خطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة خطبة الأسبوع ، خطبة الجمعة القادمة، خطبة الاسبوع، خطبة الجمعة وزارة الأوقافعاجل

خطبة بعنوان: علامات قبول الأعمال ، للدكتور خالد بدير

خطبة بعنوان: علامات قبول الأعمال

 لتحميل الخطبة أضغط عنا

وللإطلاع علي الخطبة كما يلي:

 

       عناصر الخطبة: 

 العلامة الأولى: إخلاص العمل لله.

العلامة الثانية: المداومة والثبات والتوفيق لعمل صالح بعده وعدم الرجوع إلى الذنب بعد الطاعة.

العلامة الثالثة: تحقيق الغاية من العبادات.

العلامة الرابعة: الخوف والوجل من عدم قبول العمل.

العلامة الخامسة: استصغار العمل وعدم العجب والغرور به.

العلامة السادسة: طهارة القلب من البغضاء والشحناء.

العلامة السابعة: كثرة الدعاء والاستغفار بعد كل طاعة.

 المقدمة:                                                            أما بعد،،،،،،،،،

عباد الله ..  لقد صمنا شهر رمضان والحمد لله تبارك وتعالي أن أنعم علينا وأتمّ علينا نعمة الصيام والقرآن والصلاة وغير ذلك ؛ ولكن هنا سؤال يطرح نفسه: هل هذه الأعمال كلها مقبولة عند الله -عز وجل- أم لا ؟! ( القيام – القرآن – الصلاة – الدعاء – الاستغفار – الإنفاق – زكاة الفطر – البر – الصلة – الإحسان …إلخ)، نعلم أن القبول بيد الله – تبارك وتعالي – ولا يستطيع أحدٌ أن يحكم علي هذا العمل قُبل أم لا ، ولكن العلماء وضعوا صفاتٍ وعلاماتٍ وشروطاً لقبول الأعمال ، فتنظر إلي هذا العمل وتقيس عليه هذه العلامات والشروط، فإذا كان العمل استجمع وجمع كل هذه الشروط والعلامات فاعلم أنه مقبولٌ عند الله، وإذا فقد شرطاً واحداً أو علامةً واحدةً فعليك أن تراجع نفسك مسرعاً، وتحقق ما نقص من علاماتٍ لديك، وبعبارة أخرى : فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، فقد قال الإمام علي بن أبى طالب – رضي الله عنه – : ” كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً من العمل ألم تسمعوا أن الله – عز وجل – يقول : ” إنما يتقبل الله من المتقين “.( المائدة: 27)، ومن رحمة الله تعالى بأمة نبيه محمد – r – أنه أخفى عنها كثيراً من علامات القبول، بل ربما كلها حتى لا يفخر أحدٌ بعمله، ولذلك نجد أن الفعل “تُقُبِّلَ”  في قوله – تعالى -: ” إنما يتقبل الله من المتقين”،  جاء مبنياً لما لم يسمَّ فاعله وهو الله – تعالى – مما يؤكد أن القبول أمر غيبي، لا يستطيع أحدٌ أن يجزم به، وأنه بيد الله – تعالى – وحده، وفي هذا رحمةٌ وخيرٌ للعبد؛ حتى يظل جامعاً بين الخوف والرجاء معاً، وقد كان من علامات القبول في الأمم السابقة أن تنزل نارٌ من السماء مثلاً فتأخذ القربان علامةً على قبوله، أما بالنسبة لأمة محمد – r – فإنه يمكن استنباط بعض علامات القبول بعد كل طاعة وعبادة، وقد ذكر العلماء أن علامات قبول الأعمال أكثر من عشرين علامة، وقد جمعتها ولخصتها في سبع علاماتٍ وهاك البيان حتى لا ينسحب بساط الوقت من بين أيدينا سريعاً.

العلامة الأولى: إخلاص العمل لله

 قد يكون الإنسان منا يصلي وينفق ماله ويحج ويفعل الخيراتِ كلَّها ولكن يفعل ذلك ليس إخلاصاً لله ، ولكن من أجل فلان وفلان ، فيكون بذلك أشرك مع الله غيره في العبادة، وهذا بلا شك يجعل عملك مردوداً ، ويوم القيامة يقول لك الله – عز وجل –: يا عبدي ليس لك عندي جزاءٌ ولكن جزاءك عند فلان لأنك عملت العمل من أجله هو ، كما قال رسول الله – r – : ” إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر . قالوا : وما الشرك الأصغر ؟ قال : الرياء ؛ يقول الله عز وجل لأصحاب ذلك يوم القيامة إذا جازى الناس: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا ؛ فانظروا هل تجدون عندهم جزاء ؟ !.” (صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، وصحيح الترغيب والترهيب.)، وعن أبي أمامة – t – قال : جاء رجل إلى رسول الله – r – فقال : أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر ما له؟ فقال رسول الله – r -: لا شيء له، فأعادها ثلاث مرات يقول له رسول الله – r -: لا شيء له، ثم قال : إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصاً وابتغي به وجهه .( صححه الألباني في السلسلة الصحيحة)، وجاء رجل إلي النبي – r – فقال : يا رسول الله إني أقاتل في سبيل الله ولكنى أُحب أن يُرى موطني ، فسكت النبي – r – حتى نزل قوله تعالى : ” فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ” (الكهف : 110)، فمن أهم علامات القبول أن يخلص العبدُ أعماله لله فلا يجعل للخلق فيها نصيباً، قيل لأحد الصالحين: هيا نشهد جنازة، فقال: اصبر حتى أرى نيتى، فلينظر الإنسان منا نيته وقصده وماذا يريدُ من العمل، وقد وعظ رجلٌ أمام الحسن البصرى فقال له الحسن: يا هذا لم أستفد من موعظتك، فقد يكون مرض قلبي وقد يكون لعدم إخلاصك، ولذلك قيل: ما خرج من القلب وصل إلى القلب وما خرج من اللسان لا يتجاوز الآذان.

العلامة الثانية: المداومة والثبات والتوفيق لعمل صالح بعده وعدم الرجوع إلى الذنب بعد الطاعة.

بمعنى أنك قطعت عهداً على نفسك بالتغيير والتوبة من جميع الذنوب والمعاصي التي كنت تفعلها قبل رمضان، وبفضل الله حالك تغير في رمضان، فلو عدت إلي ما كنت عليه قبل رمضان من المعاصي فاعلم أن عملك ليس مقبولاً عند الله، بمعنى أن الله لو هداك ووفقك إلي طاعة وبعد الطاعة رجعت إلي المعصية، فاعلم أن رجوعك إلي المعصية مرة أخري دليلٌ علي أن عملك مردودٌ عليك. قال يحيي بن معاذ : ” من استغفر بلسانه وقلبه على المعصية معقود، وعزمه أن يرجع إلي الذنب ويعود، فعمله عليه مردود، وباب القبول في وجهه مسدود ” .

إن كثيراً من الناس يتوب وهو دائم القول: إنني أعلم بأني سأعود.. لا تقل مثله.. ولكن قل : إن شاء الله لن أعود ” تحقيقاً لا تعليقاً”.. واستعن بالله واعزم على عدم العودة..، لقد كانت محطة مؤقتة ثم رجعوا إلى ما كانوا فيه، هل هذه النفسية السيئة عبدت الله حق عبادته؟هل وفت حق الله هل أطاعت الله أصلاً؟ هذه مصيبة كبيرة أن يعود شراب الخمر إلى خمورهم، ومتعاطي المخدرات إلى مخدراتهم، وأصحاب الزنا إلى أوكارهم، وأصحاب الربا إلى الربا، وأصحاب الفسق ومجالس اللغو إلى اللغو، هذه مصيبة والله كارثة دخلوا بالمعاصي وخرجوا بالمعاصي ما استفادوا شيئاً أبداً، قال الحسن البصرى: “إن من جزاء الحسنة الحسنة بعدها، ومن عقوبة السيئة السيئةُ بعدها، فإذا قبل الله العبد فإنه يوفقه إلى الطاعة، ويصرفه عن المعصية، وقد قال الحسن: “يا ابن آدم إن لم تكن فى زيادة فأنت فى نقصان”.

أيها المسلمون، لقد زيل الله آيات الصيام بالشكر، قال تعالى : ” وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ “.( البقرة: 185)  قال العلماء : ” شُكر الطاعة طاعة مثلها ” ، فشكر الصيام صيام مثله وهكذا ، بمعنى أنك صمت شهر رمضان والصيام لم ينته بعد، فهناك ست من شوال، والاثنين والخميس وغيرها، ولذلك هناك فرق بين الشكر والحمد ، فالحمد باللسان والشكر بالعمل ، قال تعالى : ” اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ “.( سبأ : 13)، فالشكر يكون من جنس النعمة التي أنعم الله بها عليك، فإذا تكاسل العبد عن الطاعة فهذا يكون دليل على عدم قبول العمل عند الله، وإذا داوم عليها وثبتها فهذا دليل على قبولها عند الله، وكان هدي النبي – r – المداومة على الأعمال الصالحة، فعن عائشة- رضي الله عنها – قالت: (كان رسول الله – r – إذا عمل عملاً أثبته) (رواه مسلم)، وأحب الأعمال إلى الله وإلى رسوله أدومها وإن قلَّت، قال رسول الله – r -: ( أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل)( متفق عليه)، وقَالَت عَائِشَةَ – رضي الله عنها -: ” كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً “( البخاري ومسلم.) ، فما كان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل، وما دام العمل لله فإن الله – جل وعلا – سيقبله برحمته، وبشرى لمن داوم على عمل صالح، ثم انقطع عنه بسبب مرض أو سفر أو نوم كتب له أجر ذلك العمل. قال رسول الله – r -: ” إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً “( رواه البخاري)، وهذا في حق من كان يعمل طاعة فحصل له ما يمنعه منها، وكانت نيته أن يداوم عليها. وقال – r – ” ما من امرئ تكون له صلاة بليل فغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته، وكان نومه صدقة عليه.” (أخرجه النسائي.)

وللثباتِ على الطاعة ثمرةٌ عظيمةٌ، كما قال ابن كثير – رحمهُ الله: “لقد أجرى الله الكريم عادته بكرمه أن من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه يوم القيامة” فمن عاش على الطاعة يأبى كرم الله أن يموت على المعصية، وفى الحديث: “بينما رجلٌ يحجُّ مع النبي – r – فوكزته الناقة فمات فقال النبيّ – r -: “كفنوه بثوبيه فإنه يبعث يوم القيامة ملبّياً”( متفق عليه.) وكما قال النبي  – r – :”إذا أراد الله بعبدٍ خيراً استعمله”قالوا: كيف يستعمله؟ قال:”يوفقه لعملٍ قبل الموت ثم يقبضه عليه”( الترمذي وحسنه.) ،سبحان الله إذا قبل الله منك الطاعة يسَّر لك أخرى لم تكن في الحسبان, بل وأبعدك عن معاصيه ولو اقتربت منها . قال تعالى: ” فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى{5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى{6} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى{7} وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى{8} وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى{9} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى{10}”( الليل 4 – 10)

العلامة الثالثة: تحقيق الغاية من العبادات

بمعنى أن أنظر إلى العبادة ، لماذا شُرعت ؟ وما الغاية منها؟ فلو حققت الغاية التى شرعت من أجلها العبادة فاعلم أنها مقبولة وإلا فلا، وإليك بعض الأمثلة:

* الصلاة ، لماذا شُرعت ؟ قال تعالى : ” وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ “( العنكبوت : 45)، فالغاية من إقامة الصلاة أن تنهك عن الفحشاء والمنكر ، فالصلاة إذاً معيار لتهذيب الأخلاق، فإذا كنت تصلي تنقر الصلاة نقراً ثم تخرج من المسجد تسب هذا وتشتم هذا وتضرب هذا ……إلخ، فاعلم أنه لا صلاة لك، لأنك لم تحقق الغاية التى شرعت من أجلها العبادة، فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له.

* الصيام ، لماذا شُرع ؟ قال تعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ “( البقرة : 183)، فالغاية منه التقوى، وهي امتثال الأوامر واجتناب النواهي، فمن صام ولم يحقق التقوى فلا صيام له، لقوله – r – :” رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر ” (رواه ابن ماجه وابن خزيمة والحاكم وقال على شرطهما.)، وبهذا المقياس تستطيع أن تقيس جميع العبادات فإذا لم تحقق الغاية من العبادة، فاعلم أن العمل غير مقبول عند الله – عز وجل -.

العلامة الرابعة: الخوف والوجل من عدم قبول العمل

فالمؤمن مع شدة إقباله على الطاعات، والتقرب إلى الله بأنواع القربات؛ إلا أنه مشفق على نفسه أشد الإشفاق، يخشى أن يُحرم من القبول، فعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: سألت رسول الله – r – عن هذه الآية: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) (المؤمنون: 60) أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟! قال: “لا يا ابنة الصديق! ولكنهم الذين يصومون ويصلّون ويتصدقون، وهم يخافون أن لا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات.”( صححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي) ، يعطي ويخشى أن لا يقبل منه، يتصدق ويخشى أن ترد عليه، يصوم ويقوم ويخشى أن لا يكتب له الأجر، وورد في الآية آثارٌ كثيرةٌ عن سلفنا الصالح ، منها ما جاء عن أبي الدرداء قال : لأن أستيقن أن الله تقبل مني صلاةً واحدةً أحب إليّ من الدنيا وما فيها إن الله يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِين}، وكان الحسن بن علي رضي الله عنهما إذا دخل في الصلاة ارتعش واصفر لونه … فإذا سئل عن ذلك قال : أتدرون بين يدي من أقوم الآن ؟!! وكان أبوه سيدنا علي رضي الله عنه إذا توضأ ارتجف فإذا سئل عن ذلك فقال : الآن أحمل الأمانة التي عرضت على السماء والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتها أنا، وسئل حاتم الأصم – رحمه الله – كيف تخشع في صلاتك؟ قال: أقوم فأكبر للصلاة، وأتخيل الكعبة أمام عيني، والصراط تحت قدمي, والجنة عن يميني والنار عن شمالي, وملك الموت ورائي, وأن رسول الله يتأمل صلاتي، وأظنها آخر صلاة , فأكبر الله بتعظيم، وأقرأ بتدبر، وأركع بخضوع وأسجد بخضوع، وأجعل في صلاتي الخوف من الله والرجاء في رحمته، ثم أسلم ولا أدري أقبلت أم لا؟! ، وروى أنه دخل سائل على ابن عمر رضي الله عنه فقال لابنه أعطه ديناراً ، فأعطاه ، فلما انصرف قال ابنه: تقبل الله منك يا أبتاه فقال: لو علمت أن الله تقبل مني سجدةً واحدةً أو صدقة درهم لم يكن غائب أحب إليَّ من الموت تدري ممن يتقبل الله { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِين}، وروى أن عامر بن عبدالله العنبري حين حضرته الوفاة بكى، فقيل له ما يبكيك فقد كنت وكنت ؟ فقال يبكيني أني أسمع الله يقول {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِين}، فمن منا أشغله هذا الهاجس !! قبول العمل أو رده , في هذه الأيام ؟ ، وقال عبدالعزيز بن أبي رواد رحمه الله: أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح فإذا فعلوه وقع عليهم الهم أيقبل منهم أم لا ؟ ، وكان بعض السلف يقول في آخر ليلة من رمضان: ياليت شعري من هذا المقبول فنهنيه ومن هذا المحروم فنعزيه، أيها المقبول هنيئا لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك، وكان بعض السلف يظهر عليه الحزن يوم عيد الفطر، فيقال له: إنه يوم فرح وسرور، فيقول: صدقتم، ولكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عملاً، فلا أدري أيقبله مني أم لا؟، ورأى وهب بن الورد قوماً يضحكون في يوم عيد، فقال: إن كان هؤلاء تقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الشاكرين، وإن كانوا لم يتقبل منهم صيامهم فما هذا فعل الخائفين، فيا أهل الصيام تذكروا أنكم إلى ربكم راجعون ويا أهل القيام تأملوا هل بلغ بكم من الخوف والوجل بعد رمضان ما يجعلكم من أولئك الذين يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون، مواصلة العبادة بعد رمضان، دوام على القيام والصيام والصدقة والذكر وقراءة القرآن، فعلى الرغم من حرصه على أداء هذه العبادات الجليلات فإنه لا يركن إلى جهده، ولا يدل بها على ربه، بل يزدري أعماله، ويظهر الافتقار التام لعفو الله ورحمته، ويمتلئ قلبه مهابة ووجلاً، يخشى أن ترد أعماله عليه، والعياذ بالله، ويرفع أكف الضراعة ملتجئ إلى الله يسأله أن يتقبل منه.

العلامة الخامسة: استصغار العمل وعدم العجب والغرور به :

بمعنى أن تنظر إلى الطاعة كأنها شيء صغير وأن تنظر إلى المعصية وكأنها جبل تخشي أن يقع عليك، والذي يحدث الآن العكس يري العبد الذنب أنه صغير، ويستكثر عبادته ويستعظمها وكأنه يمنّ على الله بهذه الطاعة، فالرجل منا لو صلى ركعتين أو صام يوماً أو قرأ جزءاً من القرآن يعد نفسه من أولياء الله ويود لو بنى له بذلك مقام، وهذا في حد ذاته دليل على عدم قبول الطاعة عند الله – تبارك وتعالى -، ولذلك يقول الإمام الغزالي – رحمه الله – : ” إن العبد ليسجد سجدةً لله يظن أنه تقرب بها إلى الله والذي نفسي بيده لو وُزع ذنب هذه السجدة على البلدة كلها لكفتهم ، قيل له : لماذا ؟ قال : لأنه يسجد برأسه لمولاه وقلبه منشغلٌ بدنياه “

ويقول أنس – رضي الله عنه – كما في البخاري: ” إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر كنا نعدها على عهد رسول الله – r – من الموبقات ” ، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي – r – قال: ” إن المُؤمنَ يَرى ذَنبَهُ كأنَّهُ في أصل جَبَل يَخافُ أن يَقَعَ عَليه وإنّ الفاجرَ يَرى ذُنوبَهُ كَذُباب وَقَعَ عَلى أنفه فقال لَهُ هكذا “( رواه الترمذي وأحمد والبخاري موقوفاً علي ابن مسعود .)، ولذلك قال الله لنبيه : ” وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ” (المدثر : 6)،فمن معاني الآية ما قاله الحسن البصري: ” لا تمنن بعملك على ربك تستكثره” ، فكل العمل الذي تعمله لا يدخلك الجنة فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَا يَدْخُلُ أَحَدُكُمُ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ ” قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ” وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ وَفَضْلٍ “،(صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، وصحيح الترغيب والترهيب.)،  فلا تظن أن عملك يدخلك الجنة وأين أنت من أبو بكر وعمر – رضي الله عنهما ـــ؟!! ، فهذا عمر الذي قال له النبي ” لو لقيك الشيطان سالكاً فجاً لسلك فجاً غير فجك يا عمر ” ومع ذلك يقول عمر – رضي الله عنه : ” لو نادي منادٍ يوم القيامة: كل الناس يدخلون الجنة إلا واحداً لظننت أنه عمر بن الخطاب “، وهذا أبو بكر الذي لو وُزن إيمان الأمة في كفة وإيمانه في كفة لرجحت كفة أبي بكر ومع ذلك يقول : ” والذي نفسي بيده لو أن إحدى قدماي في الجنة والأخرى على بابها لا آمن مكر الله ” ، وهذا سيدنا عمر – رضي الله عنه ـــ لما مات النبي – r – ذهب إلي حذيفة بن اليمان أمين سر النبي والذي أعطاه النبي أسماء المنافقين وقال له عمر : ” أَنْشُدُكَ اللهَ، هَلْ سَمَّانِي لَكَ رَسُولُ اللهِ، يَعْنِي فِي الْمُنَافِقِينَ ؟ فَيَقُولُ: لَا ، وَلَا أُزَكِّى بَعْدَكَ أَحَدًا ” ، إن العبد المؤمن مهما عمل وقدَّم من أعمالٍ صالحة ,فإن عمله كله لا يؤدي شكر نعمة من النعم التي في جسده من سمع أو بصر أو نطق أو غيرها، ولا يقوم بشيء من حق الله تبارك وتعالى، فإن حقه فوق الوصف، ولذلك كان من صفات المخلصين أنهم يستصغرون أعمالهم، ولا يرونها شيئاً، حتى لا يعجبوا بها، ولا يصيبهم الغرور فيحبط أجرهم، ويكسلوا عن الأعمال الصالحة، ومما يعين على استصغار العمل:معرفة الله تعالى، ورؤية نعمه، وتذكر الذنوب والتقصير.

العلامة السادسة: طهارة القلب من البغضاء والشحناء:

بمعني أنك تصلي وتصوم وتخشع لله – عز وجل – ولكن القلب مملوء بالنفاق والشحناء والخصام والعداوة والبغضاء فلا يُقبل عملك عند الله وتكون أعمالك كلها هباءً منثوراً، إن رفع ليلة القدر وعدم تعيينها بسبب خصام وشحناء بين رجلين، فعن عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – r – خَرَجَ يُخْبِرُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَتَلَاحَى رَجُلَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ: “إِنِّي خَرَجْتُ لِأُخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ وَإِنَّهُ تَلَاحَى فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَرُفِعَتْ وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ”( البخاري)، قلت في نفسي: إذا كان الله رفع الرحمة والمغفرة والفضل فى ليلة القدر بسبب رجلين متشاحنين، فما بالكم لو كانت الأمة كلها متشاحنة متباغضة متخاصمة كما هى الآن؟!!! ، لذلك فإن الشحناء والخصام والعداوة والبغضاء تحلق الدين والحسنات حلقاً، كما قال – r -: ” ألا أدلكم علي أفضل من الصيام والصلاة والصدقة، قلنا : بلي يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين، إن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول حالقة الشعر ولكن تحلق الدين .”( أخرجه الترمذى وصححه) ونحن نعلم أن الأعمال ترفع إلي الله في يومي الاثنين والخميس فيغفر الله لكل عبدٍ لا يشرك بالله شيئاً إلا المتشاحنين فيقول الله – عز وجل – : ” أنظروا هذين حتى يصطلحا “( أخرجه مسلم) ، وقد سئل – r -: أي الناس أفضل ؟ قال : ” كل مخموم القلب صدوق اللسان ” قالوا : صدوق اللسان نعرفه ، فما مخموم القلب ؟ قال : ” هو النقي التقي لا إثم عليه ولا بغى ولا غل ولا حسد ” (صححه الألباني في السلسلة الصحيحة،وصحيح الترغيب والترهيب) ، وقال الله في وصف أصحاب الجنة:” وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ ” ( الحجر : 47 )، إن من أهم علامات القبول أن يتخلص القلب من أمراضه وأدرانه فيعود إلى حب الله تعالى وتقديم مرضاته على مرضاة غيره، وإيثار أوامره على أوامر من سواه، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يترك الحسد والبغضاء والكراهية، وأن يوقن أن الأمور كلها بيد الله تعالى فيطمئن ويرضى، ويوقن أن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وما أصابه لم يكن ليُخطئه، وبالجملة يرضى بالله وبقضائه ويحسن الظن بربه.

العلامة السابعة: كثرة الدعاء والاستغفار بعد كل طاعة:

بمعني أن كل عمل تعمله تطلب من الله فيه التوفيق والسداد وتستغفر الله بعد العمل ، ولذلك جعل الله بعد كل عبادة دعاءً واستغفاراً جبراً للخل الذي حدث في هذه العبادة، فبعد الانتهاء من الصلاة استغفار وتسبيح وتحميد وتكبير ، لماذا ؟ لجبر الخلل الذي وقع في الصلاة ، وفى الحج قال تعالي : ” فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَام ” ( البقرة : 198 )  ، وقال تعالي : ” فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ ” ( البقرة : 200 ). وهذا سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل دعوا الله أثناء بناء الكعبة ، قال تعالي : ” وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ” ( البقرة : 127 )، وعند الانتهاء من المجلس تختمه بدعاء كفارة المجلس : “سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ” فما من لغو أو رفث إلا غفر الله لك ، ولذلك كان الصحابة يدعون الله ستة أشهر قبل رمضان أن يبلغهم رمضان ، وبعد رمضان يدعون الله ستة أشهر أن يتقبل منهم رمضان ، فعود نفسك علي الدعاء والاستغفار بعد كل عمل تعمله ، لأنك مهما حرصت على تكميل عملك فإنه لابد من النقص والتقصير.

كتب عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – إلى الأمصار يأمرهم بختم شهر رمضان بالاستغفار والصدقة وصدقة الفطر فإن صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث والاستغفار يرفع ما حدث من الخروق في الصيام باللغو والرفث، وقال عمر بن عبد العزيز في كتابه: قولوا كما قال أبوكم آدم (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الأعراف:23) وقولوا كما قال نوح عليه السلام: (وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (هود:47) وقولوا كما قال إبراهيم – عليه السلام-: (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) (الشعراء:82) وقولوا كما قال موسى عليه السلام: (قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ..) (القصص:16) وقولوا كما قال ذو النون عليه السلام: (.. لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (الأنبياء:87) .

صيامنا هذا يحتاج إلى استغفار نافع وعلم صالح له شافع ،كم تخرق من صيامنا بسهام الكلام ثم نرقعه وقد اتسع الخرق على الراقع ،كم نرفو خروقه بمخيط الحسنات ثم نقطعه بحسام السيئات القاطع، وكان بعض السلف إذا صلى صلاة استغفر من تقصيره فيها كما يستغفر المذنب من ذنبه ، فإذا كان هذا حال المحسنين في عباداتهم فكيف حال المسيئين؟!!! فمن منا لهج لسانه بالدعاء أن يتقبل الله منه رمضان؟

 

      الدعاء……….                                                       وأقم الصلاة،،،،    

                                                                                                                                                               كتبه : خادم الدعوة الإسلامية

       د / خالد بدير بدوي

 

اظهر المزيد

admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »