خطبة بعنوان : هذا هو الإسلام ، للدكتور خالد بدير ، بتاريخ 25 أكتوبر 2019م
خطبة بعنوان : هذا هو الإسلام ، للدكتور خالد بدير ، بتاريخ 26 صفر 1441 هـ ، الموافق 25 أكتوبر 2019.
لتحميل خطبة بعنوان : هذا هو الإسلام ، للدكتور خالد بدير ، وعناصرها:
لتحميل خطبة بعنوان : هذا هو الإسلام ، للدكتور خالد بدير بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة بعنوان : هذا هو الإسلام ، للدكتور خالد بدير ، بصيغة pdf أضغط هنا.
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
ولقراءة خطبة بعنوان : هذا هو الإسلام ، للدكتور خالد بدير : كما يلي:
عناصر خطبة بعنوان : هذا هو الإسلام ، للدكتور خالد بدير :
العنصر الأول: مفهوم الإسلام والفرق بينه وبين الإيمان
العنصر الثاني : أركان الإسلام وأثرها في تهذيب الأخلاق
العنصر الثالث: أخلاقيات الإسلام بين النظرية والتطبيق
المقدمة: أما بعد:
خطبة بعنوان : هذا هو الإسلام
العنصر الأول: مفهوم الإسلام والفرق بينه وبين الإيمان
عباد الله: تعالوا بنا لنعرف مفهوم الإسلام والفرق بينه وبين الإيمان؛ وهل أنت مسلم أم مؤمن؟!! ولماذا يُكتب في البطاقة الشخصية والمستندات عامة الديانة: مسلم ؛ ولم يُكتب مؤمن؟!!
أحبتي في الله: الإسلام معناه: الاستسلام والخضوع والانقياد لأوامر الله تعالى، فهو الانقياد الظاهري.
وأما الإيمان فمعناه:
التصديق بالقلب؛ فهو الانقياد الباطني؛ فخص الإسلام بالأعمال الظاهرة؛ والإيمان بالأعمال القلبية التي لا يطلع عليها إلا الله. ففي حديث جبريل عليه السلام؛ لما سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم: ” وَقَالَ يَا: مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْلَامُ: أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ؛ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ؛ وَتَصُومَ رَمَضَانَ؛ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا؛ قَالَ صَدَقْتَ:
قَالَ فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ؟ قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ؛ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ. قَالَ: صَدَقْتَ” (مسلم)؛ فنحن نرى أن أعمال الإسلام كلها ظاهرة؛ وتؤدى وتحس بإحدى الحواس الخمسة؛ كالشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها؛ أما أعمال الإيمان فكلها أعمال اعتقادية قلبية لا يطلع عليها إلا الله؛ كالإيمان بالله والملائكة واليوم الآخر بما فيه من حساب وصراط وميزان وجنة ونار وغير ذلك؛ لذلك قيد الله الإيمان بأنه لا يكون إلا بالغيب؛ قال تعالي: { الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ }(البقرة: 3).
فالعبد بنطقه الشهادتين يكون مسلماً أمام الجميع:
أما دخول الإيمان قلبه فلا يعلم به إلا الله:
فقد يكون مسلماً ومع ذلك هو منافق معلوم النفاق؛ كعادة المنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فنحن لنا الظاهر والله يتولى السرائر ؛ وبهذا المبدأ كان يتعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع المنافقين؛ فعن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ. فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ:
يَا لَلْأَنْصَارِ! وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ! فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ. فَقَالَ: دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ. فَسَمِعَ بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فَقَالَ: فَعَلُوهَا؟! أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ. فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: دَعْهُ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ.”(متفق عليه)؛ ولذلك عاتب النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد رضي الله عنه على قتله رجلاً بعد ما نطق بالشهادتين؛ فعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ:” بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ؛ فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؛ فَطَعَنْتُهُ؛ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ؛ فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟! قَالَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنْ السِّلَاحِ!! قَالَ: أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟!! فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ لذلك!” (مسلم). ؛ وقد نفى الله تعالى الإيمان عن الأعراب حينما ادعوه وهم لم يمتثلوا به أو يعتقدوه في قلوبهم؛ قال تعالى: { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ }(الحجرات: 14)؛ ولهذا يكتب في البطاقة ( مسلم )؛ ولا يكتب (مؤمن)؛ لأن الإيمان في القلب ولا يعلمه إلا الله!!
أيها المسلمون:
نخلص من ذلك أن الإيمان لا يكون إلا الغيب؛ والإسلام يكون بالاستسلام الظاهري؛ هذا إذا اجتمعا؛ أما إذا افترقا فكلٌ منهما يحمل معنى الآخر ضمنا؛ ولذلك يقول العلماء في الإسلام والإيمان: إنهما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا.
فكلاهما ينوب عن الآخر ويقوم مقامه إذا ذكر وحده، فإذا قيل: هذا الشخص مؤمن فمعناه أنه مسلم، وإذا قيل مسلم فمعناه أنه مؤمن، وهذا معنى إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، أي: إذا ذكرا معاً فإن لكل منهما معناه الخاص، كما في حديث جبريل، وإذا ذكر أحدهما دون الآخر فإنه يتضمن الآخر غير المذكور؛ وبهذا المعنى يكون الإيمان أعلى ، فبينهما عموم وخصوص؛ فالإسلام أعم؛ والإيمان أخص؛ فكل مؤمن مسلم ولا عكس !! ومثله: الفقير والمسكين؛ فإذا ذكر أحدهما يحمل معنى الآخر؛ تقول: أقوم بتوزيع هذا المال على الفقراء؛ أو أقوم بتوزيع هذا المال على المساكين. أما إذا ذكرا معا افترقا؛ كما في آية الصدقات في قوله تعالي: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ……..}الآية (النساء: 60).
العنصر الثاني : أركان الإسلام وأثرها في تهذيب الأخلاق
أحبتي في الله: إن من ينظر إلى أركان الإسلام الخمسة يجد أنها تحمل في طياتها معاني أخلاقية عظيمة ؛ فذكر الله من خلال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ؛ فيه طمأنينة للقلب وسكينة للنفس كما ذكرنا ذلك بالتفصيل في الخطبة الماضية .
ولو طوفنا حول جميع العبادات المفروضة الأربعة لوجدنا أن الهدف منها هو تهذيب الأخلاق وتزكيتها، ففي الصلاة، تأتي الحكمة العليا منها في قوله تعالى: { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } (العنكبوت: 45) ؛ فأنت مأمور في أداء الصلاة في جماعة، لكي تتفاعل مع الناس وتربطك بهم صلات وتواد وتراحم، فضلاً عن أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فالفحشاء والمنكر هما جماع الأقوال البذيئة والأفعال السيئة، وهما لا يظهران إلا في التعامل مع الناس في المجتمع.
والزكاة المفروضة- مثلاً – ليست ضريبة تؤخذ من الجيوب:
بل هي أولاً غرس لمشاعر الحنان والرأفة، وتوطيد لعلاقات التعارف والألفة بين شتى الطبقات، وقد نص القرآن على الغاية من إخراج الزكاة بقوله:
” خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ” [التوبة/103]، فتنظيف النفس من أدران النقص، والتسامي بالمجتمع إلى مستوى أنبل هو الحكمة الأولى، والناظر في هذه الآية يرى أن فيها بياناً لأثر الزكاة على المزكي من حيث تهذيب نفسه وإصلاحها، والمقصود هنا تطهيرهم من ذنوبهم التي لا بد أن تقع منهم، حيث الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، ومعلوم أن الخطايا قد تكون مادية كما تكون معنوية، ومن جملة الخطايا المعنوية البخل والشح، وقد ذمهما الله تعالى، حيث قال عز وجل:
{ هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ} .( محمد: 38 )، ويقول الله تعالى: { وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }. ( الحشر: 9 )، حيث البخل والشح قيمتان سلبيتان في نفس الإنسان، بوجودهما لا يمكنه أن يمد يد العون لغيره من المحتاجين، فينتج عن ذلك آثار سلبية أخرى في نفوس هؤلاء المعوزين، حيث يرمقون هذا الغني البخيل بعين الغيظ والحنق والحسد، والحقد على من أعطاه الله من ماله، وحبس حق هذا المال عن عياله، فالخلق عيال الله كما ورد في الحديث القدسي.
وعلى ذلك يسود المجتمع بخل وشح وتقتير، وحبس لحقوق الفقراء من أموال الأغنياء، وحنق وحسد وغيظ، وكل هذه صفات نهى الشرع عنها، لأنها كفيلة على قلتها أن تفتت كيان المجتمع، وأن تحل عرى الوفاق بين أفراده، فمجتمع لا يسوده الحب والوئام، هو مجتمع ضعيف هزيل، لا يستطيع أن يدفع عن نفسه أي شر أو أذى، ثم إنه لا يستطيع أن يكون له دور في ترقيه الحياة والسمو بها.
وفي الصيام نعلم أن رمضان هو شهر الأخلاق ومدرسته:
فهو شهر الصبر، وشهر الصدق، وشهر البر، وشهر الكرم، وشهر الصلة ، وشهر الرحمة ، وشهر الصفح ، وشهر الحلم، وشهر المراقبة، وشهر التقوى، وكل هذه أخلاق يغرسه الصوم في نفوس الصائمين وذلك من خلال قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } . ( البقرة : 183) ، بكل ما تحمله كلمة التقوى من دلالات ومعان إيمانية وأخلاقية، ويربي الرسول صلى الله عليه وسلم الصائمين على أرفع القيم الخلقية وأنبلها حيث يقول:
“الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ : إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ ” (البخاري ومسلم)، فالصوم جنة أي وقاية من جميع الأمراض الخلقية، ويفسره ما بعده ” فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ” فإن اعتدى عليك الآخرون بسبٍّ أو جهل أو أذى فقل: ” إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ ” . والمعني: إني في غاية التقوى والتحلي بأخلاق الصيام ، ولا ينبغي لي أن أفسد صومي بالرد عليك بهذه الأقوال البذيئة، فإذا حاول إنسان استفزازك بما يحملك على رد إساءته، ومقابلة سبِّه بسب، فعليك أن تدرك أن الصوم يحجزك عن ذلك لأنه جنة ووقاية من سيء الأخلاق.
وفي الحج يغرس القرآن أسمى المعاني الأخلاقية في نفوس الحجاج والمعتمرين من خلال قوله تعالى:
“الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ” [البقرة/197]، فقد يظن الإنسان أن السفر إلى البقاع المقدسة رحلة مجردة عن المعاني الخلقية، بل أنت مأمور بضبط الأخلاق أثناء الزحام، كما يجب عليك اجتناب الرفث والفسوق والجدال والخصام في الحج، فضلاً عن غرس قيم الصبر وتحمل المشاق والمساواة بين الغني والفقير والتجرد من الأمراض الخلقية.
إن العبادات لا يمكن أن تؤتى ثمرتها المرجُوّة إلا إذا ظهر أثرها في سلوك المرء وأخلاقه وتعامله مع الآخرين، فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له، ومن لم ينهه حجه وصومه عن اللغو والرفث والفسوق فما انتفع بحج ولا بصيام …..وهكذا
عباد الله: إن رسالة الإسلام رسالة أخلاقية:
بل إنه صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن الهدف من بعثته غرس مكارم الأخلاق في أفراد المجتمع فقال:
” إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ صالحَ الأخلاقِ” [أحمد والبيهقي والحاكم وصححه]. قال المناوي: “أي أُرسلت لأجل أن أكمل الأخلاق بعد ما كانت ناقصة، وأجمعها بعد التفرقة.”
وقد وقف العلماء عند هذا الحديث قائلين:
لماذا حصر النبي بعثته في مكارم الأخلاق مع أنه بعث بالتوحيد والعبادات وهي أرفع منزلة وأهم من الأخلاق؟!!
والجواب:
أن التوحيد والعبادات شرعت من أجل ترسيخ مكارم الأخلاق بين أفراد المجتمع، فالغاية والحكمة الجليلة من تشريع العبادات هي غرس الأخلاق الفاضة وتهذيب النفوس؛ كما هو معلوم في الصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها كما سبق .
ولأهمية الأخلاق أصبحت شعاراً للدين الإسلامي الحنيف ( الدين المعاملة ) فلم يكن الدين صلاة ولا زكاة ولا صوم فحسب؛ قال الفيروز آبادي -رحمه الله تعالى-: “اعلم أن الدين كله خلق، فمن زاد عليك في الخلق؛ زاد عليك في الدين”.
إن الإسلام دين الطهارة ظاهراً وباطناً ؛ يشمل طهارة الظاهر من خلال الوضوء والغسل:
ونظافة الباطن من الأحقاد والضغائن . وهذا موقف حدث مع غير المسلمين يبين أن الإسلام دين الطهارة والنظافة :
ففي إحدى البلاد الغربية جاء وقت الصلاة، فدخل أحد المسلمين حمام أحد المراكز، وبدأ في الوضوء، وكان هناك أجنبي غير مسلم ينظر إليه باندهاش، وعندما وصل أخونا المسلم إلى غسل القدمين، رفع رجله ووضعها على المغسلة وهنا صاح الأجنبي بصاحبنا المسلم: ماذا تفعل؟؟؟ أجابه المسلم بابتسامة قائلاً: أتوضأ.
قال الأجنبي:
أنتم المسلمون لستم نظيفين، دائماً توسخون الأماكن العامة، والآن أنت تدعي بأنك تنظف نفسك بينما أنت توسخ (المغسلة) بوضع قدمك الوسخة عليها، هذه المغسلة لغسل اليدين والوجه، يجب أن تكون نظيفة فلا توسخها!! فقال المسلم: هل لي أن أسألك سؤالاً وتجيبني بكل صراحة؟
قال الأجنبي: تفضل. قال المسلم: كم مرة في اليوم تغسل وجهك؟
قال الأجنبي: مرة واحدة، عندما استيقظ من النوم، وربما مرة أخرى إذا أحسست بتعب أو إرهاق.
فأجابه المسلم مبتسماً:
أما بالنسبة لي فأنا أغسل رجلي في اليوم خمس مرات، فقل لي أيهما أنظف؟؟
قدمي أم وجهك؟!!! فسكت الأجنبي وانسحب من المكان !!
هذا هو الإسلام الذي يسعى إلى نظافة الظاهر والباطن معا ً .
العنصر الثالث: أخلاقيات الإسلام بين النظرية والتطبيق
عباد الله :
عرفنا في عنصرنا السابق ؛ أن الإسلام بأركانه الخمسة يدعو إلى غرس مكارم الأخلاق بين أفراد المجتمع ؛ وهذا يحتاج منا إلى التطبيق العملي على أرض الواقع لننشر سماحة الإسلام وأخلاقه الرشيدة ؛ وإننا لو نظرنا إلى حياتنا المعاصرة لوجدنا انفصالا بين ما نقرأه ونتعلمه من تعاليم الإسلام وأخلاقه السمحة؛ وبين ما نطبقه على أرض الواقع؛ وسأحكي لكم قصة تدل على مدى الانفصال والانفصام بين النظرية والتطبيق العملي للإسلام:
شاب يعمل في دولة أجنبية، فأعجبته فتاة أجنبية فتقدم لخطبتها وكانت غير مسلمة، فرفض أبوه لأنها غير مسلمة، فأخذ الشاب مجموعة من الكتب تظهر سماحة الإسلام وروحه وسلوكياته وأخلاقه ثم أعطاها لها، طمعاً في إسلامها وزواجها، فطلبت منه مهلة شهرين تقرأ الكتب وتتعرف على الإسلام وروحه وأخلاقه وسماحته، وبعد انتهاء المدة تقدم لها فرفضته قائلة: لست أنت الشخص الذي يحمل تلك الصفات التي في الكتب، ولكني أريد شخصاً بهذه الصفات!!
فكلنا نقرأ عن أخلاق الإسلام!!
وكلنا نحفظ آيات وأحاديث في الأخلاق!! وكلنا نسمع صورا مشرقة من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وسلفنا الصالح رضي الله عنهم أجمعين!! ولكن هل طبقنا ذلك عمليا؟!!
إن الفعل أبلغ من القول ؛ وهناك حكمة تقول: فعل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل لرجل، ومعناها:
أن الأفعال أقوى تأثيراً من الكلام. فلو أن رجلاً فعل موقفاً أخلاقياً يدل على الأمانة مثلاً سيكون أقوى بشدة في آلاف الناس من ألف محاضرة يلقيها إنسان عن الأمانة. وما أجمل قول أحدهم: “ لا تحدثني عن الدين كثيراً ، ولكن دعني أرى الدين في سلوكك وأخلاقك وتعاملاتك “ .
ويحزنني قول أحد العلماء المسلمين لما سافر إلى دول الغرب ووجدهم يطبقون تعاليم الإسلام قائلاً:
وجدت هناك إسلاماً بلا مسلمين وهنا مسلمين بلا إسلام .
أيها المسلمون:
إن الفتح العسكري لم يكن الطريقة الوحيدة التي انتشر بها الإسلام في العالم، ولكن دخل الإسلام بلادًا عديدةً عن طريق أخلاق التجار المسلمين؛ عندما يرى الناس أخلاق التجار المسلمين وصدقهم في الحديث وأمانتهم؛ فيُعجبوا بالإسلام ويدخلوا فيه، وكان ذلك سبباً في نشر الإسلام في أكبر الدول الإسلامية الآن كإندونيسيا وماليزيا والصين والهند وباكستان وأفغانستان والجمهوريات الروسية وكل دول وسط وجنوب أفريقيا؛ هذه الأخلاق كان لها بعد كبير على رواج دعوة الإسلام في كل العالم .
فعلينا أن نبلغ رسالة الإسلام السمحة كما هي ولا نحرفها ولا نبدلها أو نغير فيها ؛ أو نستخدمها وفق أهوائنا الشخصية والنفعية والحزبية ؛ رسالة الإسلام السمحة هي الرسالة الأخلاقية التي أصاغها جعفر بن أبي طالب للنجاشي ملك الحبشة حيث قال:
” أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ؛ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ، وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ، وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ، وَنُسِيءُ الْجِوَارَ يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ؛ فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ؛ فَدَعَانَا إِلَى اللَّهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ؛ وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْكَفِّ عَنْ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ؛ وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ؛ وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلَامِ..” [ أحمد وابن خزيمة ] .
أحبتي في الله:
ينبغى علينا أن نُظهِرَ للعالم كله – من خلال تعاملاتنا الأخلاقية – أن الإسلام دين السلام والمحبة والتسامح والعفو والرحمة ؛ وأن كل ما ينسب إلى الإسلام من عنف وإرهاب وفوضى وانحلال ؛ أو تعصب وجمود فهو ليس من الإسلام في شيء ؛ هناك فرق بين التدين الشكلي والتدين الحقيقي؛ التدين الحقيقي الذي يحمل رسالة الإسلام السمحة كما ذكرناها بالتفصيل؛ أما أولئك الذين يلبسون ثوب الإسلام ظاهراً وشكلاً ؛ وهم يحملون أفكاراً متطرفة هدامة؛ فهم لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه؛ والإسلام منهم ومن أفعالهم براء؛ ولا يمثلون الإسلام في شئ؛ قال الإمام الحسن البصري رحمه الله:
” إن أقواما طلبوا العبادة وتركوا العلم ؛ فخرجوا على أمة محمد بأسيافهم ولو طلبوا العلم لحجزهم عن ذلك”.
إننا نريد أن نبلغ رسالة الإسلام السمحة للعالم كله ؛ حتى نكون دعاة خير وهدى وأمن وأمان وسلام ؛؛
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ؛ واصرف عنها سيئها فإنه لا يصرف عنا سيئها إلا أنت ؛؛؛
الدعاء،،،،
وأقم الصلاة،،،،
كتب خطبة بعنوان : هذا هو الإسلام :
خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
______________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للمزيد عن أسئلة واختبارات وزارة الأوقاف
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
بارك الله فيك