سلسلة الدروس الرمضانية، الدرس الخامس والعشرون: العظة والعبرة من مرور الأيام والأعوام، للدكتور خالد بدير
سلسلة الدروس الرمضانية، الدرس الخامس والعشرون: العظة والعبرة من مرور الأيام والأعوام، للدكتور خالد بدير.
لتحميل الدرس بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الدرس بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الدرس كما يلي:
سلسلة الدروس الرمضانية
الدرس الخامس والعشرون: العظة والعبرة من مرور الأيام والأعوام
إننا لو نظرنا إلى الأيام والليالي والأعوام لوجدناها تمر وتنصرم كالبرق الخاطف؛ فقد كنا بالأمس القريب نحتفي ونحتفل بذكرى الإسراء والمعراج؛ وبعدها حادث تحويل القبلة ؛ وبعدها كيف نستقبل رمضان؟! واليوم ونحن على أعتاب انقضاء شهر رمضان المبارك؛ وبعد أيام قلائل نحتفل بالعشر الأوائل من ذي الحجة؛ ثم الهجرة؛ وهكذا دواليك تفعل بنا الأيام والليالي !!!
ها هي الأيام تمضي بنا سريعاً نحو انقضاء الشهر الفضيل، فما أسرع مرور الأيام وتعاقب الأزمان، وإنها لآية للمعتبرين، وذكرى للذاكرين، وها هي العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك تتراءى في الأفق مئذنة برحيل شهر انتظرناه، فكم كنا بلهفة واشتياق لاستقباله والأُنس بأيامه ولياليه، عقدنا الآمال فيه لزيادة الطاعات والقربات، ومحو الذنوب والسيئات، فيا سعادة من فاز بالقرب من ربه بكثرة الطاعات والقربات، ويا خسارة من تعلق بحبل الآمال وترك شريف الأعمال، وانشغل بالملهيات عن خير الليالي والأيام!!
إن أعماركم بضعة أيام تقضونها ؛ قال الحسن البصري: “يا ابن آدم، إنما أنت أيام، إذا ذهب يوم ذهب بعضك”.
وقال: “يا ابن آدم، نهارك ضيفك فأحسِن إليه، فإنك إن أحسنت إليه ارتحل بحمدك، وإن أسأت إليه ارتحل بذمِّك، وكذلك ليلتك”.
. وقال أيضاً: “الدنيا ثلاثة أيام: أما الأمس فقد ذهب بما فيه، وأما غداً فلعلّك لا تدركه، وأما اليوم فلك فاعمل فيه”.
أرأيت يا أخي: لو أن أنسانا سافر من مدينة إلى أخرى، فإنه كلما قطع مسافة سوف تقصر المسافة التي بينه وبين تلك المدينة التي يريد الذهاب إليها ؟!! أرأيت إلى هذا التقويم الذي نضعه فوق مكاتبنا في بداية كل عام، إنه مليء بالأوراق، وفي كل يوم نأخذ منه ورقة واحدة فقط، وفي نهاية العام لا يبقى منه إلا الجلدة فقط.
دَقَّـــــــــــــــــــاتُ قلبِ المرءِ قائلة ٌ له: …………إنَّ الحياة َ دقائقٌ وثواني
فارفع لنفسك بعدَ موتكَ ذكرها ……….فالذكرُ للإنسان عُمرٌ ثاني
فمنذ رمضان الماضي مضى عام؛ والمتأمل المتبصر يعلم أنه قد نقص من عمره عام، ماذا؟!!!
نعم نقص من عمره عام، فقد يظن البعض أن عمره زاد عاماً؛ وهو يفرح بزيادة عمره ولا يدري المسكين أن عمره نقص عاماً؛ فالعام الماضي كنت أبلغ تسعاً وثلاثين سنة، وهذا العام قد بلغت الأربعين فزاد عمري، نقول: لا، بل نقص عمرك؛ لأنه قد علم أن أجل الإنسان محدد قبل أن ينزل إلى هذه الدنيا، كما في الحديث “يجمع خلق أحدكم في بطن أمه….” وفيه “فيؤمر الملك بكتب أربع كلمات: ومنها أجله.” (البخاري ومسلم).
إذاً فأجل الإنسان معلوم ومحدد، فالذي ينظر بعين البصيرة يعلم أن عمره قد نقص كلما مر عليه عام .
وقد كان السلف الصالح رحمهم الله، يجعلون من مرور الأيام والسنين مدكراً ومزدجراً، فكانوا يستحيون من الله أن يكونوا اليوم على مثل حالهم بالأمس، وقال بعضهم: كيف يفرح من يومه يهدم شهره، وشهره يهدم سنته، وسنته تهدم عمره؟! كيف يفرح من عمره يقوده إلى أجله، وحياته تقوده إلى موته ؟!
فعليكم بالعمل فإن اليوم الذي يذهب لا يعود ؛ يقول الحسن رحمه الله : ” ما من يومٍ ينشق فجره، إلا نادى منادٍ من قبل الحق: يا ابن آدم! أنا خلقٌ جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود فيّ بعملٍ صالح؛ فإني لا أعود إلى يوم القيامة”.
لذلك كان الصالحون لا يندمون إلا على فوات الوقت الذي لم يرفعهم درجة، قال ابن مسعود: “ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي”.
فاحرص على اغتنام الفرصة ولا تضيع وقتك فيما لا يفيد؛ قال ابن القيم: “إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها”.
وقال السري بن المفلس: “إن اغتممت بما ينقص من مالك، فابكِ على ما ينقص من عمرك”.
فكل يوم يمر عليكم تزدادون بعدا من الدنيا وقربا من الآخرة فاعملوا وتزودوا لها .
قال علي بن أبي طالب: ارتحلت الدنيا مدبرة ؛ وارتحلت الآخرة مقبلة ؛ ولكل واحدة منهما بنون؛ فكونوا من أبناء الآخرة؛ ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل .
وروي أنّ أبا بكرة دخل على معاوية رضي الله عنهما فقال : اتق الله يا معاوية ، واعلم أنّك في كلّ يوم يخرج عنك ، وفي كلّ ليلة تأتي عليك ، لا تزداد من الدنيا إلاّ بعداً ، ومن الآخرة إلاّ قرباً ، وعلى أثرك طالب لا تفوته ، وقد نصب لك علماً لا تجوزه ، فما أسرع ما تبلغ العلم ، وما أوشك ما يلحق بك الطالب ، وإنّا وما نحن فيه زائل ، وفي الذي نحن إليه صائرون باق ، إن خيراً فخير ، وإن شرّاً فشرّ .
الدنيا ساعة فاجعلها طاعة
هذه المقولة تشتمل على جزأين:
الجزء الأول: الدنيا ساعة
فهل فعلا حياتك كلها وسنوات عمرك ساعة؟!!
الجواب: نعم ، عمرك كله ساعة ، وسأدلل لذلك بالمعقول والمنقول.
قال تعالى: { وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ } (الحج: 47)، فاليوم بحساب الله بألف سنة من حسابنا، وأعمار هذه الأمة بين الستين والسبعين وأقلهم من يجوز ذلك.
فعمرك ستون سنة، واليوم عند الله بألف سنة، ولو قسمنا يوم الله – الألف سنة – على 24 التي هي ساعات اليوم لكانت النتيجة 1000 ÷ 24= 41 يعني ساعة إلا ثلث، لأن الثلث وقت نومك لا تحاسب عليه، فالستون سنة تساوي بحساب الله ساعة إلا ثلث، من يوم الله.
وقد ذكر الله أحوال الناس في المحشر وهم يعترفون بأن الدنيا ساعة فقال تعالى: { وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} ( يونس:45) وقال: { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ } ( الأحقاف: 35 )
وقال: { وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ } ( الروم: 55)
وقد صرح لنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- بذلك، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَوْ اتَّخَذْتَ فِرَاشًا أَوْثَرَ مِنْ هَذَا؟ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا لِي وَلِلدُّنْيَا مَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا ” [ أحمد وابن ماجة والترمذي وصححه ].
لقد صوَّر الرسول- صلى الله عليه وآله وسلم- في هذا الحديث طول حياة الإنسان في هذه الحياة الدنيا بمثل الفترة التي يستريح فيها المسافر تحت ظلِّ شجرة في رحلة طويلة له، وهي- بلا شك- ضئيلة جدًّا مقارنة بطول الرحلة نفسها.
سبيلُكَ في الدنيا سبيلُ مسافرٍ *** ولا بُدَّ من زادٍ لكل مسافرِ
فالمدة التي يمكثها المسافر تحت ظلِّ الشجرة لا تساوي إلا مقدارًا ضئيلًا مقارنة بالمدة التي يحتاجها لقطع رحلة سفره. وهذا التصوير من قِبَل رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- لا يعطينا مؤشرًا بقِصَر مدة هذا الحياة مقارنة بالحياة الأبدية في الدار الآخرة فحسب، وإنما يعطينا مؤشرًا حول تفاهة هذه الحياة وحقارتها، وأن على الإنسان ألَّا يعيرها اهتمامًا بالغًا إلا بالمقدار الذي يحتاجه للبقاء فيها.
ومن الأدلة أيضا، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قَالَ : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِمَنْكِبَيَّ ، فقال : ” كُنْ في الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ ، أَو عَابِرُ سَبيلٍ ” وَكَانَ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما ، يقول : إِذَا أمْسَيتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ . (رواه البخاري ) .
قالوا في شَرْحِ هَذَا الحديث معناه : لاَ تَرْكَنْ إِلَى الدُّنْيَا وَلاَ تَتَّخِذْهَا وَطَناً ، وَلاَ تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِطُولِ البَقَاءِ فِيهَا ، وَلاَ بِالاعْتِنَاءِ بِهَا ، وَلاَ تَتَعَلَّقْ مِنْهَا إِلاَّ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْغَريبُ في غَيْرِ وَطَنِهِ ، وَلاَ تَشْتَغِلْ فِيهَا بِمَا لاَ يَشْتَغِلُ بِهِ الغَرِيبُ الَّذِي يُريدُ الذَّهَابَ إِلَى أهْلِهِ .
قال أهلُ السيرِ: حضرت الوفاةُ نوحا عليه السلام، فقيل له يا نوحُ كيف وجدت الحياة؟ قال والذي نفسي بيدِه ما وجدتُ الحياةَ إلا كبيتٍ له بابان دخلتُ من هذا وخرجتُ من الآخر. فيا ابنَ الستينَ والسبعين أنت ما عشت ألفَ سنة، فكيفَ تصفُ الستينَ والسبعينَ في معاصي الله، وفي انتهاكِ حدودِ الله، وفي التجرئِ على حُرماتِ الله؟!!
فالإنسان في هذه الحياة الدنيا كمثل المسافر يقول ابن القيم – رحمه الله – : الناس منذ خلقوا لم يزالوا مسافرين, وليس لهم حط رحالهم إلا في الجنة أو في النار ؛ والعاقل يعلم أن السفر مبني على المشقّة وركوب الأخطار، ومن المحال عادة أن يطلب فيه نعيم ولذّة وراحة, إنما ذلك بعد انتهاء السفر. ( الفوائد )
وهناك وقفة جميلة تفكرت فيها بين ولادة الإنسان ووفاته، فالمولود حين ولادته يؤذن في أذنه اليمنى وتقام الصلاة في اليسرى، ومعلوم أن كل أذان وإقامة يعقبهما صلاة، فأين الصلاة؟!!!
أقول: صلاة الجنازة ليس لها أذان ولا إقامة لأنه قد أذن وأقيم لها عند ولادتك والفترة التي بين الأذان والإقامة والصلاة كفترة عمرك في الدنيا.
ومما يدل على قصر عمرك وأنه ساعة بحساب الله، بعثة النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ قَالَ وَضَمَّ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى ” ( مسلم ) .
فأنت ترى أن النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – ضم السبابة والوسطى ولم يفصل بينهما، ومعنى ذلك: أن القيامة مقرونة ببعثته وقد بعث منذ أكثر من 1435 سنة فلماذا لم تقم الساعة؟!!
أقول: أن اليوم بحساب الله بألف سنة من حسابنا – كما ذكرنا – وأن 1435سنة لم تكمل يوما ونصف يوم بحساب الله، ومن الممكن أن تقوم الساعة بعد 5 أو 6 أو 7 أيام بحساب الله، فلو قلت لك القيامة ستقوم بعد أسبوع من بعثة النبي فإن الأسبوع بالنسبة لنا قليل ويمر بسرعة ولكنه بحساب الله سبعة آلاف سنة ، وأن الستين سنة تساوي ساعة، وبذلك أثبتُّ لك بالمعقول والمنقول أن عمرك ساعة!!!
الجزء الثاني: فاجعلها طاعة
فبما أننا جميعا مقرِّون بأن الدنيا ساعة، وأننا لم نخلق عبثا وأن أعمارنا تمضي سريعة في بحر متقلب بأفراحه ومتاعبه وأحزانه فلماذا لا نسارع إلى تغيير أنفسنا في عامنا الجديد ونصحح أخطاء ما مضى وانطوى من ماضينا القديم ولنجعل شهرنا هذا شهر خير وبركة لنا وللأمةِ جمعاء … ومن أراد أن يكون أسعد الناس وأحسنهم فليغتنم كل حياته وأيامه ولياليه بحسن العمل الذي يرضي الله تعالى؛ فعن أبي صفوان عبد الله بن بسر الأسلمي، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” خير الناس من طال عمره وحسن عمله” ( رواه الترمذي، وقال: حديث حسن)
ولذلك شكى وبكى الصالحون والطالحون ضيقَ العمر، وبكى الأخيارُ والفجارُ انصرامَ الأوقات، فأما الأخيارُ فبكوا وندموا على أنهم ما تزودوا أكثر، وأما الفجارُ فتأسفوا على ما فعلوا في الأيامِ الخالية.
فعن أَبي هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ إِلَّا نَدِمَ. قَالُوا وَمَا نَدَامَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ: إِنْ كَانَ مُحْسِنًا نَدِمَ أَنْ لَا يَكُونَ ازْدَادَ ، وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا نَدِمَ أَنْ لَا يَكُونَ نَزَعَ” ( الترمذي)
ولقد حرص السلف الصالح علي وقتهم بما يعجز عنه الوصف والتعبير، وصفهم الحسن البصري رحمه الله بقوله: أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم.
ونقل عن عامر بن قيس من التابعين أن رجلاً قال له: تعال أكلمك، قال: أمسك الشمس، يعني أوقفها لي واحبسها عن المسير لأكلمك، فإن الزمن سريع المضي لا يعود بعد مروره، فخسارته لا يمكن تعويضها واستدراكها.
وقيل لسفيانَ الثوري: اجلس معنا نتحدث. قال: كيف نتحدثُ والنهارُ يعملُ عملَه، ما طلعت الشمسُ إلا كانت شاهدةً على العبادِ فيما فعلوا؟!!
وقال ابن عقيل رحمه الله: إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، أعملت فكري في حالة راحتي وأنا مستطرح، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره. (ذيل طبقات الحنابلة).
فانظر كيف يستغل وقت طعامه وراحته في إعمال فكره فيسطره بعد قضاء حوائجه الشخصية؟!!!
ويقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله:” إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما ” .
وقال بعضهم: “من أمضى يوماً من عمره في غير حقٍ قضاه، أو فرض أداه، أو مجدٍ أصله، أو حمد حصله، أو خيرٍ أسسه، أو علمٍ اقتبسه، فقد عق يومه وظلم نفسه”.
فكم نضيع من أوقاتنا بلا فائدة في ديننا أو دنيانا، ومن أقوال الفاروق رضي الله عنه: إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللاً لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة .
وقال الشافعي- رحمه الله:” صحبتُ الصوفية فما انتفعتُ منهم إلا بكلمتين، سمعتهم يقولون: الوقتُ سيفٌ، فإن قطعته وإلا قطعك، ونفسُك إن لم تشغلها بالحقِّ شغلتك بالباطل”.
فاتقوا الله -يا عباد الله- واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله، وحاسبوا أنفسكم عند وداع شهركم، وتوبوا إلى ربكم توبة نصوحاً، ومن كان منكم أحسن فيما مضى من أيامه، فليحمد الله على ذلك، ويستمر عليه إلى الممات، ومن كان مفرطاً في شيءٍ من الواجبات، أو مرتكباً لشيء من المحرمات فليتب إلى ربه، ويندم على فعله، ويقلع عن معصيته، ويعزم على ألا يعود إليها في مستقبل أيامه وأعوامه.
نسأل الله أن يبارك لنا في أوقاتنا وأعمارنا ؛ وأن يختم بالباقيات الصالحات أعمالنا ؛؛
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي