مقالات وأراء

دعاة الإحباط ودعاة الأمل، لوزير الأوقاف

سئم الناس ثقافة الإحباط والاكتئاب , وحق لهم , إذ إن هذه الثقافة المرة مرارة الحنظل إنما تنضح من أوان صدئة , ونفوس مظلمة , تنظر بعيون سوداء , ولا ترى من الكوب سوى نصفه الفارغ , أو جانبه الصدئ , فتريد أن تضفى سوادها على الكون , وأن تحمّله أوجاعها ومآسيها عنتًا وكرها , على نحو ما تمثلت به ليلى بنت طريف في رثائها أخيها مالك , عندما توجهت إلى شجر الخابور الوارف الظلال المسجى بالخضرة فأرادته قحطًا قاحلاً يابسًا جافًا , فقالت :

فيا شجر الخابورِ مالــــكَ مورقـــا
كأنك لم تحزنْ على ابن طريف

وكما قال الشاعر إيليا أبو ماضي :

والــــذي نفســــه بغيـــر جمــــال
لا يــرى في الوجود شيئا جميــلا
إنّ شرّ الجناة فــي الأرض نفــسٌ
تتوقّـــى، قبل الرّحيــلِ ، الرّحيلا
وترى الشّوك في الورود ، وتعمى
أن ترى فوقهـــا النّـــدى إكليـــلا

أو كما قال الشاعر البائس عبد الحميد الديب :

إنَّ حظـي كدقيق فوق شــوكٍ نثــروه
ثم قالـوا لحفاةٍ يــوم ريــحٍ اجمعــــوه
صعــب الأمر عليهم ثم قالــوا اتركـوه
إنَّ من أشقاه ربى كيف أنتم تسعدوه

     لقد عدّ العلماء اليأس والتيئيس والإحباط والتحبيط من الكبائر , ودعانا ديننا السمح أن نيسر ولا نعسر ونبشر ولا ننفر , فقال نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا ، وَيَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا ” , ويقول إيليا أبو ماضي في دعوة سمحة للتفاؤل :

قـــال السمــــاء كئيبــــــة ! وتجهمــــــا
قلت: ابتسم يكفي التجهم في السما !
قـــال: الليالـــــي جرعتنـــــي علقمــــا
قلت: ابتسم و لئن جرعـــت العلقمــــا
فلعـــــــل غيــــــــرك إن رآك مرنمــــــــا
طـــرح الكآبـــــة جانبــــــا و ترنمــــــــا

     فما بال هؤلاء الذين ملئت قلوبهم بالحقد والسواد , فلا يرون إلا قتامًا ؛ وكأنهم لم يقفوا على سعة رحمة الله وما فتحه لعباده من أبواب الأمل في الدنيا والآخرة , حيث يقول سبحانه : ” مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ” (فاطر : 2) , ويقول سبحانه : ” وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ” (الأعراف : 96) , وقوله تعالى : ” وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ” (يوسف : 87) , وقوله تعالى : ” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ” (الزمر : 53).

     على أننا نؤكد أنه على الرغم من محاولات التيئيس التي يعمل أعداؤنا على فرضها علينا , لنصل إلى أنه لا أمل , فإن هناك جهودًا كبيرة تبذل في مجالات بث الأمل , يأتي على رأسها جهود السيد الرئيس / عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية سواء في تصويب الخطاب الديني , أم في مجال مواجهة الإرهاب , أم في مجال تلك المشروعات الاقتصادية العملاقة التي بدأت تشق طريقها إلى النور والواقع , وفي المجال الفكري تأتي جهود الأزهر الشريف من خلال جهود فضيلة الإمام الأكبر في الداخل والخارج وجولاته العالمية وبخاصة خطابه المتميز أمام البرلمان الألماني , وجهود وزارة الأوقاف المصرية ودار الإفتاء في الداخل والخارج أيضًا , إلى ما يقوم به الكتاب الوطنيون والمؤسسات والجهات الوطنية , التي سيعلو صوت أملها ويسرها وسماحتها بإذن الله تعالى , ذلك أن حال عمل أهل الحق بصدق وإخلاص فإن الباطل زاهق ومنسحق لا محالة , حيث يقول الحق سبحانه : ” بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ” (الأنبياء : 18) , ويقول سبحانه : “وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ” (الشورى : 24) , ذلك أن شجرة الباطل قد تعلو وترتفع غير أن جذورها تظل هشة لا تثبت أمام الرياح أو الزمن , أما شجرة الحق فراسخة رسوخ الجبال , حيث يقول الحق سبحانه : ” أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ * يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ” (إبراهيم : 25-27).

اظهر المزيد

admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »