لم يعمل خيراً قط سوى خلقٍ واحدٍ فكان طريقاً له إلى الجنة فما بالك لو تحليت بمكارم الأخلاق كلها؟!!
لذلك اهتم الصحابة بحسن الخلق وطلبه من الله، فعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ : بَاتَ أَبُو الدَّرْدَاءِ اللَّيْلَةَ يُصَلِّي فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقُولُ : ” اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي، حَتَّى أَصْبَحَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، مَا كَانَ دُعَاؤُكَ مُنْذُ اللَّيْلَةِ إِلا فِي حُسْنِ الْخُلُقِ، قَالَ: يَا أُمَّ الدَّرْدَاءِ، إِنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ يَحْسُنُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ حُسْنُ خُلُقِهِ الْجَنَّةَ، وَيَسُوءُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ سُوءُ خُلُقِهِ النَّارَ” (شعب الإيمان للبيهقي) .
عباد الله: كثير من الناس يقول الكلمة الشائعة والمعروفة :
إنني أعامل فلانا بمعاملته، ولكني أقول لك: عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به؛ فعاملهم بطبعك لا بطبعهم . وأذكر لكم هذه القصة الرائعة في هذا المضمون:
جلس عجوز حكيم على ضفة نهر وفجأة لمح قطاً وقع في الماء، وأخذ القط يتخبط؛ محاولاً أن ينقذ نفسه من الغرق؛ فقرر الرجل أن ينقذه؛ ومدّ له يده فخمشه القط؛ فسحب الرجل يده صارخاً من شدّة الألم؛ ولكن لم تمض سوى دقيقة واحدة حتى مدّ يده ثانية لينقذه، فخمشه القط مرة أخرى؛ فسحب يده مرة أخرى صارخاً من شدة الألم ؛ وبعد دقيقة راح يحاول للمرة الثالثة !!
على مقربة منه كان يجلس رجل آخر ويراقب ما يحدث ؛ فصرخ الرجل: أيها الحكيم ، لم تتعظ من المرة الأولى ولا من المرة الثانية ، وها أنت تحاول إنقاذه للمرة الثالثة ؟لم يأبه الحكيم لتوبيخ الرجل ، وظل يحاول حتى نجح في إنقاذ القط ، ثم مشى الحكيم باتجاه ذلك الرجل قائلاً : يا بني … من طبع القط أن يخمش ومن طبعي أنا أن أُحب وأعطف وأسامح ؛ فلماذا تريدني أن أسمح لطبعه أن يتغلب على طبعي !!؟
يا بني :
عامل الناس بطبعك لا بطبعهم , مهما كانوا ومهما تعددت تصرفاتهم التي تجرحك وتؤلمك في بعض الأحيان، ولا تأبه لتلك الأصوات التي تعتلي طالبة منك أن تترك صفاتك الحسنة لمجرد أن الطرف الآخر لا يستحق تصرفك النبيل؛ فعندما تعيش لتسعد الآخرين سيبعث الله لك من يعيش ليُسعدك ؛ فلا تندم على لحظات أسعدت بها أحدا حتى وإن لم يكن يستحق ذلك الطرف الآخر ؛ وكفى أن لك ربّاً ، يجازينك بالإحسان إحسانا؛ لذلك يقول ابن القيم : الدين كله خُلق ، فمن فاقك في الخلق فقد فاقك في الدين . . .
إن الأخلاق تنبع من عقيدة راسخة وإيمان عميق وعبادة صافية تترجم في سلوكياته وأخلاقه الخارجية؛ فلا يتكلم إلا بخير حتى لو قال الآخرون شراً ، فقد روى أن عيسى عليه السلام مر على قوم من اليهود فقالوا له شراً فقال لهم خيراً ، فقالوا: يقولون لك شراً فتقول لهم خيراً ؟! قال عليه السلام: كل واحد ينفق مما عنده !!
ولذلك ضرب بالأحنف بن قيس المثل في الحلم والصفح والتسامح، فقيل له:
كيف وصلت إلى هذه المنزلة؟ فقال: ما آذاني أحد إلا أخذت في أمره بإحدى ثلاث : إن كان فوقي عرفت له فضله، وإن كان مثلي تفضّلت عليه، وإن كان دوني أكرمت نفسي عنه.
وفي هذا المعنى يقول الشاعر محمود الوراق:
سَأُلزِمُ نَفسي الصَفحَ عَن كُلِّ مُذنِب……….. وَإِن كَثُرَت مِنهُ عَلَيَّ الجَرائِمُ
وَما الناسُ إِلّا واحِدٌ مِن ثَلاثَة…………. شَريفٌ وَمَشروفٌ وَمِثلي مُقاوِمُ
فَأَمّا الَّذي فَوقي فَأَعرِفُ فَضلَهُ………… وَألزمُ فيهِ الحَقَّ وَالحَقُّ لازِمُ
وَأَمّا الَّذي دوني فَإِن قالَ صُنتُ………… عَن مَقالَتِهِ نَفسي وَإِن لامَ لائِمُ
وَأَمّا الَّذي مِثلي فَإِن زَلَّ أَو هَفا…………. تَفَصَّلتُ إِنَّ الفَضلَ لِلحُرِّ حاكِمُ
فما أعظمها من مُثُل وما أجملها من أخلاق، لو طبَّقنا ذلك عملياً.
فهيا إلى تنقية قلوبنا من الشحناء والبغضاء والحقد والحسد، وليحل مكانها التراحم والتواصل والحب، فهذا رجل يَسُبُّ ويشتم ابن عباس رضي الله عنهما أمام الناس، فيكظم غيظه ولا يرد عليه، فما زال الرجل يسبه ويشتمه، فقال له ابن عباس: أتشتمني وتسبني وفيَّ ثلاث خصال. قال: وما هي؟ قال: ما نزلت الأمطار في أرض إلا سررت بذلك، وليس لي في تلك الأرض شاة ولا جمل، وما سمعت بقاضٍ عادل إلا حمدت الله ودعوت له في ظهر الغيب وليس لي عنده قضية، وما تعلمت آية من كتاب الله أو حديثاً من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وددت أن كل مسلم علم منها ما علمت.
فانظر إلى ابن عباس يحب الثلاث ويسر بها مع أنه ليس له فيها جمل ولا ناقة، ومع ذلك يحب لأخيه ما يحبه لنسفه، ويسر لسرور الآخرين ويحزن لحزنهم، فأين نحن من هذه المعاني؟!!!
إن المجتمع الإسلامي بحاجة ماسة إلى تطبيق هذه القيم النبيلة، بل إن الفرد المسلم بمجرد أن يسلم على أخيه ويضع يده في يده إلا تحاتت ذنوبهما كما يتحات ورق الشجر، فعن البراء بن عازب قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : ” أيما مسلمين التقيا فأخذ أحدهما بيد صاحبه فتصافحا وحمدا الله تعالى جميعاً تفرقا وليس بينهما خطيئة ” ( صحيح الجامع ).
وبعد: فهذه رسالة لك أخي المسلم أن تبادر إلى تصفية قلبك لأخيك أو قريبك أو صديقك وتفاجئه أنت بزيارة من أجل رضا الله ؛ وأن تمتثل قوله تعالى:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}( الأعراف: 199)، لما نزلت هذه الآية سأل النبي – صلى الله عليه وسلم – جبريل عنها فقال : ” لا أعلم حتى أسأل . ثم رجع فقال : إن ربك يأمرك أن تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفو عمن ظلمك “.( تفسير ابن كثير) .
أسأل الله أن يطهر قلوبنا ويحسن أخلاقنا ويجمع شملنا ويوحد كلمتنا ويجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن،،،،،
الدعاء،،،،، وأقم الصلاة،،،،،
كتب : مظاهر السماحة واليسر في الإسلام : خادم الدعوة الإسلامية د / خالد بدير بدوي
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع