خطبة الجمعة للدكتور محمد حرز “مخاطر الطلاق”
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : “مخاطر الطلاق” ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 10 رجب 1443هـ، الموافق 11 فبراير 2022م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 11 فبراير 2022م بصيغة word بعنوان : “مخاطر الطلاق” ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 11 فبراير 2022م بصيغة pdf بعنوان : “مخاطر الطلاق” ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 11 فبراير 2022م بعنوان : “مخاطر الطلاق”.
أولًا: الأسرةُ سكنٌ ومودةٌ.
ثانيــــًا : حُلُولٌ لِلمَشَاكِلِ الزَّوْجِيَّةِ قَبْلَ الطلاقِ.
ثالثــــًا: أضرارُ الطلاقِ على الفردِ والمجتمعاتِ .
رابعًا : يامَن تريدُ الطلاقَ تمهلْ قليلاً.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 11 فبراير 2022م بعنوان : “مخاطر الطلاق” : كما يلي:
خطبةُ الجمعةِ القادمةِ بعنوان: مخاطرُ الطلاقِ د. محمد حرز بتاريخ: 10 رجب 1443هــ– 11 فبراير2022م
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَهْدِيهِ ،وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾(البقرة: 229) ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ القائلُ كما في حديثِ ثوبانَ رضي اللهُ عنه قال: قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم:
” أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ” (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ) فاللهم صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلهِ وأصحابِهِ الأطهارِ الأخيارِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ، وَسَلِّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا. أما بعد …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّهَا الأخيارُ بتقوىَ العزيزِ الغفارِ{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}(الحشر: 18( ثم أمَّا بعدُ :(( مخاطرُ الطلاقِ )) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا.
عناصرُ اللقاءِ:
أولًا: الأسرةُ سكنٌ ومودةٌ.
ثانيــــًا : حُلُولٌ لِلمَشَاكِلِ الزَّوْجِيَّةِ قَبْلَ الطلاقِ.
ثالثــــًا: أضرارُ الطلاقِ على الفردِ والمجتمعاتِ .
رابعًا : يامَن تريدُ الطلاقَ تمهلْ قليلاً.
أيُّها السادةُ: بدايةً ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلي أنْ يكونَ حديثُنَا عن الطلاقِ ومخاطرهِ وخاصةً ونحن نعيشُ زمانًا تفتّتْ فيه الكثيرُ مِن الأُسَرِ، بل وتعيشُ في تعاسةٍ وشقاءٍ بسببِ بُعدِهَا عن منهجِ ربِّهَا وسنةِ نبيِّهَا صلى اللهُ عليه وسلم وخاصةً وقد انتشرَ الطلاقُ بصورةٍ مفزعةٍ ومخيفةٍ على مرأىَ ومسمعٍ للجميعِ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ وخاصةً وأنَّ رئيسَ جهازِ الإحصاءِ بمصرَ قال :
حالةُ طلاقٍ كلُّ دقيقتين في مصرَ.. وأكثرُ مِن عشرةِ آلافِ خلعٍ في العامِ، سلِّمْ يا ربِّ سلِّمْ، خرابٌ ودمارٌ وهلاكٌ وخزيٌ وعارٌ وانحرافٌ وانحطاطٌ ما بعدَهُ انحرافٌ وانحطاطٌ في كيانِ الأسرةِ المسلمةِ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهٍ ……وللهِ درُّ القائلِ
متى يبلغُ البنيانُ يومًا تمامَهُ *** إذا كنتَ تبنيهِ وغيركُ يَهدمٌ
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة
أولًا: الأسرةُ سكنٌ ومودةٌ:
أيُّها السادةُ: لقدْ امتنَّ اللهُ جلَّ وعلَا على عبادِهِ بنعمٍ كثيرةٍ لا تُحصَى، قال ربُّنَا:(( وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا)) [سورة النحل:18]، ومن أجلِّ هذه النعمِ: نعمةُ اجتماعِ الأسرةِ، فهو سبحانَهُ جلَّ شأنُهُ يعلمُ أنّ حياةَ المجتمعِ لا تقومُ إلا بالأسرِ، فشرعَ لنا الزواجَ قالَ جلَّ وعلا: ((وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)) [سورة الروم:21]، وحثَّنَا النبيُّ المختارُ صلَّى اللهُ عليه وسلم على الزواجِ؛ لبناءِ الأسرةِ كما في حديثِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
“يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ” (متفق عليه) ،وقَالَ صلى اللهُ عليه وسلم:))النِّكَاحُ سُنَّتِي فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي(((رواه ابن ماجه)،فالْأُسْرَةُ الصَّالِحَةُ تُبْنَى عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ فبالمودةِ والرحمةِ بنَى النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم أسرتَهُ المستقرةَ الهانئةَ، أبِي هو وأمِّي صلَّى اللهُ عليه وسلم ، لذا بيَّنَ نبيُّنَا صلَّى اللهُ عليه وسلم أنّ الأسرةَ هي أولَى الناسِ بالخيرِ والكرمِ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلم كما في حديثِ عبدِ اللهِ بن عباسٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم:
“خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي“(أخرجه أبو داود والترمذي)، وعن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه قالَ: قالَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم: (( أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ)))أَخْرَجَهُ الترمذي و أَحْمَدُ). فكان صلى اللهُ عليه وسلم جميلَ العشرةِ، دائمَ البشرِ، يتلطفُ بأهلهِ، صلَّى اللهُ وسلمَ على مَنْ علَّمَ الدنيا الحبَّ والمودةَ والسكنَ والألفةَ. فالأسرةُ هي اللبنةُ الأولى في بناءِ المجتمعِ إذا صلحتْ صلحَ المجتمعُ كلُّهُ، وإذا فسدتْ فسدَ المجتمعُ كلُّهُ فهي كالقلبِ بالنسبةِ للجسدِ إذا صلحَ القلبُ صلحَ الجسدُ كلُّهُ، وإذا فسدَ القلبُ فسدَ الجسدُ كلُّهُ، فكذلك الأسرةُ.
لذا اهتم دينُنَا الحنيفُ بالأسرةِ اهتمامًا كبيرًا
ودعَا إلى تقويتِهَا، ودوامِ ترابطِهَا؛ لتكونَ أسرةً متماسكةً سعيدةً، ينعمُ أفرادُهَا من أبٍّ وأمٍّ وأولادٍ ومَن يعيشُ معهم مِن الأقاربِ والأرحامِ بالمحبةِ والوئامِ، مِنْ أَجْلِ بِنَاءِ مُجْتَمَعٍ مُسْلِمٍ عَلَى أُسُسٍ سَلِيمَةٍ، وَأَمَرَ بِالمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ بَيْنَ الزَّوْجَينِ، مَعَ تَحَمُّلِ كُلِّ طَرَفٍ مَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَحَمَّلَهُ مِنْ مُنَغِّصَاتِ الْحَيَاةِ مِنَ الطَّرَفِ الآخَرِ، قَالَ تَعَالَى:
﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ (البقرة: 228) فَحَثَّ الإِسْلَامُ عَلَى المُعَاشَرَةِ الحَسَنَةِ، وَأَنْ يَتَحَمَّلَ الرَّجُلُ اِعْوِجَاجَ الْمَرْأَةِ، كَمَا فِي الحَدِيثِ: “الْمَرْأَةُ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ أَعْوَجَ، وَإِنَّكَ إِنْ أَقَمْتَهَا كَسَرْتَهَا، وَإِنْ تَرَكْتَهَا تَعِشْ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌ“رَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
وَأَلْزَمَ الإِسْلَامُ الْمَرْأَةَ بِطَاعَةِ الزَّوْجِ بِالمَعْرُوفِ، فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ“(رواه أحمد) وَنَهَى النبيُّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المَرْأَةَ أَنْ تَطْلُبَ مِنْ زَوْجِهَا الطَّلَاقَ دُونَ أَسْبَابٍ أَوْ مُبَرِّرَاتٍ شَرْعِيَّةٍ، فَعَلَى الْمَرْأَةِ أنْ تصبرَ عَلَى الزَّوْجِ، وَأنْ لا تتسرعَ بِطَلَبِ الطَّلَاقِ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
“أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ” رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.قَالَ الشَّوْكَانِي:
وفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سُؤَالَ الْمَرْأَةِ الطَّلَاقَ مِنْ زَوْجِهَا مُحَرَّمٌ عَلَيْهَا تَحْرِيمًا شَدِيدًا، وَكَفَى بِذَنْبٍ يَبْلُغُ بِصَاحِبِهِ إلَى ذَلِكَ الْمَبْلَغِ مُنَادِيًا عَلَى فَظَاعَتِهِ وَشِدَّتِهِ .وعن ثوبانَ مولى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم قالَ: قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّم-“الْمُخْتَلِعَاتُ وَالْمُنْتَزِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ “(رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ).
واللهِ الذي لا إلهَ إِلّا هو ما خربتْ الأسرُ وتفككتْ إِلّا أنَّها أَعرضَتْ عن منهجِ اللهِ وسنةِ نبيِّهَا صلى اللهُ عليه وسلم وصدقَ ربُّنَا إذْ يقولُ:) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى )(سورة طه : 125 )فمَن اتبعَ منهجَ اللهِ سعدَ في دنياهُ وسعدَ في أُخراهُ، ومَن أعرضَ عن منهجِ اللهِ وعصَى مولَاهُ شقِيَ في دنياهُ، وهلَكَ في أُخراه.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة
ثانيــــًا : حُلُولٌ لِلمَشَاكِلِ الزَّوْجِيَّةِ قَبْلَ الطلاقِ:
أيُّها السادةُ: اعلمُوا أنَّ الاسلامَ لم يجعلْ الطلاقَ الحلَّ الأولَّ للمشاكلِ الزوجيةِ بل هو آخرُ الحلولِ وفي حدودٍ ضيقةٍ للغايةِ وليس معنى أنّ الفقهاءَ وضعُوا كتابَ الطلاقِ بعدَ كتابِ النكاحِ في الفقهِ الإسلامِي: أنَّ الطلاقَ هو الحلُّ، لا يا سادةٌ بل وَضَعَ الإِسْلَامُ حُلُولًا لِلمَشَاكِلِ الزَّوْجِيَّةِ قَبْلَ الاِنْفِصَالِ، وَمِنْ أَهَمِّهَا على سبيلِ المثالِ لا الحصر :
إذا كان النشوزُ من ناحيةِ الزوجةِ فعلى الزوجِ أنْ يبدأَ بوعظِهَا.
إذا كان النشوزُ من ناحيةِ الزوجِ فحثَّنَا الإسلامُ ونبيُّ الاسلامِ على الصلحِ والتصالحِ قال اللهُ: ((وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا )) (النساء:128)
فإنْ لم تنتهِ المشاكلُ والخلافاتُ فيُحَكَّمُ العقلاءُ في الدينِ والفهمِ والحكمةِ من أهلِ الزوجينِ، كما قالَ ربُّنَا: (( وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) {(النساء:35)
وَجَعَلَتْ الشَّرِيعَةُ الإِسْلَامِيَّةُ الطَّلَاقَ آخَرَ الحُلُولِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ
وَجَعَلَتْهُ مُتَدَرِّجًا مِنْ ثَلَاثِ طَلْقَاتٍ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ فَالطَّلَاقُ غَيْرُ مُحَبَّبٍ فِي الإِسْلَامِ فِي أَصْلِهِ، لِذَا وَضَعَ الإِسْلَامُ الحُلُولَ الأُولَى قَبْلَ تَقَطُّعِ الْعَلَاقَةِ الزَّوْجِيَّةِ.
وَشَرَعَ الإِسْلَامُ الرَّجْعَةَ بَعْدَ الطَّلَاقِ الأَوَّلِ وَالطَّلَاقِ الثَّانِي؛ لَعَلَّ الحَالَ يَسْتَقِيمُ بَعْدَ الطَّلَاقِ.
ونَّهْى الإِسْلَامُ عَنْ طَلَاقِ المَرْأَةِ وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ فِي طُهْرِ جَامَعَهَا فِيهِ؛ لِيُضَيِّقَ مِنْ زَمَنِ الطَّلَاقِ، وَأَلَّا يَجْعَلَ لِلشَّهْوَةِ دَورًا فِي الطَّلَاقِ. كُلُّ ذَلِكَ حِرْصٌ مِنْ الإِسْلَامِ عَلَى تَقْلِيلِهِ وَالْحَدِّ مِنْهُ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ طَلَاقَاً مُوَافِقَاً السنَّة بل وَضَيَّقَ الإِسْلَامُ مِنَ الطَّلَاقِ فَلَمْ يُوقِعْ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ، وَلَا طَلَاقَ الغَضْبَانِ لِقَوْلِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إِغْلَاقٍ) (رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ).
بل لَقَدْ جَعَلَ الإِسْلَامُ الطَّلَاقَ فِي يَدِ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّهُ أَقْدَرُ مِنْ المَرْأَةِ علَى ضَبْطِ الأُمُورِ، وَأَكْثَرُ تُؤَدَةٍ. كلُّ هذا مِنْ أَجْلِ الحَدِّ مِنَ كَثْرَةِ الطَّلَاقِ وَالتَّسَرُّعِ فِيهِ، وَلَكِنْ مَعَ الأَسَفِ الشَّدِيدِ نَجِدُ التَّسَرُّعَ فِي اِتّخَاذِ قَرَارِ الطَّلَاقِ خَاصَّةً مِنَ الشَّبَابِ حَدِيثِي الزَّوَاجِ مَلْحُوظًا، فَهُمْ لَمْ يَتَعَوَّدُوا عَلَى أَجْوَاءِ الزَّوْجِيَّةِ، وَمَا فِيهَا مِنْ قُيُودٍ وَتَحَمُّلٍ لِلمَسْؤُولِيَّةِ، بَعْدَ تَرْكِهِمْ لِحَيَاةِ الْعُزُوبِيَّةِ الَّتي فِيهَا التَّفَلُّتُ مِنَ المَسْؤُولِيَّةِ.
فَيُرِيدُونَ الجَمْعَ بَيْنَ مَزَايَا الزَّوَاجِ وَمَزَايَا العزوبِيَّةِ، وَهَذَا مِنْ الصُّعُوبَةِ بمَكَانٍ، لِذَا يُضَحِّي بَعْضُ الشَّبَابِ بِزَوَاجِهِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَعُودَ إِلَى أَجْوَاءِ العزوبِيَّةَ وَعَدَمِ تَحَمُّلِ المَسْؤُولِيَّةِ فكثرَ الطلاق.ُولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ.
كثرَ الطلاقُ حينمَا فقدنَا زوجًا يرعَى الذمَمَ
حينمَا فقدنَا الأخلاقَ والشيمَ، زوجٌ ينالُ من زوجتهِ اليوم، فيأخذُهَا من بيتِ أبِيهَا عزيزةً كريمةً ضاحكةً مسرورةً، ويردُّهَا بعدَ أيامٍ قليلةٍ حزينةً باكيةً مطلقةً ذليلة!ً
كثرَ الطلاقُ حينمَا استخفَّ الأزواجُ بالحقوقِ والواجباتِ، وضيَّعُوا الأماناتِ والمسؤولياتِ. كثرَ الطلاقُ حينمَا فقدنَا زوجًا يَغفرُ الزلَّةَ، ويسترُ العورةَ، حينمَا فقدنَا زوجًا يخافُ اللهَ، ويتَّقي اللهَ، ويرعى حدودَ اللهِ، ويحفظُ العهودَ والأيامَ التي خلَتْ، والذكرياتِ الجميلةَ التي مضت.ْ
كثرَ الطلاقُ حينمَا فقدنَا الصالحاتِ القانتاتِ الحافِظاتِ للغيب بما حَفِظَ اللهُ، حينما أصبحت المرأةُ طليقةَ اللسانِ، طليقةَ العنانِ، تخرجُ متى شاءتْ، وتدخلُ متى أرادتْ، مضيعةً لحقوقِ الأزواجِ والبناتِ، يا لها مِن مصيبةٍ عظيمةٍ.
كثُرَ الطَّلاقُ حينما تدخَّلَ الآباءُ والأمهاتُ في شؤونِ الأزواجِ والزوجاتِ
الأبُّ يتابعُ ابنَهُ في كلِّ صغيرٍ وكبيرٍ، وفي كلِّ جليلٍ وحقيرٍ، والأمُّ تتدخَّلُ في شؤونِ بنتِهَا في كلِّ صغيرٍ وكبيرٍ، وجليلٍ وحَقيرٍ، حتى ينتهي الأمرُ إلى الطَّلاقِ والفراقِ، ألم يَعلمَا أنَّهُ مَن أفسدَ زوجةً على زوجِهَا أو أفسدَ زوجًا على زوجتِهِ، لعنَهُ اللهُ؟
كثرَ الطلاقُ لما كثرَتْ النعمُ، وبطرَ الناسُ الفضلَ من اللهِ والكرمَ، وأصبحَ الغنيُّ ثريًّا؛ يتزوَّجُ اليومَ ويطلِّقُ في الغدِ القريبِ، ولم يعلمْ أنَّ اللهَ سائلُهُ، وأنَّ اللهَ محاسبُهُ، وأنَّ اللهَ موقفُهُ بينَ يديهِ في يومٍ لا ينفعُ فيه مالٌ ولا بنونَ، ولا عشيرةٌ ولا أقربون.……
كثرَ الطلاقُ بسببِ مواقعِ التواصلِ الاجتماعِيِّ والذئابِ البشريةِ عليها وصدقَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم إذْ يقولُ كما في حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:“ لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ“ (رواه أبو دواد)
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة
ثالثــــًا: أضرارُ الطلاقِ على الفردِ والمجتمعاتِ:
أيُّها السادةُ: مما لاشكَّ فيه أنَّ دينَنَا الإسلاميَّ قد جعلَ الطلاقَ في أضيقِ الحدودِ، وفي حالةِ استحالةِ العشرةِ بينَ الزوجينِ، وبمَا لا تستقيمُ معه الحياةُ الزوجيةُ، وصعوبةُ العلاجِ إِلّا بهِ وحتى يكونَ مخرجًا مِن الضيقِ وفرجًا مِن الشدةِ في زوجيةِ لم تحققْ ما أرادَهُ اللهُ – سبحانَهُ وتعالى- لها مِن مقاصدِ الزواجِ التي تقومُ على المودةِ والسكنِ النفسِي والتعاونِ في الحياةِ.
والطلاقُ لهُ أضرارٌ ومخاطرٌ كثيرةٌ وعديدةٌ على الفردِ والمجتمعِ، فَكَمْ هَدَمَ مِنْ بُيُوتٍ، وَفَرَّقَ مِنْ أُسَرٍ، وَقَطَّعَ مِنْ أَرْحَامٍ، وَجَلَبَ مِنْ آثَامٍ! وَمِنْ مَفَاسِدِ الطَّلَاقِ اِنْحِرَافُ الأَطْفَالِ الَّذِينَ يَهْرُبُونَ مِنْ المَشَاكِلِ الَّتِي نَتَجَتْ عَنِ الطَّلَاقِ إِلَى المُخَدِّرَاتِ وَالاِنْحِرَافَاتِ الأَخْلَاقِيَّةِ.
قد يصابُ المطلقُ بالاكتئابِ والانعزالِ واليأسِ والإحباطِ، وتسيطرُ على تفكيرِهِ أوهامٌ كثيرةٌ وأفكارٌ سوداويةٌ وتهويلُ الأمورِ وتشابُكهَا، وهذا الأمرُ يخلقُ عنده الشكَّ والريبةَ مِن كلِّ شيءٍ يقتربُ منه أو يرنُو نحوَهُ فيفقدُ أفكارَهُ والاتزانَ بأحكامِهِ والاستقرارَ والتوازنَ.
ويكونُ الطلاقُ وسيلةً للكراهيةِ والخصامِ بينَ أفرادِ المجتمعِ
خصوصًا مِن أقارب طرفَيِ النزاعِ إذا وصلَ ذلك إلى ساحاتِ المحاكمِ، وفي تشردِ الأولادِ وعدمِ الرعايةِ مِن قِبَلِ الأبوين تَكثُرُ جرائمُ الأحداثِ، ويتزعزعُ الأمنُ والاستقرارُ في المجتمعِ، ويزدادُ معدلُ انحرافِ الأحداثِ والتخلفِ الدراسيِّ وزيادةُ الأمراضِ النفسيةِ بينَ الأطفالِ والكبارِ.
وكيف لا؟ ولقد بينَ الاسلامُ أنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْرَحُ بِشَيءٍ كَفَرَحِهِ بِالطَّلَاقِ ،سلِّمْ يا ربِّ سلِّمْ كما في حديثِ جابرِ بنِ عبدِاللهِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:”إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
فحافظُوا على بيوتِكُم وعلى استقرارِهَا وابتعدُوا عن الخلافاتِ والمشاكلِ لتسعدُوا في الدنيا والآخرةِ.
كُن عَن هُمُومِكَ مُعْرِضًا *** وَدَع الأُمُورَ إِلَى القَضَا
وَانعَم بِطُولِ سَلَامَةٍ *** تُسْلِيكَ عَمَّا قَدْ مَضَى
فَلَرُبَّمَا اتَّسَعَ المَضِيقُ *** وَ لَرُبَّمَا ضَاقَ الفَضَا
اللهُ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ *** فَلَا تكنْ متعرِّضَا
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكُم
الخطبةُ الثانيةُ الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …………………………………. وبعدُ
العنصر الرابع من خطبة الجمعة القادمة
رابعًا : يامَن تريدُ الطلاقَ تمهلْ قليلاً:
أيُّها السادةُ: الطلاقُ أبغضُ الحلالِ عندَ اللهِ تباركَ وتعالى، وإنْ كان مشروعًا إِلّا أنَّهُ مكروهٌ إِلّا في أضيقِ الحدودِ كما قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه و سلم عن محمودِ بنِ لَبِيدٍ أنَّه قال: أُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا، فَقَامَ غَضْبَانًا، ثُمَّ قَالَ: أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللهِ، وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، حَتَّى قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَا أَقْتُلُهُ؟(
*فانتبِهْ يامَن تريدُ الطلاقَ تمهلْ قليلًا تفكرْ كثيرًا قبلَ أنْ تقدمَ على هدمِ أسرةٍ بأكملِهَا يا مَن يريدُ الطلاقَ، إنْ كانتْ زوجتُكَ ساءَتْكَ اليوم، فقد سرَّتْكَ أيامًا، وإنْ كانتْ أحزنَتْكَ هذا العام، فقد سرَّتْكَ أعوامًا.
*يا مَن تريدُ الطلاقَ، صبرٌ جميلٌ
فإنْ كانتْ المرأةُ ساءَتْكَ، فلعلَّ اللهَ أنْ يُخرجَ منها ذريَّةً صالحةً تقرُّ بها عينُكَ، قال ابنُ عباسٍـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ في قولِهِ تعالى: (فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)(النساء:19 ) .قال: هو الولدُ الصالحُ. فالمرأةُ تكونُ عندَ زوجٍ تؤذيهِ وتسبهُ وتهينهُ وتؤلِمهُ، فيصبرُ لوجهِ اللهِ ويَحتسبُ أجرَهُ عندَ اللهِ، ويعلمُ أنَّ معه اللهَ، فما هي إلا أعوامٌ حتى يقرَّ اللهُ عينَهُ بذرِّيةٍ صالحةٍ، وما يدريكَ فلعلَّ هذه المرأةَ التي تكونُ عليكَ اليومَ جحيمًا، لعلَّهَا أنْ تكونَ بعدَ أيامٍ سلامًا ونعيمًا، وما يدريكَ فلعلَّهَا تَحفظُكَ في آخرِ عمرِكَ، صبرٌ فإن الصبرَ عواقبهُ حميدةٌ، وإنَّ مع العسرِ يسرًا
* يا مَن يريدُ الطلاقَ، تريَّثْ فيما أنتَ قادِمٌ عليه، فإذا أردتَ الطلاقَ، فاستشرْ العلماءَ، وراجعْ الحكماءَ، والتمسْ أهلَ الفضلِ والصلحاءَ، واسألْهُم عمَّا أنتَ فيه، وخذْ كلمةً منهم تثبتكَ، ونصيحةً تقويك.َ
* يا مَن يريدُ الطلاقَ، إذا أردتَ الطلاقَ، فاستخِرْ اللهَ، وأنزِلْ حوائجَكَ باللهِ، فإنْ كنتَ مريدًا للطَّلاقِ، فخذْ بسنَّةِ حبيبِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم؛ طلِّقْهَا طلقةً واحدةً في طُهرٍ لم تجامِعهًا فيه، لا تطلِّقهَا وهي حائضٌ، فتلكَ حدودُ اللهِ: ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ (الطلاق: 1) ، وإذا طلَّقتَهَا، فطلِّقْهَا طلقةً واحدةً لا تزيدُ، جاءَ رجلٌ إلى ابنِ عباسٍ رضى اللهُ عنه فقالَ: يا ابنَ عباسٍ طلقتُ امرأتِي مائةَ تطليقةٍ. قال: ثلاثٌ حُرمتْ بهنًّ عليك، وسبعٌ وتسعون اتخذتَ بها كتابَ اللهِ هزوا))، يَا مَنْ تُرِيدُ الطلاق تَدَرَّجْ فِي الْحَلِّ وَلاَ تَتَسَرَّعْ؛ فتندمْ وتخسرْ كثيرًا .
أيُّها السادةُ: المحافظةُ على كيانِ الأسرةِ من الدمارِ والهلاكِ تقعُ على عاتقِ الزوجينِ الرجلِ والمرأةِ
كلٌّ في حدودِ قدراتِهِ وإمكانياتِهِ كما في صحيحِ البخاري من حديثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:” كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) وفي صحيحِ مسلمٍ من حديثِ مَعْقِلِ بنِ يَسَار ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ قال سمعتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه و سلم يَقُولُ : (مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ).
فحافظُوا على أسرِكُم وعلى بيتِكُم وعلى أولادِكُم مِن الضياعِ وتمهلْ كثيرًا قبلَ أنْ تنطقَ بكلمةِ الطلاقِ واعلمْ أنَّهَا كلمةٌ خطيرةٌ تفسدُ البيوتَ ولا تصلحُهَا وتدمرُهَا ولا تبنيهَا وتخربُهَا ولا تعمرُهَا ,وأعلمْ أنَّ البيوتَ لا تخلُو مِن المشاكلِ والخلافاتِ فلو خلتْ البيوتُ من المشاكلِ الزوجيةِ لخلى بيتُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه سلم، كان يقولُ كما في صحيحِ البخارِي من حديثِ أمنَا عائشةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ :
“إنِّي لَأَعْرِفُ غَضَبَكِ ورِضَاكِ “قالَتْ: قُلتُ: وكيفَ تَعْرِفُ ذَاكَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: “إنَّكِ إذَا كُنْتِ رَاضِيَةً قُلْتِ: بَلَى ورَبِّ مُحَمَّدٍ، وإذَا كُنْتِ سَاخِطَةً قُلْتِ: لا ورَبِّ إبْرَاهِيمَ “قالَتْ: قُلتُ: أجَلْ، لَسْتُ أُهَاجِرُ إلَّا اسْمَكَ).فاللهَ اللهَ في الأسرةِ؛ لأنّ المحافظةَ عليها دينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ، اللهَ اللهَ في اتباعِ منهجِ اللهِ ورسولِهِ في المعاملةِ بينَ الزوجينِ، اللهَ اللهَ في كتمِ الغيظِ للمحافظةِ على الاسرةِ من الدمارِ والهلاكِ.
حفظَ اللهُ بيوتَنَا، وبيوتَ المسلمينَ مِن كلِّ سوءٍ وشرٍّ.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه د/ محمد حرز
إمام بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف