خطبة بعنوان: حقوق الأبناء على الآباء، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح
خطبة بعنوان: حقوق الأبناء على الآباء، لفضيلة الشيخ عبد الناصر بليح
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
الحمد لله رب العالمين الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى وهو الخلاق العليم القادر العظيم..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في سلطانه المدبر الحكيم امتدح أولئك الفتية الذين آمنوا بربهم فقال تعالى تعالي :”.. إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى “( الكهف/ 13).
وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وعظيمنا ومعلمنا محمد عبده ورسوله القائل : ” رحم الله والداً أعان ولده على بره ” (ابن حبان). وفي رواية أخري ” رحم الله والداً أعان ولده على بره ، قالوا : كيف يا رسول الله ؟ قال : يقبل إحسانه ، ويتجاوز عن إساءته ” ( ابن وهب في ” الجامع ” ويقول : ” الزموا أولادكم وأحسنوا أدبهم “(ابن ماجه). اللهم صلاة وسلاماً عليك يا سيدي يا رسول الله وعلى آلك وصحبك وسلم.
أما بعد فيا جماعة الإسلام :
يقول الله تعالي :” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ “(التحريم /6).
أخوة الإيمان والإسلام :
في هذه الآية حثنا الله سبحانه وتعالى على العمل بطاعته واتقاء معصيته وأن نأمر أولادنا بامتثال الأوامر واجتناب النواهي فذلك وقاية للآباء والأبناء من نار وقودها الناس والحجارة. أيها الناس :من شب على شيء شاب عليه ومن أدب ولده صغيراً سر به وفرح به كبيراً ومن لا يتدبر العواقب كان ولا شك من النادمين الخاسرين ، ينشأ الإنسان في أول أمره وأيام طفولته وبداية عمره على فطرة سليمة ونفس صافية تتأثر بالخير كما تتأثر بالشر وتنطبع فيها الأخلاق الحسنة كما تنطبع فيها الأخلاق السيئة وفي ذلك يقول صلي الله عليه وسلم : ” كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه “(أبو داود).
أخوة الإيمان والإسلام :
لقد جعل الله عز وجل الأولاد أمانة في أيدي الوالدين يُسألان عما صنعاه في تربيتهم ومختلف شئونهم بين يدي الله رب العالمين عن الحسن رضي الله عنه عن نبي الله صلي الله عليه وسلم قال “إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته” (ابن حبان). فإن ربي الأب الولد وعوده الخير وعلمه نشأ عليه وسعد به في الدنيا والآخرة وإلا فقد هلك وشقي وكان الوزر في رقبة ولي الأمر والذي ينظر إلى تعاليم الإسلام يجد أن الإسلام نظر إلى الولد وهو لا يزال نطفة في علم الغيب إلى أن يصير شاباً ورجلاً يافعاً يقدر على الجهاد في معترك الحياة … من هنا أوجب الإسلام علي الآباء حقوقاً للأبناء وبين وسائل وسبل معينة على تربية الأولاد، وأمور يجدر بنا مراعاتها، وينبغي لنا سلوكها مع فلذات الأكباد، فمن ذلك ما يلي :”
1- اختيار أمه :
وقد أمر الإسلام إلى أن نعتني بأمر الطفل وأول ما يجب العناية به أن يختار له أماً صالحة كما أوصانا الإسلام في ذلك يقول صلي الله عليه وسلم :” الدنيا متاع وخير متاعها الزوجة الصالحة “(مسلم). والعناية باختيار الزوجة الصالحة من الأمور التي يوصي بها الإسلام ويشدد عليها فلا يليق بالإنسان أن يقدم على الزواج إلا بعد استخارة الله- عز وجل- واستشارة أهل الخبرة والمعرفة؛ فالزوجة هي أم الأولاد، وسينشئون على أخلاقها وطباعها، ثم إن لها- في الغالب- تأثيرا على الزوج نفسه؛ لذلك قيل : “المرء على دين زوجته؛ لما يستنزله الميل إليها من المتابعة، ويجتذبه الحب لها من الموافقة، فلا يجد إلى المخالفة سبيلا، ولا إلى المباينة والمشاقة طريقا”. قال أكثم بن صيفي لولده : “يا بني لا يحملنكم جمال النساء عن صراحة النسب؛ فإن المناكح الكريمة مدرجة للشرف”. وفي ذلك يقول الحسن البصري لأولاده وهو يحتضر على فراش الموت ” يا أولادي لقد أحسنت إليكم صغاراً وكباراً وأحسنت إليكم قبل أن تولدوا قالوا يا أبانا لقد أحسنت إلينا صغاراً وأحسنت إلينا كباراً وعرفنا ذلك فكيف أحسنت إلينا قبل أن نولد قال لقد اخترت لكم أماً صالحة اخترت لكم من الأمهات من لا تسبون بها”. وأنشد الرياشي : فأول إحساني إليكم تخيري *** لماجدة الأعراق باب عفافها
وفي حقيقة الأمر أن الإسلام ينظر إلى الزوجة نظرة ذات مقياس دقيق خلاف ما يعلق في تفكير الشباب فمنهم من يريد صاحبة المال وآخر يريدها جميلة وآخر يريدها ذات حسب ونسب ولكن الرسول صلي الله عليه وسلم يوصي بهذه المواصفات إن وجدت ولكن بشرط أساسي وهو الدين ؛ يقول صلي الله عليه وسلم :” : “تنكح المرأة لأربع لجمالها ومالها وحسبها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك “(البخاري ومسلم). أي إن لم تظفر بذات الدين التصقت يداك بالتراب ويقول صلي الله عليه وسلم ” تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس” (ابن ماجة وابن حبان). ويقول صلي الله عليه وسلم:” إياكم وخضراء الدمن : قالوا : وما خضراء الدمن يا رسول الله ؟ قال المرأة الحسناء في المنبت السوء “( الدار قطني ). وقال صلي الله عليه وسلم :” خير النساء من إذا نظرت إليها سرتك , وإذا أمرتها أطاعتك , وإذا قسمت عليها أبرتك , وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك “( النسائي وغيره بسند صحيح).
2– المطعم الحلال :
ومن حق الولد على والده أن يطعمه من مطعم حلال وملبس حلال حتى قبل الولادة وبعدها فقبل الولادة إذا أكلت أنت وتغذت الأم من الحرام وفي بطنها الجنين فسيصل إليه الحرام يقول صلي الله عليه وسلم :” كل جسم نبت من حرام فالنار أولى به ” (الترمذي).
3- سؤال الله الذرية الصالحة : فهذا العمل دأب الأنبياء والمرسلين، وعباد الله الصالحين كما قال- تعالى- في زكريا- عليه السلام- :” رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ”(آل عمران : 38). وكما حكى عن الصالحين أن من صفاتهم أنهم يقولون : “رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً”(الفرقان : 74).
4- الآذان في أذنه :
ومن حق الولد على أبيه الآذان في أذنه وهذا من هدي الرسول صلي الله عليه وسلم حينما ولد الحسن أذن في أذنه اليمنى وأقام في أذنه اليسرى ” وقال : من ولد له ولد فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى لم تمسه أم الصبيان” (ابن السني ).
5- اختيار اسمه :
ومن حق الولد على أبيه أن يحسن اسمه أن يختار له اسماً حسناً ينادى به لما روي عن عفان قال:” قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :” إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ ، فَحَسِّنُوا أَسْمَاءَكُمْ “( أحمد وأبو داود ). وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:” قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: “أحب الأسماء إلى الله تعالى عبد الله وعبد الرحمن” (مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه ).
لذلك جاء رجل إلى عمر بن الخطاب يشكوا إليه سوء معاملة ولده فأرسل عمر بن الخطاب إلى الولد فسأل الولد عمر فقال له أليس للولد حق على أبيه ؟ قال نعم أن يختار له أماً صالحة وأن يحسن اسمه وأن يعلمه القرآن ، فقال الولد فإن أبي لم يفعل معي أي شيء من هذا فقد اختار لي أما زنجيه من الزنوج السود ، وسماني جعلاً أو جعراناً ولم يعلمني حرفاً واحداً من القرآن . فقال عمر بن الخطاب للرجل أخذت تشكو إلي عقوق ابنك وأنت الذي عققته ثم التفت إلى الولد وقال له أحسن إلى والدك .
5- العقيقة :
قال صلي الله عليه وسلم: ” الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم السابع ويسمى فيه ويحلق رأسه ” (الترمذي). كذلك من السنة في اليوم السابع كما كان يفعل الرسول صلي الله عليه وسلم فيذبح للغلام الذكر شاتين وللبنت شاة واحدة ويدعوا إليهما الفقراء والأقارب والأهل والجيران ” (فقه السنة ج / 3 /297) .
والعقيقة تشابه الأضحية من حيث اختيار الأضحية بدون أن يكون فيها عور أو عرج أو غير ذلك، ذلك بأنّها لله تعالى شكراً له على نعمته، وسن العقيقة في الإبل أن لا تقل عن خمس سنين، وفي البقر أن لا تقل عن سنتان، وفي المعز أن لا تقل عن سنة، وفي الضأن أن لا تقل عن ستة أشهر، وتوزيعها يكون مثل توزيع الأضحية حيث يسن الأكل منها والتصدق منها والهدية .
أمّا الحكمة من سنة العقيقة فهي كما بين العلماء ومن بينهم الإمام أحمد أنّها شكر لله تعالى على نعمة الولد، وهو مرتهن بها لأنّه إذا لم يعق عنه لم يشفع لوالديه إذا مات..
ويقول ابن القيم :” إنَّ الطِّفل حين يُولَد يكونُ أمرُه متردِّدًا بيْن السَّلامة والعطَب، ولا يدرى هَل هو من أمْرِ الحياة أو لا، إلى أن تأتِيَ عليْه مدَّة يُستدلُّ بِما يشاهَد من أحوالِه فيها على سلامة بِنْيَتِه، وصحَّة خِلْقَتِه، وأنَّه قابلٌ للحياة، وجُعِل مقدارُ تِلْكَ المدَّة أيَّامَ الأسبوع، فإنَّه دورٌ يوميٌّ، كما أنَّ السَّنة دورٌ شهْريٌّ …
والمقصودُ أنَّ هذه الأيَّامَ أوَّلُ مراتب العُمر، فإذا استكْمَلها انتقل إلى الثَّالثة وهي السنين، فما نقص عن هذه الأيَّام فغيْرُ مُستوفٍ للخليقةِ، وما زاد عليْها فهو مكرَّر، يُعادُ عند ذكْرِه اسمُ ما تقدَّم من عدَدِه، فكانت السَّنةُ غايةً لتَمَامِ الخَلْقِ، وجمع في آخر اليوم السادس منها، فجُعِلَتْ تسمية المولود، وإماطة الأذَى عنه، وفِدْيته، وفكُّ رهانه في اليوْم السَّابع”.
6- الرضاعة :
ومن حق الولد على أبيه وأمه أن يغذياه التغذية السليمة فترضعه أمه حولين كاملين :” وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ”( البقرة /233].
7- تأديبه :
وعلى الوالدين أن يؤدبا ولدهما فهو حق من حقوقه فيعلم الولد طريقة الأكل كما كان الرسول صلي الله عليه وسلم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما :” يا غلام سمي الله وكل بيمينك وكل مما يليك ” (متفق عليه). ” كذلك يعلم الولد طريقة الكلام مع الآخرين ويعلمه الصدق ويكون ذلك عملياً يحسن القدوة فقد رأى الرسول صلي الله عليه وسلم امرأة تنادي على ولدها تعالى سأعطيك تمرة فقال لها رسول الله صلي الله عليه وسلم أتعطيه تمرة فقالت له نعم هذه في يدي فقال لها إذا لم تعطيه فتكتب عليك كذبة “(أبو داود ). وأن يعلمه إلقاء السلام كما كان الرسول صلي الله عليه وسلم مع الصبية عندما كان يمر عليهم فيلقي عليهم السلام فيردون عليه .
9- غرس القيم الحميدة والخلال الكريمة في نفوسهم : يحرص الوالد على تربيتهم على التقوى، والحلم، والصدق، والأمانة، والعفة، والصبر، والبر، والصلة، والجهاد، والعلم؛ حتى يشبوا متعشقين للبطولة، محبين لمعالي الأمور، ومكارم الأخلاق. كذلك يمنع الولد من الحلف رأساً صادقاً أم كاذباً حتى لا يتعود على ذلك وإذا كان لآبد فليتعلم أن يحلف بالله عز وجل :” من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت ” (متفق عليه). و تجنيبهم الأخلاق الرذيلة، وتقبيحها في نفوسهم : فيكره الوالد لهم الكذب، والخيانة، والحسد، والحقد، والغيبة، والنميمة، والأخذ من الآخرين، وعقوق الوالدين، وقطيعة الأرحام، والجبن، والأثرة، وغيرها من سفاسف الأخلاق ومرذولها؛ حتى ينشأوا مبغضين لها، نافرين منها. تعليمهم الأمور المستحسنة، وتدريبهم عليها : كتشميت العاطس، وكتمان التثاؤب، والأكل باليمين، وآداب قضاء الحاجة، وآداب السلام ورده، وآداب الرد على الهاتف، واستقبال الضيوف، والتكلم بالعربية وغير ذلك.
فإذا تدرب الولد على هذه الآداب والأخلاق، والأمور المستحسنة منذ الصغر- ألفها وأصبحت سجية له؛ فما دام أنه في الصبا فإنه يقبل التعليم والتوجيه، ويشب على ما عود عليه كما قيل : وينشأ ناشئ الفتيان منا *** على ما كان عوده أبوه .
وعلى الجملة فالمربي كالطبيب الحاذق الماهر الذي يعرف العلة ويصف لها الدواء ولآبد من المراقبة الفعلية لقوله صلي الله عليه وسلم “ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه “(أبو داود والترمذي).
8- تعويدهم على الخشونة والرجولة، والجد والاجتهاد، وتجنيبهم الكسل والبطالة والراحة والدعة : فلا يليق بالأب أن يعود أولاده على الكسل والراحة والبطالة والدعة، بل عليه أن يأخذهم بأضدادها، ولا يريحهم إلا بما يجم أنفسهم للشغل، فإن للكسل والبطالة عواقب سوء، ومغبة ندم، وللجد والتعب عواقب حميدة إما في الدنيا، وإما في العقبى، وإما فيهما؛ فأروح الناس أتعب الناس، وأتعب الناس أروح الناس، فالسيادة في الدنيا والسعادة في العقبى- لا يوصل إليها إلا على جسر من التعب. فالراحة تعقبها الحسرة، والتعب يعقب الراحة، وصدق من قال : بصرت بالراحة الكبرى فلم أرها *** تنال إلا على جسر من التعب
9- تعويدهم الفرائض والعادات الحميدة : وتعويد الأبناء علىٰ أداء فرائض دينهم، وتربيتهم عليها منذ وقتٍ مبكرٍ، كي لا يشقَّ الأمر عليهم حين البلوغ أمر بالغ الأهمية يقول صلي الله عليه وسلم :” مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع ” (أبو داود والحاكم).هنا يأمر الولد بالصلاة لسبع سنين فإذا بلغ عشر يضرب عليها ثم بعد ذلك يفرق بينهما في المضاجع وهنا ننتقل بالولد من مرحلة الطفولة والصبا إلى مرحلة المراهقة والتمييز فإذا كان صبياً مميزاً فأول شيء يفعله المربي يأمره بالصلاة لسبع سنين وإذا لم يصلي يضربه عليها لعشر سنين وإذا بلغ سن المراهقة لآبد أن يفرق بينهما في المضاجع فلا تنام البنات مع الصبيان في حجرة واحدة فإذا لم توجد إلا حجرة واحدة يفرق بينهما في الأسرة تنام البنت على سرير وينام الولد على سرير آخر ويراقبا . كما ينبغي على ولي الأمر أن يحول بينه وبين الأشرار وصحبة السوء وفاسدي الأخلاق ويمنع من الذهاب إلى الأماكن المشبوهة وأماكن الفسق والفجور الخ .
وأن يعوده علي الصوم منذ الصغر فقد كان الصَّحابة -رضي الله عنهم- يهتمون بصيام الأطفال، ومن اهتمامهم بذلك أنَّهم كانوا يهيئون لهم اللعب أثناء الصِّيام لتسلوا بها، فلا يشعرون بطول النَّهار وشدَّة الجوع. إلهاء من يجوع منهم بالنوم ، أو بألعاب مباحة ليس فيها بذل جهد ، وهناك برامج أطفال مناسبة ،يمكن إشغالهم بها . ولكى نحببهم فى الصيام ونعاونهم عليه حسب ما يطيقون ويجب أخذهم إلى المساجد لأداء الصلوات فذلك يدخل على الأطفال البهجة والسرور بالشهر الكريم.. والطِّفل يتعلَّم منَ الصِّيام معني الإخلاص الحقيقي لله -عزَّ وجلَّ- ومراقبته في السِّرِّ والعلانية.فبالصَّوم تقوى إرادة الطِّفل بحيث يتحكم في نفسه ويكون قادرًا على كبح جماحها، فيبتعد عنِ الطَّعام رغم الجوع، وعنِِ الشَّراب رغم العطش.وبالصِّيام يتربى الطِّفل على حبِّ النِّظام واحترام الوقت ودقَّة المواعيد.وبالصِّيام يتخلَّص الطِّفل من الأنانية والأثرة، ويتعود على الصَّبر والإيثار.وبالصِّيام يترقَّى شعور الأطفال وأحاسيسهم، فيشعرون بألم الجوع والعطش الَّذي يشعر به كثير من أطفال المسلمين في كثير من بقاع العالم.وبالصِّيام يتعلَّم الطِّفل أحكامه وآدابه وسننه بشكلٍ عمليٍّ وهو أفضل طرق التَّعليم.وبالصِّيام يتعلَّم الطَّفل خلق الأمانة والصِّدق والمراقبة الذَّاتيَّة، فهو ينمِّي في الطِّفل قيم السُّلوك الاجتماعيَّة الَّتي تهذِّب النَّفس وترقيها.وبالصِّيام يتعلَّم الطِّفل منهج الثَّواب والعقاب، فيعلم أنَّ الطِّفل يثاب إذا أطاع الله، ويعاقب إذا ارتكب المعصية.
” وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ “(البقرة /199).
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ..
أما بعد:فيا جماعة الإسلام : اهتم الإسلام بالطِّفل والطُّفولة اهتمامًا كبيرًا وجعل من أهمّ المهمَّات وأوجب الواجبات رعاية المؤمن لأبنائه. وجعل تربيتهم التَّربية الإسلاميَّة أمانةً في أعناق الآباء والأمَّهات، عليهم أن يقوموا بها حقَّ القيام، ويؤدِّها حقَّ الأداء؛ قال -تعالى-: “إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا”[النِّساء: 16]، وهذا أمرٌ لأولياء الأمور بوقايةٍ ورعايةٍ من كان تحت مسؤوليتهم. قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: “علموهم وأدبوهم”، وأكَّد الرَّسول الكريم -صلى الله عليه وسلَّم- أهمية تلك الرِّعاية فقال: “كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته”(متَّفقٌ عليه). وقريب ممَّا تقدَّم قوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: “ما من عبدٍ يسترعيه الله رعيةً، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرَّم الله عليه الجنَّة”( مسلم ). ومن أهمِّ ما ينبغي الاهتمام به، ويحرص عليه:
10- غرس العقيدة ويقظة الضمير :
كذلك يجب أن يربى الولد على عقيدة راسخة ويقظة ضمير وتعالوا إلى تعاليم الإسلام فالرسول صلي الله عليه وسلم عندما يركب خلفه ابن عمه عبد الله بن عباس يجد أنها فرصة لتعليمه العقيدة . يقول عبد الله بن عباس كنت ردف رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال لي :” يا غلام احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله وإذا توكلت فتوكل على الله واعلم أنه لو اجتمعت الأمة الإنس والجن على أن ينفعوك بشيء فلن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك واعلم أنه لو اجتمعت الأمة والإنس والجن على أن يضروك بشيء فلن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك طويت الصحف وجفت الأقلام ” (الترمذي). تعليم عظيم من رسول كريم لغلام صغير! فغرس الإيمان والعقيدة الصحيحة في نفوس الأولاد : مما يجب- بل هو أوجب شيء على الوالدين- أن يحرصوا كل الحرص، على هذا الأمر، وأن يعاهدوه بالسقي والرعاية، كأن يعلم الوالد أولاده منذ الصغر أن ينطقوا بالشهادتين، وأن يستظهروها، وينمي في قلوبهم محبة الله- عز وجل- وأن ما بنا من نعمة فمنه وحده، ويعلمهم- أيضا- أن الله في السماء، وأنه سميع بصير، ليس كمثله شيء، إلى غير ذلك من أمور العقيدة، وهكذا يوجههم إذا كبروا إلى قراءة كتب العقيدة المناسبة لهم. كذلك يجنبهم اللعب مع رفقاء السوء ولا يجلب لهم اللعب التي انتشرت في الأسواق اليوم كاللعبة علي هيئة خنزير فالقصد منها أن يألف الطفل شكل الخنزير منذ الصغر فلا شك أن المعاني والأشياء والمفردات التي تمر بالطفل في مراحل تربيته الأولى يمتد أثرها أطول بكثير مما يعتقده المربون للطفل أنفسهم ، ولا تزول بزوال تلك المرحلة ؛ بل تبقى مكونا هاما من مكونات وجدانه وعقله الباطن ، ويظهر أثرها الواضح في تشكيل هويته ، وانتمائه الثقافي . عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : ” كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي ؛ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ ، فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي “(متفق عليه). .
وقد أشار أهل العلم إلى أن الشرع إنما رخص في لعب الصغار بمثل تلك اللعب ، مع نهيه عن الصور ، وتحريمه للتصوير ؛ لأجل ما في لعبهم بذلك من مساهمة في الإعداد الوجداني لما يكونون عليه في مستقبل أيامهم .ولا شك أن الخنزير ليس مجرد حيوان نجس ، أو محرم الأكل ، أو غير ذلك مما قد يقال فيه ، أو يتعلق به من الأحكام الشرعية ؛ وإنما هو مكون ثقافي للغرب النصراني ، وجزء من هوية هذه الأمة .
فعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ “(متفق عليه). . والحاصل : أن الخنزير حيوان غير محترم ،ويجلب العديد من الأمراض وحرم الله أكله ؛ فلا يصح من المسلم أن يربي أولاده على إلفته ، أو الاهتمام به ، أو التعلق به ؛ سواء كان في صورة قصة ، أو لعبة ، أو تمثيلية ، أو غير ذلك ، بل المشروع تنبيهه إلى تعلقه بالدين الباطل ، وأنه من علاماته ، وأنه لا حرمة له في الشرع ، بحسب ما يناسب فهمه وعقله, حتى إذا كبر ، تعلم ما يتعلق به من الأحكام الشرعية على وجهها . وأما تجنيب أطفالك رؤيته : فهذا إن كان المراد به الرؤية العابرة ، أو رؤية صورته بصورة عارضة : فهو أمر يشق عمله ، كما لا نرى لزومه أيضا ؛ وإنما المراد ألا يكون مألوفا بالنسبة له ، ولا في محل العناية والاهتمام .
أخا الإسلام : طفل تربى ونشأ على هذا الخلق وهذه العقيدة الراسخة القوية كيف تكون أخلاقه صار ترجمان القرآن فهو الذي ترجم القرآن أي فسره وكان يقول والله ما من آية في كتاب الله إلا وأعرف متى نزلت وأين نزلت فيمن نزلت ولما نزلت والله لو ضاع مني عقال بعير لوجدته في كتاب الله عز وجل. نعم أخوة الإيمان والإسلام
احفظوا أنفسكم والزموا أولادكم وقوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة وإذا كان الأب يصون ولده من نار الدنيا فلأن يصونه من نار الآخرة أحق وأولى.
” اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه”.