الأوقافخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة خطبة الأسبوع ، خطبة الجمعة القادمة، خطبة الاسبوع، خطبة الجمعة وزارة الأوقافعاجل

خطبة بعنوان: ظاهرة أطفال الشوارع وانحراف الأولاد ( الأسباب والعلاج) للدكتور خالد بدير

خطبة بعنوان: ظاهرة أطفال الشوارع وانحراف الأولاد ( الأسباب والعلاج)

عناصر الخطبة:

العنصر الأول: أسباب انحراف الأولاد.

العنصر الثاني: المفاسد والآثار الناتجة عن ظاهرة أطفال الشارع .

العنصر الثالث: علاج انحراف الأولاد من خلال حقوق الولد على والديه.

المقدمة:                                                            أما بعد:

العنصر الأول: أسباب انحراف الأولاد

إن للأسرة دورًا كبيرًا في رعاية الأولاد – منذ ولادتهم – وفي تشكيل أخلاقهم وسلوكهم، وما أجمل عبارة : ” إن وراء كل رجل عظيم أبوين مربيين”، وكما يقول بعض أساتذة علم النفس : “أعطونا السنوات السبع الأولى للأبناء نعطيكم التشكيل الذي سيكون عليه الأبناء”. وكما قيل : “الرجال لا يولدون بل يُصنعون”.

وكما عبر الشاعر:                     وينشأُ ناشئُ الفتيانِ مِنا             على ما كان عَوَّدَهُ أبُوه

وإهمال تربية الأبناء جريمة يترتب عليها أَوْخَم العواقب على حد قول الشاعر:

إهمالُ تربية البنين جريمةٌ               عادت على الآباء بالنكبات

وأذكر قصة في جانب الإهمال، سرق رجل مالاً كثيرًا، وقُدّم للحد فطلب أمه، ولما جاءت دعاها ليقبلها، ثم عضها عضة شديدة، فقيل له ما حملك على ما صنعت؟ قال: سرقت بيضة وأنا صغير، فشجعتني وأقرتني على الجريمة حتى أفضت بي إلى ما أنا عليه الآن.

أحبتي في الله: ما أكثر العوامل والأسباب التي تؤدي إلى انحراف الأولاد وفساد أخلاقهم، وإليك بعضاً من هذه الأسباب مختصرة:-

الفقر الذي يخيم على بعض البيوت : مما يجعل الولد يلجأ إلى مغادرة البيت بحثاً عن الأسباب وسعياً وراء الرزق فتتلقفه أيدي السوء والجريمة.

النزاع والشقاق بين الآباء والأمهات : فالولد حين يفتح في البيت عينيه ويرى ظاهر الخصومة سيترك حتماً جو البيت القاتم ويهرب ليفتش عن رفاق يقضي معهم جل وقته.

حالات الطلاق وما يصحبها من الفقر: فالولد عندما يفتح على الدنيا عينيه ولا يجد الأم التي تحنو عليه؛ ولا الأب الذي يقوم على أمره ويرعاه، فإنه لاشك سيندفع نحو الجريمة ويتربى على الفساد والانحراف لاسيما عند زواج الأم.

الفراغ الذي يتحكم في الأطفال والمراهقين : من المعلوم أن الولد منذ نشأته مولع باللعب فإنه لم ييسر لهم أماكن اللعب واللهو البرئ ومسابح للتدريب والتعليم فإنهم سيختلطون غالباً بقرناء سوء يؤدي حتماً إلى شقاقهم وانحرافهم.

الخلطاء الفاسدين ورفاق السوء: لاسيما إن كان الولد بليد الذكاء ضعيف العقيدة، فسرعان ما يتأثر بمصاحبة الأشرار ويكتسب منهم أحط العادات والأخلاق.

سوء معاملة الأبوين : من الأمور التي يكاد يجمع علماء التربية عليها أن الولد إذا عومل من قبل أبويه ومربية المعاملة القاسية وأدب من قبلهم بالضرب الشديد والتوبيخ القارع؛ فإن ردود الفعل ستظهر في سلوكه وخلقه، مما قد يؤول به الأمر إلى ترك البيت نهائياً للتخلص مما يعانيه من القسوة والمعاملة الأليمة.

مشاهدتهم أفلام الجريمة والجنس : وذلك في القنوات الفضائية الفاضحة والتي تبث السم الزعاف، وأيضاً من خلال ساحات الانترنت التي جعلت من عالمنا كقرية صغيرة؛ وغيرها من الروايات الهابطة والمجلات الماجنة والقصص المثيرة، ومن المعلوم بداهة أن الولد رغم اكتمال عقله لا تزال هذه الصورة تنطبع في ذهنه؛ وتتأصل في مخيلته هذه المشاهد، فيعمد حتماً إلى محاكاتها وتقليدها ، بحيث لا ينفع معه نصح الآباء أو توجيه المربين والمعلمين.

انتشار البطالة في المجتمع : فالأب الذي لم تتيسر له سبل العمل ؛ ولم يجد من المال ما يسد به جوعته وجوعة أهله وأولاده؛ فإن الأسرة بأفرادها ستتعرض للتشرد والضياع، وإن الأولاد سيدرجون نحو الانحراف والإجرام.

تخلي الأبوين عن تربية الولد : فإذا قصرت الأم في الواجب التربوي نحو أولادها لانشغاله مع معارفها وصديقتها واستقبال ضيوفها وخروجها من بيتها، وإذا أهمل الأب مسؤولية التوجيه والتربية نحو أولاده لانصرافه وقت الفراغ إلى اللهو مع الأصحاب والخلان، فلاشك أن الأبناء سينشئون نشأة اليتامى ويعيشون عيشة المتشردين، وصدق القائل:

ليس اليتيم من انتهى أبواه من     هـــم الحياة وخلفاه ذليلاً

إن الـيـتيم الـــــــــــذي تـلقــــــى لـــه      أمّاً تخلت أو أباً مشغولاً

مصيبة اليتم : من العوامل الأساسية في انحراف الولد مصيبة اليتم التي تعتري الصغار وهم في زهرة العمر، فهذا اليتيم الذي مات أبوه وهو صغير إذا لم يجد اليد الحانية التي تحنو إليه، والقلب الرحيم الذي يعطف عليه، فلاشك أن هذا اليتيم سيدرج نحو الانحراف ويخطو شيئاً فشيئاً نحو الإجرام، لذلك حثنا صلى الله عليه وسلم على رعايته وكفالته حيث قال: ” أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا، وَقَالَ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى” (البخاري)

وروى الإمام أحمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح رأس اليتيم ثلاثاً ويدعو له بالخير والبر. وأخرج ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم باستشهاد جعفر بن أبي طالب طلب أن يؤتى بأبنائه إليه، فأتي بهم كأنهم أفراخ، فاحتضنهم وشمهم وذرفت عيناه عليهم ثم أمر بالحلاق فجئ به فحلق لهم رؤوسهم.

إن كفالة اليتيم لا تقتصر على النواحي الغذائية فقط، بل يتسع معناها ليشمل احتضانه وتعليمه والاهتمام بصحته وإعداده نفسياً وتربوياً لمواجهة المستقبل، والأخذ بيده نحو الفضيلة، وتقوية روحه وعقله، وزرع الأمل في نفسه، ومعاملته بصدق وإخلاص، والحرص على مستقبله وسلوكه، كما يكون حرص الأب على مستقبل أبنائه وسلوكهم.

فوائد كفالة اليتيم وأثرها على الفرد والمجتمع

 لكفالة اليتيم ثمرات وفوائد تعود عليه وعلى مجتمعه في الدنيا والآخرة تتمثل فيما يلي:-

** كفالة اليتيم من قبل المسلم تؤدي إلى مصاحبة الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة وكفى بذلك شرفاً وفخراً.

 ** كفالة اليتيم والإنفاق عليه وتربيته والعناية به تدل على طبع سليم وفطرة نقية وقلب رحوم0

 ** المسح على رأس اليتيم و تطييب خاطرة تؤدي إلى ترقيق القلوب وتزيل القسوة عنه0

 **تعود على صاحبها بالخير الجزيل والفضل العظيم في الحياة الدنيا فضلاً عن الآخرة، قال تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} ( الرحمن: 60)، فيكون ذلك ذخراً لك عند الله ، فعن حماد بن أبي حنيفة قال: قالت مولاة لداود الطائي: يا داود لو طبخت لك دسماً. قال: فافعلي. فطبخت له شحماً ثم جاءته به. فقال لها: ما فعل أيتام بني فلان؟ قالت: على حالهم. قال: اذهبي به إليهم فقالت له: فديتك إنما تأكل هذا الخبز بالماء؟ قال: إني إذا أكلته كان في الحش وإذا أكله هؤلاء الأيتام كان عند الله مذخوراً. ( صفة الصفوة لابن الجوزي)

 ** تساهم في بناء مجتمع خال من الحقد والكراهية وتسود فيه روح المحبة والمودة 0 قال صلى الله عليه وسلم: ” مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”( البخاري ومسلم )

** إكرام اليتيم والقيام بأمره ورعايته والعناية به وكفالته إكرام لمن شارك الرسول صلى الله عليه وسلم في صفة اليتم، وفي هذا دليل على محبته صلى الله عليه وسلم.

** كفالة اليتيم تزكي مال المسلم وتطهره وتجعل هذا المال نعم المال الصاحب للمسلم.

** في كفالة اليتيم بركة عظيمة تحل على الكافل وتزيد في رزقه.

**في كفالة اليتيم حفظ لذريتك من بعدك وقيام الآخرين بالإحسان إلى أيتامك. قال تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا } (النساء: 9)

العنصر الثاني: المفاسد والآثار الناتجة عن ظاهرة أطفال الشارع .

هناك مجموعة من المفاسد والآثار الناتجة عن إهمال تربية الأولاد وتركهم لتربية الشارع وتتمثل فيما يلي:-

1- يتعلم الابن من الشارع الكلمات البذيئة والفاحشة من لعن وسب وشتم وكذب وكل أقوال وأفعال سيئة، فمن يريد من ابنه أن يتعلم هذه المظاهر السيئة فليرسل ولده إلى مدرسة الشارع وسيتعلمها خلال أيام قلائل.

2- صعوبة في التربية يجدها الأب بسبب تأثير ثقافة الشارع عليه، ونحن في هذا العصر نعاني من نار وسائل التقنية الحديثة وآثارها على الجيل، فيأتي الشارع ويكمل الناقص، وربما يمارس فيه الابن المظاهر السيئة التي شاهدها في الأجهزة الحديثة.

3- أثبت الواقع أن اجتماع أبناء الحي في مكان واحد سبب لارتكاب الجرائم الجنائية من سرقة للبيوت أو المحلات التجارية أو السرقة من سيارات الجيران، أو الاعتداء عليها بتكسيرها ورميها بالحجارة ونحو ذلك.

4- أثبت الواقع أن اجتماع أبناء الحي يعتبر بداية لتعلم أو ارتكاب الجرائم الأخلاقية من لواط أو إعجاب أو أي شذوذ جنسي، نسأل الله السلامة والعافية.

5- ترك الابن يسرح في الشوارع ويمرح يجعله عرضة لسرقة أغراضه ومقتنياته الخاصة من جوال ونقود.

6- ترك الابن يلعب في الشارع يجعله عرضة لابتزازه أو الاعتداء عليه أخلاقياً من بعض الشباب الوافدين على الحي لأغراض سيئة ومن ثم تصويرهم.

7- ترك الابن يخرج من البيت بغير حاجة وإطلاقه هكذا قد يكون أيضاً عرضة لاختطافه من قبل عصابات منتشرة، لاسيما إن كان الابن وسيماً.

8- ترك أولياء الأمور أبناءهم يلعبون في ساحات الحي وطرقه سبب لإيجاد التجمعات المشبوهة، وجلب الشباب المفسدين من خارج الحي الذين يترددون على الأحياء بسياراتهم المضللة لأغراض سيئة، وهذه ظاهرة يشتكي منها كثير من الأحياء.

9- تجمعات أبنائنا في الحي سوق مناسبة لترويج المخدرات من الشباب المفسدين من خارج الحي أو داخله.

10- ترك الابن يلعب في شوارع الحي سبب لتشويه صورة العائلة وسمعتها بين جيران الحي، وربما يقال عن ابنك (ابن فلان ابن شوارع أو عيال شوارع) وهذه عبارة لا يرضاها كل أب عاقل حريص على سمعة بيته بين جيرانه.

11- ترك الأبناء يلعبون في الشوارع سبب الخلاف والفرقة والقطيعة بين جيران الحي بسبب تنازع أبنائهم واعتداء بعضهم على بعض وضرب بعضهم بعضاً، وكثيراً ما يسبب الأبناء المشاكل بين الجيران والحرج لآبائهم، ولو أن كل أب حفظ ابنه لاستمر الود بين الجيران وانتفت القطيعة.

12- لعب الابن في الشوارع وكثرة مكثه فيها سبب لضعف تحصيله الدراسي، وغالباً ما تجد الولد كثير التردد على الشوارع ضعيف التحصيل العلمي، والولد الحريص على البقاء في البيت، البعيد عن أبناء الشوارع نابغة علمياً ومتفوق دراسياً.

13- ومن أعظم المفاسد إيذاء جيران الحي بلعبهم وصراخهم، وبيوت الجيران مليئة بمن يبحث عن الراحة والهدوء والسكون من مريض أو مرهق بسبب عمل أو كبير سن، وترك الأب ابنه يؤذي جيرانه ذنب عظيم وإثم كبير، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في حديث أبي هريرة ” لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ “( مسلم)، وكما أنك لا ترضى من أحد أن يؤذيك فكذلك الناس لا يرضون أذية من أحد ” لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ” ( البخاري )

هذه أهم المفاسد والآثار الناتجة عن إهمال تربية الأولاد وتركهم لتربية الشارع والتي يقع بها أبناؤنا إن نحن فرطنا فيهم.

وأخيراً أهمس في أذن الأب الحريص الذي يريد تفريغ طاقة ابنه بأن يبادر هو في توفير البدائل المفيدة له في البيت أو خارجه، قبل أن يلقي باللائمة على المجتمع المحيط به أو المؤسسات الرسمية، فالناس ليسوا مسئولين عن أبنائك، ولا أحد أعرف بحال الابن من أبيه، فإن الأبوين هما المسئولان عنهم ، وبين ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله:” كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ” ( متفق عليه) وقال أيضاً : ” إنَّ اللهَ سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاهُ ، أحفظَ أم ضيَّعَ ؟ حتى يُسألَ الرجلُ عن أهلِ بيتِه “( السلسلة الصحيحة: الألباني)

العنصر الثالث: علاج انحراف الأولاد من خلال حقوق الولد على والديه.

إن علاج انحراف الأولاد يتمثل في إعطائهم مجموعة من الحقوق الإسلامية، وقد جمعها ولخصها سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فقد ( جاءه رجل يشكو إليه عقوق ابنه ، فأحضر عمر الولد وابنه وأنَّبه على عقوقه لأبيه، ونسيانه لحقوقه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب ( أي القرآن )، قال الولد: يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئاً من ذلك، أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جُعلاً ( أي خنفساء )، ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً 0 فالتفت عمر إلى الرجل وقال له: جئت إليَّ تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك ؟! ) ( تربية الأولاد في الإسلام، عبدالله ناصح علوان)

ومن خلال أثر سيدنا عمر وغيرها من الآثار والأحاديث نستخلص حقوق الولد على والديه والتي هي عامل رئيس في علاج انحراف الأولاد وتتلخص فيما يلي:-

الحق الأول: اختيار الزوجة الصالحة ذات الدين لأنها مضنة الولد الصالح لتكون أمّاً مربية تقية طاهرة عفيفة، تعين أبناءها على التربية الصالحة، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ “( متفق عليه)، ومن هنا يرى علماء التربية أن دور الأم في تربية الطفل يسبق دور الأب، وذلك لكثرة ملازمتها للطفل منذ تكوينه جنيناً في بطنها حتى يكبر. وصدق الشاعر حافظ إبراهيم إذ يقول:

الأم مدرسة إذا أعددتها              أعددت شعباً طيب الأعراق

 الحق الثاني: إتباع السنة في المعاشرة الزوجية وطلب الولد الصالح. وذلك بذكر الأدعية التي تحصن المولود – وهو نطفة – من الشيطان الرجيم عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” أَمَا إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ وَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبْ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَرُزِقَا وَلَدًا لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ” (البخاري)، وهذا جانب من جوانب التربية الروحية المبكرة للطفل قبل ولادته.

الحق الثالث: اتباع السنة في استقبال المولود من تحنيكه بالتمر والدعاء له وحلق رأسه والعقيقة عنه وتسميته بأحب الأسماء وختانه، مع مراعاة حسن اختيار الاسم، لذلك حثنا صلى الله عليه وسلم على اختيار الاسم الحسن ، فكان إذا رأى اسماً قبيحاً غيره، فقد غير صلى الله عليه وسلم اسم عاصية وقال أنت جميلة، وسمى حرباً سلماً وسمى المضطجع المنبعث، وأرضاً يقال لها عفرة خضرة ، وشعب الضلالة سماه شعب الهدى، وبنو الزينة سماهم بني الرشدة، والعاصي سماه رسول الله مطيعاً، وغير النبي اسم المدينة وكان يثرب فسماها طابة كما في الصحيحين، ولما رأى سهيل بن عمرو مقبلاً يوم صلح الحديبية قال سهل أمر كم وانتهى في مسيره إلى جبلين فسأل عن اسمهما فقال مخز وفاضح فعدل عنهما ولم يسلك بينهما. وروي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ لِرَجُلٍ: «مَا اسْمُكَ» ؟ قَالَ: جَمْرَةُ، قَالَ: «ابْنُ مَنْ؟» قَالَ: ابْنُ شِهَابٍ، قَالَ: «مِمَّنْ؟» قَالَ: مِنَ الْحِرْقَةِ، قَالَ: «أَيْنَ مَسْكَنُكَ؟» ، قَالَ: بحِرَّةِ النَّارِ. قَالَ: «بِأَيِّهَا» ؟ قَالَ: بِذَاتِ لَظًى، قَالَ عُمَرُ: «أَدْرِكْ أَهْلَكَ فَقَدِ احْتَرَقُوا» ، فَرَجَعَ الرَّجُلُ، فَوَجَدَ أَهْلَهُ قَدِ احْتَرَقُوا. (تحفة المودود بأحكام المولود لابن القيم)، وفي البخاري عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ:” أَنَّ أَبَاهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: حَزْنٌ قَالَ: أَنْتَ سَهْلٌ ، قَالَ: لَا أُغَيِّرُ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي، قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فَمَا زَالَتْ الْحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ”.

 الحق الرابع: الرضا بقسمة الله من الذكور والإناث وعدم تسخط البنات: لقول الله تعالى:{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}( النحل: 58 ، 59 ) ، وأكد الرسول صلى الله عليه وسلم عنايته بالمرأة منذ الولادة فقد روى مسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ -وَضَمَّ أَصَابِعَهُ ” وفي ذلك من التربية والتوجيه لاقتلاع العادات الجاهلية ما لا يخفى.

الحق الخامس: أن يختار له مرضعة صالحة إن فقد أمه. وأفضل الرضاعة ما كانت حولين كاملين لقول الله تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}. ولقد أثبتت البحوث العلمية والصحية أن فترة عامين ضرورية لينمو الطفل نمواً طبيعياً سليماً من الوجهتين الصحية والنفسية.

الحق السادس: أن تحضن الأم ابنها: وخاصة مرحلة المهد والطفولة المبكرة، ولا تتركه للخادمات والمربيات، وذلك لأن الأم مع رضاعة وليدها بالحليب ترضعه العطف والحنان الذي لا يملكه غيرها، ومن هنا كانت حكمة الله سبحانه وتعالى في إرجاع موسى إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن قال الله تعالى: {فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ}( القصص: 13)، ويرى العلماء أن الطفل يحس بالأمن كلما ألصقته الأم إلى صدرها.

الحق السابع: أن يعلمه والداه كتاب الله عز وجل: ثم ما يلزم من العلوم الضرورية الدينية والدنيوية ، فقد أخرج أبو داود عن سهل بن معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ضَوْءُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَتْ فِيكُمْ ، فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهَذَا؟!”، وقد أدرك المسلمون السابقون أهمية التربية على القرآن فتسابقوا في هذا الميدان وتنافسوا، يقول الإمام الشافعي رحمه الله: “حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر” ويقول سهل التستري: “مضيت إلى الكتاب فتعلمت القرآن وحفظته وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين.”

 الحق الثامن: ألا يرزقه إلا طيباً من الكسب الحلال: فما يغذى به الأولاد ينبغي أن يكون حلالاً ، لأن أكل الحرام يمنع إجابة الدعاء، “ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ” ( مسلم )، فيعود الطفل على أكل الحلال وكسب الحلال وإنفاق الحلال حتى ينشأ على التوسط والاعتدال بعيداً عن الإسراف والتقتير.

الحق التاسع: أن يعلمه الصلاة ويعوده عليها: لقول الله تعالى:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}( طه: 132) ، وفي الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ” ، فيؤمر الصبي بالصلاة في سن السابعة وهي بداية مرحلة التعليم التي نبه إليها الإسلام ويؤخذ بالنصح والتوجيه إذا قصر في صلاته حتى سن العاشرة فإن تهاون في هذه المرحلة جاز لوالده استخدام الضرب تأديباً له على ما فرط في جنب الله، ويشجع الطفل في هذه السن على صلاة الجماعة وحضور صلاة الجمعة والعيدين، ومن أنجح الوسائل في تحبيب الأطفال لصلاة الجماعة اصطحاب الأب لأبنائه لأداء صلاة الجماعة في المسجد.

 الحق العاشر: أن يدربه على الصوم: وهذا من العمل المستحب، إذ يرى جمهور العلماء أنه لا يجب على من دون سن البلوغ ولكن يستحب للتمرين.. أخرج البخاري ومسلم عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ قَالَتْ” كُنَّا نَصُومُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا الصِّغَارَ مِنْهُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَنَذْهَبُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهَا إِيَّاهُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ”.  قال الحافظ ابن حجر معلقاً: ” وفي الحديث حجة على مشروعية تمرين الصبيان على الصيام كما تقدم. والصوم من الوجهة التربوية يغرس في النفس البشرية حقيقة الإخلاص لله تعالى ومراقبته في السر وتقوية الإرادة وكبح جماح الشهوات، ويؤمر به الأطفال عند طاقتهم منذ السابعة وبالتدريج. “

الحق الحادي عشر: أن يعدل الوالدان بين أولادهم: فلا يفضل أحد على أحد، ولا يميز الذكور على الإناث، والعدل بين الأولاد مطلوب في جميع الحالات سواء كان في العطاء أو في المحبة والقبلة ، أو في تقديم الهدايا والهبات والوصية أو في المعاملة، فإنه يلزم الوالدين معاملة أولادهم بالعدل والمساواة. وبهذا العدل يستقيم أمر الأسرة وتنشأ المحبة بين الجميع وتغرس الثقة بين أفراد الأسرة، فلا مكان للأحقاد والبغضاء عندئذ، وفي الحديث المتفق عليه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “اتقوا الله واعدلوا في أولادكم “.

الحق الثاني عشر: تخير الصحبة الصالحة لهم: لأن الصاحب ساحب والقرين بالمقارن يقتدي. وقد حث الإسلام على صحبة الصالحين والأخيار، وحذر من صحبة الأشرار، وفي الحديث الصحيح: ” لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طعامك إلا تقي “. ( صحيح الترغيب والترهيب – الألباني )

وفي تخير الأصحاب الصالحين للأبناء حماية لهم من الوقوع في الانحراف والبعد بهم عن مزالق السوء ومهاوي الردى. ولقد أحسن من قال:                           واختر من الأصحاب كل مرشد        إن القرين بالقرين يقتدي

 فصحبة الأخيار للقلب دواء تزيد للقلب نشاطاً وقوى، وصحبة الأشرار داء وعمى تزيد للقلب السقيم سقماً.

أحبتي في الله:  هذه مجموعة من الحقوق الإسلامية، التي لو فعلناها نستطيع بسهولة علاج انحراف الأولاد.

وقد ضرب النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لنا المثل والقدوة في التربية، فعن ابن عباس قال كنتُ خلفَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومًا فقال:” يا غلامُ ، إني أعلِّمُك كلماتٍ : احفَظِ اللهَ يحفَظْك ، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك ، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ ، واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك ، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ” ( السلسلة الصحيحة: الألباني)

وعن عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ:  كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” يَا غُلَامُ: سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ” فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ. ( البخاري )

أيها المسلمون: إن صلاح أولادنا أن نغرس فيهم منهج نبينا في جميع شئون الحياة، وذلك بتعليمهم آداب الصلاة والصوم والاستئذان ودخول البت وخروجه، وآداب الطعام والشراب، واحترام الكبير وتوقيره وغير ذلك من الآداب التي حثتا عليها الشارع الحكيم.

 

 كتبه : خادم الدعوة الإسلامية

د / خالد بدير بدوي

اظهر المزيد

admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »