سلسلة الدروس الرمضانية، الدرس السادس والعشرون: الأعمال بالخواتيم، للدكتور خالد بدير
سلسلة الدروس الرمضانية، الدرس السادس والعشرون: الأعمال بالخواتيم، للدكتور خالد بدير.
لتحميل الدرس بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الدرس بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الدرس كما يلي:
سلسلة الدروس الرمضانية
الدرس السادس والعشرون: الأعمال بالخواتيم
يخلط الإنسان في هذه الدنيا بين الأعمال الصالحة والطالحة؛ ولكن العبرة بالخواتيم؛ ولأهمية الخواتيم عنوَنَ لها الإمام البخاري باباً في صحيحه فقال: ( باب الأعمال بالخواتيم وما يخاف منها ) ؛ وذكر فيها حديثاً لرجلٍ قاتل في أرض المعركة؛ وكانت رقاب الأعداء تتطاير تحت سيفه؛ ومع ذلك ختم الله له بسوء؛ ومات منتحراً لأنه جُرِحَ ولم يصبر على الجرح؛ فقتل نفسهّ!!
فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: نَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَجُلٍ يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُسْلِمِينَ غَنَاءً عَنْهُمْ؛ فَقَالَ:” مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا”؛ فَتَبِعَهُ رَجُلٌ فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى جُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ؛ فَقَالَ بِذُبَابَةِ سَيْفِهِ فَوَضَعَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ فَتَحَامَلَ عَلَيْهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؛ وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا”(البخاري)
فانظر هل ترضى لنفسك أن تموت وأنت على هذه الحال؟!! أم تتمنى أن تموت وتلقى الله ملبيا؟!!
فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَأَقْصَعَتْهُ أَوْ قَالَ فَأَقْعَصَتْهُ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلَا تُحَنِّطُوهُ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا” ( متفق عليه ) .
فالرسول – صلى الله عليه وسلم – أمر الصحابة أن يغسلوه ويكفنوه ؛ ونهاهم أن يطيبوه أو يخمروا رأسه ( يغطوها ) ليبقى على إحرامه ليلقى الله محرماً وملبياً !!
هذه رسالة أوجهها لي قبلكم: إذا أردت حسن الخاتمة فحافظ على الطاعة والزمها؛ لأنك ستموت على ما كنت تفعله وتداوم عليه – خيراً أو شراً – في دنياك.
وأذكر لكم مواقف ممن كان قبلكم لتأخذوا منها العبرة والعظة:
روي أنه احتضر رجل ممن كان يجالس شرب الخمور، فلما حضره نزع روحه أقبل عليه رجل ممن حوله وقال: قل لا إله إلا الله، فتغير وجهه وتلبد لونه وثقل لسانه، فردد عليه صاحبه: يا فلان قل: لا إله إلا الله، فالتفت إليه وصاح: لا.. اشرب أنت ثم اسقني، ثم ما زال يرددها حتى فاضت روحه.
فرق كبير بين من يلقى الله مخموراً وبين من يلقاه ملبياً !!!
وقد ذكر الإمام ابن القيم عدة مواقف للخواتيم فقال:
” أخبرني بعض التجار عن قرابة له أنه احتضر وهو عنده، وجعلوا يلقنونه لا إله إلا الله وهو يقول: هذه القطعة رخيصة، وهذا مشترٍ جيد، هذه كذا، حتى قضى ولم ينطق التوحيد!!
وأخبرني من حضر عند وفاة أحد الشحاذين فجعلوا يقولون له: قل لا إله إلا الله؛ فجعل يقول: فلس لله.. فلس لله، حتى ختم بهذه الخاتمة!!
وقيل لآخر كان يدمن الغناء: قل لا إله إلا الله، فجعل يهذي بالغناء ويقول: تاننا تنتنا، حتى مات!!!
فكيف يوفَّق لحسن الخاتمة من أغفل اللهُ سبحانه قلبَه عن ذكره، واتّبَعَ هواه، وكان أمره فُرُطًا؟ فبعيدٌ من قلبٍ بعيدٍ من الله تعالى، غافلٍ عنه، متعبّدِ لهواه، أسيرٍ لشهواته؛ ولسانٍ يابسٍ من ذكره، وجوارحَ معطّلةٍ من طاعته مشتغلةٍ بمعصيته أن توفَّقَ للخاتمة بالحسنى.؟!!”( الداء والداء).
إن الإنسان لو عاش على الطاعة وداوم عليها فإن الله الكريم يستحي أن يقبضه على معصية. قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} أي: ” حافظوا على الإسلام في حال صحتكم وسلامتكم لتموتوا عليه، فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه أنه من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بُعث عليه، فعياذًا بالله من خلاف ذلك.”
وقد يقول قائل كيف أموت على طاعة؟!!
والجواب في حكمة قالها أبو حازم سلمة بن دينار : كل ما لو جاءك الموت عليه فرأيته خيراً فالزمه ، وكل ما لو جاءك الموت عليه فرأيته شراً فاجتنبه. أي: إذا أردت أن تموت على طاعة فالزمها؛ وإن كرهت الموت على معصية فاتركها!!!
فعلينا أن نجتهد ونختم شهر رمضان بالأعمال الصالحة؛ فالأعمال بالخواتيم.
يقول الإمام ابن حجر بعد ذكره حديث اجتهاد الرسول صلى الله عليه وسلم في العشر:” وفي الحديث الحرص على مداومة القيام في العشر الأخير إشارة إلى الحث على تجويد الخاتمة ، ختم الله لنا بخير آمين .” ( فتح الباري)
إن الإنسان الذي يداوم على الطاعة وأصبحت سجيةً له يستعمله الله – عز وجل- في عمل الخير عند خاتمته؛ بل ويعسله كما جاء في الحديث.
فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ:”إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَّلَهُ”، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، وَمَا عَسَّلَهُ؟ قَالَ:”يُفْتَحُ لَهُ عَمَلا صَالِحًا، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ”. ( أحمد والحاكم والطبراني واللفظ له) .
وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :”إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ؛ فَقِيلَ: كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ”( أحمد والحاكم والطبراني والترمذي واللفظ له وقال: هذا حديث حسن صحيح)
بداية الصفحة وآخرها..
ابدأ يومك .. ابدأ شهرك .. ابدأ عامك .. بطاعة واختمه بطاعة، فالبدايات والخواتيم عليها مدار الفوز والخسارة .. ابدأ يومك بصلاة فجر أو قيام سحر، واختمه بنوم على سلامة صدر وطهارة بدن، ابدأ شهر رمضان بطاعة واختمه بطاعة؛ فلو كان أول سطر في صحيفتك خيرا وآخر سطر فيها خيرا لمحا الله لك ما بينهما، وأنا أستبشر هنا ببشارة حبيبنا صلى الله عليه وسلم.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ:” الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ؛ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ؛ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ؛ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ” ( مسلم )
وإذا كان كتاب عمرك أول سطر فيه أذانٌ قرع أذنك عقب ولادتك، فاستبشر بأن يكون آخر سطر فيه إن شاء الله كلمة التوحيد ينطق بها لسانك، لتكون جواز عبورك إلى الجنة.
نسأل الله أن يختم بالباقيات الصالحات أعمالنا!!!!
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي