خطبة بعنوان: الأمن الغذائي، عقباته ووسائل تحقيقه، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 2 من ذي القعدة الموافق 5 أغسطس 2016هـ
خطبة بعنوان: الأمن الغذائي، عقباته ووسائل تحقيقه، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 2 من ذي القعدة الموافق 5 أغسطس 2016هـ.
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
عناصر الخطبة:
العنصر الأول: أهمية الأمن الغذائي في الإسلام
العنصر الثاني: عقبات الأمن الغذائي
العنصر الثالث: وسائل تحقيق الأمن الغذائي ( العلاج )
العنصر الرابع: دعوة إلى التراحم والتكافل والتعاون
المقدمة: أما بعد:
العنصر الأول: أهمية الأمن الغذائي في الإسلام
لقد اهتم الإسلام اهتماما بالغاً بقضية الأمن الغذائي للإنسان؛ لأن الغذاء به قوام النفس وبقائها؛ ولذلك كان حفظ النفس أحد الضرورات الخمس التي أوجب الشارع حفظها؛ يقول الإمام الشاطبي في الموافقات: ” ومجموع الضرورات خمس هي: حفظ الدين ، والنفس ، والنسل ، والمال، والعقل، هذه الضرورات إن فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة ، بل على فساد وتهارج ، وفوت حياة، وفي الآخرة فوت النجاة والنعمة، والرجوع بالخسران المبين.”أ.ه
ولقد لفت القرآن الكريم أنظار البشرية إلى أهمية الغذاء في حياة الأمم والشعوب ، وذلك من خلال ربطه بالأمن والاستقرار ؛ وقد تجلى ذلك المعنى من خلال سورة قريش، حيث امتن الله عز وجل على قريش بما أفاء عليهم من نعمة الأمن الغذائي؛ ونعمة الأمن والاستقرار ؛ {الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} (قريش : 4 )؛ وفي الجمع بين إطعامهم من جوع وأمنهم من خوف ، نعمة عظمى لأن الإنسان لا ينعم ولا يسعد إلا بتحصيل النعمتين هاتين معا ، إذ لا عيش مع الجوع ، ولا أمن مع الخوف ، وتكمل النعمة باجتماعهما . وجعل ذلك من النعم العظيمة التي تستحق الشكر والعبادة لله عز وجل ولا يجوز أن تقابل بالنكران.
ولم تغفل السنة النبوية ذكر أهمية الأمن الغذائي في حياة الأمة، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ركناً ثالثاً من أركان الحياة الآمنة المستقرة؛ فقال :” مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ؛ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ؛ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ؛ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا.” (الترمذي وابن ماجة )
كما تجلت نظرة الإسلام إلى الأمن الغذائي في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم من خلال أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإنشاء سوق خاص بالمسلمين وذلك عند قدومه المدينة ، حيث كان سوق المدينة محصورا بأيدي يهود ، مما يشكل تهديدا لأمن المسلمين الاقتصادي والغذائي، ومن ثم السياسي. وقد عمل الإسلام على وضع الأسس النظرية لتحقيق الأمن الغذائي من خلال حث النبي صلى عليه وسلم على الزراعة وإعمار الأرض وإحياء الموات من الأرض بالزراعة من خلال قوله: ” من أحيا أرضا مواتا فهي له ” ( أحمد والترمذي وصححه)، وقوله: ” إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليغرسها فله بذلك أجر” [ السلسلة الصحيحة – الألباني ]، فالأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي من الغذاء شرط لازم لحفظ كرامة الأمة وصيانة وحدتها وحماية ديارها ؛ ولدرء تحكم الأعداء في مقدراتها وتدخلهم في قرارتها وسياستها.
وتعد سورة يوسف – عليه السلام – من أكثر السور وضوحا ودلالة في عرض مسألة الأمن الغذائي، وقد تجلى ذلك في قصة سيدنا يوسف – عليه السلام- مع عزيز مصر والرؤيا التي رآها في منامه. فقد أشارت الآيات الكريمة إلى أهمية حفظ الغذاء وتخزينه بطرق مناسبة تمنع فساده، وإلى أهمية الإنتاج الزراعي في توفير الأمن الغذائي، وإلى ضرورة ترشيد الاستهلاك الغذائي، وعدم الإسراف به بما يتلاءم واحتياجات السكان ، وبما يمنع حدوث مجاعة ونقص الغذاء، ووفق خطة مدروسة لاستهلاك المخزون الغذائي على مدى سنوات القحط والجفاف: { قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} (يوسف : 47 – 49 ). وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى السبق الحضاري والإعجاز العلمي في الآيات المذكورة، إذ – قصة يوسف أشارت إلى حفظ القمح في سنبله . وقد دلت الدراسات العلمية الحديثة أن الحفظ هذه الطريقة يعد من أكثر الوسائل نجاحا ونجاعة في حفظ القمح ، حيث تعمل القشور المحيطة بحبوب القمح في السنبلة على منع مهاجمته من قبل الحشرات الضارة والمؤثرات الجوية الخارجية.
العنصر الثاني: عقبات الأمن الغذائي
عباد الله: إن من ينظر حوله في المجتمع الذي يعيش فيه يجد غلاء فاحشاً وارتفاعاً في الأسعار في كل مجالات الحياة؛ وهذا بلا شك له أثره السيئ على الأمن الغذائي في المجتمع؛ ونحن في هذا العنصر إن شاء الله نطوف حول أسباب وعقبات هذا الغلاء والتي تتمثل فيما يلي:
أولاً: كثرة الذنوب والمعاصي: فالمعاصي والذنوب وارتكاب المحرمات لها أثرها السيئ في حجب النعم والبركات عامة ؛ وقد تضافرت نصوص القرآن والسنة وأقوال سلف الأمة في ذلك؛ فقد كان الحسن البصري -رحمه الله- إذا رأى السحاب قال: في هذه والله رزقكم، ولكنكم تحُرمونه بخطاياكم وذنوبكم. قال تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات:22]، فالرزق المطر، وما توعدون به الجنة، وكلاهما في السماء. ويقول أبو هريرة رضي الله عنه : إن الحباري – نوع من الطيور – لتموت في وكرها من ظلم الظالم . وقال مجاهد رحمه الله : إن البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السَنَة – أي : القحط – وأمسك المطر , وتقول : هذا بشؤم معصية ابن آدم .
وقال عكرمة رحمه الله : دواب الأرض وهوامها ، حتي الخنافس ، والعقارب يقولون : مُنعنا القطر بذنوب بني آدم .
ولذلك كان المسلمون على تعاقب العصور والأزمان ينظرون إلى تأخر المطر وقحط السماء وجدب الأرض على أنه نوع من العقوبة الإلهية بسبب الذنوب والمعاصي والسيئات فيبادرون إلى التوبة والإنابة إلى الله.
فكما أن تقوى الله مجلبة للرزق فترك التقوى مجلبة للفقر ، فما استجلب رزق الله بمثل ترك المعاصي؛ ويدل على ذلك قَول رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ “( أخرجه أحمد وابن ماجة والحاكم وصححه )
وما أجمل مقولة عبد الله بن عباس: إن للحسنة ضياءً في الوجه ، ونورا في القلب ، وسعة في الرزق ، وقوة في البدن ، ومحبة في قلوب الخلق ، وإن للسيئة سوادا في الوجه ، وظلمة في القبر والقلب ، ووهنا في البدن ، ونقصا في الرزق ، وبغضة في قلوب الخلق . وقال بعض السلف : إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي ، وامرأتي ( انظر كتاب: الداء والدواء لابن القيم )
أحبتي في الله: ما من شرٍّ في العالم ، ولا نقص في الأموال والثمرات، إلا وسببه المعاصي والمخالفات ، كما أنه ما من خيرٍ في العالم ورغد في الأموال والثمرات، إلا وسببها طاعة الله تعالى وإقامة دينه .
فكم من نعم ذهبت يوم اقترفت المعاصي؟! وكم حُرم الناس من خير عميم من ذنب فاسق أثيم، يجري الغمام فوق الديار، فلا ينزل عليهم الغيث المدرار؛ لما كسبته قلوبهم من الأخطال، فذاقوا من أمرهم الوبال!!.
إذا كنت فِي نعمة فارعها *** فإن المعاصي تزيل النعم
وحطها بطاعة رب العباد *** فرب العباد سريع النقم
قال -تعالى-: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41]، والله -تعالى- يبتلي عباده ببعض ما كسبت أيديهم لكي ينتبهوا ويراجعوا أنفسهم.
ثانياً: منع الزكاة: فمن ينظر إلى المجتمع يجد فيه فقراء ومعدمين؛ وبؤساء ومجروحين؛ وأصحاب شدة مهضومين؛ وضعفاء مهمَّشين؛ ويجد أن الخلل يكمن في منع الزكاة؛ لأن الغني منع حق الفقير ؛ فعن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم؛ ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا وعروا إلا بما يضيع أغنياؤهم ألا وإن الله يحاسبهم حسابا شديدا ويعذبهم عذابا أليما”. (الطبراني في الأوسط والصغير والبيهقي موقوفا )
فكيف يتحقق الأمن الغذائي وقد منع الغني حق الفقير وضن وبخل به؟!!! إن الغني لو منع حق الفقير – المقرر شرعاً ليس منحة ولا تفضلاً- لازداد الغني غنيً والفقير فقراً، واختل التوازن في المجتمع. لذلك قال على رضي الله عنه – أيضاً-: ” ما رأيت نعمة موفورة إلا وإلى جانبها حق مضيّع”، وكما قال الشيخ الشعراوى رحمه الله: ” إذا رأيت فقيراً في بلاد المسلمين .. فاعلم أن هناك غنياً سرق ماله”؛ وقال عمر : “ما تمتع غنيٌّ إلا من جوع فقير”.
أيها المسلمون: والله الذي لا إله غيره؛ لو أن كل غنيٍّ اتقى الله وأخرج زكاته ما وجدت فقيراً في بلاد المسلمين!!!
ثالثاً: البطالة وعدم الأخذ بالأسباب: فكثير من الناس يقعد في بيته وينتظر الرزق مع أنه لم يأخذ بالأسباب ولم يسع عليه فكيف يأتيه؟!! لذلك رأى عمر رضي – رضي الله عنه- قومًا قابعين في رُكن المسجد بعدَ صلاة الجمعة، فسألهم: من أنتم؟ قالوا: نحن المُتوَكِّلون على الله، فعَلاهم عمر رضي الله عنه بدِرَّته ونَهَرَهم، وقال: لا يَقعُدنَّ أحدُكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، وقد علِمَ أن السماءَ لا تُمطِرُ ذهبًا ولا فضّة، وإن الله يقول: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ} (الجمعة: 10).” وقد كان عرَاك بن مالك رضي الله عنه إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد، فقال: اللهم إني أجبتُ دعوتَك، وصليتُ فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك، وأنت خير الرازقين.” ( تفسير ابن كثير )
وروى ابن أبي الدنيا في “التوكل” بسنده عن معاوية بن قرة، أن عمر بن الخطاب، لقي ناسا من أهل اليمن، فقال : من أنتم؟ قالوا : نحن المتوكلون. قال : بل أنتم المتكلون، إنما « المتوكل الذي يلقي حبه في الأرض، ويتوكل على الله ». وكان سفيانُ الثوريّ رحمه الله يمُرُّ ببعض الناس وهم جلوسٌ بالمسجدِ الحرام، فيقول: ما يُجلِسُكم؟ قالوا: فما نصنَع؟! قال: اطلُبوا من فضلِ الله، ولا تكونوا عيالاً على المسلمين.
رابعاً: توجيه المخترعات والآلات للهلاك والدمار: فقد أنعم الله على الإنسان بمخترعات حديثة؛ ولكن الإنسان يستخدم هذه المخترعات في التخريب والتدمير والفساد والإفساد وهلاك النفس والبلاد والعباد؛ يقول الإمام أبو الحسن الندوي في كتابه ( ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ) :” وقد أصبحت هذه المخترعات والمكتشفات الجديدة – مما كانت تعود على النوع الإنساني بخير كبير لو كان مستعملها يعرف الخير ويقدر أن يتجه إليه – أصبحت وضررها أكبر من نفعها، وكان كما قال القرآن عن السحر: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ} . انظر إلى الطيارة التي تحلق في السماء يخيل إليك أن صانعيها كانوا في علمهم ولباقتهم وصناعتهم فوق البشر، والذي طاروا عليها أولاً لاشك أنهم كانوا في علو همتهم وعزمهم وجرأتهم أبطالاً مغاوير، ولكن انظر الآن إلى المقاصد التي استعملت لها الطيارة وتستعمل لها في المستقبل، إنما هي قذف القنابل وتمزيق جثث الإنسان وخنق الأحياء وإحراق الأجساد وإلقاء الغارات السامة، وتقطيع المستضعفين الذي لا عاصم لهم من هذا الشر إرْباً إرباً، وهذه إما مقاصد الحمقى أو الشياطين”.أ.ه فالنعم والمخترعات وجميع الآلات والأجهزة الحديثة لو استخدمت في صالح الإنسان لتحقق الخير الوفير والأمن الغذائي والاقتصادي؛{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} (هود: 101)
خامساً: التلاعب بأقوات الناس بطرق غير مشروعة : فكثير من التجار ماتت ضمائرهم وانتزعت الرحمة من قلوبهم؛ فهم يتلاعبون بأقوات الناس بالطرق المحرمة التي نهى عنها الشارع الحكيم؛ كالربا والاحتكار والنجش والغش والتدليس وبيع الرجل على بيع أخيه والسوم على سومه والجلب وتلقي الركبان وبيع العينة والملامسة والحصاة والتصرية ….إلخ؛ وغير ذلك من البيوع المحرمة والمنهي عنها؛ وحكم هذه البيوع وصورها مبسوط في كتب الفقه ولا يتسع المقام لذكرها في هذه الوريقات والدقائق المعدودة؛ وقد حرم الإسلام هذه البيوع لما فيها من الغرر والجهالة والتدليس والخداع وإهدار للأمن الغذائي وأكل أموال الناس بالباطل؛ قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}(النساء: 29) .
عباد الله: لقد تبيَّنَ أن تلك المعاملات المحرمة التي بدأت تدب في الناس من غلاء واحتكار للسلع غالبها من ضعف الإيمان وكثرة التعامل بالطرق المحرمة، وحب الدنيا، وإيثارها على العاجلة، وأنا أقول لمن يقع في ذلك: كم ستعيش في الدنيا؟ وكم ستملك؟ وإلى متى التمتع بملذاتها؟ أليست لك نهاية؟ أليس لك لقاء بملَك الموت؟ ألا تعلم أنك ستقف بين يدي رب العالمين فيجازيك بما فعلت؟ فلْيتَّقِ الله كُلُّ مَن تُسوِّل له نفسه احتكار السلع ورفع أسعارها؛ وليعلموا أنه لن تنفعهم أموالهم ولا أملاكهم فتمنع عنهم عقاب الله، وليعلموا أنهم موقوفون بين يدي خالقهم فيسألهم عن كل ما جمعوه، أهو مِن حلال أم مِن حرام؟!
ولا شك أن مقصد الإسلام من تحريم هذه البيوع المحرمة هو أن تحل الرحمة مكان الغلظة والظلم ، ويحل التعاطف والتآزر والإيثار مكان الأنانية والجشع والطمع ، حتى يعيش المجتمع في ضوء القيم الأخلاقية والتعاليم الإلهية فينعم ويصفو ، ويعم الخير والرفاه جميع أفراده.
أيها المسلمون: أختم هذا العنصر بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي جمع أسباب وعقبات الأمن الغذائي السابق ذكرها كلها؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا؛ وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ؛ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا؛ وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ؛ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ” ( البيهقي والحاكم وصححه الألباني)؛ فهل يعي المسلمون معنى هذا الحديث العظيم في أحوالهم التي يعيشونها الآن ويعودوا إلى رشدهم ويبتعدوا عن طرق الكسب المحرمة؟!
العنصر الثالث: وسائل تحقيق الأمن الغذائي ( العلاج )
أحبتي في الله: هناك عدة وسائل لتحقيق الأمن الغذائي وحل أزمة غلاء الأسعار والاحتكار ؛ وتحقيق مجتمع الكفاية والأمن وهذه الوسائل تتمثل فيما يلي :-
أولاً: تشديد الرقابة على الأسواق: فعلى الجهات المعنية في الدولة والتي تعرف في الشرع ( بالحسبة ) أن تعمل على مراقبة الأسواق ومحاسبة كل من يتلاعب بأقوات الناس والسلع الغذائية سواء بالغش أو الاحتكار أو الاستغلال أو الطرق المبتكرة الأخرى.
ونظرًا لأهمية الحِسبة والمراقبة على الأسواق، وما يترتَّب على ذلك من إشاعة التعامُل بالمعاملات الشرعية الصحيحة، ومَنْع التعامُل بالمعاملات المحرَّمة، فقد كان أئِمَّة الصدر الأول يُبَاشِرُونَها بِأَنْفُسِهم لعموم صلاحها، وجزيل ثوابها ؛ بل باشرها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، فقد أخرج مسلم، في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَرَّ على صُبْرَةِ طعام، فأدْخَل يَدَهُ فيها، فنالت أصابعُهُ بَللاً، فقال: ” ما هذا يا صاحبَ الطعام؟!”، قال: أصابَتْهُ السماءُ يا رسول الله، قال: ” أفلا جعلتَه فوقَ الطعام كي يراه الناس، من غَشَّ فليس مِنِّي”.
وأخرج عبدالرزَّاق – رحمه الله – في “مصنَّفه” عن عمرو بن شُعيب – رحمه الله -: قال: وجد عمر بن الخطاب حاطب بن أبي بَلْتَعَةَ يبيع الزبيب بالمدينة، فقال: كيف تبيع يا حاطبُ، فقال: مُدَّيْن، فقال تبتاعون بأبوابنا وأفنِيَتِنا وأسواقنا، تقطعون في رقابنا، ثم تبيعون كيف شِئْتُمْ، بِعْ صاعًا وإلا فلا تَبِعْ في سوقنا، وإلا فسيروا في الأرض واجلبوا، ثم بيعوا كيف شئتم .
والشاهد من ذلك أن عمر رضي الله عنه كان يدخل السوق، ويتفَقَّدُ أحوال الباعة، ويُراقب الأسعار، ولذا فقد مَنَعَ حاطبًا أن يبيع بثمنٍ أعلى مما يبيع به الناس، وذلك أن حاطبًا رضي الله عنه كان يبيع مُدَّيْن بدرهم، فأمره أن يبيع صاعًا بدرهم .
ثانياً: الأخذ بالبدائل وقت الغلاء: ومعنى ذلك أن السلعة إذا غلا سعرها غلاءً فاحشاً ذهبنا إلى البديل الأرخص ؛ فإذا انصرف الناس عنها رخص سعرها ؛ لأن السوق عرض وطلب ؛ وهذا له أصل في الشرع؛ فقد جاء في الأثر أن الناس في زمن الخليفة عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – جاؤوا إليه وقالوا: نشتكي إليك غلاء اللحم فسعّره لنا، فقال: أرخصوه أنتم؟ فقالوا: نحن نشتكي غلاء السعر واللحم عند الجزارين، ونحن أصحاب الحاجة فتقول: أرخصوه أنتم؟ فقالوا: وهل نملكه حتى نرخصه؟ وكيف نرخصه وهو ليس في أيدينا؟ فقال قولته الرائعة: اتركوه لهم. بل إن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – يطرح بين أيدينا نظرية أخرى في مكافحة الغلاء، وهي إرخاص السلعة عبر إبدالها بسلعة أخرى؛ فعن رزين بن الأعرج مولى لآل العباس، قال: غلا علينا الزبيب بمكة، فكتبنا إلى علي بن أبي طالب بالكوفة أن الزبيب غلا علينا، فكتب أن أرخصوه بالتمر أي استبدلوه بشراء التمر الذي كان متوافراً في الحجاز وأسعاره رخيصة، فيقلّ الطلب على الزبيب فيرخص؛ وإن لم يرخص فالتمر خير بديل.
ثالثاً: التوبة والاستغفار: فقعد عرفنا في عنصرنا السابق أن ما أحل بالعباد والبلاد من غلاء ووباء سببه المعاصي والذنوب والآثام؛ والتوبة والإقلاع عن هذه الذنوب والمعاصي؛ والإنابة إلى الله مع الاستغفار واللجوء إلى الله رب العالمين بالدعاء في خشوع وتضرع وانكسار واضطرار من أسباب رخاء البلاد وتوفير الأمن الغذائي ونزول الغيث من السماء والإمداد بالأموال والبنين وجريان الأنهار والبركة في ذلك.
فقد جاء رجل إلى الحسن البصري فقال له : إن السماء لم تمطر !! فقال له الحسن البصري : استغفر الله. ثم جاء رجل آخر فقال له : اشكوا الفقر!! فقال له الحسن البصري: استغفر الله. ثم جاء ثالث فقال له: امرأتي عاقر لا تلد!! فقال له الحسن البصري : استغفر الله. ثم جاء رابع فقال له أجدبت الأرض فلم تنبت !! فقال له الحسن البصري : استغفر الله. فقال الحاضرون للحسن البصري : عجبنا لك أو كلما جاءك شاك قلت له استغفر الله؟! فقال لهم الحسن البصري ما قلت شيء من عندي وقرأ قوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}(نوح 10- 12 )
رابعاً: ملازمة الإيمان والتقوى: فقد علق الله عز وجل البركة في الرزق ورغد العيش وتحقيق الأمن الغذائي بالإيمان والتقوى فقال تعالى : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (الأعراف: 96)
قال ابن كثير : ” قوله تعالى: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا } أي: آمنت قلوبهم بما جاءتهم به الرسل، وصدقت به واتبعته، واتقوا بفعل الطاعات وترك المحرمات، { لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ } أي: قطر السماء ونبات الأرض.” أ.ه
وقال – أيضاً – عن أهل الكتاب من اليهود والنصارى: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} (المائدة : 65 ؛ 66) يقول ابن كثير :” وقوله: { لأكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ } يعني بذلك كثرة الرزق النازل عليهم من السماء والنابت لهم من الأرض. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: { لأكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ } يعني: لأرسل السماء عليهم مدرارًا، { وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ } يعني: يخرج من الأرض بركاتها.” أ.ه
خامساً: صلة الرحم: فإن صلة الرحم تزيد في الرزق وتجعل البركة في العمر؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:” مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ”. ( البخاري ) وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ مِنْ وَجْه آخَر عَنْ أَبِي هُرَيْرَة ” إِنَّ صِلَة الرَّحِم مَحَبَّة فِي الْأَهْل ، مَثْرَاة فِي الْمَال ، مَنْسَأَة فِي الْأَثَر “؛ وترتب السعة في الرزق على صلة الرحم فلأنه بالصلة يستجلب محبتهم ومودتهم فيعاونونه على كسب الثروة فتزداد ؛ وينفي بالصلة عداوتهم التي إذ شغل بها استنفدت كثيرا من وقته يتعطل فيه عن ابتغاء الرزق.
العنصر الرابع: دعوة إلى التراحم والتكافل والتعاون
عباد الله : عليكم بالتراحم والتكافل والتعاون؛ ولنا القدوة في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم والذين تشبعوا من هذه القيم النبيلة من مدرسة المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ فقد حدث غلاء في زمن أبي بكر رضي الله عنه وكان عثمان ذو النورين يملك قافلة تجارية كاملة وأنفقها كلها لصالح الفقراء والمعدمين ؛ ” فعن ابن عباس قال: قحط الناس في زمان أبي بكر، فقال أبو بكر: لا تمسون حتى يفرج الله عنكم. فلما كان من الغد جاء البشير إليه قال: قدمت لعثمان ألف راحلة براً وطعاماً، قال: فغدا التجار على عثمان فقرعوا عليه الباب فخرج إليهم وعليه ملاءة قد خالف بين طرفيهما على عاتقه فقال لهم: ما تريدون؟ قالوا: قد بلغنا أنه قد قدم لك ألف راحلة براً وطعاماً، بعنا حتى نوسع به على فقراء المدينة، فقال لهم عثمان: ادخلوا. فدخلوا فإذا ألف وقر قد صب في دار عثمان، فقال لهم: كم تربحوني على شرائي من الشام؟ قالوا العشرة اثني عشر، قال: قد زادوني، قالوا: العشرة أربعة عشر، قال: قد زادوني. قالوا: العشرة خمسة عشر، قال: قد زادوني، قالوا: من زادك ونحن تجار المدينة؟ قال: زادني بكل درهم عشرة، عندكم زيادة؟ قالوا: لا!! قال: فأشهدكم معشر التجار أنها صدقة على فقراء المدينة قال عبد الله بن عباس: فبت ليلتي فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم في منامي وهو على برذون أشهب يستعجل؛ وعليه حلة من نور؛ وبيده قضيب من نور؛ وعليه نعلان شراكهما من نور، فقلت له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد طال شوقي إليك، فقال صلى الله عليه وسلم: إني مبادر لأن عثمان تصدق بألف راحلة، وإن الله تعالى قد قبلها منه وزوجه بها عروسا في الجنة، وأنا ذاهب إلى عرس عثمان.”( الرياض النضرة في مناقب العشرة للمحب الطبري)؛ فعثمان رضي الله سنحت له الفرص في الاحتكار والاستغلال وحاجة الناس؛ ومع ذلك آثر ما عند الله عز وجل والتراحم والتكافل؛ فأين التجار والمحتكرون من هذه القيم النبيلة ؟!!
وهناك أمثلة أخرى في التكافل والتراحم، فعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ:” النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ؛ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ.” (متفق عليه)؛ وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:” بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ قَالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ؛ وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ. قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ.” (مسلم)
أختم هذا العنصر بهذه الصورة النبيلة الرحيمة لذي النورين عثمان رضي الله عنه الذي يسعى إلى الجنة عن طريق التراحم والتكافل ؛ ” فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال من يشتري بئر رومة يوسع بها على المسلمين وله الجنة ؟ قال: فاشتراها عثمان بن عفان رضي الله عنه من يهودي بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وسبلها للمسلمين؛ وكان اليهودي يبيع ماءها . وفي الحديث أن عثمان رضي الله عنه اشترى منه نصفها باثني عشر ألفا ؛ ثم قال لليهودي اختر إما أن تأخذها يوما وآخذها يوما وإما أن تنصب لك عليها دلوا وأنصب عليها دلوا ؛ فاختار يوما ويوما ؛ فكان الناس يستقون منها في يوم عثمان لليومين ؛ فقال اليهودي: أفسدت عليَّ بئري فاشتر باقيها ؛ فاشتراه بثمانية آلاف ” ( زاد المعاد لابن القيم ) تخيلوا يا عباد الله أنه لا يوجد بئر ولا ماء للمسلمين غير هذه ؛ وكان عثمان رضي الله عنه قادرا على احتكارها وحده؛ ولكنه مثالٌ للتراحم والتعاون والتكافل؛ وتخيلوا لو أن هذه البئر في أيدي أحد المحتكرين الجشعين وحده في هذا الزمان؛ ماذا كان يفعل بالمسلمين ؟!!
فأنت ترى من خلال هذه النصوص التي ذكرت أن المسلمين كلهم كالفرد الواحد وكالجسد الواحد؛ تسعد الأعضاء كلها بسعادته وتحزن لحزنه، فعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :”مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى”(مسلم).
وعَنْ أَبِي مُوسَى؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ.” (متفق عليه)؛ وهنا تصوير بلاغي للتضامن بين أفراد المجتمع صوره لنا النبي صلى الله عليه وسلم ؛ حيث شبه الأفراد باللبن في الجدار؛ وشبه المادة التي تمسك اللبن وتشد بعضه بعضا وهي ( الأسمنت المخلوط بالرمل – المونة ) بالعلاقات والتضامن الذي بين أفراد المجتمع؛ فإذا فسدت المادة التي تمسك البنيان وتشده فلا شك أن مصيره إلى زوال وانهيار وهدم ؛ وكذلك العلاقات الإنسانية والأخلاقية والتضامن بين أفراد المجتمع إذا فسدت فإن المجتمع مصيره كذلك إلى زوال وانهيار وهدم!!!
نسأل الله أن يرزقنا الرزق الحلال وأن يبارك لنا فيه؛ وأن يرفع عنا الغلاء والوباء ؛ وأن ينزل علينا الأمن والرخاء ؛؛؛؛؛؛؛؛
الدعاء،،،، وأقم الصلاة،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامي
د / خالد بدير بدوي