فى ظل الإسراء والمعراج *الصلاة هدية السماء*بقلم الشيخ محمود البرام
((فى ظل الإسراء والمعراج)) *الصلاة هدية السماء*
الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده وعلى آله وصحبه وسلم وبعد فى ظل الإسراء والمعراج لأبد لنا أن نطوف محلقين حول هدية السماء الركن الثانى من أركان الإسلام ألا وهى الصلاة فالصلاة هى الركن الثانى من أركان الإسلام بعد الشهادة ولكن يبقى سؤال متى فرضت الصلاة ولماذا إذا ذكرت الإسراء والمعراج ذكرت الصلاة؟؟ وهذا يتضح لنا فيما ذكره أهل الحديث روى البخاري ومسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه حديث الإسراء المشهور ، وفيه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ ؟ قُلْتُ خَمْسِينَ صَلَاةً . قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ … قَالَ : فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى قَالَ : يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً ) . وقد أجمع العلماء على أن الصلوات الخمس لم تفرض إلا في هذه الليلة وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله : فلما كان ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ونصف فرض الله على رسوله صلى الله عليه وسلمالصلوات الخمس ولم يختلف العلماء على أن جبريل عليه السلام هو من علم النبي عليه الصلاة والسلام مواقيت الصلاة كما نقله القرطبي
فوائد الصلاة ما من فرض فرضه الله على عباده وشرعه لهم إلا وكان فيه خيرا لهم فى الدنيا والاخرة وتأتى الصلاة على رأس هذه الفروض ولها من الفوائد من لها نقول منها الامر الأول تحقيق الحكمة الكبرى من خلق العباد في هذه الحياة الدنيا ، وإنزال الكتب ، وإرسال الرسل : وهي تحقيق العبادة الخالصة لله جل جلاله ، وشعور العبد أنه مرتبط ـ دائما ـ وفي كل أوقاته إلى هذه العروة الوثقى ، وأنه :ما ذهب في مذهب ، وراح مراحا ، إلا وهو عائد إلى ربه ، مقبل عليه . قال الله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ) وقال تعالى : ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ) وقال تعالى : ( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) الأمر الثانى من المعلوم شرعا ومن واقع الحياة التى نحياها أن أصح الناس نفسا وأعدلهم مزاجا وأكثرهم سعادة هم الأتقياء الصالحون . قال الله تعالى : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) وقال الله تعالى : ( أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَّحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُم ساء مايحكمون) ومن فوائد الصلاة الراحة النفسية والقلبية هذه الحياة لا تخلو من الهموم والأحزان ، ولابدّ للإنسان للخروج من ضغوطها أن يكون عنده من يشكو له همه وأحزانه ، والمسلم إنما يشكو همه وحزنه إلى الله تعالى .كما حكى الله تعالى قول يعقوب عليه السلام : ( قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) وأفضل وقت وحال لبث الإنسان أحزانه وهمومه إلى الله تعالى ، هو وقت الصلاة ؛ لأنه يكون بين يديه والعبد أقرب ما يكون من ربه حال سجوده .عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ ) فالصلاة تعين المسلم على إزاحة هموم الدنياوأحزانها .قال الله تعالى : ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ) قال ابن كثير رحمه الله تعالى :يقول تعالى آمرا عبيده ، فيما يؤملون من خير الدنيا والآخرة ، بالاستعانة بالصبر والصلاة ..وأما قوله : ( وَالصَّلَاةِ ) فإن الصلاة من أكبر العون على الثبات في الأمر …عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه نعي إليه أخوه قُثَم وهو في سفر ، فاسترجع ، ثم تنحى عن الطريق ، فأناخ فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس ، ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول : ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ) وكان النبي الله عليه وسلم إذا جاءه ما يهمه فزع إلى الصلاة .عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: ” كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ حَزَبَهُ أَمْرٌ ، صَلَّى ” فهى راحة العقول والصدور والقلوب
وهذه فوائد تبعيةليست مقصودة بالقصد الأصلي للعبادة وليست الهدف الأصلى من العبادة أن كثيرا من الفوائد والمصالح الجسدية والبدنية : تعود على العبد بما يحافظ عليه من الصلاة في مواقيتها ؛ الصلاة لا تتم إلا بشرط الوضوء ، وطهارة الجسد والثياب وبقعة الصلاة من النجاسات ، ويندب للمصلي استعمال السواك ، وأن يستعمل أحسن ثيابه ، وأن يغتسل ويتطيب لصلاة الجمعة ، كما يجب عليه الاغتسال للصلاة إذا أصابته جنابة . وهذه الأعمال أنفع وقاية للإنسان من الأمراض ، والحكمة الطبية تقول : الوقاية خير من العلاج . والصلاة منشطة للجسم مذهبة للخمول خاصة إذا كان المصلي كثير النوافل وكثير المشي إلى المساجد . عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : :
: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ ، يَضْرِبُ على كُلَّ عُقْدَةٍ : عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ . فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ ، وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ ) رواه البخاري
ومن فوائد الصلاة فى الدنيا الإجتماعية تهذيب السلوك وإجتماع المسلمين فوائد الصلاة كثيرة جداً ولا تقتصر على جانبٍ واحد بل كانت شاملةً لكل المجالات والجوانب وكلما زادت الأبحاث في هذا الموضوع اكتشف الباحثون فوائد جديدة جمة للصلاة تؤثر على حياتنا ونشعر بأثرها علينا في واقعنا.
الصلاة والسلوك الإنساني
الصلاة تهذب الإنسان وتضبط تصرفاته، ويكفي أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، هذا كله يصب في مصلحة الفرد والجماعة، وتخيّل معي لو كان المجتمع بكامله يصلي، فستكون أوقات الصلوات وما قبلها وما بعدها في معظمها خاليةً من الجرائم والمشاكل التي نراها اليوم في مجتمعاتنا.
الصلاة والمجتمع
الصلاة تجمع الكثير من الناس في نفس المكان من أجل أداءها، وقبل الصلاة وبعدها يلتقي الناس ويتبادلون التحية ويحكون أخبارهم لبعضهم البعض، فمن الصلاة نعرف أنّ جارنا مريض، ومن الصلاة نعرف أن فلاناً توفى فنذهب لتعزية أهله، ومن الصلاة نعرف أن هناك محلاً جديداً قد تم افتتاحه في منطقتنا فنذهب للتسوق منه، ومن الصلاة نعرف أن فلاناً قد رزقه الله بمولود فنقدم له التهنئة، وهكذا فإنّ الصلاة فرصة عظيمة للتواصل الإنساني الذي يخلق لُحْمَةً فريدةً من نوعها في المجتمع المسلم.
إنها تخلق بين أفراد المجتمع التودد والتلاحم والتراحم، خير مثال على أثر الصلاة من الناحية الاجتماعية صلاة الجمعة والتي تجمع المسلمين في إجازتهم الأسبوعية في مكانٍ واحد في منطقة ما. فنخرج من الصلاة ليسأل كل منا عن الآخر ويمازح الآخر ويعده بزيارة قريبة، وهذا فإن الصلاة هي منبع التعاون على البر والتقوى والخير، منها تجمع الزكاة والصدقات، وفيها مجالس العلم والخطابة، وفيها تتشكل شخصية الصغار وتقوم سلوكيات الصغار والكبار على حدٍّ سواء. إن الصلاة تصنع المجتمع السليم المتماسك وتزيد التعارف بين الناس، وحتى الغريب الذي قد جاء للبلد ولا يعرف فيها شيئاً، ستكون الصلاة فرصة له لكي يقوم أهل البلد بضيافته وإكرامه وإنجاح مقصده وتيسير أموره في هذا السفر.
والصلاة في المسجد تشعر المسلمين بالمساواة وتحطم الفروق الاجتماعية والطبقية لأن الغني يصلي مع الفقير، والصغير بجوار الكبير، والمسؤول بجانب المواطن وهذا كله يزيد الألفة والترابط بين الناس ويلغي الحساسيات الموجودة بين فئات وطبقات المجتمع حينما يذعن الجميع لأوامر الله ويصلون في صفوف متساوية مستوية يؤدون نفس الحركات وفي نفس الوقت. فالصلاة هى عماد الدين واساسه المتين اللهم أجعلنا ممن أدى الصلاة فأنتهى بها عن الفحشاء والمنكر وكان من الصالحين هذا والله أعلى واعلم
كتبه الشيخ محمود البرام