خطبة بعنوان: دور الأسرة في الحفاظ على أمن واستقرار المجتمع، للدكتور خالد بدير
خطبة بعنوان: دور الأسرة في الحفاظ على أمن واستقرار المجتمع، للدكتور خالد بدير.
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
عناصر الخطبة:
العنصر الأول: أهمية الأسرة ومكانتها في الإسلام
العنصر الثاني: تأسيس الأسرة وأثره في بناء المجتمع
العنصر الثالث: دور الأسرة في استقرار المجتمع بين الواقع والمأمول
المقدمة: أما بعد:
العنصر الأول: أهمية الأسرة ومكانتها في الإسلام
لقد جاء الإسلامُ والعلاقاتُ الأسريَّة في فوضى وانحلال فأراد إنقاذَ البشرية من هذا السوء؛ لذا جعل الإسلام الأسرةَ هي وحدةَ بناء المجتمع، وأحاطها بسياجٍ كبير من التشريعات التي تضمن لها الجديةَ والنجاح – بإذن الله.
وقد وصلتْ عنايةُ الإسلام بهذا المكون الرئيس للمجتمع (الأسرة) إلى درجة كبيرة، حتى إن هذه العناية امتدتْ إلى ما قبل تأسيسها في مُحَاوَلة إلى انتقاء عناصر بنائها بما يحقِّق التلاؤُم، والانسجام، ويُقَلِّل من دوافع الفشل لبنيانها، بل إنَّ الإسلامَ حَثَّ أتباعه على المساهَمة في تكوين هذه الأسرة عبر وسيلته المشروعة وهي الزواج، الذي اعتبره الإسلامُ إحدى سُنَن الله في الخلق لما يحققه من مقاصد في الحياة الإنسانية؛ إذ يقول الله – تبارك وتعالى -: { وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } [الذاريات: 49]، ويقول: { سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ } [يس: 36]، فالزواج إذًا سُنَّة كونيَّة، ولا ينبغي للإنسانِ أن يشذَّ عنها؛ إذ أنَّ اللهَ – ومنذ أن خَلَقَ الإنسانَ الأولَ آدم، وأسْكَنَه الجنة – لم يَدَعْه وحده في الجنة، فالإنسانُ لا يستطيع أن يحيا وحده بلا أنيس ولا جليس؛ لذلك خَلَقَ اللهُ لآدم من نفس جنسه زوجًا: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } [النساء: 1]، “
لذلك جعل الإسلام الزواجَ السبيلَ الوحيد لتكوين الأسرة، بالشكل الذي يحفظ الحُرُماتِ والأنسابَ، ويُلبِّي الغرائزَ الطبيعية في إطار من العفَّة والخصوصية، ويحقق لطرفي الزواج ما يبحثان عنه من السكن والاستقرار، وامتنَّ عليهما بإسباغ المودة والرحمة على تلك العلاقةِ الشريفة، وقد نبَّه القرآن على ذلك في قوله – تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]. قال الإمام الطبري – رحمه الله – في تفسير الآية:”جعل بينكم بالمصاهرة والختونة مودةً تتوادُّون بها، وتتواصلون من أجلها، ورحمةً رحمكم بها؛ فعطف بعضكم بذلك على بعض” أ.ه
لذلك حث الإسلام على حسن اختيار الزوجة لأنها أساس بناء الأسرة كما أنها مضنة الولد الصالح لتكون أمّاً مربية تقية طاهرة عفيفة، تعين أبناءها على التربية الصالحة، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ “( متفق عليه)، ومن هنا يرى علماء التربية أن دور الأم في تربية الطفل يسبق دور الأب، وذلك لكثرة ملازمتها للطفل منذ تكوينه جنيناً في بطنها حتى يكبر. وصدق الشاعر حافظ إبراهيم إذ يقول:
الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق
بل إن الرسول دَفَعَ الشبابَ دفعًا إلى تحقيق هذه السنة، موضِّحًا فوائد ذلك ومنافعه فقال:” يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ: مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ؛ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ” (متفق عليه)، وقد كان كل ذلك وغيره من النصوص دافعًا قويًّا إلى إجلال الزواج، واعتباره إحدى المسائل المهمة التي يجب على المسلم أن يَتَفَكَّرَ فيهَا، ويَتَدَبَّرَ أمرها، ويسعى إلى تحقيقها.
ولقد فطن الغرب إلى أهمية الأسرة في بناء المجتمع والأمم والحضارات، واعتبروا هدم الأسرة هدما للحضارة كلها.
يقول أحد المستشرقين: إذا أردت أن تهدم حضارة أمة فهناك وسائل ثلاث هي:
1- اهدم الأسرة……………. 2- اهدم التعليم…………………… 3- أسقط القدوات.
* لكي تهدم الأسرة: عليك بتغييب دور (الأم) اجعلها تخجل من وصفها بـ”ربة بيت”
* ولكي تهدم التعليم: عليك بـ (المعلم) لا تجعل له أهمية في المجتمع وقلل من مكانته حتى يحتقره طلابه.
* ولكي تسقط القدوات: عليك بـ (العلماء والآباء) اطعن فيهم قلل من شأنهم، شكك فيهم حتى لا يسمع لهم ولا يقتدي بهم أحد.
فإذا اختفت (الأم الواعية)، واختفى (المعلم والأب المخلص)، وسقطت (القدوة)؛ فمن يربي النشء على القيم؟!
العنصر الثاني: تأسيس الأسرة وأثره في بناء المجتمع
إن بناء الأسرة له دور كبير في قوام المجتمع وبنائه وأمنه واستقراره؛ وبناء الأسرة يتمثل في إعطاء الأولاد مجموعة من الحقوق الإسلامية، وقد جمعها ولخصها سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فقد ” جاءه رجل يشكو إليه عقوق ابنه ، فأحضر عمر الولد وابنه وأنَّبه على عقوقه لأبيه، ونسيانه لحقوقه، فقال الولد: يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال عمر: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب ( أي القرآن )، قال الولد: يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئاً من ذلك، أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي، وقد سماني جُعلاً ( أي خنفساء )، ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً 0 فالتفت عمر إلى الرجل وقال له: جئت إليَّ تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك ؟! ” ( تربية الأولاد في الإسلام، عبدالله ناصح علوان)
عباد الله: ومن خلال أثر سيدنا عمر نجد أن بناء الأسرة يبدأ وقت استقبال المولود وذلك باتباع السنة من تحنيكه بالتمر والدعاء له وحلق رأسه والعقيقة عنه وتسميته بأحب الأسماء وختانه، لذلك حثنا صلى الله عليه وسلم على اختيار الاسم الحسن ، فكان إذا رأى اسماً قبيحاً غيره، فقد غير صلى الله عليه وسلم اسم عاصية وقال أنت جميلة، وسمى حرباً سلماً، وشعب الضلالة سماه شعب الهدى، ولما رأى سهيل بن عمرو مقبلاً يوم صلح الحديبية قال سهل أمر كم؛ وروي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ لِرَجُلٍ: «مَا اسْمُكَ» ؟ قَالَ: جَمْرَةُ، قَالَ: «ابْنُ مَنْ؟» قَالَ: ابْنُ شِهَابٍ، قَالَ: «مِمَّنْ؟» قَالَ: مِنَ الْحِرْقَةِ، قَالَ: «أَيْنَ مَسْكَنُكَ؟» ، قَالَ: بحِرَّةِ النَّارِ. قَالَ: «بِأَيِّهَا» ؟ قَالَ: بِذَاتِ لَظًى، قَالَ عُمَرُ: «أَدْرِكْ أَهْلَكَ فَقَدِ احْتَرَقُوا» ، فَرَجَعَ الرَّجُلُ، فَوَجَدَ أَهْلَهُ قَدِ احْتَرَقُوا. (تحفة المودود بأحكام المولود لابن القيم)، وفي البخاري عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ:” أَنَّ أَبَاهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: حَزْنٌ قَالَ: أَنْتَ سَهْلٌ ، قَالَ: لَا أُغَيِّرُ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي، قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فَمَا زَالَتْ الْحُزُونَةُ فِينَا بَعْدُ”.
ثم يأتي درج السلم في تأسيس الأسرة وذلك بتعليم ولدك القرآن ليكون ذخرا لك عند الله تعالى، فقد أخرج أبو داود عن سهل بن معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ أُلْبِسَ وَالِدَاهُ تَاجًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ضَوْءُهُ أَحْسَنُ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ فِي بُيُوتِ الدُّنْيَا لَوْ كَانَتْ فِيكُمْ ، فَمَا ظَنُّكُمْ بِالَّذِي عَمِلَ بِهَذَا؟!”، وقد أدرك المسلمون السابقون أهمية التربية على القرآن فتسابقوا في هذا الميدان وتنافسوا، يقول الإمام الشافعي رحمه الله: “حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر” ويقول سهل التستري: “مضيت إلى الكتاب فتعلمت القرآن وحفظته وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين.”
كما حثنا الإسلام على تعليمه الصلاة وتعويده عليها ليعتادها: لقول الله تعالى:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}( طه: 132) ، وفي الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ” مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ”
وقد ضرب النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لنا المثل والقدوة في التربية والتأسيس، فعن ابن عباس قال كنتُ خلفَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومًا فقال:” يا غلامُ ، إني أعلِّمُك كلماتٍ : احفَظِ اللهَ يحفَظْك ، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك ، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ ، واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك ، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ” ( السلسلة الصحيحة: الألباني)
وعن عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ: كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” يَا غُلَامُ: سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ” فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ. ( البخاري )
كما ينبغي على الآباء أن يحسنوا اختيار الصحبة لأبنائهم؛ لأن الصاحب يكون على هدي صاحبه وطريقته ويتأثر به، كما قيل: الصاحب ساحب، حتى لو أردت أن تعرف أخلاق شخصٍ فسأل عن أصحابه.
قال الشاعر:
عَنِ المَرءِ لا تَسأَل وَسَل عَن قَرينَهُ فَكُلُّ قَرينٍ بِالمُقارِنِ يَقتَدي
وقال آخر:
واحـذرْ مُصاحبـةَ اللئيـم فـإنّـهُ يُعدي كما يُعدي الصحيـحَ الأجـربُ
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ” [ السلسلة الصحيحة – الألباني ]
فصحبة الأخيار للقلب دواء؛ تزيد للقلب نشاطاً وقوى، وصحبة الأشرار داء وعمى؛ تزيد للقلب السقيم سقماً.
وقد صور النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك فقال:” مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً”( متفق عليه )
أحبتي في الله: والله إن الصاحب إذا كان صالحاً سيأخذ بيديك إلى الجنة ، وإن كان طالحا يجرك إلى جهنم جرا، وسأضرب لك مثالا على ذلك: فعن ابن عباس قال: « كان عقبة بن أبي معيط لا يقدم من سفر إلا صنع طعاماً فدعا إليه أهل مكة كلهم، وكان يكثر مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم ويعجبه حديثه، وغلب عليه الشقاء فقدم ذات يوم من سفر فصنع طعاماً ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعامه فقال: ما أنا بالذي آكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله . فقال : أطعم يا ابن أخي. قال : ما أنا بالذي أفعل حتى تقول . . . فشهد بذلك وطعم من طعامه . فبلغ ذلك أُبي بن خلف فأتاه فقال: أصبوت يا عقبة؟ – وكان خليله – فقال: لا والله ما صبوت. ولكن دخل عليَّ رجل فأبى أن يطعم من طعامي إلا أن أشهد له، فاستحييت أن يخرج من بيتي قبل أن يطعم، فشهدت له، فطعم. فقال: ما أنا بالذي أرضى عنك حتى تأتيه فتبصق في وجهه. ففعل عقبة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ألقاك خارجاً من مكة إلا علوت رأسك بالسيف، فأسر عقبة يوم بدر فقتل صبراً ولم يقتل من الأسرى يومئذ غيره » .( الدر المنثور , للسيوطي ) وفي ذلك نزل قوله تعالى: { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا (29)} ( الفرقان )، فتخيل أنه فضَّلَ رضا صاحب السوء على رضا الله ورسوله وكانت النتيجة جهنم وبئس المصير.
فهذه رسالة أوجهها لآبائي وإخواني وأبنائي وكل فئات المجتمع أن يحسنوا اختيار الصحبة لهم ولأبنائهم لشدة تأثيرها كما ذكر.
أحبتي في الله: هذه مجموعة من الحقوق الإسلامية، التي لو فعلناها نستطيع بسهولة بناء مجتمع فاضل مبني على أسس متينة وعمد قويمة.
عباد الله: إن للأسرة دورًا كبيرًا في رعاية الأولاد – منذ ولادتهم – وفي تشكيل أخلاقهم وسلوكهم، وما أجمل عبارة : ” إن وراء كل رجل عظيم أبوين مربيين”، وكما يقول بعض أساتذة علم النفس : “أعطونا السنوات السبع الأولى للأبناء نعطيكم التشكيل الذي سيكون عليه الأبناء”. وكما قيل : “الرجال لا يولدون بل يُصنعون”.
وكما عبر الشاعر:
وينشأُ ناشئُ الفتيانِ مِنا على ما كان عَوَّدَهُ أبُوه
وإهمال تربية الأبناء جريمة يترتب عليها أَوْخَم العواقب على حد قول الشاعر:
إهمالُ تربية البنين جريمةٌ عادت على الآباء بالنكبات
وأذكر قصة في جانب الإهمال: سرق رجل مالاً كثيرًا، وقُدّم للحد فطلب أمه، ولما جاءت دعاها ليقبلها، ثم عضها عضة شديدة، فقيل له ما حملك على ما صنعت؟ قال: سرقت بيضة وأنا صغير، فشجعتني وأقرتني على الجريمة حتى أفضت بي إلى ما أنا عليه الآن!!!
فإذا قصرت الأم في الواجب التربوي نحو أولادها لانشغاله مع معارفها وصديقتها واستقبال ضيوفها وخروجها من بيتها، وإذا أهمل الأب مسؤولية التوجيه والتربية نحو أولاده لانصرافه وقت الفراغ إلى اللهو مع الأصحاب والخلان، فلاشك أن الأبناء سينشئون نشأة اليتامى ويعيشون عيشة المتشردين، وصدق القائل:
ليس اليتيم من انتهى أبواه من هـــم الحياة وخلفاه ذليلاً
إن الـيـتيم الـــــــــــذي تـلقــــــى لـــه أمّاً تخلت أو أباً مشغولاً
أيها المسلمون: والله إنكم مسئولون عن أسركم وأولادكم يوم القيامة؛ وبين ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله:” كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ” ( متفق عليه) وقال أيضاً : ” إنَّ اللهَ سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاهُ ، أحفظَ أم ضيَّعَ ؟ حتى يُسألَ الرجلُ عن أهلِ بيتِه “( السلسلة الصحيحة: الألباني)
العنصر الثالث: دور الأسرة في استقرار المجتمع بين الواقع والمأمول
أحبتي في الله: لو نظرنا إلى واقعنا المعاصر لنرى شباب وفتيات هذا الزمان لوجدنا عجباً!!!! إنني أتسائل كيف تخرج البنت من بيتها بهذه الملابس الضيقة الفاتنة؟!! وكيف يخرج الولد من بيته يبادلها نفس الشعور في الملبس والمنظر وجهاز الاتصال العنكبوتي الحديث الذي يبث سمومه في كل خطوة ومكان؟!! ثم يقضون أوقاتهم في حرام وضياع وفساد بحجة التعليم واستذكار دروسهم!!!
وبعد ذلك تصرخ الأسرة من انتشار الفواحش والفساد في المجتمع!!
إن هذا هو الإرهاب والفساد الذي صنعناه بأيدينا ثم ننادي بعد ذلك بالأمن والاستقرار!! وصدق الله حيث يقول: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الروم:41)
إن ما ألم بالأسرة من ضنك وغم وفساد سببه الإعراض عن شرع الله؛ قال تعالى { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} [طه: 124-126]، .
عباد الله: إننا يجب أن نربي بناتنا على الحياء؛ وما أجمل حياء أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا: فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ، لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ» فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: «يُرْخِينَ شِبْرًا» فَقَالَتْ: إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ! قَالَ: «فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا، لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ» ( النسائي والترمذي)، يا سبحان الله الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لأم سلمة يرخين شبرا ؛ ولكنها تقول إن النساء لا تطيق هذا لأن أقدامهن ستنكشف عند المشي فلم ترض أن يرخى الثوب شبرا يجرجر في الأرض؛ ولكن فتيات هذا الزمان رضين بهذا الشبر ولكنه ليس شبرا يجرجر في الأرض لكنه شبر فوق الركبتين؛ فالمرأة في الحقيقة هي قطعة من الحياء فإذا فقدت المرأة حياءها فقدت كل شيء وفعلت كل شيء وبطن الأرض خير لها من ظهرها!!
وهذا مثال آخر للحياء: فعَنْ أَبِي أُسَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يَقُولُ – وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الـمَسْجِدِ، فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم لِلنِّسَاءِ -: «اسْتَأْخِرْنَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَاتِ الطَّرِيقِ». قَالَ: فَكَانَتِ الـمَرْأَةُ تَلتَصِقُ بِالجِدَارِ، حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ.(السلسلة الصحيحة: الألباني)، سبحان الله بادرن إلى تنفيذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم بل بالغن في ذلك!!!
والحياء ليس قاصرا على النساء فقط؛ فهذا الرَّبيع بن خُثَيم مِن شدَّة غضه لبصره وإطراقه يَظُنُّ بعض النَّاس أنَّه أعمى، وكان يختلف إلى منزل ابن مسعود عشرين سنة، فإذا رأته جاريته قالت لابن مسعود: صديقك الأعمى قد جاء، فكان يضحك ابن مسعود مِن قولها، وكان إذا دقَّ الباب تخرج الجارية إليه فتراه مطرقًا غاضًّا بصره.(إحياء علوم الدين)
عباد الله: ينبغي أن تجعل الأسرة المسلمة تربية أولادها وتنشئتهم التنشئة الصالحة من أولى مهامها، مطبقة تعاليم الإسلام وشرعه في شتى مجالات حياتها ، مدركة أن نجاحها يكمن في إخراج أبناء صالحين تنتفع بهم ويمتد نفعهم إلى الأقارب والمجتمع والإنسانية عامة ؛ كما ينبغي أن تبتعد الأسرة عن إرهاب ناشئتها وتخويفهم منذ الصغر ومنعهم من تحقيق مطالبهم عن طريق إشباع رغباتهم لأن توفير الأمن والشعور به منذ الصغر يحدد شخصية الطفل؛ وأن تسعى الأسرة في إيجاد جو يسوده الوئام والتعاطف والتراحم داخل الأسرة لأن الناشئة إذا نشئوا في جو يسوده ذلك تحقق فيهم الأمن والاستقرار وبالتالي حققه في مجتمعهم .
إن للأب وللأم دورا مهما في غرس الفضائل والشمائل والصفات الحسنة عند الأبناء حتى ينشأ هؤلاء الأبناء وهم في صحة نفسية وجسدية واجتماعية وأخلاقية.. وعندما تقدم الأسرة أبناء بهذه المواصفات فإنما هي تقدم وتسدي للمجتمع أهم خدمة وأهم شيء، فلولا الأفراد الأصحاء بدنيا وعقليا واجتماعيا ودينيا وأخلاقيا لما نهض المجتمع ولما أصبح مجتمعا قويا منتجا معتمدا على سواعد أبنائه وقدراتهم.
إذن تبدأ المسؤولية والأهمية من الأسرة، فالأسرة التي تربي أبناءها وتنمي قدراتهم وتغرس في نفوسهم حب الخير وحب الناس وحب العمل وحب الوطن والتمسك بالأخلاق والشمائل الإسلامية، والدفاع عن الوطن من الأعداء والحاسدين، إنما هي تقوم ببناء المجتمع.. أما تلك الأسرة التي لا تهتم بأبنائها وتترك لهم الحبل على الغارب ولا تنشئهم تنشئة اجتماعية سليمة، إنما هي تهدم المجتمع. إن الاهتمام ببناء الأسر وبناء المجتمع يبدأ من الاهتمام بالأطفال وتربيتهم وتنشئتهم تنشئة سليمة، الذكور والإناث. فمهام ووظائف وأدوار الأسر تبدأ مبكرا منذ نشأتها الأولى ومنذ إنجابها لأول طفل. ويقاس مدى رقي المجتمع بما لديه من ثقافة متنوعة ومتقدمة وبالتربية الصالحة. والإسلام يهتم بتربية الفرد، والمجتمع يرعى أفراده ويعمل على رفع شأنهم.. والمجتمع ما هو إلا عبارة عن عدد من الأفراد والأسر، والطفل يحتاج إلى رعاية والديه والأسرة؛ وهو يكتسب منهم وممن يحيطون به الخبرات والمهارات والعادات وقواعد السلوك، التي تجعله يتلاءم مع مجتمعه، والأسرة التي لا تهتم بأطفالها فهي لا تقدم للمجتمع إلا الشر والضرر، فمعظم المخربين والجانحين والمجرمين هم من الذين لم تهتم بهم أسرهم وأنشأتهم تنشئة غير سليمة وربتهم تربية طالحة سيئة، وهي تلك الأسر التي جرت خلف المادة وخلف المشاكل والخلافات، فلم تهتم بأبنائها، وبالتالي أفرزت وأخرجت إلى المجتمع رجالا مخربين وجانحين ومنحرفين.
أيها المسلمون: إننا إذا بنينا الأسرة على هذا الأساس السليم القويم شمخ البنيان، ونجحنا في تقويم الأولاد، فنحن نكون قد حصلنا على أسرة صالحة، ومن مجموع الأسر نحصل على مجتمع فاضل تسوده المحبة، ويسري فيه الصلاح، ويكثر بينهم التعاون والتناصح والتآلف والتكاتف، كما جاء في الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” لَا تَحَاسَدُوا ؛ وَلَا تَنَاجَشُوا ؛ وَلَا تَبَاغَضُوا؛ وَلَا تَدَابَرُوا؛ وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ؛ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا ؛ الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ؛ التَّقْوَى هَاهُنَا؛ وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؛ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ؛ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ” (رواه مسلم)
الله أسأل أن يحفظ أولادنا وبناتنا وأهلنا وأسرنا ومجتمعنا من كل مكروه وسوء!!
الدعاء ،،،،،،،،،،،، وأقم الصلاة،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي