خطبة بعنوان: فضل الصدقات والجود في رمضان، للدكتور خالد بدير بتاريخ 12 رمضان 1437هـ – 17 يونيه 2016م
خطبة بعنوان: فضل الصدقات والجود في رمضان، للدكتور خالد بدير بتاريخ 12 رمضان 1437هـ – 17 يونيه 2016م.
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
12 رمضان 1437هـ – 17 يونيه 2016م
عناصر الخطبة:
العنصر الأول: الحث على الصدقة في الإسلام
العنصر الثاني: صور مشرقة من تصدق وإنفاق السلف الصالح رضي الله عنهم
العنصر الثالث: فوائد الصدقة وثمراتها في الدنيا والآخرة
العنصر الرابع: رمضان شهر الكرم والجود
المقدمة: أما بعد:
العنصر الأول: الحث على الصدقة في الإسلام
لقد حث الإسلام على بذل الصدقات والإنفاق في سبيل الله عز وجل؛ ورغب في ذلك بضروب وأمثلة كثيرة من الكتاب والسنة؛ قال تعالى: { مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }(البقرة: 261). قال ابن كثير:” هذا مثل ضربه الله تعالى لتضعيف الثواب لمن أنفق في سبيله وابتغاء مرضاته، وأن الحسنة تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وهذا المثل أبلغ في النفوس، من ذكر عدد السبعمائة، فإن هذا فيه إشارة إلى أن الأعمال الصالحة ينميها الله عز وجل، لأصحابها، كما ينمي الزرع لمن بذره في الأرض الطيبة.”أ.ه
وترغيباً في الإنفاق أخبر الله سبحانه المنفقين بأن نفقتهم يخلفها عليهم فقال: { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ }.(سبأ: 39)” أي: مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم به وأباحه لكم، فهو يخلفه عليكم في الدنيا بالبدل، وفي الآخرة بالجزاء والثواب. ” ( تفسير ابن كثير )
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” قال الله تعالى: يا ابن آدم أَنفقْ أُنفقْ عليك.”(متفق عليه). فهذا وعد من الله بالإنفاق على من أنفق في سبيل الله، والله تبارك وتعالى لا يخلف وعده.
ومن أروع ضرب الأمثلة في إنفاق البخيل والمتصدق ما رواه أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ مَثَلُ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ قَدْ اضْطَرَّتْ أَيْدِيَهُمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا؛ فَكُلَّمَا هَمَّ الْمُتَصَدِّقُ بِصَدَقَتِهِ اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تُعَفِّيَ أَثَرَهُ؛ وَكُلَّمَا هَمَّ الْبَخِيلُ بِالصَّدَقَةِ انْقَبَضَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ إِلَى صَاحِبَتِهَا وَتَقَلَّصَتْ عَلَيْهِ وَانْضَمَّتْ يَدَاهُ إِلَى تَرَاقِيهِ؛ فَسَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: فَيَجْتَهِدُ أَنْ يُوَسِّعَهَا فَلَا تَتَّسِعُ.” (البخاري ومسلم) ” ؛ “قال الخطابي : وهذا مثل ضربه النبي -صلى الله عليه وسلم- للبخيل والمتصدق، فشبههما برجلين أراد كل واحد منهما لبس درع يستتر به من سلاح عدوه، فصبها على رأسه ليلبسها، والدرع أول مايقع على الرأس إلى الثديين إلى أن يدخل الإنسان يديه في كميهما فجعل المنفق كمن لبس درعاً سابغة، فاسترسلت عليه حتى سترت جميع بدنه، وجعل البخيل كمثل رجل غلت يداه إلى عنقه، فكلما أراد لبسها اجتمعت إلى عنقه ، فلزقت ترقوته، والمراد أن الجواد إذا هم بالصدقة انفسح وانشرح لها صدره، وطابت نفسه، وتوسعت في الإنفاق، والبخيل إذا حدثها بها، شحت بها ، فضاق صدره، وانقبضت يداه. “.(زاد المعاد لابن القيم)
أيها المسلمون: اعلموا أن ربكم يتجر لكم في الصدقة التي تخرجونها وينميها لكم. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ إِلَّا الطَّيِّبُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فُلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ.” (متفق عليه ).” وقوله صلى الله عليه وسلم فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه ؛يريد أن الله عز وجل ينمي الصدقة بتضعيف أجرها كما ينمي الإنسان الفلو وهو أنثى ولد الخيل من ذكور الحمر أو فصيله وهو ولد الناقة ؛ لأن هذا مما جرت عادة الناس بتنميته بالتربية ورجاء زيادته.” ( المنتقى – شرح الموطأ )
أحبتي في الله: إن الصدقة التي تخرجونها تجدونها وافية عند الله؛ ومن أوفى بعهده من الله ؟! قال تعالى: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا}(المزمل: 20) ؛ فعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ بِنَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ، فَقَالَ: هَذِه فِي سَبِيلِ الله، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لَكَ بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ سَبْعُمِائَةِ نَاقَةٍ، كُلّهَا مَخْطُومَةٌ». (مسلم). وعَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنهم ذَبَحُوا شَاة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:” مَا بَقِي مِنْهَا؟ قَالَت: مَا بَقِي مِنْهَا إِلَّا كتفها. قَالَ: بَقِي كلهَا غير كتفها.” (أحمد والترمذي وصححه ). “أي: ما تصدقت به فهو باق . وما بقي عندك فهو غير باق ، إشارة إلى قوله تعالى: { مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ } (النحل: 96 ).” (تحفة الأحوذي). وَعَن عدي بن حَاتِم رَضِي الله عَنهُ قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول:” مَا مِنْكُم من أحد إِلَّا سيكلمه الله لَيْسَ بَينه وَبَينه ترجمان؛ فَينْظر أَيمن مِنْهُ فَلَا يرى إِلَّا مَا قدم؛ فَينْظر أشأم مِنْهُ فَلَا يرى إِلَّا مَا قدم؛ فَينْظر بَين يَدَيْهِ فَلَا يرى إِلَّا النَّار تِلْقَاء وَجهه؛ فَاتَّقُوا النَّار وَلَو بشق تَمْرَة .” ( متفق عليه ). قال ابن حجر :” فيه الحث على الصدقة ؛ وفيه دليل على قبول الصدقة ولو قلت ، وقد قيدت في الحديث بالكسب الطيب ؛ وفيه دليل على قرب النار من أهل الموقف.” ( فتح الباري )
عباد الله: كثير من الناس يظن أن الصدقة تنقص المال؛ وهذا نبيكم صلى الله عليه وسلم لا يقسم على شئ فهو صادق مصدق؛ ومع ذلك جاء عند هذا الحديث فأقسم تأكيداً ؛ فعَن أبي كبشةَ الأنماريِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” ثَلَاثٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ. فَأَمَّا الَّذِي أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ: فَإِنَّهُ مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلِمَةً صَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ بِهَا عِزًّا وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ .”.( أحمد والترمذي وقال حديث حسن صحيح). قال النووي رحمه الله في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: «ما نقصت صدقة من مال» : ” ذكروا فيه وجهين: أحدهما: معناه أنه يبارك فيه ويدفع عنه المضرّات، فينجبر نقص الصورة بالبركة الخفيّة، و هذا مدرك بالحسّ والعادة، والثاني: أنه وإن نقصت صورته، كان في الثواب المرتّب عليه جبر لنقصه، وزيادة إلى أضعاف كثيرة.”
لذا حث النبي صلى الله عليه وسلم أمته رجالاً ونساءً على التصدق حال الصحة والعافية, فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم ، فَقال : يَا رَسُولَ الله ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا ؟ قَالَ :” أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ ، تَخْشَى الْفَقْرَ ، وَتَأْمُلُ الْبَقَاءَ ، وَلاَ تَمَهَّلْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ، قُلْتَ : لِفُلاَنٍ كَذَا ، وَلِفُلاَنٍ كَذَا ، وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ.” ( متفق عليه )
يا جامع المال يرجو أن يدوم له * * * كل ما استطعت وقدم للموازين
ولا تكن كالذي قد قال إذ حضرت * * * وفاته ثلث مالي للمساكين
أيها المسلمون: سارعوا إلى فعل الخيرات والصدقات في شهر البر والخيرات؛ ولا يستحقر أحدكم ما ينفقه حتى لو كان درهما ( جنيها واحدا ) فرب درهم سبق مائة ألف درهم؛ فعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَيْضا قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:” سبق دِرْهَم مائَة ألف دِرْهَم. فَقَالَ رجل: وَكَيف ذَاك يَا رَسُول الله؟ قَالَ: رجل لَهُ مَال كثير أَخذ من عرضه مائَة ألف دِرْهَم تصدق بهَا؛ وَرجل لَيْسَ لَهُ إِلَّا دِرْهَمَانِ فَأخذ أَحدهمَا فَتصدق بِهِ.” (النسائي وابن حبان والحاكم وصححه)؛ ” قال اليافعي :” فإذا أخرج رجل من ماله مائة ألف وتصدق بها وأخرج آخر درهما واحدا من درهمين لا يملك غيرهما طيبة بها نفسه صار صاحب الدرهم الواحد أفضل من صاحب مائة ألف درهم . وقال في المطامح : فيه دليل على أن الصدقة من القليل أنفع وأفضل منها من الكثير : { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} ؛ والدرجات تتباين بحسب تباين المقاصد والأحوال والأعمال”. (فيض القدير للمناوي)
العنصر الثاني: صور مشرقة من تصدق وإنفاق السلف الصالح رضي الله عنهم
عباد الله: إننا حينما نقرأ سيرة سلفنا الصالح رضي الله عنهم؛ نجدهم أنهم كانوا سبَّاقين إلى الخير والصدقة والإنفاق في سبيل الله.
فهذا أبو بكر رضي الله عنه له السبق؛ عندما طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من صحابته أن يتصدقوا ، يقول عمر: ووافق ذلك عندي مالا فقلت : اليوم أسبق أبا بكر ، فجئته بنصف مالي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك ؟ قلت : مثله ، وأتى أبو بكر بكل ما عنده ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك ؟ فقال : أبقيت لهم الله ورسوله ، عندئذ قال عمر : لا أسبقه إلى شيء أبدا ” (رواه الترمذي)؛ بل إن الصحابة كانوا يرون أن ليس لهم حق في أموالهم؛ وليس موقفهم في غزوة بدر ببعيد حيث قالوا: خذ من أموالنا ما شئت وأعطنا ما شئت؛ وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت!!
وهذا أبو الدحداح الأنصاري، لما نزل قول الله تعالى:{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً } [البقرة: 245] ؛ قال للرسول – صلى الله عليه وسلم -: وإنّ الله ليريد منَّا القرض؟ قال عليه الصلاة والسلام: نعم يا أبا الدحداح، قال: أرني يدك يا رسول الله، فناوله النبي – صلى الله عليه وسلم – يده، فقال أبو الدحداح: إني قد أقرضت ربي عز وجل حائطي (أي بستاني، وكان فيه 600 نخلة) وأم الدحداح فيه وعيالها، فناداها: يا أم الدحداح، قالت: لبيك، قال: أخرجي من الحائط: يعني: أخرجي من البستان فقد أقرضته ربي عز وجل. وفي رواية: أن امرأته لما سمعته يناديها عمدت إلى صبيانها تخرج التمر من أفواههم، وتنفض ما في أكمامهم. تريد بفعلها هذا الأجر كاملاً غير منقوص من الله. لذلك كانت النتيجة لهذه المسارعة أن قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “كم من عذقٍ رداح (أي: مثمر وممتلئ) في الجنة لأبي الدحداح” [أحمد والطبراني].
وهذا أبو طلحة الأنصاري؛ جاء إلى النبي – صلى الله عليه وسلم -، فقال يا رسول الله: يقول الله تبارك وتعالى في كتابه: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}[آل عمران: 92]؛ وإنّ أحب أموالي إليَّ بَيْرُحاء، وكانت حديقة يدخلها النبي – صلى الله عليه وسلم -، ويستظل بها، ويشرب من مائها، فهي إلى الله عز وجل، وإلى رسوله – صلى الله عليه وسلم -، أرجو برّها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال – صلى الله عليه وسلم -: بخ يا أبا طلحة، ذاك مال رابح، ذاك ما رابح، قبلناه منك، ورددناه عليك، فاجعله في الأقربين، فتصدق به أبو طلحة على ذوي رحمه.”[البخاري ومسلم].
وهذا عثمان رضي الله عنه له الفضل في تجهيز جيش العسرة؛ فقد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار في كمه فنثرها في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقلبها ويقول : ” ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم ” مرتين . (رواه أحمد)
وعن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه أخذ أربعمائة دينار فجعلها في صرّة، فقال للغلام: اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجرّاح ثمّ تلهّ «تلبّث» ساعة في البيت حتّى تنظر ما يصنع، فذهب بها الغلام إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك، فقال: وصله الله ورحمه، ثمّ قال: تعالي يا جارية اذهبي بهذه السّبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، حتّى أنفدها، فرجع الغلام وأخبره، فوجده قد أعدّ مثلها إلى معاذ بن جبل، فقال: اذهب بهذا إلى معاذ بن جبل ثمّ تلهّ في البيت حتّى تنظر ما يصنع، فذهب بها إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذا في بعض حاجتك، فقال: رحمه الله ووصله. تعالي يا جارية: اذهبي إلى بيت فلان بكذا واذهبي إلى بيت فلان بكذا. فاطّلعت امرأة معاذ، فقالت: نحن والله مساكين فأعطنا ولم يبق في الخرقة إلّا ديناران، فنحا بهما إليها ورجع الغلام إلى عمر فأخبره. وسرّ بذلك، وقال: إنّهم إخوة بعضهم من بعض» « الطبراني في الكبير وابن المبارك في الزهد وأبو نعيم في الحلية » .
وروى عن حَيْوَة بن شريح التجيبي، الفقيه، المحدث، الزاهد، وهو من رواة الحديث الثقات، كان يأخذ عطاءه في السنة ستين ديناراً، فلا يفارق ذلك المكان الذي أخذ فيه العطاء حتى يتصدق بها جميعاً، فكان إذا جاء إلى منزله وجد الستين ديناراً، تحت فراشة، فبلغ ذلك ابن عم له، فتصدق لعطائه جميعا أراد أن يفعل مثل حيوة، وجاء إلى تحت فراشه فلم يجد شيئاً! فذهب إلى حيوة وقال: أنا تصدقت بكل عطائي، ولم أجد تحت فراشي شيئاً، فقال له حيوة: أنا أعطيت ربي يقيناً، وأنت أعطيته تجربة. يعنى: أنت كنت تريد أن تجرب، وتختبر ربك، فتصدقت، لتنظر النتيجة، وأما أنا فأتصدق وأنا راسخ اليقين بما عند الله عز وجلّ من الجزاء والعوض. (سير أعلام النبلاء)
وعن سعيد الحارثي قال: ضرب الربيع بن خثيم الفالج فطال وجعه فاشتهى لحم دجاج، فكف نفسه أربعين يوما. ثم قال لامرأته: اشتهيت لحم دجاج منذ أربعين يوما فكففت نفسي رجاء أن تكف فأبت فقالت له امرأته: سبحان الله وأي شيء هذا حتى تكف نفسك عنه? قد أحله لك. فأرسلت امرأته إلى السوق فاشترت له دجاجة بدرهم ودانقين فذبحتها وشوتها واختبزت له خبزا له أصباغ، ثم جاءت بالخوان حتى وضعته بين يديه، فلما ذهب ليأكل قام سائل على الباب فقال: تصدقوا علي بارك الله فيكم، فكف عن الأكل وقال لامرأته: خذي هذا فلفيه وادفعيه إلى السائل، فقالت امرأته: سبحان الله. فقال: افعلي ما آمرك، قالت: فأنا أصنع ما هو خير له وأحب إليه من هذا. قال: وما هو? قالت: نعطيه ثمن هذا وتأكل أنت شهوتك. قال: قد أحسنت ائتيني بثمنه. قال: فجاءت بثمن الدجاجة والخبز والأصباغ فقال: ضعيه على هذا وادفعيه جميعا إلى السائل.قال الربيع لأهله: اصنعوا لي خبيصا. قال: وكان يكاد لا يشتهي عليهم شيئا. قال: فصنعوه. قال: فأرسل إلى جار له مصاب، قال: فجعل يأكل ولعابه يسيل قال: فقال أهله: ما يدري هذا ما يأكل. فقال الربيع: لكن الله عز وجل يدري. (صفة الصفوة)
وهناك أمثلة كثيرة في إنفاق السلف الصالح لا يتسع المقام لذكرها؛ وما ذكر على سبيل المثال لا الحصر !!
العنصر الثالث: فوائد الصدقة وثمراتها في الدنيا والآخرة
أحبتي في الله: للصدقة فوائد وثمرات كثيرة منها:
أولاً: أن الصدقة تطفىء غضب الله سبحانه وتعالى: كما في قوله صلى الله عليه وسلم: ” إن صدقة السر تطفىء غضب الرب تبارك وتعالى ” [الطبراني بإسناد حسن].
ثانياً: أن المتصدق في ظل صدقته يوم القيامة: كما في حديث عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:” كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس ؛ قال يزيد: فكان أبو الخير مرثد لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو بكعكة أو بصلة “( أحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم وصححه)؛ وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ” ورجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه “. (متفق عليه)
ثالثاً: أن الله يدفع بالصدقة أنواعاً من البلاء: كما في وصية يحيى عليه السلام لبني إسرائيل: ” وآمركم بالصدقة، فإن مثل ذلك رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه فقال: أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم ) [الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححه]. وقال ابن أبي الجعد: «إنّ الصّدقة لتدفع سبعين بابا من السّوء» (إحياء علوم الدين)
فالصدقة لها تأثير عجيب في دفع أنواع البلاء ولو كانت من فاجرٍ أو ظالمٍ بل من كافر فإن الله تعالى يدفع بها أنواعاً من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم وأهل الأرض مقرون به لأنهم قد جربوه.
رابعاً: أن المنفق يدعو له الملك كل يوم بخلاف الممسك: وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: ” ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً .” [متفق عليه].
خامساً: أنَّ الصدقة مطهرة للمال: تخلصه من الدَّخن الذي يصيبه من جراء اللغو، والحلف، والكذب، والغفلة فقد كان النَّبي صلى الله عليه وسلم يوصي التَّجار بقوله: ” يا معشر التجار، إنَّ هذا البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة “. [ أحمد والنسائي وابن ماجة].
سادساً: أن صاحب الصدقة يدعى من باب خاص من أبواب الجنة يقال له باب الصدقة: كما في حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” من أنفق زوجين في سبيل الله، نودي في الجنة يا عبد الله، هذا خير: فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريان “. قال أبو بكر: يا رسول الله، ما على من دُعي من تلك الأبواب من ضرورة فهل يُدعى أحد من تلك الأبواب كلها: قال: ” نعم وأرجو أن تكون منهم .” ( متفق عليه ).
سابعاً: أنها متى ما اجتمعت مع الصيام واتباع الجنازة وعيادة المريض في يوم واحد إلا أوجب ذلك لصاحبه الجنة كما في حديث أبي هريرة أن رسول الله قال: ” من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر: أنا. قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا. قال: فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا، فقال رسول الله : ما اجتمعت في امرىء إلا دخل الجنة.” [مسلم].
ثامناً: أن الصدقة تطفئ الخطايا والذنوب والمعاصي: فعَنْ كَعْبِ بن عُجْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِيءُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ”.( أحمد والطبراني والترمذي وصححه ). وقوله:” والصدقة تطفىء الخطيئة ؛ من الإطفاء أي تذهبها وتمحو أثرها؛ أي: إذا كانت متعلقة بحق الله تعالى. وإذا كانت من حقوق العباد فتدفع تلك الحسنة إلى خصمه عوضا عن مظلمته.”( تحفة الأحوذي)
تاسعاً: أن الصدقة شفاء من الأمراض العضوية: فمن تصدق بنية الشفاء شفاه الله من مرضه بإذن الله؛ فعن الحسن رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “داووا مرضاكم بالصدقة .” ( أبو داود في المراسيل والطبراني والبيهقي). يقول ابن شقيق: سمعت ابن المبارك وسأله رجل: عن قرحةٍ خرجت في ركبته منذ سبع سنين، وقد عالجها بأنواع العلاج، وسأل الأطباء فلم ينتفع به، فقال: اذهب فأحفر بئرًا في مكان حاجة إلى الماء، فإني أرجو أن ينبع هناك عين ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل فبرأ.
عاشراً: أن في الصدقة دواء للأمراض القلبية: كما في قوله صلى الله عليه وسلم لمن شكى إليه قسوة قلبه: «إذا أردت تليين قلبك فأطعم المسكين، وامسح على رأس اليتيم» [رواه أحمد].
حادي عشر: أن الصدقة طريق الوصول إلى باب علام الغيوب: قال عبد العزيز بن عمير: «الصّلاة تبلّغك نصف الطّريق، والصّوم يبلّغك باب الملك، والصّدقة تدخلك عليه» (المستطرف للإبشيهي)
هذه بعض فوائد وثمرات الإنفاق والصدقات ؛ وهناك فوائد أخرى اقتصادية واجتماعية ودينية وأخلاقية لا يتسع المقام لذكرها؛ ويكفى القلادة ما أحاط بالعنق !!
العنصر الرابع: رمضان شهر الكرم والجود
عباد الله: يمتاز شهر رمضان، أنه شهر المواساة والتراحم والجود والكرم والتكافل بين المسلمين، حيث حثّ الإسلام على الصدقة في هذا الشهر توثيقا لرابطة المسلمين بعضهم مع بعض، وسدا لحاجة الفقراء والمساكين. فعن زيد بن خالد الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا” (أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح) فقوله صلى الله عليه وسلم “من فطّر صائما” أي أطعمه وسقاه عند إفطاره، وهذا فيه دعوة إلى الجود والكرم والمواساة.
ولهذا السبب نفسه ” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ ، فَـلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ ” (رواه البخاري )
قال ابن رجب – رحمه الله تعالى -: “وكان جوده – صلى الله عليه وسلم – كله لله – عز وجل – وفي ابتغاء مرضاته؛ فإنه كان يبذل المال إما لفقير أو محتاج، أو ينفقه في سبيل الله، أو يتألَّفُ به على الإسلام مَن يقوى الإسلام بإسلامه… وكان يؤثر على نفسه وأهله وأولاده، فيعطي عطاءً يعجز عنه الملوك مثلُ كسرى وقيصر، ويعيش في نفسه عيش الفقراء، فيأتي عليه الشهرُ والشهران لا يُوقَدُ في بيته نار، وربما ربط على بطنه الحجر من الجوع. وكان قد أتاه – صلى الله عليه وسلم – سبيٌ مرة فشكت إليه فاطمةُ ما تلقى من خدمة البيت، وطلبت منه خادمًا يكفيها مؤنة بيتها، فأمرها أن تستعين بالتسبيح والتكبير والتحميد عند نومها وقال: ” لا أعطيك وأدع أهل الصفة تطوى بطونهم من الجوع”[ جزء من حديث أخرجه أحمد والبخاري].
ومن فرط جوده وكرمه صلى الله عليه وسلم أنه كان لا يرد سائلا ؛ مع شدة حاجته صلى الله عليه وسلم؛ ومع ذلك يؤثر غيره على نفسه! ؛ فَعَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، ” أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ فِيهَا حَاشِيَتُهَا ، أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ ؟ , قَالُوا : الشَّمْلَةُ ، قَالَ : نَعَمْ ، قَالَتْ : نَسَجْتُهَا بِيَدِي فَجِئْتُ لِأَكْسُوَكَهَا ، فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا ، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ فَحَسَّنَهَا فُلَانٌ , فَقَالَ : اكْسُنِيهَا مَا أَحْسَنَهَا ؟ , قَالَ : الْقَوْمُ مَا أَحْسَنْتَ لَبِسَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا ، ثُمَّ سَأَلْتَهُ وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ ، قَالَ : إِنِّي وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ لِأَلْبَسَهُ إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي ؟ ” , قَالَ سَهْلٌ : فَكَانَتْ كَفَنَهُ .” ( البخاري )
أحبتي في الله: إن من معاني الصيامِ العظيمةِ: إحساسَ الأغنياء بحاجة إخوانهم الفقراء فيسدوا حاجتهم، ويجودوا عليهم، سئل أحد السلف: “لمَ شرع الصيام”؟ قال:”ليذوق الغني طعم الجوع؛ فلا ينسى الجائع”. لذا كان كثير من السلف يواسون من إفطارهم، أو يؤثرون به ويجوعون. وكان ابن عمر – رضي الله عنهما – يصوم ولا يفطر إلا مع المساكين فإذا منعهم أهلهُ عنه لم يتعشَّ تلك الليلة؛ وكان إذا جاءَه سائلٌ وهو على طعامه أخذ نصيبه من الطعام، وقام فأعطاه السائل، فيرجع وقد أكلَ أهله ما بقي في الجفنة؛ فيُصبحَ صائمًا ولم يأكل شيئًا.
واشتهى أحد الصالحين من السلف طعامًا، وكان صائمًا، فوضِع بين يديه عند فطوره فسمع سائلاً يقول: “من يقرض المليّ الوفيّ الغني”؟ فقال: “عبدُه المعدمُ من الحسنات”. فقام فأخذ الصحفة فخرج بها إليه وبات طاويًا!
وجاء سائلٌ إلى الإمام أحمد فدفع إليه رغيفين، كان يُعدهما لفطره، ثم طوى وأصبح صائمًا.
فلله درُّ تلك النفوس ما أجودها وما أكرمها وما أسخاها! وما أشد إيثارها! وما أعظم رغبتها فيما عند مولاها! قال الشافعي – رحمه الله تعالى -: ” أُحِبُّ للرجلِ الزيادةَ بالجود في شهر رمضان اقتداءً برسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثيرٍ منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم.”[لطائف المعارف].
فأين الأغنياء والموسرون؟! شهر الجود دونكم فجودوا جاد الله عليكم!!
أيها المسلمون: يا من تمنعون حقوق الفقراء والمساكين؛ عليكم بالزكاة والصدقات قبل أن يأتيكم الأجل وأنتم لا تشعرون؛ وقتها يتمني أحدكم الرجوع ليخرج زكاة ماله ويتصدق؛ ولكن هيهات هيهات!! {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} (المنافقون: 10)؛ وهنا وقفة مع هذا التصوير القرآني لمانع الزكاة والصدقات؛ الميت تمنى الرجوع قائلاً: فأصدق؛ ولم يقل لأصلي أو لأصوم أو غير ذلك!! قال أهل العلم: ﻣﺎ ﺫﻛﺮ الميت ﺍﻟﺼﺪﻗﺔ إلا ﻟﻌﻈﻴﻢ ﻣﺎ ﺭﺃﻯ ﻣﻦ فضل ثوابها وأثرها بعد موته”؛ ولذلك قال عمر بن الخطّاب:«إنّ الأعمال تباهت، فقالت الصّدقة أنا أفضلكنّ»(إحياء علوم الدين)
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من كان له مال يبلغه حج بيت الله تعالى ولم يحج؛ أو تجب فيه الزكاة ولم يزك ؛ سأل الرجعة عند الموت. فقال له رجل: اتق الله يا ابن عباس فإنما يسأل الرجعة الكفار. فقال ابن عباس: سأتلو عليك بذلك قرآنا قال الله تعالى: ” وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق ” . أي أؤدي الزكاة ” وأكن من الصالحين ” أي أحج. ( تفسير الدر المنثور) ؛ فالمؤمن الكيس الفطن هو الذي يدخر صدقته لتنفعه في أُخراه ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:”يَقُولُ الْعَبْدُ مَالِي مَالِي!! وإِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلَاثٌ: مَا أَكَلَ فَأَفْنَى؛ أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى؛ أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى؛ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ” ( مسلم ). قال أحدهم :
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى………….ولاقيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون كمثله …………وأنك لم ترصد كما كان أرصدا
فبادر – أيها الحبيب – إلى الصدقات والخيرات؛ وسارع إلى الصالحات , تنل البركات؛ وتستجاب منك الدعوات ؛وتفرج لك الكربات؛ وتنل المرضات من رب البريات؛ وتزود بالطاعة لتفرح بلقاء رب الأرض والسماوات !!!
الدعاء،،،،،،، وأقم الصلاة،،،،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي