مرصد الأزهر: تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا في هولندا
شهدت هولندا في الآونة الأخيرة تزايُدًا ملحوظًا في ظاهرة الإسلاموفوبيا، والاعتداءت العنصرية غير المبررة، والناتجة في الأساس عن تمييز قائم على أُسس طائفية وعرقية ودينية، تهدد الاستقرار المجتمعي، وتنخز في خلاياه سرطان الفُرقة وعدم التسامح والذي إذا انتشر – لا قدر الله – في جسم أي مجتمع ستكون فاتورة علاجه مكلفةً للغاية، وستستغرق مدة العلاج وقتًا طويلًا، وإذا لم يكن العلاج مناسبًا، وكتبه طبيب متخصص ومخلص وواعٍ ومقدر لحجم المرض وخطورته، ربما يسبب العلاجُ آثارًا جانبية قد تكون أشد خطرًا من المرض الأساسي نفسه؛ إذ إن ظاهرة الاضطهاد بسبب الدين أو اللون أو العرق إذا لم يُهتم باستأصالها من جذورها ربما تتحول إلى عنف مضاد قد يودي بحياة المجتمع كله.
ولقد توالت العديد من الأحداث العنصرية في الفترة الأخيرة بصورة مقلقة في هولندا؛ حيث ذكرت وكالة أنباء الأناضول في عددها الصادر السبت 20 يناير أن مجموعة يمينية متطرفة في هولندا، قد اعتدت على مسجد “أمير سلطان” في العاصمة الهولندية “أمستردام”، عبر تعليق لافتة كُتِبَ عليها عبارات عنصرية ناتجة عن ظاهرة الإسلاموفوبيا، ومجسم لإنسان مقطوع الرأس، على باب المسجد، وأفادت حينها وسائل إعلام محلية، بأن حركة “إد فيرزيت” (اليمينية المتطرفة)، تبنت هذا الاعتداء العنصري على المسجد التابع لوقف الديانة التركي، وذلك عبر منشور لها على حسابها على مواقع التواصل الاجتماعي.
إذ نشرت الحركة على صفحتها صورة المجسم واللافتة التي عليها كتابات عنصرية مثل: “ينبغي إيقاف الإسلام، لا نريد جامعًا كبيرًا شمالي أمستردام “. وقد أدان المشرف على المسجد “قمبر شنار”، هذا الاعتداء بشدة مؤكدًا على أن الهدف منه تخويف المسلمين، وأوضح أنه تلقى اتصالًا هاتفيًّا من رئيس بلدية أمستردام “جوزياس فان ارتسن” أعرب خلاله عن دعمه لهم، ولفت “شنار” إلى أنهم أبلغوا الشرطة عن هذا الاعتداء، وبدأ التحقيق الفوري حول الحادث.
من ناحية أخرى قام بعض من المنتسبين لديانات أخرى في هولندا بزيارة المسجد الذي تعرض لهذا الهجوم تضامنًا مع المسلمين، حيث قام وقف يسمى “وقف سلام شالوم” المكون من أعضاء من الديانتين اليهودية والإسلامية بتنظيم زيارة إلى المسجد ووزعوا الهدايا والزهور على رواده، وقال السيد “بن أحمد” المتحدث باسم الوقف: إنهم يشعرون بصدمة كبيرة وحزن عميق بسبب هذا الحادث، وقال: إنهم لا يقبلون مثل هذه الأفعال لا في أمستردام ولا في هولندا كلها ولا في أي مكان آخر. ودعا الجميع إلى نبذ الخوف والكراهية ونشر الحب والاحترام والصداقة. وقد عبر السيد “كامبر شنر” رئيس مسجد “أمير سلطان” عن سعادته بهذه الزيارة وصرح للصحافة أنهم نالهم الشرف بزيارة أهل الديانات الأخرى. وأن هذه الزيارة أشعرتهم أنهم ليسوا وحدهم في “أمستردام” وأن هذه الزيارة بمثابة مؤشر على أن أصحاب الديانات المختلفة في هولندا يحبون بعضم بعضًا ويحترمون بعضهم بعضًا وأنهم جميعًا يقفون ضد مثل هذه الأعمال.
وفي سبتمبر الماضي نفذت الحركة نفسها اعتداءً إسلاموفوبيًّا على مسجد “التوحيد” التابع لوقف الديانة التركي في مدينة “فينلو” الهولندية، وعلق أعضاء الحركة آنذاك لافتة تحمل عبارات عنصرية على مئذنة المسجد تحمل عبارات مكتوبة باللغتين التركية والهولندية مثل ” “ابتعدوا من هنا، لا نريد مسلمين، هولندا ملكنا، لا نريد مساجد في منطقتنا”.
كما ذكرت بعض الصحف في العشرين من مارس الجاري أن أعضاء من حركة (بيغيدا) المعادية للإسلام والمهاجرين في هولندا، غرست 23 صليبًا في أرض مخصصة لبناء مسجد في مدينة (أنسخديه) (Enschede) الهولندية، والغريب أن النيابة العامة في المدينة صرحت أن أعضاء الحركة الذين غرسوا الصلبان في الساحة المخصصة لبناء المسجد لن يتم تقديمهم للمحاكمة. جاء ذلك في تصريح للنيابة العامة قالت فيه: “إن العبارات التي قالها أعضاء هذه الحركة على الرغم من أنها عبارات صادمة إلا أنها لا تحمل احتقارًا ولا عنصرية ضد مجموعة معينة”.
ومؤخرًا ذكرت وكالة أنباء الأناضول في عددها الصادر بتاريخ 19 مارس أن السيدة “أوجباد كيلنجي” المحجبة ذات الأصول الصومالية والمرشحة في الانتخابات المحلية عن حزب العمال تعرضت في أثناء إحدى جولاتها الانتخابية في مدينة (إيمين) (Emmen) الهولندية إلى اعتداءات لفظية عنصرية، منها “قردة سوداء”، “انقشعي إلى إفريقيا”، الأمر الذي اضطرها إلى إلغاء جولتها في هذه المدينة، وأصدرت تصريحًا عن هذه الواقعة عبرت فيه عن حزنها الشديد وقالت: “أنا أريد أن أخدم شعب مدينة (إيمين)، لكنني تعرضت لموقف جعلني أشعر وكأنني لا انتمي إلى هذه المدينة، لقد عشت هنا وترعرعت، إنها مدينتي”. من ناحية أخرى أُجريت الانتخابات المحلية في الحادي والعشرين من مارس الجاري، وقد اجتازت هذه المرشحة الانتخابات، واستطاعت دخول المجلس عن حزب العمال عن مدينة (إيمين) التي تعرضت فيها للاعتداءات العنصرية.
ويرى مرصد الأزهر أن هذه الأحداث المتتالية حدثت فقط في ستة أشهر من سبتمبر 2017 م وحتى مارس 2018 م، وهذا مؤشر خطير على تزايد الظاهرة ونموها في هذه الفترة الوجيزة، خصوصًا إذا عرفنا أن السيد “أحمد دورسون” المشرف على مسجد “توحيد” سالف الذكر صرح للصحف أن منطقة “فلينو” الهولندية التي يقع بها المسجد الذى حدث الاعتداء عليه لم تشهد أحداثًا مثل هذه منذ ما يقرب من ثلاثين عامًا. لذلك يهيب المرصد بالسلطات الهولندية ومؤسسات الدولة وعلى رأسها البرلمان إدانة مثل هذه الاعتداءات كافة؛ إذ أُشيعَ في الفترة الأخيرة أن البرلمان، وتحديدًا أعضاء الأحزاب اليمينية يرفضون إدانة هذه الحوادث، وهذا يمثل في حد ذاته الخطر الأكبر الذي ربما يفوق في خطورته الاعتداء نفسه، إذ يُفسر على إنه دعم ومساندة للمعتدين بل وتشجيع لهم على ممارسة المزيد من الاعتداءات؛ لذلك يهيب المرصد بالجميع الحفاظ على القيم والمبادئ الأخلاقية، وتغليب مبدأ المواطنة، ونبذ جميع أنماط التمييز المبنية على العرق واللون والدين في المجتمع.
كما يهيب المرصد بالمسلمين في المجتمع الهولندي بذل مزيد من الجهد في تعريف أبناء مجتمعهم من الديانات الأخرى – حقيقة الدين الإسلامي، وشرح مبادئه الوسطية، وحثه على التعايش والتسامح، وذلك عن طريق المشاركة المجتمعية النشطة والفعالة في جميع الأنشطة الاجتماعية مع جميع طبقات المجتمع، فهذا هو السبيل العملي للتعريف بالدين الإسلامي الحنيف.