خطبة بعنوان: مبدأ السلام في الإسلام بين الواقع والمأمول ، للدكتور خالد بدير
خطبة بعنوان: مبدأ السلام في الإسلام بين الواقع والمأمول ، للدكتور خالد بدير
لتحميل الخطبة أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
عناصر الخطبة:
العنصر الأول: حث الإسلام على مبدأ السلام
العنصر الثاني: شبهة انتشار الإسلام بالعنف والسيف والإكراه والرد عليها
العنصر الثالث: موقف غير المسلمين قديما وحديثا من مبدأ السلام
المقدمة: أما بعد:
العنصر الأول: حث الإسلام على مبدأ السلام
إن الإسلام بمدلوله معناه السلام ، وهو مشتقٌّ من صفة الله واسمه الكريم السلام بصريح القرآن: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ }[الحشر : 23] ثم أمر الله أن يدخل فيه جميع المؤمنين فقال الله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}[البقرة: 208 ]
وتحقيقاً لتطبيق وتمكين السلام في عقيدة المسلم بمدلوله اللغوي والاصطلاحي، أمر الله المؤمنين بأن يتخذوه تحيتهم عند لقائهم ببعضهم، وعند فراقهم قال تعالى: { تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا} [الأحزاب: 44 ] ثم قال: { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61] حتى يتعود المؤمن على عهد السلام وسلوك طريقه.
إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي عني عناية فائقة بالدعوة إلى السلام، فالسلام الذي يسعى هذا الدين الحنيف إلى تثبيت دعائمه داخل المجتمعات الإسلامية وفي خارجها قائم على أسس إنسانية عادلة، فهو يسعى إلى استقرار علاقات المجتمعات الإسلامية بغيرها من المجتمعات، كما يسعى إلى استقرار مجتمعاته، وهذه الحقيقة اعترف بها عدد من مفكري الغرب، فعلى سبيل المثال ها هو بروس ب0لورنس يطالب بضرورة تصحيح الأوصاف النمطية التي تصف الإسلام وأهله بالعنف، مشيرا إلى أن : الإسلام دين سلام والمسلمون ليسوا رهائن للعنف في طبيعتهم الأساسية؛ ومن ناحية أخرى يجد الكاتب أن الإسلام قد يكون جزءا من الحل فيقول : (بالإمكان الاستشهاد بالولاء المسلمين للإسلام لتفادي دوامة العنف) وهو في قوله هذا يشابه ما جاء في الخطاب الذي ألقاه رئيس الولايات المتحدة “باراك أوباما” في جامعة القاهرة، عام 1430هـ2009م، فقد قال 🙁 إن إيمان أكثر من مليار شخص أكبر بكثير من الكراهية الضيقة لقلة، إن الإسلام ليس جزءا من المشكلة فيما يتعلق بمكافحة التطرف العنيف، ولكنه جزء مهم في الترويج للسلام).
نعم الإسلام هو الحل لمعضلات شائكة يشهدها العالم اليوم مع الأسف وكما قال لورنس:( الإسلام ليس مجرد دين، فهو أيضاً أكثر من مجرد مذهب سياسي- اجتماعي، فبإمكان الإسلام أن يكون ..نظرة عالمية تدعو للتوافق مع النظرات العالمية الأخرى، وليس للتصادم معها)، فها هو مفكر غربي يعلن يقينه بأن الإسلام قادر على أن يكون رمزا للتوافق مع العالم على اختلاف توجهاته، وها هو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، يعترف بهذه الحقيقة بحمد الله، الحقيقة التي علينا كمسلمين أن نعمل على رعايتها ونموها وصمودها أمام فئة إرهابية ارتأت الخروج عن النسق وتشويه تعاليم ديننا الحنيف، بل وسخرت نفسها للنيل من تعاليمه.
فالسلام هو الأصل الذي يجب أن يسود العلاقات بين الناس جميعاً، فالمولى الله سبحانه عندما خلق البشر لم يخلقهم ليتعادوا أو يتناحروا ويستعبد بعضهم بعضاً، وإنما خلقهم ليتعارفوا ويتآلفوا ويعين بعضهم بعضا، ويوحدوه بالعبادة سبحانه، وليعيش الناس في ظله آمنين على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم.
ولأن الإسلام ينشد السلام ويدعو إلى استقرار المسلمين واستقرار غيرهم، حرم على المسلمين الاعتداء بشكل عام، ومن هنا أطالب علماءنا الأفاضل في مشارق الأرض ومغاربها العمل الجاد كمؤسسات وأفراد، لتوضيح مكانة السلام في هذا الدين، فالقتال في الإسلام شرع لأمرين لا ثالث لهما، فهو يكون إما للدفاع عن الدين الإسلامي بضروراته الخمسة، أو للدفاع عن الأمن والسلام الذي يسعى الإسلام لتدعيم أركانه في المجتمعات الإسلامية، فالقتال في الإسلام شرع لرد الاعتداء أين كان مصدره، سواء جاء من دول أو جماعات متسللة خارجه عن القانون،أو أفراد امتهنوا الإرهاب ومارسوه على أرض الواقع.
ومن هنا كان طبيعيا أن نطالب بتجنيد العقول والأقلام الإسلامية لتوضيح حقيقة هذا الدين السامي الداعي للسلام، ولم يكن غريبا أن نطالب بتكثيف الدراسات لتصحيح هذه الأفكار على كافة الأصعدة الداخلية والخارجية، فإن كان العالم يفتقد لصوت الحق في هذه القضية، فأبناء الإسلام أيضا بحاجة للاستيعاب والتعايش مع الرؤية الإسلامية للعلاقات الإنسانية، من خلال الوقوف على موقف الدين الإسلامي السامي من السلام.
فهل يعي المسلمون محاسن هذا الدين ويحسنون عرضها على الآخرين ؟ . وهل يفهم الآخرون حقيقة الإسلام ويدركون أنه دين يحسن التعامل مع جميع الناس ويقر لهم بحقهم في العيش الأمن المطمئن طالما أنهم يحترمون حقوق المسلمين ويعترفون بوجوده دينا أنزله الله تعالى؟!
العنصر الثاني: شبهة انتشار الإسلام بالعنف والسيف والإكراه والرد عليها
انتشار الإسلام بالعنف من الشبهات التي يردِّدُها كثيرًا بعضُ المغرضين؛ حيث يدَّعُون أن الرسول كان رجلاً عنيفًا يحبُّ إراقة الدماء، وأن الإسلام انتشر بالسيف، وأن معتنقي الإسلام لم يدخلوا فيه طواعية ولا اختيارًا، وإنما دخلوا فيه بالقهر والإكراه.
والحقيقة أن جوهر الإسلام وخبر التاريخ يكذِّبان هذه الفرية، ويستأصلونها من جذورها، وقد شهد أبو سفيان زعيم قريش -وهو رجل حارب رسول الله سنوات عديدة، ولم يؤمن إلاَّ بعد أكثر من عشرين سنة من الإعراض والصَّدِّ- شهد لرسول الله بقوله: ” إِنَّكَ لَكَرِيمٌ ، فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي ، وَاللَّهِ لَقَدْ حَارَبْتُكَ فَنِعْمَ الْمُحَارِبُ كُنْتَ، ثُمَّ سَالَمْتُكَ فَنِعْمَ الْمُسَالِمُ أَنْتَ، جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا .”[تاريخ دمشق لابن عساكر].
وفي قاعدة أساسيَّة صريحة بالنسبة للحريَّة الدينيَّة يقول تعالى:{لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}[البقرة: 256]، فلم يأمر الرسول -والمسلمون من بعده- أحدًا باعتناق الإسلام قسرًا، كمالم يُلجئوا الناس للتظاهر به هربًا من الموت أو العذاب؛ إذ كيف يصنعون ذلك وهم يعلمون أن إسلام المُكْرَه لا قيمة له في أحكام الآخرة، وهي التي يسعى إليها كل مسلم؟!
وقد جاء في سبب نزول الآية السابقة: ” أنه كان لرجل من الأنصار من بني سالم بن عوف ابنان متنصِّران قبل مبعث رسول الله ، ثم قدما المدينة في نفر من النصارى يحملون الزيت، فلزمهما أبوهما، وقال: لا أدعكما حتى تُسْلِمَا. فأبيا أن يُسلما؛ فاختصموا إلى النبي ، فقال: يا رسول الله، أيدخل بعضي النار وأنا أنظر؟! فأنزل الله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} الآية، فخلَّى سبيلهما” [أسباب النزول للسيوطي].
وقد جعل الإسلام قضية الإيمان أو عدمه من الأمور المرتبطة بمشيئة الإنسان نفسه واقتناعه الداخلي فقال سبحانه: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29]، ولفت القرآنُ نظر رسول الله إلى هذه الحقيقة، وبيَّن له أن عليه تبليغ الدعوة فقط، وأنه لا سلطان له على تحويل الناس إلى الإسلام، فقال: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: 99]، ومن ذلك يتَّضح أن دستور المسلمين يرفض رفضًا قاطعًا إكراه أحد على اعتناق الإسلام.
هذا وقد مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثة عشر عاماً، يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وقد كان نتاج هذه المرحلة أن دخل فى الإسلام خيار المسلمين من الأشراف وغيرهم، وكان الداخلون أغلبهم من الفقراء، ولم يكن لدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثروة عظيمة يغرى بها هؤلاء الداخلين، ولم يكن إلا الدعوة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تحمَّل المسلمون – لاسيما الفقراء والعبيد ومن لا عصبية له منهم – من صنوف العذاب وألوان البلاء ما تعجز الجبال الرواسي عن تحمله، فما صرفهم ذلك عن دينهم وما تزعزعت عقيدتهم، بل زادهم ذلك صلابة فى الحق، وصمدوا صمود الأبطال مع قلتهم وفقرهم، وما سمعنا أن أحداً منهم ارتدّ سخطاً عن دينه، أو أغرته مغريات المشركين فى النكوص عنه، وإنما كانوا كالذهب الإبريز لا تزيده النار إلا صفاءً ونقاءً.
بل إن هناك من أراد قتل النبي ومع ذلك لم يكرهه الرسول على الإيمان أو يضرب عنقه مع قدرته على ذلك.
فعن أَبَي هُرَيْرَةَ يَقُولُ: ” بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ سَيِّدُ أَهْلِ الْيَمَامَةِ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ مِنْ الْغَدِ فَقَالَ: مَاذَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ فَسَلْ تُعْطَ مِنْهُ مَا شِئْتَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ، فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ كُلِّهِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ كُلِّهَا إِلَيَّ، وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: صَبَوْتَ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنْ أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا وَاللَّهِ لَا يَأْتِيكُمْ مِنْ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” (متفق عليه)
فقد أسلم ثمامة بن أثال دون ضغط أو إكراه، بل إن إسلامه وُلِدَ قويًّا إلى الدرجة التي دفعته إلى مقاطعة قريش من أجل أنها تحارب رسول الله مُضحِّيًا بذلك بثروة هائلة كانت تأتيه من تجارته معها، ومُضحِّيًا كذلك بعَلاقات اجتماعيَّة مهمَّة مع أشراف قريش.
ولقد فطن لبطلان هذا الادعاء كاتب غربى كبير هو توماس كارليل ، حيث قال فى كتابه ” الأبطال وعبادة البطولة ” ما ترجمته: ” إن اتهامه – أى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم – بالتعويل على السيف فى حمل الناس على الاستجابة لدعوته سخف غير مفهوم ؛ إذ ليس مما يجوز فى الفهم أن يشهر رجل فرد سيفه ليقتل به الناس، أو يستجيبوا له، فإذا آمن به من يقدرون على حرب خصومهم ، فقد آمنوا به طائعين مصدقين، وتعرضوا للحرب من غيرهم قبل أن يقدروا عليها ” .
ويقول المؤرِّخ الفرنسي غوستاف لوبون في كتابه (حضارة العرب) وهو يتحدَّث عن سرِّ انتشار الإسلام في عهد رسول الله وفي عصور الفتوحات من بعده: “قد أثبت التاريخ أن الأديان لا تُفْرَض بالقوَّة، ولم ينتشر الإسلام -إذن- بالسيف، بل انتشر بالدعوة وحدها، وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التي قهرت مؤخَّرًا كالترك والمغول، وبلغ القرآن من الانتشار في الهند -التي لم يكن العرب فيها غير عابري سبيل- ما زاد عدد المسلمين إلى خمسين مليونَ نفس فيها، ولم يكن الإسلام أقلَّ انتشارًا في الصين التي لم يفتح العرب أيَّ جزء منها قطُّ…”[ غوستاف لوبون: حضارة العرب ص128، 129.].
فالإسلام إذن إنما غزا القلوب وأسر النفوس.. وإن كان بإمكان السيف أن يفتح أرضًا، فليس بإمكانه أن يفتح قلبًا!!
وهذا نبينا وقدوتنا- صلى الله عليه وسلم- مكرت به قريش في جاهليتها؛ آذوه، عذبوا أصحابه، أخرجوه من بلده، خططوا لقتله، حاربوه في دينه ومعتقده، قاتلوه وقتلوا أصحابه، وكانوا حريصين على قتله؛ ومع كل ذلك يوم أن مكنه الله من رقابهم يوم فتح مكة خاطبهم وهو واقف على باب الكعبة وهم وقوف تحت قدميه، ما تظنون أني فاعل بكم؟ فجاءه الرد من قلوب خائفة ذليلة وجلة أخ كريم وابن أخي كريم، فماذا فعل فيهم صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي وبالناس أجمعين؟ خاطبهم بذلك الخطاب الذي يمسك بأذن التاريخ والبشرية ليصب فيها أروع صور العفو والمسامحة اذهبوا فأنتم الطلقاء مع كل ما فعلتموه، اذهبوا فأنتم الطلقاء مع كل ما ارتكبتموه. هذا هو السلام في الإسلام، فما أعظمه من أمن وسلام، وما أجملها من سماحة وعفو .
العنصر الثالث: موقف غير المسلمين قديما وحديثا من مبدأ السلام
رأينا فيما سبق سماحة الإسلام وأنه دين سلام، وليس دين عنف وقهوة وإكراه وسفك دماء.
وفي هذه الوقفة السريعة أقف مع حضراتكم مع الطرف الآخر وموقفه من مبدأ السلام وسماحة الإسلام قديما في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، وحديثا وخاصة ما يفعله اليهود تجاه المستضعفين في الأراضي المقدسة.
أما قديما في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد تعامل مع غير المسلمين من خلال مبدأ السلام والتعايش السلمي حتى مع كل من عاداه وآذاه ومع ذلك فقد غدروا به مرات عديدة، وشواهد ذلك من السنة والسيرة أكثر من أن تحصى وأنت بها خبير.
وكذلك قد تحمل الصحابة رضوان الله عليهم من البلاء العظيم ما تنوء به الرواسي الشامخات، وبذلوا أموالهم ودماءهم في سبيل الله، وبلغ بهم الجهد ما شاء الله أن يبلغ، ولم يسلم أشراف المسلمين من هذا الابتلاء من أعدائهم، روى البخاري في ” صحيحه ” عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ رضي الله عنه قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: ” أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا ؟، أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا ؟ “، قَالَ: ” كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِه،ِ وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ “.
وروى ابن ماجه وغيره ـ وحسنه الألباني رحمه الله ـ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: ” كَانَ أَوَّلَ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ سَبْعَةٌ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعَمَّارٌ، وَأُمُّهُ سُمَيَّةُ، وَصُهَيْبٌ، وَبِلَالٌ، وَالْمِقْدَادُ، فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ فَمَنَعَهُ اللَّهُ بِقَوْمِهِ، وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَأَخَذَهُمْ الْمُشْرِكُونَ، وَأَلْبَسُوهُمْ أَدْرَاعَ الْحَدِيدِ، وَصَهَرُوهُمْ فِي الشَّمْسِ، فَمَا مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وَاتَاهُمْ عَلَى مَا أَرَادُوا إِلَّا بِلَالًا؛ فَإِنَّهُ هَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ فِي اللَّهِ، وَهَانَ عَلَى قَوْمِهِ، فَأَخَذُوهُ فَأَعْطَوْهُ الْوِلْدَانَ، فَجَعَلُوا يَطُوفُونَ بِهِ فِي شِعَابِ مَكَّةَ، وَهُوَ يَقُولُ: ” أَحَدٌ أَحَدٌ”
وهذا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه؛ روى مسلم في ” صحيحه ” عن مُصْعَبِ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ نَزَلَتْ فِيهِ آيَاتٌ مِنْ الْقُرْآنِ، قَالَ: ” حَلَفَتْ أُمُّ سَعْدٍ أَنْ لَا تُكَلِّمَهُ أَبَدًا حَتَّى يَكْفُرَ بِدِينِهِ، وَلَا تَأْكُلَ، وَلَا تَشْرَبَ، قَالَتْ: ” زَعَمْتَ أَنَّ اللَّهَ وَصَّاكَ بِوَالِدَيْكَ وَأَنَا أُمُّكَ وَأَنَا آمُرُكَ بِهَذَا “، قَالَ: مَكَثَتْ ثَلَاثًا حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهَا مِنْ الْجَهْدِ، فَقَامَ ابْنٌ لَهَا يُقَالُ لَهُ عُمَارَةُ فَسَقَاهَا، فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى سَعْدٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ هَذِهِ الْآيَةَ ” وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي ” وَفِيهَا: ” وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ” “قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: ” قال سعد : كنت رجلاً براً بأمي فلما أسلمت، قالت: ” يا سعد ما هذا الذي أراك قد أحدثت، لتدعن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي، فيقال ” يا قاتل أمه “، فقلت: ” لا تفعلي يا أمه؛ فإني لا أدع ديني هذا لشيء “، فمكثت يوماً وليلة لم تأكل، فأصبحت قد جهدت، فمكثت يوماً وليلة أخرى لم تأكل فأصبحت قد جهدت، فمكثت يوماً وليلة أخرى لا تأكل فأصبحت قد اشتد جهدها، فلما رأيت ذلك قلت: ” يا أمه تعلمين والله لو كانت لك مئة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني لشيء، فإن شئت فكلي وإن شئت لا تأكلي “، فأكلت “. أ. هـ. ” تفسير ابن كثير ” (3/446)
وهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أول من جهر بالقرآن بمكة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن مسعود، فقد اجتمع يوماً أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: ” والله ما سمعت قريش بهذا القرآن يجهر لها به قط، فمن رجل يسمعهم ؟ “، فقال عبد الله بن مسعود: ” أنا “، قالوا: ” إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلاً له عشيرة تمنعه من القوم إن آذوه “، فقال: ” دعوني؛ فإن الله عز وجل سيمنعني “، فغدا عبد الله حتى أتى المقام في الضحى وقريش في أنديتها حتى قام عند المقام، فقال رافعاً صوته: بسم الله الرحمن الرحيم ” الرحمن علم القرآن ” فاستقبلها، فقرأها، فتأملوا، فجعلوا يقولون: ” ما يقول ابن أم عبد ؟! “، قالوا: ” إنه يتلو بعض ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم !! “، فقاموا فجعلوا يضربون في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا بوجهه، فقالوا: ” هذا الذي خشينا عليك “، فقال: ” ما كان أعداء الله قط أهون علي منهم الآن، ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غداً “،قالوا: ” حسبك قد أسمعتهم ما يكرهون “. ” سيرة ابن إسحاق ” (2/166)
ولما علمت أم مصعب بن عمير بإسلامه منعته الطعام والشراب، وأخرجته من بيته، وكان من أنعم الناس عيشًا، فتَخَشَّفَ جلده تخشف الحية.
وكان صهيب بن سنان الرومي يُعذَّب حتى يفقد وعيه ولا يدرى ما يقول.
وكان بلال مولى لأمية بن خلف الجمحي، فكان أمية يضع في عنقه حبلًا، ثم يسلمه إلى الصبيان، يطوفون به في جبال مكة، ويجرونه حتى كان الحبل يؤثر في عنقه، وهو يقول: أحَدٌ أحَدٌ، وكان أمية يـشده شـدًا ثم يضربه بالعصا، و يلجئه إلى الجلوس في حر الشمس، كما كان يكرهه على الجوع. وأشد من ذلك كله أنه كان يخرجه إذا حميت الظهيرة، فيطرحه على ظهره في الرمضاء في بطحاء مكة، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتوضع على صدره، ثم يقول: لا والله لا تـزال هكـذا حتى تموت أو تكفر بمحمد، وتعبد اللات والعزى،
فيقول وهو في ذلك: أحد،أحد، ويقـول: لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها.
ومر به أبو بكر يوما وهم يصنعون ذلك به فاشتراه بغلام أسود، وقيل: بسبع أواق أو بخمس من الفضة، وأعتقه.
وكان عمار بن ياسر رضي الله عنه مولى لبني مخزوم، أسلم هو وأبوه وأمه، فكان المشركون ـ وعلى رأسهم أبو جهل ـ يخرجونهم إلى الأبطح إذا حميت الرمضاء فيعذبونهم بحرها. ومر بهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم يعذبون فقال: (صبرًا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة)،
فمات ياسر في العذاب، وطعن أبو جهل سمية ـ أم عمار ـ في قبلها بحربة فماتت، وهي أول شهيدة في الإسلام، وهي سمية بنت خياط مولاة أبي حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وكانت عجوزًا كبيرة ضعيفة. وشددوا العذاب على عمار بالحر تارة، وبوضع الصخر الأحمر على صدره أخرى، وبغطه في الماء حتى كان يفقد وعيه. وقالوا له: لا نتركك حتى تسب محمدًا، أو تقول في اللات والعزى خيرًا، فوافقهم على ذلك مكرهًا، وجاء باكيًا معتذرًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فأنزل الله : {مَن كَفَرَ بِالله ِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ}الآية [ النحل: 106 ].
وكان خباب بن الأرت مولى لأم أنمار بنت سِباع الخزاعية، وكان حدادًا، فلما أسلم عذبته مولاته بالنار، كانت تأتى بالحديدة المحماة فتجعلها على ظهره أو رأسه، ليكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، فلم يكن يزيده ذلك إلا إيمانًا وتسليمًا، وكان المشركون أيضًا يعذبونه فيلوون عنقه، ويجذبون شعره، وقد ألقوه على النار، ثم سحبوه عليها، فما أطفأها إلا وَدَكَ ظهره.
واشترى أبوبكر رضي الله عنه هؤلاء الإماء والعبيد رضي الله عنهم وعنهن أجمعين، فأعتقهم جميعًا. وقد عاتبه في ذلك أبوه أبو قحافة
وقال: أراك تعتق رقابًا ضعافًا، فلو أعتقت رجالًا جلدًا لمنعوك
. قال: إني أريد وجه الله . فأنزل الله قرآنًا مدح فيه أبا بكر، وذم أعداءه.
قال تعالى: {فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [الليل:14: 16] وهو أمية بن خلف، ومن كان على شاكلته
{وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليـل:17: 21] وهـو أبـو بـكـر الصديـق رضي الله عنه.
والحاصل أنهم لم يعلموا بأحد دخل في الإسلام إلا وتصدوا له بالأذى والنكال، وكان ذلك سهلًا ميسورًا بالنسبة لضعفاء المسلمين، ولا سيما العبيد والإماء منهم، فلم يكن من يغضب لهم ويحميهم، لهذا استحقوا فعلا أن يكونوا صحابة رسول الله.
انظر إلى مبدأ السلام من خلال العنصرين السابقين وكيف تعامل به الرسول وصحابته الكرام، وقارن ذلك بصور التعذيب والاضطهاد سالفة الذكر، أبعد كل ذلك يقولون الإسلام دين تطرف وإرهاب؟!!!
وحتى لا يستطرد بنا الحديث طويلا نأتي إلى الواقع المعاصر حديثا وما يفعله اليهود بما صورهم به القرآن في قوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82]، أجل، إنهم أشد الناس عداوة للمؤمنين، ولقد كان هذا شأنهم على مر الأيام، وتبدل الأحوال، إنهم يمكرون بالمسلمين، ضعفاءَ كانوا أم أقوياء، أتتهم القوة على حين غفلة من الأمة المسلمة الكريمة، ولقد أكد الله عداوة اليهود هنا بثلاثة مؤكدات اللام والنون والقسم المحذوف، والتقدير: والله لتجدنَّ، ولماذا قدم اليهود على المشركين في العداوة مع أنهم أهل كتاب؟! قال الإمام ابن كثير في تفسيره :”ما ذاك إلا لأن كفر اليهود عناد وجحود ومباهتة للحق، وغَمْط للناس وتَنَقص بحملة العلم، ولهذا قتلوا كثيرًا من الأنبياء حتى هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة وسحروه، وألَّبوا عليه أشباههم من المشركين عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة.”أ.ه
إن تاريخهم الأسود في العدوان، والدس والافتراء، والغدر والفتك والخيانة – يملأ صفحاتِ الكتب، لقد كانوا أعداء هذا الدِّين منذ أن دعا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إليه، فقد خان يهود بني قينقاع العهدَ الذي كان بينهم وبين رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم تبعهم في الخيانة والكيدِ يهودُ بني النضير، الذين ائتمروا على قتل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وكذلك فقد نقض يهود بني قريظة عهود المسلمين يوم الخندق، وكان عاقبة أمرهم خسرًا، وكانوا وراء حدوث الفتنة الكبرى أيام سيدنا علي – رضي الله عنه – وما زالوا على مكرهم، وعدوانهم، وكيدهم حتى الآن.
لقد نُزعت الرحمة من قلوبهم، فأضحت قاسيةً كالحجارة؛ بل هي أشد قسوة، وقد وصفها ربنا – سبحانه – بذلك، فلقد رأوا الآياتِ الكثيرةَ، ومنها إحياء القتيل بضربه ببعض البقرة التي أُمروا بذبحها، فلم تلِن قلوبهم، ولم تخشع، ولم تتأثر بالحق؛ يقول الله – عز وجل -: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 73، 74].
إي والله، إن قلوبهم أقسى من الحجارة، فلقد رأينا ذلك ماثلاً أمام أعيننا على شاشات التلفاز هذه الأيام، أيام عدوانهم على أهلنا في غزة الصامدة، رأينا ما لا يحتمل صاحبُ القلب الرقيق الرحيم أن ينظر إليه.
إن ما شاهدنا من وحشيتهم في هذه الأيام يذكِّرنا بتاريخهم الأسود في بلادنا، وفي كل بلد حلُّوا به.
لما سقطت تفاحة واحدة عرفوا معنى الجاذبية، وسقطت آلاف الأرواح ولم يعرفوا معنى السلام أو الإنسانية.
إن دأب اليهود تأجيج الفتن، وسفك الدماء، وإفساد الأفكار والأخلاق، فهم يفسدون في الأرض، ويُتَبِّرون تتبيرًا، كما ذكر ربنا – تبارك وتعالى – في سورة الإسراء.
أسأل الله العلى القدير أن ينصر المسلمين المستضعفين في كل مكان من أرض الإسلام، وأن ينشر بيننا السلام والأمان، وأن يجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين.
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي