أخبار مهمةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة خطبة الأسبوع ، خطبة الجمعة القادمة، خطبة الاسبوع، خطبة الجمعة وزارة الأوقافعاجل

خطبة بعنوان.. “رجل ذو همة يحي الله به أمة”، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح

خطبة بعنوان.. “رجل ذو همة يحي الله به أمة”، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح

لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا

لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا

ولقراءة الخطبة كما يلي:

الحمد لله رب العالمين ..”الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ “. “لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ” .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في سلطانه ولي الصالحين ..
وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله “النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ ” صلواتُ الله وسلامُه عليه، وعلى آل بيتِه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المُؤمنين، وعلى أصحابه والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا. أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلَموا أن هذه الدنيا دار ممرٍّ لا دار مقرٍّ، وقد جعلَكم الله مُستخلَفين فيها لينظُر كيف تعملون .. “مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا”(الأحزاب /23).
أيها المسلمون:
متى ما كان الإيمان قويًّا، ومتى ما كان الرقيب متنبهًا، كان للمسلم همة وقوة تحضه علي فعل الخيرات وترك المنكرات ..والعمل علي رقي ورفعة نفسه ووطنه.
وحديثنا إليكم اليوم عن: أصحاب الهمم العالية ” فرجل ذو همة يحي الله به أمة”
والهمة من شيم الرجال و هي الباعث على الفعل، وتوصف بعلو أو سفول قال أحد الصالحين : همتك فأحفظها، فإن الهمة مقدمة الأشياء، فمن صلحت له همته وصدق فيها، صلح له ما وراء ذلك من الأعمال. والهمــة محلها القلـب فهي عمل قلبي محض، والقلب لا سلطان عليه لغير صاحبه، وكما أن الطائر يطير بجناحيه، كذلك يطير المرء بهمته، فتحلق به إلى أعلى الآفاق، طليقةً من القيود التي تكبل الأجساد :-
إن يَسْـلُـب الـقـوم الـعِـدا***مُلْكِي وتُسْلِمني الجموعْ
فالـقـلـب بـيــن ضُـلُـوعِـهِ***لم تُسْلِمِ القلـبَ الضلـوعْ
وقال بعضهم ” ذو الهمة إن حُطَّ، فنفسه تأبى إلا عُلُوّاً، كالشعلة ِ من النار يُصَوِّبُها صاحبها، وتأبى إلا ارتفاعاً “. مما أثر عن الأولين قولهم: “رجل ذو همة، يوقظ أمة”، فلم يقولوا: رجل ذو منصب، أو ذو مال، أو ذو جاه.. يمكن أن يحيي الأمة.. ذلك أن حياة الأمة، تكمن في همم الرجال العظماء، ولا تكون أبداً، وفي أي حال من الأحوال، في أمو الهم، أو في جاههم، أو في مناصبهم.. بله المال والمنصب والجاه عند كثير من الرجال.. كان وبالاً ونكراناً على الأمة..
ولقد بنى الكثير من الأشخاص مجداً وملكاً وجاهاً، وتضخمت أرصدتهم، على حساب أمتهم، فكانت أمجادهم الزائفة.. ثمناً بخساً لأمجاد الأمة وكرامتها..
وهمَّــــــــــــة المؤمـــن أبلغ من عملـه :- قال صلى الله عليه وسلم :”من همَّ بحسنة، فلم يعملها، كتبها الله عنده حسنة كاملة “.( البخاري) . وقال صلى الله عليه وسلم : ” من سأل الله الشهادة بصدقٍ، بلَّغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه ” ( مسلم ) .
وقد يتفوق المؤمن بهمته العالية كما بيَّن ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله :- ” سبق درهم مائة ألف “، قالوا : يا رسول الله، كيف يسبق درهم مائة ألف ؟!، قال : ” رجل كان له درهمان، فأخذ أحدهما، فتصدق به، وآخر له مال كثير، فأخذ من عَرْضها مائة ألف ” ( أحمد وغيره) .
أخوة الإيمان والإسلام :
ما من عاقل إلا وله في حياته هدف يسعى لتحقيقه ورسالة يودُّ أداءها، أي: أن له همًا في هذه الحياة؛ لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: “أصدق الأسماء حارث وهمام” . قال ابن الأثير رحمه الله في معنى همام: “وإنما كان أصدقها لأنه ما من أحدٍ إلا وهو يهم بأمر، خيرًا كان أو شرًا”. إذًا فكل أحد يحمل بين جوانحه همًا وهدفا يحركه في هذه الحياة ويوجه طاقاته لتحقيقه.
اجتمع ذات يوم بفناء الكعبة أربعة من أبناء سادات قريش هم: عبد الله بن عمر، وعروةُ بن الزبير، وأخوه مصعب بن الزبير، وعبد الملك بن مروان، فقال لهم مصعب: تمنَّوا، فقالوا: ابدأ أنت، فقال: ولاية العراق وتزوُّجُ فلانة وفلانة وسماهما، وتمنى عروة الفقه في الدين، وتمنى عبد الملك الخلافة، وتمنى ابن عمر الجنة. فسعى كلٌ منهم لإدراك غايته، واستجمع قواه في تحقيق أمنيته، فنال مصعب ولاية العراق وتزوج بمن سمَّى، ونال عروة الفقه فكان من الأئمة العظام ومن فقهاء المدينة السبعة، ونال عبد الملك الخلافة والملك، واجتهد ابن عمر في طلب الجنة ونرجو أن يكون من أهلها.
فانظر ياأخي رعاك الله .. أن ما يحمله الإنسان بداخله من همٍ ورسالة يُحرّك طاقاتِه نحو تحقيقه، فإذا به يتحقق، لا لأنه تمناه، ولكن لأنه جدَّ في تحقيقه وبذل أسباب الوصول إليه فتحقّق بإذن الله.
فمن الناس من همه جمع الدراهم وتكثيرها، وربما بخل بها على نفسه أو أهله لأن همه في رؤيتها كثيرة وإن لم ينتفع بها، وهو بمثابة العبد الذي يحرس المال لسيده ولا حظ له فيه، ومنهم من همه نيل المناصبِ والترفع بها،
ومن الناس من همه أن يكون مغنيًا يتمايل طرباً فيتمايل معه السفهاء، أو كاتباً يشيع الفاحشة وينشر الرذيلة ويروّج للباطل لينال به عرضاً زائلاً وصيتاً حائلاً، ومنهم من همه في الحياة امرأة يرى أنه إن ظفر بها فقد فاز فوزاً عظيماً، وإلا فقد فاتته الحياة، وهكذا.
ولا تزال الهمم تصغر وتصغر حتى يصبح هم أحدهم في أمر تافه حقير يقضي ساعات طوال في الانشغال به، مع أنه يعود عليه بالضرر عاجلاً أو آجلاً، وكلٌ يسير إلى غايته، ويجهد في تحقيق رسالته، ومن هنا ينشأ التفاوت بين النبلاء والدهماء، بين العقلاء والسفهاء؛ لأن منازل الرجال وكذلك النساء تتفاوت بتفاوت ما يحملونه من الهموم والغايات، فالهمم العالية تسمو بصاحبها إلى ذرى المعالي، والهمم الدنيئة تسفُل بصاحبها إلى الحضيض، وكلٌ يسعى لإدراك غايته وتحقيق أمنيته جليلة كانت أم حقيرة، خيرا كانت أم شراً. قال المتنبي :
إذا غامرت في شرف مروم ***فـلا تـقـنع بمـا دون النجـــوم
فطعم الموت في أمر حقــير*** كطعم الموت في أمر عظيـــم
يـرى الجبنـاء أن العجز أمن *** وتلك خـديعـة الطـبـع اللئيــم
يقول الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه :” إن لي نفسًا تواقة، وإنها لم تعط من الدنيا شيئًا إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه، فلما أعطيت ما لا أفضل منه في الدنيا يعني الخلافة – تاقت نفسي إلى ما هو أفضل من الدنيا كلها؛ الجنة “. وقال شوقي :-
وما نـيـل المطــالـب بالتمنـي *** ولكن تـؤخـذ الدنيـا غلابـًا
وما استعصى على قوم منالٌ ***إذ الإقـدام كان لهــم ركابـًا
فالهمّ الذي يحمله المرء بين جنبيه هو الذي يحدِّدُ قيمته في سوق الرجال، فإن كان همُّه في الحياة رضوان الله عز وجل ساعياً في الخيرات آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر فهمَّه عظيم ومطلبَه كريم، فأخلص العمل لله جل وعلا، واقتفِ سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسترى الثمار يانعة بإذن الله، فإن كنت ذا علم فعلِّمه من لا يعلم، وإن كنت ذا مال فلا تبخل بالبذل لإعزاز دينك وغوث إخوانك وإن كنت ذا منصب وجاه فاستعمله في مرضاة ربك وخدمة دينك وأمتك. وهمة عالية وطموح كبير، تطير بصاحبها إلى الجنة .
أما من كان همُّه في الحياة ليس إلا منصباً رفيعا ًوقصرا منيفاً ومالا ً وفيراً ولا همَّ له في دينه فلا يغضب لله ولا ينتصر لأولياء الله من العلماء والدعاة ولا يأبه بانتهاك حدود الله فهذا ميت يمشي بين الأحياء، فأحسن الله عزاءه في نفسه، ولا كثر في المسلمين من جنسه، فبطن الأرض خير له من ظهرها.
ومـا للمرء خيرٌ في حياةٍ إذا ***مـا عُد من سقط المتاعِ
*صفات كبير الهمـــــــــــة :-
يا عالـــــــــــــــي الهمَّــــة بقَدْر ما تَتَعنَّى، تنالُ ما تتمنَّى .
أخوة الإيمان :
ولهذه الخصوصية العالية صفات تتوافر في بعض الرجال وليس كلهم منها:
جواد كريم : إن عالي الهمة يجود بالنفس والنفيس في سبيل تحصيل غايته، وتحقيق بغيته، لأنه يعلم أن المكارم منوطة بالمكاره، وأن المصالح والخيرات، واللذات والكمالات كلها لا تنال إلا بحظ من المشقة، ولا يُعبر إليها إلا على جسر من التعب ..
واثق بوعد ربه: عالي الهمة يُرى منطلقاً بثقة وقوة وإقدام نحو غايته التي حددها على بصيرة وعلم، فيقتحم الأهوال، ويستهين الصعاب :-
ذريــنــي أنــــل مــــا لا يُــنــال مــــن الــعُـــلا **فصعب العلا في الصعب والسهل في السهل
تــريـــديـــن إدراك الــمــعــالــي رخـــيـــصـة** ولا بُــــدَّ دون الـشَّـهْــدِ مــــن إبـر الـنــحْـلِ
من أراد الجنة سلعةَ الله الغالية لم يلتفت إلى لوم لائم، ولا عذل عاذل، ومضى يكدح في السعي لها قال تعالى: ” ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا ” وقال صلى الله عليه وسلم : ” من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة “.(الترمذي).
قوي العزيمة:
كبيــر الهمــة لا ينقُضُ عَزْمه :- قال الله تعالى :” فإذا عزمت فتوكل على الله ” وقال / جعفر الخلدي البغدادي : ” ما عقدت لله على نفسي عقداً ، فنكثته “.
* عالي الهمة لا يرضى بالدون ولا يرضيه إلا معالي الأمور :-
إن عالي الهمة يعلم أنه إذا لم يزد شيئا في الدنيا فسوف يكون زائدا عليها، ومن ثم فهو لا يرضى بأن يحتل هامش الحياة، بل لابد أن يكون في صلبها ومتنها عضوا مؤثرا.
إن كبير الهمة نوع من البشر تتحدى همته ما يراه مستحيلاً، وينجز ما ينوء به العصبة أولو القوة، ويقتحم الصعاب والأهوال لا يلوي على شيء :-
لـه هـمـم لا منتـهـى لكبـارهـا وهمته الصغرى أجل من الدهر
ندرة كبيريّ الهمة في الناس :-
يصدق عليهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ” تجدون الناس كإبل مائة، لا يجد الرجل فيها راحلة “(البخاري). . وهم في الناس ثلة من الأولين، وقليل من الآخرين :- وقد كانـوا إذا عـدوا قليـلا فقد صاروا أعز من القليل.
عالي الهمة لا يرضى بما دون الجنة :-
إن كبير الهمة لا يعتد بما له فناء، ولا يرضى بحياة مستعارة، ولا بقُنيةٍ مستردة، بل همه قنية مؤبدة، وحياة مخلدة، فهو لا يزال يحلق في سماء المعالي، ولا ينتهي تحليقه دون عليين، فهي غايته العظمى، وهمه الأسمى .
عالي الهمة شريف النفس يعرف قدر نفسه :-
وعالي الهمة يعرف قدر نفسه، في غير كبر، ولا عجب، ولا غرور، وإذا عرف المرء قدر نفسه، صانها عن الرذائل، وحفظها من أن تهان، ونزهها عن دنايا الأمور، وسفاسفها في السر والعلن، وجنبها مواطن الذل بأن يحملها ما لا تطيق أو يضعها فيما لا يليق بقدرها، فتبقى نفسه في حصن حصين، وعز منيع لا تعطى الدنية، ولا ترضى بالنقص، ولا تقنع بالدون .
كبير الهمة عصامي لا عظامي :-
فكبيرالهمة عصامي يبني مجده بشرف نفسه،لا اتكالا على حسبه ونسبه،ولا يضيره ألا يكون ذا نسب،فحسبه همته شرفاً ونسباً، فإن ضم كبر الهمة إلى نسب كان كعقد علق على جيد حسناء .
كبير الهمة يحمل هم الدعوة :-
من أعظم ما يهتم به الداعية هداية قومه، وبلوغ الجهد في النصح لهم، كما يتضح ذلك جليا لمن تدبر سير المرسلين، خاصة خاتمهم وسيدهم محمد صلى الله عليه وسلم .
إن المتأمل لقوائم عظماء رجالات الإسلام من الرعيل الأول فمن بعدهم ليرى أن علو الهمة هو القاسم المشترك بين كل هؤلاء الذين اعتزوا بالإسلام،واعتز بهم الإسلام، ووقفوا حياتهم لحراسة الملة وخدمة الأمة سواء كانوا علماء أو دعاة أو مجددين أو مجاهدين أومربين أو عباد صالحين ولولم يتحلوا بعلو الهمة لما كان لهم موضع في قوائم العظماء ولما تربعوا في قلوب أبناء ملتهم، ولما تزينت بذكرهم صحائف التاريخ ولا جعل الله لهم لسان صدق في الآخرين “.
*نماذج ممن علت همتهم:
أخوة اٌلإيمان والإسلام :
لقد حفل التاريخ الإسلامي قديمه وحديثه بنماذج رائعة من المهتدين الذين ارتفعت همتهم في البحث عن الدين الحق وبذلوا في سبيل ذلك النفس والنفيس، فصاروا مضرب الأمثال، وحجة لله على خلقه أن من انطلق باحثاً عن الحق مخلصا لله تعالى، فإن الله عز وجل يهديه إليه، ويمن عليه بأعظم نعمة في الوجود نعمة الإسلام .
وأول هؤلاء القدوة والأسوة الحسنة نبينا محمد صلي الله عليه وسلم فلقد ضرب لنا أروع الأمثلة في هذا الخلق :” علو الهمة” فهو الأسوة الحسنة، والقدوة الرائعة، في علو الهمة والشَّجَاعَة والإقدام، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا حمي الوطيس في الحرب ، كان أكثر الناس شجاعة، وأعظمهم إقدامًا، وأعلاهم همة، وقد قاد صلوات الله عليه بنفسه خلال عشر سنين سبعًا وعشرين غزاة، وكان يتمنى أن يقوم بنفسه كل البعوث التي بعثها والسرايا التي سيرها، ولكن أقعده عن ذلك أنه كان لا يجد ما يزود به جميع أصحابه للخروج معه في كل بعث، وكان أكثرهم لا تطيب نفسه أن يقعد ورسول الله قد خرج إلى الجهاد.
أحزان قلبي لا تزول *** حتى أبشر بالقبــــول
وأرى كتابي باليمين *** وتُسَرَّ عيني بالرسول
– روى عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده، لولا أن رجالًا من المسلمين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده لوددت أن أقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل ثم أحيا، ثم أقتل”( البخاري ومسلم ) . فأية همة عالية أعلى من هذه الهمة النبوية .
– وكان صلى الله عليه وسلم القدوة في الهمة العالية في العبادة. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له: لم تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: “أفلا أكون عبدًا شكورًا”( البخاري).
أحزان قلبي لا تزول *** حتى أبشر بالقبــــول
وأرى كتابي باليمين *** وتُسَرَّ عيني بالرسول
ومن النماذج المشرقة في البحث عن الحق أبو بكر الصديق رضي الله عنه وقف أمام العرب كلهم، وأصر على قتال المرتدين، حتى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنـه تعجب من موقـف أبي بكر، وطلب منه أن يتريث، فقال أبو بكر : ” والله لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة ” فقالوا له : ” ومع من تقاتلهم ؟ ” فقال : ” وحدي حتى تنفرد سالفتي “.
وأكثرنا قرأ قصة الباحث عن الحقيقة سلمان الفارسي رضي الله عنه و أبو ذر رضي الله عنه. * وعن سعد رضي الله عنه قال: رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يتوارى، فقلت: ما لك يا أخي؟، قال: إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني فيردني، وأنا أحبُّ الخروج لعلَّ الله أن يرزقني الشهادة. قال: فعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فردَّه، فبكى فأجازه، فكان سعد رضي الله عنه يقول: فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره، فقتل وهو ابن ست عشرة سنة (11) .
*ولما فرّ عبد الرحمن الداخل – صقر قريش – من العباسيين، عرض عليه أهل المغرب أن يقيم عندهم ويحمونه، فقال : ” إن لي همة هي أعلى من ذلك ” وتوجه تلقاء الأندلس، ثم أهديت إليه جارية جميلة، فنظر إليها، وقال : ” إن هذه من القلب والعين بمكان، وإن أنا اشتغلت عنها بهمتي فيما أطلبه ظلمتها، وإن اشتغلت بها عما أطلبه ظلمت همتي، ولا حاجة لي بها الآن “، وردها على صاحبها .
*وهذا نور الدين محمود بن زنكي رحمه الله صنع منبر المسجد الأقصى، وذلك قبل تحرير القدس بعشرين عامًا، حيث كان له مطلب سام، وهمة عالية تمثلت في تحرير المسجد الأقصى من قبضة النصارى، برغم أن الأمة الإسلامية كانت مفككة آنذاك والخلافات شديدة بين قيادات المسلمين هيأ القوة اللازمة للتحرير،وبنى مصانع للسلاح، ووحد أقطار المسلمين من شمال أفريقيا إلى مصر واليمن وبلاد الشام وشمال العراق، وجعل الناس يعيشون مرحلة التحرير وكأنها أمامهم، وما بناء المنبر إلا نوعًا من هذه التهيئة وعندما توفي نور الدين جاء تلميذه من بعده صلاح الدين الأيوبي فأتم التحرير،ووضع منبرنورالدين في مكانه في المسجد الأقصى.
*وكان كافور الإخشيدي وصاحبه عبدين أسودين، فجيء بهما إلى قطائع ابن طولون أمير الديار المصرية وقتها ليباعا في أسواق العبيد، جلس كافور وصاحبه يتحدثان، وبدأ كل منهما يسأل الآخر عن أمنيته وطموحه .
قال صاحبه : أتمنى أن أباع لطباخ، لآكل ما أشاء وأشبع بعد جوع .
وقال كافور : أما أنا فأتمنى أن أملك مصر كلها، لأحكم وأنهى، وآمر فأطاع .
وبعد أيام بيع صاحبه لطباخ، وبيع كافور لأحد قادة مصر وما هي إلا أشهر حتى رأى القائد المصري من كافور كفاءة وقوة، فقربه منه، ولما مات مولى كافور قام هو مقامه، واشتهر بذكائه وكمال فطنته حتى صار رأس القواد، وما زال يجد ويجتهد حتى ملك مصر والشام والحرمين .
بعدها مر كافور يومًا بصاحبه فرآه عند الطباخ يعمل في جد وقد بدا بحالة سيئة، التفت كافور إلى أتباعه وقال : ” لقد قعدت بهذا همته فكان ما ترون، وطارت بي همتي فصرت كما ترون، ولو جمعتني وإياه همة واحدة لجمعنا مصير واحد “.
تحتاج الأمم جميعها إلى أصحاب الهمم والطموح، فهم صناع الحياة وقيادات المستقبل في أي أمة من الأمم في القديم والحديث .
وحتى في موازين الله تعالى في الدنيا والآخرة، فضَّل الله أصحاب الهمم العالية والطموح والمثابرة على غيرهم وإن كانوا مسلمين من أصحاب الحسنى، قال تعالى : { لَّا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللَّـهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّـهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ اللَّـهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا “(النساء : 95).
قال أبو فراس ربيعة بن كعب الأسلمي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم – ومن أهل الصفة -: ” كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي صلى الله عليه وسلم : ” سل ” ، فقلت : ” أسألك مرافقتك في الجنة ” فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : ” أو غير ذلك ؟ ” قلت : ” هو ذاك ” فقال عليه الصلاة والسلام : ” فأعني على نفسك بكثرة السجود “(مسلم ).
همة عالية وطموح كبير، تطير بصاحبها إلى الجنة .
قال المتنبي :
إذا غامرت في شرف مروم*** فـلا تـقـنع بمـا دون النجـــوم
فطعم الموت في أمر حقير *** كطعم الموت في أمر عظيـم
يـرى الجبنـاء أن العجز أمن ***وتلك خـديعـة الطـبـع اللئيـم
**أصحاب الهمم المتدنية جواسيس ضد أوطانهم..
فحين تريد أن تبني أمة ابحث عن أصحاب الهمم العالية والمخلصين من رجالها .. أمثال هؤلاء المخلصين الأمناء أصحاب النوايا السليمة والضمائر الحية اليقظة ..
أما حين تريد هدم أمة من الأمم، فالأمر سهلًا ميسرًا، ضع في مواقع التأثير فيها، ومواطن القوة ومكامن المنعة، كل ذي همة متدنية، وطموح هزيل، من تمتلئ نفوسهم باليأس والقنوط، ويسهل استسلامهم لعوامل الهزيمة النفسية،و الخونة والمنافقين والجواسيس ومنعدمي الضمير..الخ. إنك إن فعلت أصبت أمتهم في مقتل،وقل أن تنجو أمة يفعل بها أعداؤها مثل ذلك .
عندما استلم شارل ديغول رئاسة الجمهورية الخامسة في فرنسا كانت الشبهات تحوم حول أحد كبار الموظفين في قصر الرئاسة بأنه يعمل لمصلحة دولة كبرى معادية، وقد عجزت كل الأجهزة المختصة عن الوصول إلى دليل مادي واحد يدينه .
وفي النهاية رفع الأمر إلى الرئيس ديغول، فقام باستدعاء الموظف المشتبه به إلى مكتبه واستثمر ديغول عنصر المفاجأة وهيبة الرئاسة، ففاجأه بسؤاله : ” منذ متى وأنت تعمل لصالح الدولة كذا ؟ “.
فأجابه الموظف لفوره : ” منذ سنوات يا سيدي الرئيس “.
ثم دار بينهما حوار سريع :-
– الرئيس : كيف تتلقى التعليمات ؟
– الجاسوس : لا أتلقى أي تعليمات .
– الرئيس : كيف ترسل تقاريرك ؟
– الجاسوس : لا أرسل أية تقارير .
– الرئيس ( مندهشًا ) : كيف يتصلون بك إذن ؟!
– الجاسوس : لا يوجد أي اتصال .
– الرئيس ( مندهشًا ) : كيف تعمل إذن لصالح الدولة المعادية ؟
– الجاسوس : إن مهمتي تنحصر من خلال موقعي بأن أختار دائمًا أقل الموجودين طموحًا، وأدناهم همَّةً، وأسوأهم من حيث الكفاءة والاختصاص لعضوية اللجان الحساسة والمهمة، لتصبح توصيات هذه اللجان تفتقد الطموح والهمَّة العالية .
من أجل هذا كله لا بد أن نبحث في أبنائنا والرجال الصادقين من حولنا و عن أصحاب الطموح الكبير، والهمم العالية، ونعتني بهم أيما عناية، ففي مثل هؤلاء يكمن الأمل في مستقبل الأمة، ويسطع اليقين في عزتها وكرامتها، وبغيرهم لا أمل، ولا عزة، ولا كرامة .
وإن سقوط الهمم وخساستها حليف الهوان، وقرين الذل والصغار، وهو أصل الأمراض التي تفشت في أمتنا، فأورثتها قحطا في الر جال، وجفافا في القرائح، وتقليدا أعمى، وتواكلا وكسلا، واستسلاما لما يسمى الأمر الواقع .
كل ذل يصيب الإنسان من غيره، ويناله من ظاهره : قريب شفاؤه، ويسير إزالته، فإذا نبع الذل من النفس، وانبثق من القلب، فهو الداء الدوي، والموت الخفي .
أسبــاب ارتقـــاء الهمـم :-
العلم والبصيرة : العلم يصعد بالهمة، ويرفع طالبه عن حضيض التقليد، ويُصفِّي النية .
إرادة الآخرة، وجعل الهموم همَّا واحداً قال تعالى :”وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً” (الإسراء/19).وقال صلى الله عليه وسلم : ” من كانت همّه الآخرة، جمع الله له شملَه، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا راغمة، ومن كانت همّه الدنيا، فرَّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له “(أحمد وابن ماجة).
كثرة ذكر الموت : عن / عطاء قال : كان / عمر بن عبد العزيز يجمع كل ليلة الفقهاء، فيتذاكرون الموت والقيامة والآخرة ويبكون .
الدعاء : لأنه سنة الأنبياء، وجالب كل خير، وقد قال صلى الله عليه وسلم : “أعجز الناس من عجز عن الدعاء “(ابن حبان).
الاجتهاد في حصر الذهن، وتركيز الفكر في معالي الأمور: قال / الحسن : نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل .
التحول عن البيئة المثبطة : إذا سقطت الجوهرة في مكان نجس فيحتاج ذلك إلى كثير من الماء حتى تُنَظَّف إذا صببناه عليها وهي في مكانها، ولكن إذا أخرجناها من مكانها سهل تنظيفها بالقليل من الماء .
صحبة أولي الهمم العالية، ومطالعة أخبارهم : قال صلى الله عليه وسلم : ” إن من الناس ناساً مفاتيح للخير مغاليق للشر “(ابن ماجة).
نصيحة المخلصين : قال صلى الله عليه وسلم : ” إن الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم “(مسلم).
المبادرة والمداومة والمثابرة في كل الظروف : قال تعالى : :”وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا “(العنكبوت/69).
مجالات علو الهمة :
* علو الهمة في طلب العلم
قال يحيى بن أبي كثير : لا ينال العلم براحة الجسد وإنما يحصل العلم بالمثابرة والجلد والسهر ومن يصطبر للعــلم يظـــــفر بنيله *** ومن يخطب الحسناء يصبر على البذل
ومن لم يذل النفس في طلب العلى *** يسيرا يعش دهــــــــــرا طويلا أخا ذل
* علو الهمة في العبادة والاستقامة
قال الحسن : من نافسك في دينك فنافسه ، ومن نافسك في دنياه فألقها في نحره
قال وهيب بن الورد : إن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحد فافعل ..
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله أما بعد:فيا جماعة الإسلام :أتدرون
علام يندم كبير الهمة ؟
يندم على ساعة مرت به في الدنيا لم يعمرها بذكر الله عز وجل، قال صلى الله عليه وسلم : ” ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله عز وجل فيها “.(البيهقي والطبراني عن معاذ بن جبل). يا كبير الهمة : لا يضرك التفرد، فإن طرق العلاء قليلة الإيناس .
فعالي الهمة ترقى في مدارج الكمال بحيث صار لا يأبه بقلة السالكين، ووحشة الطريق لأنه يحصل مع كل مرتبة يرتقي إليها من الأنس بالله ما يزيل هذه الوحشة، و إلا انقطع به السبيل .
*أسباب انحطاط الهمم :-
أخوة الإيمان :وحتى نكون أبعد عن انحطاط الهمم لا بد أن نتعرف على أسباب ذلك :-
*الوهن :كما فسره الرسول صلى الله عليه وسلم : ” حب الدنيا، وكراهية الموت ”
*الفتور: قال صلى الله عليه وسلم : “إن لكل عمل شِرَّةً، ولكل شِرَّة فترة، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك “(أحمد).
*إهدار الوقت الثمين في فضول المباحات : قال صلى الله عليه وسلم : ” نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ “(البخاري).
*العجز والكسل :قال تعالى :” وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ اللَّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ “( التوبة/ 46) .
*الغفلة :وشجرة الغفلة تُسقى بماء الجهل الذي هو عدو الفضائل كلها . قال ابن القيم رحمه الله : لا بد من سِنة الغفلة، ورقاد الغفلة، ولكن كن خفيف النوم .
*التسويف والتمني :وهما صفة بليد الحس، عديم المبالاة، الذي كلَّما همَّت نفسه بخير، إما يعيقها بسوف حتى يفجأه الموت، وإما يركب بها بحر التمني، وهو بحر لا ساحل له، يدمن ركوبه مفاليس العالم .
* الجليس السوء : سافل الهمة من طلاب الدنيا قال صلى الله عليه وسلم : ” إنما مَثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك : إما أن يُحْذِيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير : إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة ” (البخاري ومسلم).
*الانحراف في فهم العقيدة: لا سيما مسألة القضاء والقدر، عدم تحقيق التوكل على الله تعالى، بدعة الإرجاء .
* علو الهمة في البحث عن الحق
أخوة الإسلام :” لقد حفل التاريخ الإسلامي قديمه وحديثه بنماذج رائعة من المهتدين الذين ارتفعت همتهم في البحث عن الدين الحق و بذلوا في سبيل ذلك النفس والنفيس ، فصاروا مضرب الأمثال ، وحجة لله على خلقه أن من انطلق باحثا عن الحق مخلصا لله تعالى ، فإن الله عز وجل يهديه إليه ، ويمن عليه بأعظم نعمة في الوجود نعمة الإسلام.
حاصر خالد بن الوليد ( الحيرة ) فطلب من أبي بكر مدداً، فما أمده إلا برجل واحد هو القعقاع بن عمرو التميمي وقال: لا يهزم جيش فيه مثله، وكان يقول: لصوت القعقاع في الجيش خير من ألف مقاتل!
ولما طلب عمرو بن العاص المدد من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب في فتح مصر كتب إليه : “أما بعد : فإني أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف : رجل منهم مقام الألف : الزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد” .
إن خير ما تقوم به دولة لشعبها، وأعظم ما يقوم عليه منهج تعليمي، وأفضل ما تتعاون عليه أدوات التوجيه كلها من صحافة وإذاعة،ومسجد ومدرسة، هو صناعة هذه الرجولة، وتربية هذا الطراز من الرجال.
إن رجلاً واحداً قد يساوي مائة، ورجلاً قد يوازي ألفاً، ورجلاً قد يزن شعباً بأسره، وقد قيل: رجل ذو همة يحيي أمة.
يُعد بألف من رجال زمانه …لكنه في الألمعية واحد.
الأمة اليوم بحاجة إلى رجال يحملون الدين وهمّ الدين ويسعون جادّين لخدمة دينهم وأوطانهم شعارهم “من المؤمنين رجال” .
رجال لا يُقاسون بضخامة أجسادهم وبهاء صورهم، فعن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: “أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ابن مسعود فصعد على شجرةٍ أمره أن يأتيه منها بشيء فنظر أصحابه إلى ساق عبد الله بن مسعود حين صعد الشجرة فضحكوا من دقة ساقيه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مما تضحكون؟ لَرِجلُ عبد الله أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد”(أحمد)
الأمة بحاجة اليوم إلى رجال يتربون على عظائم الأمور ومكارم الأخلاق ، صفوفهم منتظمة ، حريصون على الوحدة والائتلاف وليس الفرقة والخلاف ، يعلمون أن الغضب لله لا يعني الجور وتجاوز الحدّ الشرعي في إنكار المنكر .
رجال هممهم عالية ، صبرٌ على المحن ، وبُعدٌ عن الفتن ، عقولهم متزنة ، جنوبهم لينة ، أخطاؤهم معدودة ، إذا ذُكر الله وجلت قلوبهم ، وإذا تُليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون ، دامعة أعينهم ، حزينة قلوبهم ، يبكون يوماً قصيًرا لغد طويل ، لا يحزنون على ما فاتهم من الدنيا ، ولا يفرحون بما أتاهم منها أنفاسهم طويلة مثل طول طريقهم .. وآراءهم حكيمة على مثل ما يواجهون .. إنهم رجال لا يُعرفون عند الاتفاق بل عند الاختلاف ، حيث يُسفر الاختلاف عن مدى ورع الإنسان وحلمه ، وتحريه والتزامه العدل والإنصاف.
هم الصف الأول ،هم النخبة الموجهة ،هم الصفوة المنتقاة ،هم حراس الأمة وقادتها وعقولها .
رجال هم عين الأمة وضميرها ، رجال يذودون عن الأمة ، ويدافعون عنها ،ويدفعون الأعداء ، رجال يوجهون الأمة ، وبهم تسترشد الأمة.
رجال لاغني للأمة عنهم علي مدي تاريخها.. وحاجتها إليهم اليوم أشد إنهم رجال المواقف …
القادرون على بيان الحق برحمة وإشفاق ، القادرون على إعانة المخطئ في العودة عن خطئه بالحكمة والموعظة الحسنة. القادرون على إعادة التوازن في الأمَّة بأناتهم وحلمهم ، وخاصة عند ظهور فتنة الاختلاف وكثرة الرويبضات ؛ فهم ملتزمون ببيان الحق بدليله ، وتصحيح الخطأ ، ولكنهم في الوقت نفسه حريصون على تماسك الصف وثبات أركانه ،يعلمون أنَّ غفلتهم عن أحد هذين الركنين ستكون سبباً للتصدع وفساد ذات البين وذهاب الريح .
اللهم نسألك أن تجعلنا من أصحاب الهمم العالية .. اللَّهُمَّ إِنِّا نعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَنعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأنعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَنعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ، وقهر الرجال “

اظهر المزيد

admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »