أخبار مهمةخطبة الجمعةعاجل

عظات من سورة الحجرات للشيخ عبد الناصر بليح

عظات من سورة الحجرات للشيخ عبد الناصر بليح.

للتحميل بصيغة word

للتحميل بصيغة pdf

وللقراءة كما يلي:

عظات من سورة الحجرات

“الدفاع عن الأبرياء “

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله رب العالمين ,واشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له في سلطانه وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً صلي الله عليه وصحبه وسلم تسليما كثيراً..

 أما بعد فيا عباد الله  ما أجملَ أن نعيشَ أفضلَ اللحظاتٍ في رِحابِ آياتٍ بيِّنات، نستلهِمُ النفحَات والعِظات، ونجنِي أطايِبَ الثمرات من سُورة الآداب والقيم والأخلاق والدفاع عن الأبرياء “سورة الحجرات”، فسورة الحجرات مدرسة متكامِلة جاءت تربّى الفرد والمجتمع بل الأمة جميعًا على سموّ الأخلاق وفضائل الأعمال وعلوّ الهمم والبعد عن الشك والريبة. فأمرت بالأدب مع الله ورسوله ثم انتقلت للحديث عن الدفاع عن الأبرياء والمظلومين وفضح  خبر الفساق والشائعات ..

أسباب الافتراء واتهام الناس بالباطل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عباد الله يقول تعالي: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ”(الحجرات/6).إن همّ الشيطان وأوليائه دائماً هو إيقاع الفتنة بين المؤمنين، وتمزيق صفهم بنقل الأخبار الكاذبة والملفقة، والأضاليل المخترعة، فإذا كان الناقل فاسقاً، وجب التثبت والتبين والبحث عن الحقيقة في الأمر، وينطبق هذا التوجيه الرباني أيضا على الأنباء والتحاليل السياسية والاقتصادية، والاجتماعية التي تنشرها وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة التي يشرف عليها فساق الأمة أو أعداؤها، لأن غاية هؤلاء في الأصل فتنة الأمة وإضعافها وإفساد أحوالها.

ولما كانت نتيجة الثقة في الفساق ونقولهم وأخبارهم غالباً ما تكون الفتنة، والتقاتل بين المؤمنين، فقد عقب سبحانه على ذلك بالإرشاد إلى كيفية التغلب على هذه الفتنة بقوله تعالى: “وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِير ٍمِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ”(الحجرات/7).

وفي ذلك تذكير بأن النجاة من الفتن في اتباع سنته وهديه وعدم عصيان أوامره ونواهيه صلى الله عليه وسلم حيا وميتاً،

 الخصومة ظلم وافتراء:”

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ثم انتقل الحديث بعد ذلك للصلح بين المتخاصمين حيث إن الخصومة فيها فشل كبير وذريع وفيها افتراء علي المظلومين :”وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ  ۖوَاصْبِرُوا  ۚإِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ”(الأنفال/46).فلما كان الخصام والشقاق سبب الفرقة والافتراء علي الخلق جاءت السورة بمنهج متكامل شامل”وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ”(الحجرات/9 ,10). يقول صلي الله عليه وسلم:”دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبَغْضَاء، هي الحالقة، لا أقول تحلق الشِّعر، ولكن تحلق الدِّين، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنَّة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أفلا أُنبِّئكم بما يثبِّت ذلك لكم؟ أفشوا السَّلام بينكم”(الترمذي والبيهقي).

السخرية واللمز:”

ــــــــــــــــــــــــــــ

عباد الله:” قد لمست السورة أمراً هاماً من أسباب الافتراء علي الخلق و الناس ألا وهو السخرية واللمز وأوضحت أن هذا قد يكون افتراء فالذي تسخر منه أفضل وخير منك عند الله “يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ”(الحجرات /11). فقد يسخر الرجل الغني من الرجل الفقير، أو الرجل القوي من الرجل الضعيف، والرجل السوي من الرجل المعاق، وقد يسخر الذكي الماهر من الشخص الساذج الخام، وقد يسخر ذو الأولاد من العقيم. وذو العصبية من اليتيم، وقد تسخر الجميلة من القبيحة، والشابة من العجوز، والمعتدلة من المشوهة، ولكن هذه وأمثالها من قيم الأرض ليست هي المقياس، فميزان الله يرفع ويخفض بغير هذه الموازين! فميزان الله هو ميزان التقوى

فالسخرية : هي أن ينظر الإنسان إلى أخيه بعين الاحتقار والاستصغار، ولعل من سخرت منه أو احتقرته هو أعلى وأجل منك..

والقرآن الكريم لا يكتفي بهذا الإيحاء، بل يستجيش عاطفة الأخوة الإيمانية، ويذكر الذين آمنوا بأنهم نفس واحدة من يلمزها فقد لمزها: “وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ”.

واللمز: هو العيب ، فبين أن المعاملة التي ينبغي أن تكون بين الأقوام رجالا ونساء، شعوبا وقبائل بكافة ألوانهم وعقائدهم ومراتبهم الاجتماعية ، هي معاملة الأخوة الإيمانية، 

أما النبز: فهو مناداة الإنسان أخاه بألقاب يكرهها أو يعدها محقرة، أو مثيرة للسخرية. وقال المفسِّرون: نزلَت في امرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم سَخِرَتَا من أم سلمة”؛ (تفسير القرطبي / 326).وعن ابن عباس رضي الله عنهم: “أنها نزلت في صفية بنت حُيَيِّ بن أخطب،أمِّ المؤمنين رضي الله عنها، وذلك أنها أتَت النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن النساء يُعَيِّرْنَنِي،ويقلنَ لي: يهوديَّة بنت يهوديين! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “هلاَّ قلتِ: إن أبي هارون، وإن عمِّي موسى، وإن زوجي محمد”، فأنزل الله هذه الآية“(المصدر السابق).

الظن السيء:”

ــــــــــــــــــــــــــ

  ثم تنتقل السورة إلي سبب أخر من أسباب الافتراء علي خلق الله وظلمهم ألا وهو سوء الظن و اتهام الناس بالباطل  حيث إنّ إساءة الظن بالمسلم أمرٌ محرّمٌ شرعاً ولا يجوز، النهي عن سوء الظن والتجسس والغيبة وهذه الصفات الذميمة يجمعها قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ”(الحجرات: 12)

والظن: التهمة من غير دليل . والتجسس : البحث عن عيب المسلمين وعوراتهم

فعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :”إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ ،فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ ، وَلاَ تَحَسَّسُوا ، وَلاَ تَجَسَّسُوا ، وَلاَ تَحَاسَدُوا ، وَلاَ تَدَابَرُوا ، وَلاَ تَبَاغَضُوا ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا”(متفق عليه).وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ. قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ ؛وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ”( مسلم).

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم “كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ عِرْضُهُ وَمَالُهُ وَدَمُهُ “(الترمذي) وقال صلى الله عليه وسلم قال: “إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الاسْتِطَالَةَ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ”(أحمد، وأبو داود).

وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ: لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِع اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ”(أحمد وأبو داود وابن حبّان) .

و قال النبي صلى الله عليه وسلم” لمَّا عُرِجَ بي مَرَرْتُ بِقومٍ لهُمْ أَظْفَارٌ من نُحاسٍ، يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وصُدُورَهُمْ، فقُلْتُ: مَنْ هؤلاءِ يا جبريلُ ؟ قال : هؤلاءِ الذينَ يأكلونَ لُحُومَ الناسِ، ويَقَعُونَ في أَعْرَاضِهِمْ”. وعن أبي بكرة: نفيع بن الحارث، ” مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِقَبْرَيْنِ. فَقَالَ: ” إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَيُعَذَّبُ فِي الْبَوْلِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُعَذَّبُ فِي الْغِيبَةِ”(ابن ماجه) ولقد جاء عن الحسن البصري رحمه الله أن رجلاً اغتابه ، فأرسل الحسن إليه طبق رطب هدية، وقال: “لقد بلغني أنك أهديت إليَّ من حسناتك، فأردت أن أكافئك “.

 فما أجمل أن يحفظ المسلم لسانه عن الغيبة، بل وما أعظم ان يرد المسلم عن عرض أخيه، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”(الترمذي وأحمد).

إن اتهام الأبرياء بالتهم الباطلة، والأخذ بالظن والتخمين، ورمي المؤمنين بما لم يعملوا، وبهتانهم بما لم يفعلوا، عاقبته وخيمة، وآثاره أليمة في الدنيا والآخرة، لقد صار الحسد، والعداوات الشخصية، من الأمور المستشرية التي تبعث على هذه الافتراءات، وهذا يوصف بالإجرام، وآخر بذهاب الدين، وثالث بالسرقة والاحتيال، ورابع بالفاحشة، وتستمر وسائل التدليس، في ماكينتها الحديثة من مواقع الأخبار في الإنترنت وغيرها، وألسنة الناس تلوك أعراض الأبرياء، ويقولون: فلانة هي التي عملت لكم السحر وهي بريئة، فيصدقون المشعوذ، والذي يتعامل مع الشياطين، فلان عقد لكم السحر، فيتسببون بالقطيعة بين الأقارب، ويأخذون الأخبار من هؤلاء الكهان، والسحرة، أخبار الكذب والدجل؛ لتحدث القطيعة والبغضاء، قال الشيخ السعدي رحمه الله: “وكم أشاع الناس عن الناس أموراً لا حقائق لها بالكلية، أو لها بعض الحقيقة فنميت بالكذب والزور، وخصوصاً عند من عرفوا بعدم المبالاة بالنقل، أو عرف منهم الهوى، فالواجب على العاقل التثبت، والتحرز،  وعدم التسرع، وبهذا يعرف دين العبد، ورزانته، وعقله، قال صلي الله عليه وسلم: “ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً”(البخاري ومسلم).  فكيف يتبين الإنسان؟ كيف يعرف؟ “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا”(الحجرات/ 12). وكما قال عز وجل قبلها: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ”(الحجرات/6).

 التبين والتثبت إذاً، استقصاء الأمر، البحث عن أصل القصة، أين الشهود العدول؟ ما هي البينة؟ إن هنالك ضوابط شرعية في هذه القضية لا بد للمسلمين من معرفتها، وكم من دماء في التاريخ قد أريقت لأبرياء؟ وكم من أعراض قد انتهكت؟ وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم: “إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا “(صحيح). : وقال صلي الله عليه وسلم :”إيَّاكم والظَّنَّ؛ فإنَّ الظَّنَّ أكذب الحديث، ولا تحسَّسوا، ولا تجسَّسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا”(البخاري ومسلم).

ثم كيف نقبل الأخبار من مجاهيل، لا نعرف من الذي كتب في هذه الساحة، أو في غيرها، ومن الذي يروج هذه الإشاعة وغيرها.

عباد الله:

من الذي يروج هذه الإشاعة وغيرها، لا بد أن نتثبت، وأن نتبين، والتحقيق قليل، وطرف التنقيح في الغالب كليل، والوهم نسيب للأخبار وخليل، والتقليد عريق في الآدميين وسليل. يا عبد الله: لن يغني عنك من الله شيئاً أن تقول: سمعت الناس يقولونه فقلته، وقد قال تعالى: “وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمُ”(النــور/ 16). يقول النبي صلي الله عليه وسلم: “كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع”(مسلم).

المساواة والعدل بين البشر:”

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ومن أسباب الافتراء علي الناس هو الظلم والتفرقة في اللون والجنس واللغة فجاءت السورة لتفند كل هذه الافتراءات قال تعالي: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”(الحجرات: 13). فقد أرست السورة الكريمة مبدأ المساوة ؛ وقضت على كل ألوان العنصرية والطبقية ؛ بل قد وضع النبي صلى الله عليه وسلم العنصرية تحت قدميه في خطبة الوداع: فعَنْ أَبِي نَضْرَةَ، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ: “ألا وإنَّ كل شيء مِن أمر الجاهلية موضوعٌ تحت قدميَّ هاتَين ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ، قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللهِ”(أحمد والطبراني والبيهقي).

فيا أيها الناس تعني : يا أيها المختلفون أجناسا وألوانا، والمتفرقون شعوبا وقبائل. إنكم من أصل واحد، فلا تختلفوا ،ولا تتفرقوا ،ولا تتخاصموا ،ولا تذهبوا بددا.

وهكذا تسقط جميع الفوارق، وتسقط جميع القيم، ويرتفع ميزان واحد بقيمة واحدة، وإلى هذا الميزان يتحاكم البشر، وإلى هذه القيمة يرجع اختلاف البشر في الميزان.

وقد حارب الإسلام هذه العصبية الجاهلية في كل صورها وأشكالها، ليقيم نظامه الإنساني العالمي في ظل راية واحدة: راية الله.. لا راية الوطنية، ولا راية القومية ،ولا راية الجنس. فكلها رايات زائفة لا يعرفها الإسلام ،وعنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ قَدْ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالآبَاءِ مُؤْمِنٌ تَقِىٌّ وَفَاجِرٌ شَقِىٌّ وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ”(الترمذي).

قصص من التاريخ اتهم فيها أبرياء

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نبي الله يوسف:”

ــــــــــــــــــــــ

وقد حصل أن اتهم كثير من عباد الله الأبرياء عبر التاريخ، فاتهم نبي الله يوسف في عرضه، ثم برأه الله سبحانه وتعالى: “وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ”(يوسف/ 23).إلى أن قال تعالى: وَاسُتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ”(يوسف/ 25).سارعت المرأة إلى الافتراء، ماذا ستفعل وهي تجري وراءه تريد الفاحشة، وهو يهرب منها، ومن تلك الفتنة، سارعت بكيد المرأة قالت لزوجها: “قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيم”(يوسف/ 25). مَنْ أَرَادَ فسارع يوسف الصديق للدفاع عن نفسه، وهكذا المفترض في الأبرياء، إذا حيكت حولهم التهم، ونسب إليهم ما لم يعملوه كذباً أن لا يسكتوا، وأن يدافعوا عن أنفسهم، قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي”(يوسف 26.).قال الحقيقة، ثم إن الله تعالى قيض ذلك الشاهد فقال: “وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا” رجل عاقل من أهل المرأة، في الغالب أن الذين من طرف الشخص يكذبون لمصلحته، لكن أنطق الله ذلك الشاهد بالصدق “وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَمِنَ الكَاذِبِينَ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ”(يوسف/26-28). فهذه المحنة التي جرت على يوسف عليه السلام فسارع إلى تبرئة نفسه عليه السلام، وللحق علامات، وللصدق أمارات..

نبي الله موسي يتهم:”

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وكذلك كان اليهود مع موسى عليه السلام: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا”(الأحزاب 69). وقصة الآية ذكرها النبي كما قال صلي الله عليه وسلم:” إن موسى كان رجلاً حيياً ستيراً، لا يرى من جلده شيء استحياءً منه كان يبالغ في التستر لا يريد أن يرى أحد شيئاً من جلده، قال: فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده إما برص وإما أدرة  انتفاخ في الخصيتين وإما آفة، وإن الله أراد أن يبرأه مما قالوا  اتهموه بذلك العيب، إنه شيء مشين جداً أن يتكلموا بهذا المستوى المنحط، لكن هذه أخلاق بني إسرائيل وإن الله أراد أن يبرأه مما قالوا لموسى، فخلا يوماً وحده أي موسى عليه السلام فوضع ثيابه على الحجر  وهو بعيد عن الناس  ثم اغتسل، فلما فرغ أي: من اغتساله، وصار أنظف ما يكون أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه معجزة، جرى الحجر بثوب موسى  فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر  أي: يجري وراءه  فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل، فرأوه عرياناً أحسن ما خلق الله، وأبرأه مما يقولون، وقام الحجر أي توقف عن الحركة  فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضرباً بعصاه، فوالله إن بالحجر لندباً من أثر ضربه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً . وهذا الوحي الذي يوحى أخبرنا كم عدد تلك الضربات، أو الأثر الذي تركته تلك الضربات في الحجر،(البخاري).وهكذا اتهموا نبيهم بهذه الأدرة، وبرأه الله مما قالوا، وهكذا يتهم الأبرياء، بعيب في الجسد، بعيب في الدين، بعيب في العقل، وهم أبرياء، تهم باطلة.

مريم ابنة عمران تتهم “

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عباد الله :” وهكذا يفعل هؤلاء اليهود الذين افتروا على مريم قال تعالى: وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا”(النساء/ 156).البهتان: الكذب المفرط الذي يتعجب منه، افتروا عليها – عليها السلام بأنها وقعت في الفاحشة وأنها بغي، وأن ذلك كان مع يوسف النجار، مع أنه كان رجلاً صالحاً فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا “(مريم/ 27). ولكن برأها الله بنطق عيسى، بنطق ولدها:” قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا”(مريم/ 30).وهكذا رد الله تعالى فريتهم، لكن كيف يسارعون إلى اتهام البريئة بالزنا؟ ليس عندهم دليل، ولا بينة، لا رأوا، ولا سمعوا، مباشرة افتروها، افتروا القضية، وإن المتهم المسكين، البريء، والبريئة، ليشكوا إلى الله في ظلمة الليل أمره، ينتحب بالنهار وعينه لا ترقأ من الدمع حزناً على هذه الحال؛ لأنه يعيش في ظنك، وشدة، وضيق من هؤلاء الذين رموه بما رموه به، وليس أعز على الصادق من أن يتهم بالكذب، ولا على الأمين من أن يتهم بالخيانة، فكيف وقد قالوا على نبينا: إنه كذاب، واتهموه بالخيانة.

جريج العابد:”

ـــــــــــــــــــــ

أيها الناس :” وكان في بني إسرائيل رجل يقال له: جريج كان يصلي، جاءته أمه فدعته، فقال: أجيبها أو أصلي -في نفسه- فتكرر ذلك فتضايقت أمه، فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات، يبتلى، يبتلى بشيء، يأتيه من الزانيات، وكان جريج في صومعته يعبد الله منقطعاً عن الناس، فتعرضت له امرأة وكلمته أي: بالفاحشة، عرضت عليه الفاحشة، فأبى، فأتت راعياً فأمكنته من نفسها، فوقع الراعي الزاني على هذه المرأة الزانية، فولدت غلاماً، سألوها من أين هذا؟ قالت: من جريج، البهتان، التهمة، الفرية، فأتوه فكسروا صومعته، وأنزلوه وسبوه، فتوضأ وصلى ثم أتى الغلام، فقال: من أبوك يا غلام؟ قال: الراعي، أنطق الله الغلام، فشهد ببراءة جريج، قالوا: نبني صومعتك من ذهب، قال: لا، إلا من طين. أعيدوها كما كانت وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا”(الطلاق/ 2).

المرأة التي اتهموها بالزنا والسرقة ومازنت وما سرقت:”

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عباد الله :” وبينما امرأة ترضع ابنها إذ مر بها راكب، فارس متكبر، ذو شارة، شكل حسن، وهيئة، ومنظر، وملبس جميل، يشار إليه، فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، اللهم لا تمت ابني حتى يكون مثل هذا، أعجبها شكل الرجل، فقال الغلام وترك الثدي: اللهم لا تجعلني مثله، ثم رجع في الثدي، ومر بامرأة تجرر، بأمة تضرب، فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثلها، فقال: اللهم اجعلني مثلها، فقالت له ذلك، أي سألته عن سبب كلامه، وقد تعجبت أشد العجب من نطق الرضيع، قال: أما الراكب فإنه كافر، أو جبار، وأما المرأة فإنهم يقولون لها: تزني وتقول: حسبي الله، تسرق. وتقول حسبي الله، يقولون: سرقت، زنيت، ولم تفعل. بهتان، اتهام، يقولون: سرقت ولم تسرق، وزنيت ولم تزن، وهي تقول: حسبي الله.

قال النووي رحمه الله معلقاً على القصة: “إنما سأل ذلك لا لأن يكون متهماً ولكن ليكون في براءتها ونصاعتها، لم يسأل أن يكون متهماً وإنما سأل أن يكون في مثل حالها براءة ونصاعة”.

وقال عز وجل في كتابه العزيز: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا”(النساء/ 105).إلى أن قال عز وجل: “وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا”(النساء/ 112).فبعض الناس لا يكتفي بفعل السيئة، حتى يضيف إليها سيئة أخرى، وهي أن يلصقها بالبريء، يسرق ويتهم غيره بالسرقة، يقتل، ويتهم غيره بالقتل، وهكذا، فنزلت الآيات في قوم سرقوا فألبسوا التهمة بغيرهم، وجاء من يجادل ويدافع عنهم إلى النبي صلي الله عليه وسلم ، فأنزل الله الآيات في الدفاع عن البريء، وبيان عاقبة الذي يفتري الكذب على البريء وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا”(النساء/ 112).

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. وأوسعوا لإخوانكم يوسع الله لكم.  

الخطبة الثانية

ـــــــــــــــــــــ

الحمد لله، والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد: “فيا عباد الله:            

 عباد الله: “براءة السيدة عائشة من فوق سبع سموات:”

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أيها الناس:” وحديث الإفك وما أدراك ما حديث الإفك؟ الذي أشاعه المنافق عبد الله بن أبي بن سلول، أشاعه هو وأصحابه، وانتشر الخبر، وتكلم به الناس، وعائشة لا تدري، بعدما رجعت من السفر، وكان وجدها صفوان بن المعطل في الطريق، نسيها الجيش، فأتى بها النبي صلي الله عليه وسلم  فوقع عبد الله في صفوان وعائشة، فعل هذا بهذه، وانتشر الخبر، ولما علمت عائشة والخبر يدور في المدينة، ماذا قالت؟ سبحان الله، أو لقد تحدث الناس بهذا؟ قالت: فبكيت تلك الليلة، حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم أصبحت أبكي، والنبي صلي الله عليه وسلم يصعد المنبر ويقول: يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي، والله ما علمت على أهلي إلا خيراً  قالت: فبكيت يومي ذلك كله لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، حتى إني لأظن أن البكاء فالق كبدي، فبينما أبواي جالسان عندي، وأنا أبكي، استأذنت علي امرأة من الأنصار، فأذنت لها، فجلست تبكي معي، ولما دخل عليها النبي صلي الله عليه وسلم  وأهلها، قالت: قلت وأنا جارية حديثة السن،لا أقرأ من القرآن كثيراً،أي:لا أحفظ منه كثيراً: إني والله لقد علمت، لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به، فلئن قلت لكم: إني بريئة لا تصدقوني، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني، فوالله لا أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف، ولم تكن تذكر اسمه، نسيت يعقوب عليه السلام، لا أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف حين قال: “فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ”(يوسف/18).ثم تحولت واضطجعت على فراشي، والله يعلم أني حينئذٍ بريئة، وأن الله مبرئي ببراءتي، وأنزل الله براءة عائشة في القرآن الكريم..

المرأة السوداء صديقة عائشة التي برأها الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 عباد الله :” وقد حدثت عائشة رضي الله عنها عن امرأة كانت تأتي إليها، سوداء، أمة، وتقول كلما جلست عندها:

ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا *** ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني

فسألتها عائشة: كلما جلست تقولين هذا؟ فقالت: إنها كانت لحي من العرب، أمة، فأعتقوها فكانت معهم، فخرجت صبية لهم عليها وشاح أحمر من سيور، خيطان من اللؤلؤ، فوضعته أو وقع منها، فمر به حدياة، -حدأة- وهو ملقى فحسبته لحماً فخطفته، فالتمسوه فلم يجدوه، قالت: فاتهموني به، فطفقوا يفتشون حتى فتشوا قبلها، وكشفوا عورتها، هذه المظلومة المسكينة، تقول: والله إني لقائمة معهم إذ مرت الحدياة فألقته فوقع بينهم، وفي رواية: فدعوت الله أن يبرأني، فجاءت الحدية وهم ينظرون فألقته بينهم، فقلت: هذا الذي اتهمتموني به زعمتم، وأنا منه بريئة، وهو ذا هو، وجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأسلمت.

عبد الله بن سلام:”

ــــــــــــــــــــ

ولما جاء النبي صلي الله عليه وسلم إلى المدينة، واستقبله فيمن استقبله عبد الله بن سلام، أبو يوسف الحبر الصادق، الذي هداه الله فترك دين اليهودية، وآمن بالنبي صلي الله عليه وسلم ؛ لما تبين له أنه الحق، فلما أسلم قال للنبي صلي الله عليه وسلم : يا رسول الله إن اليهود قوم بهت، يعرفهم، أليسوا قومه؟ أليس منهم؟ إن اليهود قوم بهت، ثم إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم بهتوني عندك، فجاءت اليهود، ودخل عبد الله البيت أي اختفى بعدما أسلم ولم تعلم اليهود بإسلامه- فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم :أي رجل فيكم عبد الله بن سلام؟ قالوا: أعلمنا وابن أعلمنا، وأخيرنا وابن أخيرنا، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم:”أفرأيتم إن أسلم عبد الله قالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج عبد الله إليهم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فقالوا: شرنا وابن شرنا، ووقعوا فيه.

سعد بن أبي وقاص عندما اتهم وهو علي الكوفة:”

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عباد الله :وهكذا لما اتهم سعد بن أبي وقاص، من العشرة المبشرين بالجنة، قالوا عنه: إنه لا يسير بالسرية، يترك الجهاد، ولا يقسم بالسوية، لا يعدل في التوزيع من بيت المال، ولا يعدل في القضية، يجور في الحكم إذا قضى بين الخصمين، قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا الذي قال هذا الكلام، وقد عرف من هو- كاذباً، قام رياءً وسمعة، وهذا الاحتياط في الدعاء من المظلوم، اللهم إن كان عبدك هذا كاذباً قام رياءً وسمعة فأطل عمره وأطل فقره وعرضه بالفتن. هذا الرجل رؤي بعد ذلك شيخ كبير سقط حاجباه على عينيه من الكبر يتعرض للبنات في الشارع يغمزهن، يُسئل فيقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد. وفيه جواز الدعاء على الظالم المعين..

سعيد بن زيد التابعي الصالح يتهم

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أيها الناس :”وأيضاً لما اتهم سعيد بن زيد أنه أخذ شيئاً من أرض لجارته، اتهمته عند الخليفة، قال: أنا كنت آخذ من أرضها شيئاً بعد الذي سمعت من رسول الله صلي الله عليه وسلم ما سمعت؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أخذ شبراً من الأرض ظلماً طوقه إلى سبع أرضين  في عنقه يوم القيامة، شبر إلى سبع أرضين إلى الأرض السفلى حول عنقه. ثم قال: اللهم إن كانت كاذبة فعم بصرها واقتلها في أرضها. قال الراوي: فما ماتت حتى ذهب بصرها ثم بينا هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت”(مسلم).

 

عباد الله:” لقد اتهم كثير من الأبرياء، ومنهم العلماء، وكبراء المسلمين لم يسلموا من هذا، وحكت لنا كتب التاريخ نماذج، فاتهموا عكرمة تلميذ ابن عباس رحمه الله أنه من الخوارج، واتهموا عمرو بن دينار، الراوي، العالم، الصالح، بالتحامل على ابن الزبير وهو بريء، واتهم الشافعي رحمه الله، اتهم رحمه الله عز وجل، اتهم بمعاداة الخلفاء، وهو يحبهم ويقول: الخلفاء الراشدون خمسة، يبدءون بالصديق ويختمون بعمر بن عبد العزيز. اتهم البخاري رحمه الله بخلق القرآن، وهو لا يقول بخلق القرآن، حاشا وكلا أن يقول البخاري رحمه الله بخلق القرآن، وهكذا اتهم ابن أبي عاصم، وابن قتيبة، والدارقطني، والبربهاري، والخطيب، والشاطبي..

 

وختاماً :” أيها الناس علينا بحفظ سورة الحجرات وتعليمها لأبنائنا في البيوت والمدارس والمساجد ووسائل الإعلام فهي سورة الدب والقيم والأخلاق والدفاع عن الأبرياء وما أحوجنا لمكارم الأخلاق وصالح الأخلاق  في زماننا هذا ..

 

 

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »