د . محمد داود يكتب : فاروق شوشة … الإنسان النبيل ومواقف لا تُنسى
• رحل الشاعر النبيل فاروق شوشة وترك لنا زادًا مشرقا ليس من الشعر والأدب والنقد فحسب؛ بل ترك لنا مواقف مشرقة وذكريات جميلة تجعله خالدًا فى أعماقنا ….
• لقد آثرت أن يكون رثائى لهذه العبقرية من جانب مهم يتصل بحياة الجميع، مَنْ يهتم بالشعر ومن لا يهتم بالشعر، إنه جانب يُظهر نُبل الإنسان فاروق شوشة، وذلك من خلال ذكرياتى معه خلال فترة وجودى خبيرًا بمجمع اللغة العربية.
• البداية كانت عندما أهديته تحقيقى لديوان مدائح المختار للصرصرى، هذه الشخصية الفذَّة صاحبة الموقف الخالد أمام التتار؛ حيث قاتلهم بشعره وعكازه … ودار حوار سريع عن شخصية الصرصرى الشعرية، وأهم الملامح المميزة له، حيث نال تحقيقى لهذا الكتاب جائزة مجمع اللغة العربية فى تحقيق التراث عام 2004م.
• ومرت الأعوام وأنتجت كتابًا اشتجر حوله الخلاف فى الصحافة بين مؤيد ومعارض، وهو كتاب: اللغة وكرة القدم .. ونال منى البعض بالقول الشديد، وردَّ على هؤلاء فى عُجالة العلامة المرحوم أستاذنا الدكتور تَّمام حسَّان … وإذ بالشاعر النبيل الإنسان الأستاذ فاروق شوشة يُفاجئنى بمقالين متتاليين فى جريدة الأهرام عن كتاب اللغة وكرة القدم وفكرته، وأنه يضيف زاوية جديدة فى علم اللغة الاجتماعى، وأثنى على مؤلف الكتاب ثناءً بالغًا (سألحق المقالين فى نهاية هذا المقال).
• ومرت أعوام قليلة وكنت قد أنتجت قبلها بأعوام كتاب (استدراك ما فات المعجم الوسيط) … وحدث أيضًا لوم داخل المجمع أن أقدم ذلك للطباعة وأنا داخل المجمع، لما لم أقدم هذه الاستدراكات للمجمع مباشرة؟! وكانت اللفتة الإيجابية الكريمة من العلمين … العلامة أستاذ الأجيال أ.د/شوقى ضيف، والإنسان النبيل الشاعر المبدع/ فاروق شوشة- من وراء إعادة تشكيل لجنة تحديث المعجم الوسيط، وجعلونى ضمن هذه اللجنة .. ثم كان الشاعر النبيل فاروق شوشة رئيسًا لهذه اللجنة، وأشهد أنى أفدت من جمال أسلوبه، وأنى كنت مدينًا للعلامة اللغوى أستاذ الأجيال الدكتور كمال بشر؛ حيث تعلمت منه الدقة والإحكام فى الأسلوب فلا يكون فيه حشو، بل يصل إلى درجة من الترابط أنك يتعذر عليك حذف كلمة من المقالة، بل من العبارة الواحدة، فإننى فى المقابل تعلمت الحسَّ الفنىَّ الجمالىَّ من الأستاذ فاروق شوشة.
• ومرت أعوام قليلة وأنتجتُ معجم الفروق الدلالية فى القرآن الكريم، وأهديته نسخة، وكان فى نهاية الإهداء ..” أملاً فى ملاحظاتكم ” لم أكن أحسب أنه يقرأ الإهداء ويحوِّل ما به إلى واقع، فقرأ وأشاد وأثنى ونصح وأرشد.. وهو صاحب فكرة توسيع المعجم ليكون موسوعيًّا فى مادته ونحن نعمل فيها الآن برفقة أفرقة من العلماء … يفصح عن تفاصيله فى حينه.
• قامت الثورة .. وصاحَبَ الثورة أمواج من التغيُّر اللغوى.. فى الكلمات والأساليب.. وجمعتُ أكثر من مائتى كلمة وأسلوب نالهم التغيير وقدمتهم للمجمع، واشتجر الخلاف حولها، وتحدثت معه عبر التليفون فنصحنى… قائلا: اعلم أن المجمع قيد لمثلك، فالأمور عندنا فى المجمع لا تسير بالسرعة التى تريدها أنت !!!.. أنصحك أن تكمل بحثك هذا وتضم إليه معجم التعبير الاصطلاحى فى العربية المعاصرة فى طبعة جديدة حتى لا يذهب جهدك هباءً، وبدأت فى العمل فإذا بالفكرة الفاروقية تنمو إلى المعجم الموسوعى للتعبير الاصطلاحى فى اللغة العربية، وكنت قد عرضت عليه أن يكون شريكًا فى فريق المعجم لكنه اعتذر لوقته وصحته ومشاغله.
وكتب لى بخط يده كلمات مشرقة سأعرضها بعد مقالتى تلك.
وبعد أعوام تمَّ المعجم، وما أن وضع بين يديه عن طريق حبيبنا ومدير مكتبه الأستاذ مجاور، حتى اتصل بى وهنَّأنى وقال: هكذا د.داود يقدم نفسه أنه صاحب الإنجازات الكبيرة.
• كما كتب الأستاذ فاروق شوشة أكثر من مرة فى مجلة العربى الكويتية عن عملى فى الألفاظ والأساليب التى أقدمها للمجمع.
كان – رحمه الله – نافذة مشرقة بالجود والكرم، والنبل للآخرين، لم يكن لنفسه فقط.
• التقيته فى حفل السفارة السعودية بالعيد الوطنى للمملكة العربية السعودية… ودار حوار سريع… عن إنتاج المجمع وأعضاء المجمع..فقال لى.. الناس بآثارهم وليس بمناصبهم.
فاروق شوشة الشاعر .. الناقد الأديب .. ينافسه فاروق شوشة الإنسان النبيل وداعًا فاروق شوشة … تبقى جميلا مشرقًا فينا.