خطبة بعنوان: تبصير الأحياء بخلق الحياء، للدكتور خالد بدير
خطبة بعنوان: تبصير الأحياء بخلق الحياء، للدكتور خالد بدير
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
عناصر الخطبة:
العنصر الأول: منزلة الحياء وأقسامه
العنصر الثاني صور الحياء وفوائده
العنصر الثالث: مظاهر الحياء ووسائل اكتسابه
المقدمة: أما بعد:
أحبتي في الله: إننا بين الفينة والأخرى نواجه دعواتٍ هدامةً لثوابت ديننا وقيمنا وأخلاقنا داعية إلى نشر الرذيلة في مجتمعنا الحبيب ومصرنا الغالية بلد الأزهر الشريف؛ ومنها الدعوات الشاذة التى تدعو إلى خلع الحجاب تارة؛ أو إباحة الشذوذ الجنسي والعلاقات الجنسية قبل الزواج تارة أخرى؛ وفي الحقيقة يعجز القلم عن التعبير بجميع لغات العالم عن هذا الخطر الجسيم؛ لذلك جعلت هذا اللقاء عن : ” تبصير الأحياء بخلق الحياء ” ؛ ردا على هذه الدعوات الهدامة؛ وذلك من خلال ثلاثة عناصر رئيسية ؛ والله المستعان وعليه التكلان:
العنصر الأول: منزلة الحياء وأقسامه
إنَّ الحَيَاء خاصيَّة مِن الخصائص التي حبا الله بها الإنسان؛ ليبتعد عن مزاولة الذُّنوب والمعاصي والشَّهوات، والحَيَاءُ شَرعًا: خُلُقٌ يَكُفُّ العَبدَ عَنِ ارتِكَابِ القَبَائِحِ وَالرَّذَائِلِ، وَيَحُثُّهُ عَلَى فِعلِ الجَمِيلِ، وَيَمنَعُهُ مِنَ التَّقصِيرِ فِي حَقِّ صَاحِبِ الحَقِّ، وَهُوَ مِن أَعلَى مَوَاهِبِ اللَّهِ لِلعَبدِ. إن كثيراً من الناس يعتقدون أن الحياء لا علاقة له بالدين، ولكن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم أخبرنا أنه الدين كله، فعَنْ قُرَّةَ – ابنِ إِيَاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ – قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم، فَذُكِرَ عِنْدَهُ الحَيَاءُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الحَيَاءُ مِنَ الدِّينِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «بَل هُوَ الدِّين ُكُلُّهُ» . (صحيح الترغيب والترهيب، الألباني) وذلك لِعُلُوِّ مَنزِلَتِهِ، وَجَلِيلِ قَدْرِهِ، وَسُمُوِّ مَحَلِّهِ، وَرِفعَةِ شَأنِهِ، وَعَظِيمِ نَفعِهِ. واعلم أن الخير كله الحياء، فعن عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ» ( متفق عليه )، وفي رواية لمسلم:«الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ» قَالَ أَوْ قَالَ: «الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ»، كما أن الحياء شعبة من شعب الإيمان الذي هو عقيدة المسلم وقوام حياته فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ (البخاري ومسلم)، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «الـحَيَاءُ وَالإِيمَانُ قُرِنَا جَمِيعًا، فَإِذَا رُفِعَ أَحَدُهُمَا رُفِعَ الآخَرُ»،(صحيح الترغيب والترهيب، الألباني)، وسر كون الحياء من الإيمان أن كلا منهما داع إلى الخير صارف عن الشر مُبعد عنه, فالإيمان يبعث المؤمن على فعل الطاعات وترك المعاصي, والحياء يمنع صاحبه من التقصير في الشكر للمنعم ومن التفريط في حق ذي الحق كما يمنع الحيي من فعل القبيح أو قواه اتقاء للذم والملامة, ومن هنا كان الحياء خيراً, ولا يأتي إلا بخير.
إِنَّ الوَجْهَ المَصُوْنَ بِالحَيَاءِ، كَالجَوْهَرِ المَكْنُوْنِ فِي الوِعَاءِ، وَكَاللَّآلِئِ فِي البِحَارِ، وَكَاللُّبَابِ فِي الثِّمَارِ، وَلَنْ يَتَزَيَّنَ إِنْسَانٌ بِزِيْنَةٍ، هِيَ أَبْهَى وَلَا أَجْمَلُ مِنَ الحَيَاءِ. فعَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قَالَ: «مَا كَانَ الحَيَاءُ فِي شَيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا كَانَ الفُحْشُ فِي شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ»،(صحيح الترغيب والترهيب، الألباني).
أحبتي في الله: إن المعاصي التي يرتكبها العبد تذهب منه الحياء ” إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ” ، (السلسلة الصحيحة – الألباني)، قال ابن القيم- رحمه الله – :” من عقوبات المعاصي ذهاب الحياء الذي هو مادة حياة القلب، وهو أصل كل خير، و ذهابه ذهاب الخير أجمعه فقد جاء في الحديث الصحيح ” الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ “( الداء والدواء)، قال عمر رضي الله عنه:”من قلَّ حياؤه قل ورعه، و من قلَّ ورعه مات قلبه”، و قال الحسن البصري-رحمه الله : ” الحياء و التكرم خصلتان من خصال الخير لم يكونا في عبد إلا رفعه الله بهما “.
أنواع الحياء وأقسامه
ينقسم الحَيَاء إلى أقسام عديدة باعتبارات مختلفة، وكلها غاية في الأهمية لحياتنا العملية:
فينقسم الحَيَاء باعتبار محلِّه إلى قسمين:
القسم الأوَّل: حياء فطريٌّ: وهو الذي يُولَد مع الإنسان متزوِّدًا به، ومِن أمثلته: حياء الطِّفل عندما تنكشف عورته أمام النَّاس، وهذا النَّوع مِن الحَيَاء منحة أعطاها الله لعباده.
والثَّاني: مكتسب: وهو ما يكتسبه المسلم مِن دينه، فيمنعه مِن فعل ما يُذَمُّ شرعًا، مخافة أن يراه الله حيث نهاه، أو يفقده حيث أمره.
وينقسم حيَاء العبد باعتبار المستحى منه إلى أربعة أقسام
أحدها: حياؤه من الله تعالى. والثاني : حياؤه من الملائكة. والثالث: حياؤه من الناس. والرابع: حياؤه من نفسه.
1- فأما حياؤه من الله تعالى فيكون بامتثال أوامره والكف عن زواجره… وهو أعظم الحياء, ويكون بأن لا يقابل العبد إحسان الله ونعمته بالإساءة والكفر والجحود والطغيان، وأن لا يتضجر عند البلاء فينسى قديم إحسانه ومنته ورحمته به، وأن يلتزم أوامره سبحانه وتعالى ونواهيه وأن يخاف منه حق الخوف، ولا يتولد هذا الحياء إلا حين يطالع العبد نِعَمَ الله عليه، ويتفكر فيها، ويدرك تمامها وشمولها، ثم يراجع نفسه بعد ذلك ويحاسبها على الخلل والزلل والتقصير، فمن استخف بالأوامر و النواهي الشرعية دل ذلك على عدم إجلاله لربه وإعظامه وعدم حيائه منه جل وعلا. روى عَن عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «استَـحيُوا مِنَ اللَّـهِ حَقَّ الـحَيَاءِ» قَالَ: قُلنَا: يَا رَسُولَ اللَّـهِ، إِنَّا نَستَـحْيِي وَالـحَـمدُ لِلَّـهِ؛ قَالَ: «لَـيسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الاِستِحيَاءَ مِنَ اللَّـهِ حَقَّ الـحَيَاءِ: أَن تَـحفَظَ الرَّأسَ وَمَـا وَعَى، وَالبَطنَ وَمَـا حَوَى، وَلتَذكُرِ الـمَوتَ وَالبِلَـى؛ وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ، تَـرَكَ زَيـنَةَ الدُّنـيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدِ استَـحيَا مِنَ اللَّـهِ حَقَّ الـحَيَاءِ» (صحيح الترغيب والترهيب – الألباني)، وَاعلَم أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَاظِرٌ إِلَيكَ، مُطَّلِعٌ عَلَيكَ، فَقُل لِنَفسِكَ: لَو كَانَ رَجُلٌ مِنْ صَالِـحِي قَومِي يَـرَانِي، لَاستَـحَيْتُ مِنْهُ، فَكَيفَ لَا أَستَـحِي مِن رَبِّـي تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ثُمَّ لَا آمَنُ تَعجِيلَ عُقُوبَتِـهِ وَكَشفَ سَتـرِهِ؟! فَإِنَّ مَنْ عَلِـمَ أَنَّ اللَّـهَ يَـرَاهُ حَيثُ كَانَ، وَأَنَّـهُ مُطَّلِعٌ عَلَـى بَاطِنِـهِ وَظَاهِرِهِ وَسِـرِّهِ وَعَلَانِـيَتِـهِ، وَاستَـحضَـرَ ذَلِكَ فِـي خَلَوَاتِـهِ، أَوجَبَ لَـهُ ذَلِكَ تَـركَ الـمَعَاصِـي فِـي السِّـرِّ. قَالَ القَحطَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:
وَإِذَا خَلَوتَ بِـرِيبَةٍ فِـي ظُلـمَةٍ — وَالنَّفْسُ دَاعِيَةٌ إِلَـى الطُّغيَانِ
فَاستَـحْيِ مِن نَظرِ الإِلَهِ وَقُل لَـهَا — إِنَّ الَّذِي خَلَقَ الظَّلَامَ يَـرَانِـي
2- الحياء من الملائكة: فمن المعلوم أن الله قد جعل فينا ملائكة يتعاقبون علينا بالليل والنهار. وهناك ملائكة يصاحبون أهل الطاعات, كالخارج في طلب العلم, والمجتمعين على مجالس الذكر, والزائر للمريض, وغير ذلك. وأيضاً هناك ملائكة لا يفارقوننا وهم الحفظة والكتبة: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ، كِرَامًا كَاتِبِينَ}(الانفطار:10،11)، فعلى المؤمن إذاً أن يستحي من الملائكة الكرام, فالحياء من الكريم من صفات الكرام, ولا ألأم ممن لا يستحيي من الكريم. ويكون ذلك: بالبعد عن المعاصي والقبائح, وإكرامهم عن مجالس الخنا, وأقوال السوء, والأفعال المذمومة المستقبحة. فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ليستح أحدكم من ملكيه اللذين معه, كما يستحي من رجلين صالحين من جيرانه وهما معه بالليل والنهار” (السلسلة الضعيفة – الألباني)، وقال عبد الرحمن ابن أبي ليلى في قوله تعالى:{وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} (ق: 21)، “ما على أحدكم إذا خلى أن يقول: اكتب رحمك الله. فيُملي خيراً” (حلية الأولياء). ومراده من ذلك: أنْ يحسن العمل, فيكتب الكاتبون في صحائفه خيراً حياءً من الله ومن ملائكته، وعن ابن عمر-رضي الله عنهما- أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”إياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم إلا عند الغائط, وحين يُفضي الرجل إلى أهله. فاستحيوهم وأكرموهم” (الترمذي)، قال الرازي في تفسيره: “إنَّ الإنسان إذا علم أن الملائكة تحصي عليه أعماله كان إلى الحذر من المعاصي أقرب؛ لأن من آمن يعتقد جلالة الملائكة, وعلو مراتبهم, فإذا حاول الإقدام على معصية واعتقد أنهم يشاهدونها, زجره الحياء منهم عن الإقدام عليها, كما يزجره عنها إذا حضره من يعطيه من البشر, وإذا علم أن الملائكة تحصي عليه تلك الأعمال كان ذلك أيضاً رادعاً له عنها, وإذا علم أن الملائكة يكتبونها كان الردع أكمل”
3- وأما حياؤه من الناس: فيكون بكف الأذى وترك المجاهرة بالقبيح, وقد روى أن حذيفة بن اليمان أتى الجمعة فوجد الناس قد انصرفوا, فتنكب الطريق عن الناس, وقال: لا خير فيمن لا يستحي من الناس.(أدب الدنيا والدين للماوردي)، قارن بين ذلك وبين من يجاهرون بالزنا والمسكرات وإفطار رمضان وفعل جميع المنكرات دون وازعٍ من دين أو خلق أو حياء!!!
4- وأما حياؤه من نفسه, فيكون بالعفة وصيانة الخلوات، وقال بعض الحكماء: ليكن استحياؤك من نفسك أكثر من استحيائك من غيرك, وقال بعض الأدباء: من عمل في السر عملاً يستحي منه في العلانية, فليس لنفسه عنده قدر. قال فيثاغورس: “احذر أنْ تركب قبيحاً من الأمر, لا في خلوةٍ ولا مع غيرك. وليكن استحياؤك من نفسك أكثر من استحيائك من كلِّ أحدٍ”(عيون الأنباء في طبقات الأطباء)، وقال الماوردي: “قال بعض الحكماء: من عمل في السر عملاً يستحي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر”فيض القدير”
وينقسم الحياء باعتبار متعلَّقه إلى قسمين:
القسم الأوَّل: الحَيَاء الشَّرعي: وهو الذي يقع على وجه الإجلال والاحترام، وهو محمود.
القسم الثَّاني: الحَيَاء غير الشَّرعي: وهو ما يقع سببًا لترك أمر شرعي، وهذا النَّوع مِن الحَيَاء مذموم، وهو ليس بحياء شرعي، وإنَّما هو ضعف ومهانة. (الأخلاق الإسلامية حسن السعيد المرسي)، وبعبارة أوجز ينقسم بهذا الاعتبار إلى محمود ومذموم، فالمحمود معروف، والحياء المذموم ترك الخير وفعل الشر حياءً من العبد، وله صور كثيرة منها:-
1- تَركُ الأَمرِ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قَالَ: «لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ هَيْبَةُ النَّاسِ: أَنْ يَتَكَلَّمَ بِحَقٍّ إِذَا رَآهُ، أَوْ شَهِدَهُ، أَوْ سَمِعَهُ». (السلسلة الصحيحة: الألباني)، كَأَنْ يَأْكُلَ وَالِدٌ بِشِمَالِهِ، فَيَسْتَحِيَ الوَلَدُ مِن نَهيِ أَبِيهِ عَنِ الأَكْلِ بِالشِّمَالِ حَيَاءً مِنْهُ. فَلَا يَنْبَغِيْ لَكَ أَنْ تَتْرُكَ الأَمْرَ بِالمَعْرُوْفِ، وَالنَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ، حَيَاءً مِنَ النَّاسِ.
2- مُقَارَفَةُ الإِثْمِ اسْتِحيَاءً مِنَ النَّاسِ: كَأَنْ تَمُدَّ امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ يَدَهَا إِلَى رَجُلٍ فَيُصَافِحَهَا، وَيَزْعُمَ أَنَّهُ اسْتَحْيَا مِنْهَا؛ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «لَأَنْ يُطْعَنَ فِيْ رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيْدٍ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ» . (السلسلة الصحيحة: الألباني)، فَمَن صَافَحَ امرَأَةً أَجنَبِيَّةً حَيَاءً مِنهَا، فَليَتَذَكَّرِ الحَدِيثَ التَّالِيَ: عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «مَنِ الْتَمَسَ رِضَى اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَأَرْضَى النَّاسَ عَنْهُ؛ وَمَنِ التَمَسَ رِضَى النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ، سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَسْخَطَ عَلَيهِ النَّاسَ» . (السلسلة الصحيحة: الألباني)، وَاعلَم أَنَّ اللَّهَ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إِذَا رَضِيَ عَنِ العَبدِ، أَرضَى النَّاسَ عَنهُ؛ وَإِذَا سَخِطَ عَنِ العَبدِ، أَسخَطَ النَّاسَ عَلَيهِ.
3- تَركُ طَلَبِ العِلمِ: قَالَ مُجَاهِدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَتَعَلَّمُ العِلمَ مُسْتَحْيٍ وَلَا مُسْتَكْبِرٌ .
وَلِهَذَا: فَإِنَّ الصَّحَابِيَّاتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُنَّ، لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الحَيَاءُ مِنْ طَلَبِ العِلمِ الشَّرْعِيِّ، كما سيأتي في صور الحياء في عنصرنا التالي.
العنصر الثاني صور الحياء وفوائده
للحياء صور عديدة بتعلقات مختلفة، وإليكم الصور والأمثلة تاركاً لكم التعليق والمقارنة ببن ذلك والواقع المعاصر خشية الإطالة:
حياء الله تعالى: الحياء صفة من صفات الله رب العالمين، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم ربَّه بذلك فقال :”إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً خائبتين ” (صحيح الترغيب والترهيب: الألباني)، ودليله من الكتاب قوله تعالى:{ إنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيي أَن يَضْربَ مَثَلاً مَّا بَعوضَةً فمَا فوْقَهَا} (البقرة :26)، وقوله:{وَالله لاَ يَسْتَحيي مِنَ الحَق}(الأحزاب : 53)، وعن أبي واقد- رضي الله عنه – في الصحيحين وفيه: ” وأما الآخر فاستحيا، فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه”، وكل صفة وصف الله بها نفسَه وقامت الأدلة على وصف العباد بها فلا تظن أن ذلك يعني مشابهة الله لخلقه – تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً – قال تعالى:{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ }(سورة الشورى:11)، فالفرق بين صفاتنا وصفاته كالفرق بين ذاتنا وذاته. قال ابن القيم-رحمه الله-:”وأما حياء الرب تعالى من عبده فذاك نوع آخر لا تدركه الأفهام ولا تكيفه العقول فإنه حياء كرم وبر وجود وجلال فإنه تبارك وتعالى حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا” (مدارج السالكين)، فحياء الرب جل و علا ليس كحياء المخلوقين الذي هو تغير وانكسار بل هو حياء يليق بجلاله يكون فيه ترك ما ليس يتناسب مع سعة رحمته وكمال جوده وكرمه وعظيم عفوه، فلا يفضح عبده إذا عصاه وجاهر بذلك؛ بل يستره استحياء من هتك ستره، قال ابن القيم في نونيته:
وهو الحيي فليس يفضح عبـده *** عند التجاهر منه بالعصيـان
لكـنه يلقي علـيه ستــره *** فهو الستير و صاحب الغفران
حياء أبينا آدم وأمِّنا حواء: فحينما أكل آدم وحواء مِن الشجرة التي نهاهما الله عن الأكل منها، بدت لهما سوءاتهما، فأسرعا يأخذان مِن أوراق الجنَّة ليسترا عوراتهما، وتحدَّث القرآن الكريم عن ذلك بقوله:{فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ}(الأعراف:22)، وهذا – سماه ابن القيم – حياء الجناية: فلما فرَّ آدم عليه السَّلام هاربًا في الجنَّة، قال الله تعالى: أفرارًا منِّي يا آدم؟ قال: لا يا ربِّ، بل حياءً منك. وهذا يدلُّ على أنَّ الإنسان مفطورٌ على الحَيَاء، وأمَّا قلَّة الحَيَاء فهي منافية للفطرة، بل مِن اتِّباع الشَّيطان.
حياء الملائكة: إن الملائكة موصوفة بالحياء حتى إنها لا تدخل على امرأة كاشفة عن خمارها ولا ترى عورة، وتجتنب من كان على جنابة، فلما رأت حياء عثمان رضي عنه صارت تستحي منه، كما حد قول القائل على سبيل المثال:” كنت أظن أنني أعلم الناس فلما رأيت فلانا وسعة علمه استحيت من نفسي” ، فكان جزاء عثمان رضي الله عنه أن تستحي منه الملائكة. وقول النبي صلى الله عليه وسلم في عثمان رضي الله عنه “ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة” دليل على اتصاف الملائكة به. وحياء الملائكة حياء تَّقصير: فالملائكة يسبِّحون اللَّيل والنَّهار لا يفترون، فإذا كان يوم القيامة قالوا: سبحانك! ما عبدناك حقَّ عبادتك. وإذا كانت الملائكة تقول ذلك حياءً من التقصير- مع أن الراكع والساجد لا يرفع رأسه إلى يوم القيامة – فماذا نقول نحن لله؟
حياء نبي الله موسى عليه السَّلام والأمم السابقة: جاء في وصف موسى عليه السَّلام أنَّه كان حييًّا ستِّيرًا، حتى كان يستر بدنه، ويستحي أن يظهر ممَّا تحت الثِّياب شيئًا حتى ممَّا ليس بعورة. وبسبب تستُّره الزَّائد، آذاه بعض بني إسرائيل في أقوالهم، فقالوا: ما يبالغ في ستر نفسه إلَّا مِن عيب في جسمه، أو مِن أُدْرَة هو مصاب بها . ” أي نفخة في الخصية “
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ موسى كان رجلًا حييًّا ستِّيرًا، لا يُرَى مِن جلده شيء استحياءً منه، فآذاه مَن آذاه مِن بني إسرائيل، فقالوا: ما يستتر هذا التَّستُّر إلَّا مِن عيب بجلده، إمَّا برص وإمَّا أُدْرَة وإمَّا آفة. وإنَّ الله أراد أن يبـرِّئه ممَّا قالوا لموسى فخلا يومًا وحده، فوضع ثيابه على الحجر ثمَّ اغتسل، فلمَّا فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإنَّ الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر! ثوبي حجر! حتى انتهى إلى ملإٍ مِن بني إسرائيل، فرأوه عريانًا أحسن ما خلق الله، وأبرأه ممَّا يقولون، وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضربًا بعصاه، فو الله إنَّ بالحجر لندبًا مِن أثر ضربه ثلاثًا، أو أربعًا، أو خمسًا، فذلك قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا} (الأحزاب:69).( البخاري) وحياء موسى الزائد كان من همته العلية التي تنشد الكمال, وقد رأى في ذوقه الرفيع أنَّ ستر بدنه أكثر كمالاً من كشفه, فكان يستحيي من كشفه للناس.
وقد خلَّد القرآن الكريم ذكر امرأة من أهل هذا الخلق، قال الله عنها:{ فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}(القصص:25) فهذه الآية تدل على حياء تلك المرأة من وجهين:
الأول: جاءت إليه تمشي على استحياء بلا تبذل، ولا تبجح، ولا إغواء.
الثاني: كلماتها التي خاطبت بها موسى عليه السلام، إذ أبانت مرادها بعبارة قصيرة واضحة في مدلولها، من غير أن تسترسل في الحديث والحوار معه وهذا من إيحاء الفطر النظيفة السليمة والنفوس المستقيمة. ولا يدري من وقف على أحداث هذه القصة التي جرت لنبي الله وكليمه موسى عليه السلام أيعجب من حياء المرأة أم من حيائه عليه السلام؟!! فقد جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه:” جاءتْ واضعةً يدَها على وجهها، فقام معها موسى وقال لها: امشي خلفي وانعتي لي الطريق وأنا أمشي أمامك فإنا لا ننظر في أدبار النساء ” (مستدرك الحاكم)
والحياء من الأخلاق التي كانت تُعرف في الجاهلية : فإن أبا سفيان لما كان على الإشراك سأله هرقل أسئلة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلما انتهى الكلام بينهما قال أبو سفيان:”والله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذباً لكذبت” (أخرجه الشيخان)
حياء الرسول صلى الله عليه وسلم: إنَّ وصف الحياء كان ملازماً له صلى الله عليه وسلم, فعن أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ-رضي الله عنه- قال: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا, وَكَانَ إذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ”(متفق عليه)، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في عثمان رضي الله عنه “ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة” (مسلم)دليل على حيائه وهو خلق الأنبياء، فقد جاء عن خاتمهم صلى الله عليه وسلم :”أربع من سنن المرسلين: الحياء، والتعطر، والسواك، والنكاح”(سنن الترمذي)
حياء الصحابة والصالحين: هناك أمثلة عديدة لحياء الصحابة الصادقين، فهذا عثمان بن عفان رضي الله عنه يُذكِّر النبي صلى الله عليه وسلم الأمةَ بمناقبه فيقول:”وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ ” (الترمذي وابن ماجه).
وهذا أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه: خطب النَّاس يومًا، فقال:”يا معشر المسلمين، استحيوا مِن الله، فو الذي نفسي بيده إنِّي لأظلُّ حين أذهب الغائط في الفضاء متقنِّعًا بثوبي استحياءً مِن ربِّي عزَّ وجلَّ” .( حلية الأولياء)
وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: “كنت رجلًا مذَّاءً فكنت أستحي أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته، فأمرت المقداد فسأله، فقال: يغسل ذكَرَه ويتوضَّأ”(متفق عليه)، وهذه عائشة رضي الله عنها قالت: “كنت أدخل بيتي، الذي دُفِنَ فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي، فأضع ثوبي، فأقول إنَّما هو زوجي وأبي، فلمَّا دُفِنَ عمر معهم، فو الله ما دخلت إلَّا وأنا مَشْدُودَةٌ عليَّ ثيابي؛ حَيَاءً مِن عمر” (مجمع الزوائد)، انظر رعاك الله تفعل ذلك حياءً من الأموات، قارن ببن ذلك وبين بنات اليوم!!!
وما أجمل حياء أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا: فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ، لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ» فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: «يُرْخِينَ شِبْرًا» فَقَالَتْ: إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ! قَالَ: «فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا، لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ» ( النسائي والترمذي)، يَا سُبْحَانَ اللَّهِ! الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يَقُولُ لِأُمِّ سَلَمَةَ: «يُرْخِينَ شِبْرًا»، وَلَكِنَّهَا تَقُوْلُ: إِنَّ النِّسَاءَ لَا تُطِيْقُ هَذَا، لِأَنَّ أَقْدَامَهُنَّ سَتَنْكَشِفُ عِنْدَ المَشْيِ، فَلَمْ تَرْضَ أَنْ يُرْخَى الثَّوْبُ شِبْرًا يُجَرْجِرُ فِي الأَرْضِ؛ وَلَكِنَّ فَتَيَاتِ هَذَا الزَّمَانِ رَضِيْنَ بِهَذَا الشِّبْرِ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ شِبْرًا يُجَرْجِرُ فِيْ الأَرْضِ، لَكِنَّهُ شِبْرٌ فَوْقَ الرُّكْبَتَيْنِ. فالْمَرْأَةُ فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ الْحَيَاءِ، فَإِذَا فَقَدَتِ الْمَرْأَةُ حَيَاءَهَا؛ فَقَدَتْ كُلَّ شَيْءٍ، وَفَعَلَتْ كُلَّ شَيْءٍ. وَبَطنُ الأَرضِ خَيرٌ لَهَا مِن ظَهرِهَا.
وهذه المَرْأَةُ السَّودَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا: فعَنْ عَطَاءَ بنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ لِي ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا: “أَلَا أُرِيْكَ امرَأَةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلتُ: بَلَى، قَالَ: هَذِهِ المَرْأَةُ السَّودَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ – الصَّرْعُ: عِلَّةٌ فِي الجِهَازِ العَصَبِيِّ تَصحَبُهَا غَيبُوبَةٌ وَتَشَنُّجٌ فِي العَضَلَاتِ، وَقَد تَكُونُ بِدُخُولِ الجِنِّيِّ فِي بَدَنِ المَصرُوعِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَأكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُون إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيطَانُ مِنَ المَسِّ﴾ [البقرة: 275] -، وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ – أَي: خَشِيَتْ أَن تَظهَرَ عَورَتُهَا وَهِيَ لَا تَشعُرُ -، فَادْعُ اللَّهَ لِي – أَي: بِالعَافِيَةِ مِن هَذَينِ الأَمرَينِ -؛ قَالَ: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ» فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا” ( متفق عليه )، فَهَذِهِ المَرْأَةُ سَوْدَاءُ، لَكِنْ قَلبُهَا أَبْيَضُ. قَدْ تَصْبِرُ عَلَى المَرَضِ، وَلَكِنَّهَا لَا تَسْتَطِيْعُ الصَّبْرَ عَلَى خَدْشِ الحَيَاءِ، وَجَرْحِ العَفَافِ؛ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إِرَادَتِهَا. أَلَمْ يَأْنِ لِلنِّسْوَةِ فِي هَذَا الزَّمَنِ العَصِيبِ: أَنْ يَقْتَدِيْنَ بِهَذِهِ المَرْأَةِ، وَيَتَرَبَّيْنَ عَلَى العَفَافِ وَالحَيَاءِ؟!
ولذا مدحت عائشة رضي الله عنها نساء الأنصار بقولها :” رحم الله نساء الأنصار ، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين “. (مسلم)
وكان الرَّبيع بن خُثَيم مِن شدَّة غضه لبصره وإطراقه يَظُنُّ بعض النَّاس أنَّه أعمى، وكان يختلف إلى منزل ابن مسعود عشرين سنة، فإذا رأته جاريته قالت لابن مسعود: صديقك الأعمى قد جاء، فكان يضحك ابن مسعود مِن قولها، وكان إذا دقَّ الباب تخرج الجارية إليه فتراه مطرقًا غاضًّا بصره.(إحياء علوم الدين)
ولما احتُضر الأسود بن يزيد بكى، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: ما لي لا أجزع؟ ومَن أحقُّ منِّي بذلك؟ والله لو أُتيت بالمغفرة مِن الله لأهمَّني الحَيَاء منه ممَّا قد صنعت، وإنَّ الرَّجل ليكون بينه وبين الرَّجل الذَّنْب الصَّغير، فيعفو عنه، ولا يزال مستحييًا منه.(حلية الأولياء)
فوائد الحَيَاء:
اعلم يا عبدالله أن حياءك من الله وملائكته وعباده ونفسك له فوائد عظيمة وخصال جليلة تتمثل فيما يلي:
1- أن الحَيَاء مِن خصال الإيمان.
2- هجر المعصية خجلًا من الله سبحانه وتعالى.
3- الإقبال على الطَّاعة بوازع الحبِّ لله عزَّ وجلَّ.
4- يبعد عن فضائح الدُّنْيا والآخرة.
5- أصل كلِّ شعب الإيمان.
6- يكسو المرء الوَقَار فلا يفعل ما يخلُّ بالمروءة والتوقير ولا يؤذي مَن يستحقُّ الإكرام.
7- لا يمنع مِن مواجهة أهل الباطل ومرتكبي السوء.
8- مَن استحى مِن الله ستره الله في الدُّنْيا والآخرة.
9- يُعدُّ صاحبه مِن المحبوبين عند الله وعند النَّاس.
10- يمنع الشَّخص عن الفواحش، ويجعله يستتر بها إذا هو سقط في شيء مِن أوحالها.
11- يدفع المرء إلى التَّحلِّي بكلِّ جميل محبوب، والتَّخلِّي عن كلِّ قبيح مكروه. ( الأخلاق الإسلامية: عبدالرحمن حبنكة الميداني)
العنصر الثالث: مظاهر الحياء ووسائل اكتسابه
تكلمت فيما سبق عن منزلة الحياء وصوره المشرقة، والآن أقف مع حضراتكم مع مظاهر قلة الحياء في المجتمع وكيفية علاجها ومنها:
- خُرُوجُ النِّسَاءِ كَاسِيَاتٍ عَارِيَاتٍ: فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يَقُولُ: « سَيَكُونُ فِي آخِرِ أُمَّتِي رِجَالٌ يَرْكَبُونَ عَلَى السُّرُوجِ كَأَشْبَاهِ الرِّجَالِ يَنْزِلُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ نِسَاؤُهُمْ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ عَلَى رُءُوسِهِمْ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْعِجَافِ الْعَنُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ.» (السلسلة الصحيحة: الألباني)
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ الـمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلنَ الـجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا».(صحيح الترغيب والترهيب: الألباني)
- كَثرَةُ خُرُوجِ المَرأَةِ مِنَ البَيتِ: فعَنِ ابنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قَالَ: «إِنَّ المَرْأَةَ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ؛ وَأَقْرَبُ مَا تَكُونُ مِنْ وَجْهِ رَبِّهَا، وَهِيَ فِي قَعْرِ بَيْتِهَا».(السلسلة الصحيحة: الألباني)، وقَولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ»؛ أَيْ: زَيَّنَهَا فِي نَظَرِ الرِّجَالِ، وَقِيلَ: أَي: نَظَرَ إِلَيْهَا، لِيُغْوِيَهَا وَيُغْوِيَ بِهَا.
- خُرُوجُ المَرأَةِ مُتَعَطِّرَةً: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: لَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ وَجَدَ مِنْهَا رِيحَ الطِّيْبِ يَنْفَحُ، وَلِذَيْلِهَا إِعْصَارٌ – أَي: رِيحٌ تَرْتَفِعُ بِتُرَابٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، وَتَسْتَدِيرُ كَأَنَّهَا عَمُودٌ -، فَقَالَ: يَا أَمَةَ الجَبَّارِ – نَادَاهَا بِهَذَا الِاسْمِ تَخْوِيفًا لَهَا -، جِئْتِ مِنَ الـمَسْجِدِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: وَلَهُ تَطَيَّبْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ؛ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ حِبِّي – أَيْ: مَحْبُوبِي – أَبَا القَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يَقُولُ: «لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ لاِمْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ لِـهَذَا المَسْجِدِ، حَتَّى تَرْجِعَ فَتَغْتَسِلَ غُسْلَهَا مِنَ الجَنَابَةِ» – أَي: كَغُسْلِهَا مِنَ الجَنَابَةِ”(صحيح سنن أبي داود، الألباني)، هَذَا حُكمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فِيمَن خَرَجَت إِلَى المَسجِدِ مُتَعَطِّرَةً. فَمَاذَا يَكُونُ حُكمُهُ فِيمَن تَخرُجُ إِلَى عُرسٍ وَنَحوِهِ مُتَعَطِّرَةً؟! فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ. وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ، فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا، فَهِيَ زَانِيَةٌ» (صحيح الترغيب والترهيب: الألباني)
- مَشيُ المَرأَةِ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ: فعَنْ أَبِي أُسَيْدٍ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يَقُولُ – وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الـمَسْجِدِ، فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم لِلنِّسَاءِ -: «اسْتَأْخِرْنَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَاتِ الطَّرِيقِ». قَالَ: فَكَانَتِ الـمَرْأَةُ تَلتَصِقُ بِالجِدَارِ، حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ.(السلسلة الصحيحة: الألباني)، سُبْحَانَ اللَّهِ! بَادَرْنَ إِلَى تَنْفِيذِ أَمرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم، بَلْ بَالَغْنَ فِي ذَلِكَ.
- ألا يطرق العبد أبواب المساجد ولا يعرفها، إلا أن يرى مخلوقاً فيستحي منه, وأما حياءً من الله وخوفاً منه فلا تسل.
- من لا يعرف القرآن، بل إنه قد يحترم صورة فاجرةٍ، ويُكرمها، وهو بذلك يهين كتاب الله، ومع ذلك تجده غير مبالٍ.
- من أدخل في بيته الفضائيات, وعرضها في بيته فسمح لنفسه ونسائه وأبنائه بالنظر إلى مناظر الفجور وقتل الأخلاق وإثارة الشهوة والدعوة إلى الفحشاء والمنكر.
- ومن الصور المهمة في ذلك: ما ظهر في كثيرٍ من النساء من الخروج إلى الأسواق متطيبات متجملات لابسات لأنواع الحلي والزينة ومخالطتهن بالرجال الأجانب بحجاب رقيق وزينة فاتنة وطيب ذي رائحة فواحة, وعدم التستر والحجاب، لا يبالين بنظر الرجال إليهن، بل ربما يفتخرن بذلك، ومنهن من تغطي وجهها في الشارع وإذا دخلت المعرض كشفت عن وجهها وذراعيها عند صاحب المعرض؛ لتطمع الذي في قلبه مرض.
- تحدث المرأة بما يقع بينها وبين زوجها من الأمور الخاصة. وقد وصف النبي من يفعل ذلك بشيطان أتى شيطانه في الطريق والناس ينظرون, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عسى أحدكم يخبر بما صنع بأهله, وعسى إحداكن أن تخبر بما صنع بها زوجها” فقامت امرأة سوداء فقالت: يا رسول الله إنهم ليفعلون وإنهن ليفعلن, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا أخبركم بمثل ذلك مثل ذلك؟, كمثل الشيطان لقي شيطانة فوقع عليها في الطريق والناس ينظرون, فقضى حاجته منها, والناس ينظرون” (صحيح الترغيب والترهيب:الألباني)
- تبسط بعض النساء بالتحدث مع الرجل الأجنبي مثل البائع وتليين القول له وترقيق الصوت من أجل أن يخفض لها سعر البضاعة.
- تشبه النساء بالرجال, وكذلك تشبه الرجال بالنساء, وهذا فعل مستقبح تأباه الفطرة السليمة والذوق والحياء وحرمه الشرع ونهى عنه.
- لبس الملابس شديدة الضيق اللاصقة أو الملابس المفتحة من الأعلى والأسفل حتى وصلت إلى حدود العورات المغلظة.
- أكل أموال المسلمين, من يتامى وأرامل وخدم وعمال مع إنعام الله عليه بكثرة الأموال والخيرات.
- التاجر الذي يخدع الزبائن، ويدلس في السلع، ويكذب على الناس.
- استدانة الأموال الكثيرة من خلق الله ثم هو يماطل بعد ذلك في ردها مع قدرته على ذلك.
- من إذا خالط الناس أظهر لهم الحسن وما يحبونه منه ، وإذا خلى بربه أظهر له القبيح وانتهك حرمة ربه.
- من يُعامل الناس والأصحاب بمكارم الأخلاق ثم هو يبخل بها على والديه وزوجته وأولاده فلا يجدون منه إلا الفظاظة والغلظة.
- من أنعم الله عليه بالمال الكثير ثم هو يسخره في شهوات وملذات محرمة حتى إذا ما دعي للإنفاق في سبيل الله بخل وقتر على نفسه.
- من جاهر ربه بالتدخين, في مجامع الناس, ليكون معول هدم لأبناء المسلمين.
- من أضاع أبناءه في الحياة بلا تربية ولا خلق، ومن أضاعهم في الشوارع يخالطون من شاءوا ويصاحبون ما هب ودب من ذوي الأخلاق السيئة, ليسيحون في الأرض يؤذون المسلمين ويتبعون عوراتهم, أو يهددون حياتهم بالعبث بالسيارات.
- العشق والتعلق بغير الله, وما يُصاحب ذلك من المظاهر المنافية لمحبة الله عز وجل, وتقديره في القلب.
هذا قليل من كثير من مظاهر قلة الحياء على أرض الواقع، والذي حمل هؤلاء على النزول إلى هذه المستويات الهابطة هو ذهاب الحياء فـ(إذا لم تستح فاصنع ما شئت). فيا له من قبح عندما يُلْبس لباس الإيمان، ولباس التقوى، ولباس الفضيلة، فيستكبر المرء، وينزعه، ليلبس القبيح من كلِّ منكر من القول والعمل، ويتولى ويدبر إلى مستنقع الرذيلة والجحيم، وعند ما يُلبس لباس العلم بالله، فيستكبر، وينزعه، ويلبس لباس الجهل، والبهيمية. وعندما يستبعد لقاء الله، وهو منه قريب. فأين الحياء من الله عز وجل؟! فحريٌّ بالإنسان أنْ يلتفتُ إلى نفسه؛ ليستخرج منها العفن والوقاحة… إلى نعيم الطهر والنزاهة، إلى جنة الدنيا بالتقى، والعلم, وجنة الآخرة ..
وسائل اكتساب الحياء وتنميته:
يظن البعض أن الحياء أمر فطري لا يمكن اكتسابه أو تنميته, ويقول: ربنا خلقني هكذا، وهذا فهم مغلوط، فقد قال الإمام أبو حاتم-رحمه الله-: “الواجب على العاقل أن يعودِّ نفسه لزوم الحياء من الناس” (روضة العقلاء)، وقال الصنعاني-رحمه الله-: “والحياء وإن كان قد يكون غريزة فهو في استعماله على وفق الشرع يحتاج إلى اكتسابٍ, وعلمٍ, ونية؛ فلذلك كان من الإيمان” (سبل السلام ) ، ومن تلك الوسائل المعينة على اكتساب الحياء والتحلي به ما يلي:
أولاً: الدعاء: وهو سلاح المؤمن, فيلجأ إلى ربه، ليرزقه الحياء، ويصرف عنه سيء الأخلاق, وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعاء الاستفتاح: “واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت. واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت” (مسلم)، وكان يقول:”اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء”(الترمذي) ولا ريب أنَّ الحياء من الأخلاق الحسنة.
ثانياً: مراقبة الله تعالى في السر والعلن: ومن ثمَّ فيقوى الإيمان في القلب بزيادة الطاعات واجتناب المنكرات.قال ابن القيم-رحمه الله- عن الله عز وجل: “فإن العبد متى علم بنظره إليه, ومقامه عليه, وأنه بمرأى منه, ومسمع, وكان حيياً, استحيى من ربه أن يتعرض لمساخطه” (طريق الهجرتين)
ثالثاً: المحاسبة: وذلك بنقد النفس إذا ارتكبت ما يخلُّ بالحياء، وحملها على ألا تعود إليه مرة أخرى، مع أخذها بمبدأ الثواب، فإذا أحسنت أراحها، وأرسلها على سجيتها بعض الوقت في المباح. وإذا أساءت وقصَّرتْ أخذها بالحزم والجد، وحرمها من بعض ما تريد؛ فإن ذلك يؤدي إلى تعديل سلوك المرء نحو الأفضل.
رابعاً: التفكر بمعرفة الله عز وجل: وذلك من خلال أسمائه وصفاته التي تستوجب مراقبته, كالرقيب والشهيد والعليم والسميع والبصير، فإن أمعن وأكثر من ذلك نما في قلبه تعظيم الله عز وجل. قال حاتم الأصم: “تعاهد نفسك في ثلاث مواضع: إذا عملت: فاذكر نظر الله تعالى عليك, وإذا تكلمت: فانظر سمع الله منك, وإذا سكتَّ: فانظر علم الله فيك” (حلية الأولياء)
خامساً: النظر في عواقب التخلي عن الحياء: وذلك بتأمل ما يجلبه التخلي عنه من الأسف الدائم، والهم الملازم، والحسرة والندامة، والبغضة في قلوب الخلق؛ فذلك يدعو المرء إلى أن يقصر عن مساوئ الأخلاق، ويبعثه على التحلي به, والتلبس بمحاسن الأخلاق.
سادساً: الحذر من اليأس من إصلاح النفس: فهناك من إذا ابتلى بشيءٍ مما يُسيء الأخلاق وحاول التخلص منه فلم يفلح, أيس من إصلاح نفسه، وترك المجاهدة، وهذا الأمر لا يحسُن بالمؤمن القوي, بل ينبغي عليه أن يقوي إرادته، وأن يسعى لتكميل نفسه، وأن يجُدَّ في تلافي عيوبه؛ فكم من الناس من تبدلت حاله، وسمتْ نفسه، وقلتْ عيوبه, بسبب مجاهدته، وسعيه، وجده، ومغالبته لطبعه؟!.
سابعاً: شكر النعم : فإن نعم الله تعالى على عباده تترى، وأفضاله على خلقه لا تحص ، والله يقول: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (إبراهيم: 7)، وبالتالي فإنَّ الإنسان إذا تأمل في نعم الله عليه وتقلبه فيها, أدى ذلك إلى حياءه من الله-عز وجل-, قال ابن حجر-رحمه الله-:”وقد يتولد الحياء من الله تعالى من التقلب في نعمه, فيستحي العاقل أن يستعين بها على معصيته” (فتح الباري)
ثامناً: مداومة القراءة في فضائل الحياء, وما يُرغب فيه, وقراءة كتب الشمائل والأخلاق: فإنها تُنَبِّه الإنسان على مكارم الأخلاق، وتذكِّره بفضلها، وترديد ذلك في القلب, وجَمْعُ الهمة على تحصيله، والصبر ومجاهدة النفس على التحلي به دون مللٍ أو كللٍ.
تاسعاً: مخالطة الصالحين، والتخلق بأخلاقهم: قال مجاهد: “إنَّ المسلم لو لم يُصبْ من أخيه إلا أن حياءه منه يمنعه من المعاصي لكفاه” (البيهقي في شعب الإيمان). فالصداقة المتينة لا تحلُّ في نفسٍ إلا هذبت أخلاقها الذميمة، فإذا كان الأمر كذلك فحريٌّ بالمرء أن يبحث عن إخوان صدقٍ؛ يعينوه على كلِّ خير، ويقصروه عن كلِّ شر.
عاشراً: مطالعة سير الصالحين من القدوات الكبار: وعلى رأس الهرم سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: فإن إدامة النظر فيها يضع بين يدي قارئها أعظم صورة عرفتها الإنسانية، وأكمل هدي وخلق في حياة البشرية.
حادي عشر: علو الهمة: فعلو الهمة يستلزم الجد، ونشدان المعالي، والترفع عن الدنايا ومحقرات الأمور، ولا يزال بصاحبه يزجره عن مواقف الذل، واكتساب الرذائل، وحرمان الفضائل حتى يرفعه من أدنى دركات الحضيض إلى أعلى مقامات المجد والسؤدد، قال ابن القيم: “فمن علت همته, وخشعت نفسه اتصف بكل خُلقٍ جميل, ومن دنت همته, وطغت نفسه اتصف بكل خلقٍ رذيلٍ” (الفوائد)
ثاني عشر: الصبر: فالصبر من الأُسس التي يقوم عليها الخلق الحسن، فهو يحمل على الاحتمال، وكظم الغيظ، وكف الأذى، والحلم، والأناة، والرفق، وترك الطيش والعجلة.
ثالث عشر: العفة: فهي مما يحمل على اجتناب الرذائل من القول والفعل، من الفحش، والبخل، والكذب، والغيبة، والنميمة,…, وتحمل على الحياء وهو رأس كل خير. قال الغزالي-رحمه الله-: “وأما خلق العفة فيصدر منه السخاء والحياء والصبر والمسامحة والقناعة والورع واللطافة والمساعدة والظرف وقلة الطمع” (إحياء علوم الدين)
رابع عشر: تربية الأولاد على الحَيَاء: وقد تكلمنا عن ذلك بالتفصيل في خطبة أطفال الشوارع.
رزقنا الله وإياكم خلق الحياء.
الدعاء،،،، وأقم الصلاة،،،،،
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي