خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير : دروس من الهجرة النبوية
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : دروس من الهجرة النبوية ، للدكتور خالد بدير ، بتاريخ 7 محرم 1444هـ، الموافق 5 أغسطس 2022م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 5 أغسطس 2022م ، للدكتور خالد بدير : دروس من الهجرة النبوية :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 5 أغسطس 2022م ، للدكتور خالد بدير: دروس من الهجرة النبوية ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 5 أغسطس 2022م ، للدكتور خالد بدير : دروس من الهجرة النبوية، بصيغة pdf أضغط هنا.
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للمزيد علي قسم خطبة الجمعة القادمة
عناصر خطبة الجمعة القادمة 5 أغسطس 2022م ، للدكتور خالد بدير : دروس من الهجرة النبوية : كما يلي:
الدرسُ الأولُ: إخلاصُ العملِ للهِ تعالى
الدرسُ الثاني: التخطيطُ والأخذُ بالأسبابِ
الدرسُ الثالثُ: الاجتماعُ ووحدةُ الصفِّ
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 5 أغسطس 2022م ، للدكتور خالد بدير: دروس من الهجرة النبوية : كما يلي:
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ وأنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلَّى اللهُ عليه وسلم. أمَّا بعدُ:
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة
الدرسُ الأولُ: إخلاصُ العملِ للهِ تعالى
وهذا هو أهمُّ دروسِ الهجرةِ، فلا بدَّ أنْ يكونَ عملُكَ خالصًا للهِ تعالى، فقد ثبتَ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلم أنَّهُ قال: ” إنَّه ليس أحدٌ أَمَنَّ عليَّ في نفسهِ ومالهِ مِن أبي بكرٍ ” فقد كانَ أبو بكرٍ الذي يُؤتِي مالَهُ يتزكَّى، ينفقُ أموالَهُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم ، وعلى الدعوةِ إلى دينِ اللهِ.
لكنَّ السُّؤَالَ هُنَا هُو لماذَا رفضَ الرسُولُ صلَّى اللهُ عليه وسلم أَخْذَ الراحلةِ من أبي بكرٍ إلا بالثمنِ ؟!
قالَ بعضُ العلماءِ : إِنَّ الهجرةَ عملٌ تعبدِيّ، فأرادَ عليه الصلاةُ والسلامُ أنْ يحقِّقَ الإخلاصَ بأنْ تكونَ نفقةُ هجرتِهِ خالصَةً مِنْ مالِهِ دونَ غيرِهِ . وهذَا معنَى حسنٌ ، وهو درسٌ في الإخلاصِ ، وتكميلُ أعمالِ القربِ التي تفتقرُ إلى النفقةِ – كنفقةِ الحجِّ، وزكاةِ الفطرِ، وغيرِهَا مِن الأعمالِ – فإنَّ الأولَى أنْ تكونَ نفقتُهَا مِن مالِ المسلمِ خاصةً.
وقد صدَّرَ الإمامُ البخاريُّ كتابَهُ بأحدِ الأحاديثِ التي عليها مدارُ الدينِ كلِّهِ، وهو حديثُ النيةِ.
فعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لكل ِامْرِئٍ مَا نَوَى؛ فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ.” (متفق عليه) .
وكونُ أنَّ الإمامَ البخاريَّ رحمهُ الله يجعلهُ الحديثَ رقم واحد في كتابهِ؛ فهذهِ رسالةٌ قويةٌ للعبدِ أنْ يجعلَ أعمالَهُ كلَّهَا – دينيةً ودنيويةً – خالصةً للهِ تعالى، فمَن هاجرَ مِن أجلِ الدنيا أو مِن أجلِ النساءِ فليستْ هجرتُهُ خالصةً للهِ.
” يقولُ عبدُاللهِ بنُ مسعودٍ – رضي اللهُ عنه – : كان فينَا رجلٌ خطبَ امرأةً يُقالُ لها أمُّ قيسٍ فأبتْ أنْ تتزوجَهُ حتى يهاجرَ فهاجرَ فتزوجَهَا ، فكنَّا نُسميهِ مهاجرَ أمّ قيسٍ.” ( فتح الباري ).
فهذا الرجلُ حُرِمَ فضلَ الهجرةِ؛ لأنَّه لم يقصدْ الهجرةَ بعينِهَا، وكفَى بالهجرةِ فضلًا أنَّها تهدمُ ما كانَ قبلَهَا مِن المعاصِي والآثامِ، فَعَن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: لَمَّا جعلَ اللهُ الإسلامَ في قلبِي أتيْتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقلتُ: يا رسولَ اللهِ ابسُطْ يمينَكَ لأبايعَكَ، فبسطَ يدَهُ فقبضْتُ يدِي. فقالَ: مالكَ يا عَمرُو؟ ! . قال: أردتُ أنْ أشترطَ . قال : تشترطُ ماذا ؟ قال: أنْ يُغفَرَ لي . قال : أمَا علمتَ يا عَمرُو ! أنَّ الإسلامَ يهدِمُ ما كان قبلَهُ، وأنَّ الهجرةَ تهدِمُ ما كان قبلَهَا ، وأنَّ الحجَّ يهدِمُ ما كان قبلَهُ ؟! ( مسلم).
فعلينَا أنْ نخلصَ أعمالَنَا كلَّهَا للهِ تعالى، وهذه هي وصيةُ الرسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلم لمعاذِ بنِ جبلٍ رضي اللهُ عنه حين بعثَهُ إلى اليمنِ قائلًا لهُ: « أخلصْ دينَكَ يكفكَ العملُ القليلُ » (البيهقي والحاكم وصححه ).
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة
الدرسُ الثاني: التخطيطُ والأخذُ بالأسبابِ
إنَّ التخطيطَ أساسُ نجاحِ أيّ عملٍ مِن الأعمالِ، سواءٌ في حياةِ الفردِ أو الدولةِ، ففي حدثِ الهجرةِ خططَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم خطةً متينةً محكمةً، فعلىٌّ – رضي اللهُ عنه- على فراشهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم مغطيًا رأسَهُ، وباتَ المجرمون ينظرون مِن شقِّ البابِ، يتهافتون أيُّهُم يضربُ صاحبَ الفراشِ بسيفهِ. وعبدُاللهِ بنُ أبي بكرٍ كان يصبحُ مع قريشٍ فيسمعُ أخبارَهِا ومكائدَهَا فإذا اختلطَ الظلامُ تسللَ إلى الغارِ وأخبرَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلم الخبرَ فإذا جاءَ السحرُ رجعَ مصبحًا بمكةَ، وكانتْ عائشةُ وأسماءُ يصنعانِ لهُمَا الطعامَ ثم تنطلقُ أسماءُ بالسفرةِ إلى الغارِ، ولمَّا نسيتْ أنْ تربطَ السفرةَ شقتْ نطاقَهَا فربطتْ بهِ السفرةَ وانتطقتْ بالآخرِ فسُميتْ بـ( ذاتِ النطاقين ). ولأبي بكرٍ راعٍ اسمهُ عامرُ بنُ فهيرة ، كان يرعَى الغنمَ حتى يأتيهُمَا في الغارِ فيشربانِ مِن اللبنِ، فإذا كان آخرُ الليلِ مرَّ بالغنمِ على طريقِ عبدِاللهِ بنِ أبي بكرٍ عندما يعودُ إلى مكةَ ليخفِي أثرَ أقدامهِ، واستأجرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم رجلًا كافرًا اسمُهُ عبدُاللهِ بنُ أُريقط وكان ماهرًا بالطريقِ، وواعدهُ في غارِ ثورٍ بعدَ ثلاثِ ليالٍ، فتوزيعُ الأدوارِ جاءَ مخططًا منظمًا وفقَ خطةٍ علميةٍ مدروسةٍ، فالقائدُ: محمدٌ، والمساعدُ: أبو بكرٍ، والفدائِيُّ: عليٌّ، والتموينُ: أسماءُ، والاستخباراتُ: عبدُاللهِ، والتغطيةُ وتعميةُ العدوِّ: عامرٌ، ودليلُ الرحلةِ: عبدُاللهِ بنُ أُريقط، والمكانُ المؤقتُ: غارُ ثورٍ، وموعدُ الانطلاقِ: بعدَ ثلاثةِ أيامٍ، وخطُّ السيرِ: الطريقُ الساحلِيُّ.
وهذا كلُّهُ شاهدٌ على عبقريتهِ وحكمتهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم، وفيه دعوةٌ للأمةِ إلى أنْ تحذُو حذوَهُ في حسنِ التخطيطِ والتدبيرِ وإتقانِ العملِ واتخاذِ أفضلِ الأسبابِ مع الاعتمادِ على اللهِ مسببِ الأسبابِ أولًا وآخرًا .
إنَّ اللهَ قادرٌ على حملِ نبيِّهِ في غمامةٍ أو سحابةٍ أو يسخرُ لهُ الريحُ – كما سخرَهَا لسيدِنَا سليمان – فتحملُهُ في طرفةِ عينٍ مِن مكةَ إلى المدينةِ، ولكنَّ اللهَ يريدُ أنْ يعطينَا درسًا لا ننساهُ وهو التخطيطُ والأخذُ بالأسبابِ.
فينبغي على المسلمِ في عملهِ أنْ يأخذَ بجميعِ الأسبابِ الموصلةِ إلى غايتهِ وهدفهِ مع التوكلِ على اللهِ تعالى، وهذا ما غرسَهُ النبيُّ في نفسِ الصحابِيِّ الذي أطلقَ الناقةَ متوكلًا على اللهِ، فعَن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ:” اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ” (الترمذي وحسنه).
إنَّ كثيرًا مِن الناسِ يقعدُ في بيتهِ وينتظرُ الرزقَ مع أنَّه لم يأخذْ بالأسبابِ ولم يسعَ عليهِ فكيفَ يأتيهِ؟ لذلك رأى عمرُ – رضي اللهُ عنه- قومًا قابعين في رُكنِ المسجدِ بعدَ صلاةِ الجمعةِ، فسألَهُم: مَن أنتُم؟ قالوا: نحنُ المُتوَكِّلونَ على اللهِ، فعَلاهُم عمرُ رضي اللهُ عنه بدِرَّتِهِ ونَهَرَهُم، وقال: لا يَقعُدنَّ أحدُكُم عن طلبِ الرزقِ، ويقولُ: اللهُمَّ ارزقنِي، وقد علِمَ أنَّ السماءَ لا تُمطِرُ ذهبًا ولا فضّةً، وإنَّ اللهَ يقولُ: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ} (الجمعة: 10).
وروى ابنُ أبي الدنيا في “التوكلِ” بسندهِ عن معاويةَ بنِ قرة، أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ لقيَ ناسًا مِن أهلِ اليمنِ، فقالَ: مَن أنتم؟ قالوا : نحنُ المتوكلون. قال : بل أنتُم المتكلون، إنَّما « المتوكلُ الذي يُلقِي حَبَّهُ في الأرضِ، ويتوكلُ على اللهِ ». وكان سفيانُ الثوريُّ رحمَهُ اللهٌ يمُرُّ ببعضِ الناسِ وهم جلوسٌ بالمسجدِ الحرامِ، فيقولُ: ما يُجلِسُكُم؟ قالوا: فمَا نصنَعُ؟! قال: اطلُبُوا مِن فضلِ اللهِ، ولا تكونُوا عيالًا على المسلمين.
أخي المسلم: إنَّك لو نظرتَ إلى الهجرةِ وسألتَ نفسَكَ سؤالًا: لماذا هاجرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم سرًّا بينمَا هاجرَ عمرُ بنُ الخطابِ في وضحِ النهارِ..؟!! متحديًا قريشَ بأسرِهَا، وقال كلمتَهُ المشهورةَ التي سجلَهَا التاريخّ في صفحاتِ شرفٍ وعزِّ المسلمين وقال متحديًا لهم : “مَن أرادَ أنْ تثكلَهُ أمُّهُ وييتمَ ولدُهُ وتُرملَ زوجتُهُ فليلقنِي وراءَ هذا الوادِي” فلم يجرؤْ أحدٌ على الوقوفِ في وجههِ، فهل كان عمرُ بنُ الخطابِ أشجعَ مِن سيّدِ الخلقِ محمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلم؟ نقولُ لا: لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلم كان أشجعَ الخلقِ على الإطلاقِ، ولكنْ أخذَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم بأسبابِ النجاةِ مِن التخطيطِ والتدبيرِ والهجرةِ خفيةٍ واتخاذِ دليلٍ في الصحراءِ، ليعطينَا درسًا بليغًا في الأخذِ بالأسبابِ مع الأملِ والثقةِ في اللهِ والتوكلِ عليهِ. أيعجزُ ربُّنَا أنْ يحملَ نبيَّهُ في سحابةٍ مِن مكةَ إلى المدينةِ في طرفةِ عينٍ كما في الإسراءِ والمعراجِ ؟!!
فما أجملَ الأخذَ بالأسبابِ مع التوكلِ على اللهِ، فعن عمرَ رضي اللهُ عنه قال : قال رسولُ اللهِ: ” لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرُزِقْتُمْ كَمَا يُرْزَقُ الطَّيْرُ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا ” [أخرجه الترمذي].
انظر إلى السيدةِ مريمَ عليها السلامُ قال اللهُ فيها :{ فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا، فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا، وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا، فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا} (مريم:23- 26).
تأملتُ في هذه الآيةِ وقلتُ: امرأةٌ جاءَها المخاضُ (طلقُ الولادةِ) ومع ذلك أمرَهَا اللهُ بهزِّ النخلةِ والأخذِ بالأسبابِ، مع أنَّك لو جئتَ بعشرةِ رجالٍ ذي جلدٍ وقوةٍ ما استطاعوا إلَّا رميًا بالحجارةِ، واللهُ قادرٌ على أنْ يُنزّلَ لها مائدةً عليها أشهى المأكولاتِ، ولكنَّ اللهَ أرادَ أنْ يعطينَا درسًا بليغًا في الأخذِ بالأسبابِ مع التوكلِ عليهِ تعالى.
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة
الدرسُ الثالثُ: الاجتماعُ ووحدةُ الصفِّ
فعندما علِمَ أهلُ المدينةِ بهجرةِ النبيِّ – صلَّى اللهُ عليه وسلم – تناسَوا الخلافاتِ التي كانتْ بينهم، والحروبَ المستعرةَ التي ظلَّت سنواتٍ عديدةً؛ وذلك لأنَّ الهجرةَ علَّمتْهُم روحَ التماسكِ والاجتماعَ ووحدةَ الصفِّ، وتركَ التهاجرِ والتناحرِ؛ لأنهما يؤدِّيانِ إلى الفشلِ: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46].
لقد ألَّفَ اللهُ بينَ قلوبِ المسلمين بحضرةِ الرسولِ – صلَّى اللهُ عليه وسلم – في المدينةِ، حيثُ جمعَ اللهُ بهِ شتاتَ المؤمنين، ووحدَهُم بعدَ تفرقِهِم امتثالًا لقولِهِ تعالى: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} ( آل عمران : 103) .
قال الحافظُ ابنُ كثيرٍ في تفسيرهِ: “إنَّ هذه الآيةَ نزلتْ في شأنِ الأوسِ والخزرجِ، وذلك أنَّ رجلًا مِن اليهودِ مَرَّ بملأٍ مِن الأوسِ والخزرجِ، فساءَهُ ما هُمْ عليهِ مِن الاتفاقِ والألْفَةِ، فبعثَ رجلًا معهُ وأمرَهُ أنْ يجلسَ بينهُم ويذكرَهُم ما كان مِن حروبِهِم يومَ بُعَاثٍ وتلك الحروب، ففعل، فلم يزلْ ذلك دأبُهُ حتى حميتْ نفوسُ القومِ وغضبَ بعضُهُم على بعضٍ، وتثاورُوا، ونادَوا بشعارِهِم وطلبُوا أسلحتَهُم، وتواعدُوا إلى الحرةِ، فبلغَ ذلك النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلم فأتاهُم فجعلِ يُسكِّنهّم ويقولّ: “أبِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ وأَنَا بَيْنَ أظْهُرِكُمْ؟” وتلا عليهم هذه الآيةَ، فندمُوا على ما كان منهم، واصطلحّوا وتعانقّوا، وألقوا السلاحَ، رضي اللهُ عنهم.”أ.هـ
ويا ليتَ الأمةَ الإسلاميةَ تستلهِمُ هذه المعانِي مِن الهجرةِ؛ كي ينتشرَ الحبُّ بينَنَا، وتنتزعَ البغضاءُ والشحناءُ.
إنَّ الأمةَ الإسلاميَّة متى اجْتمعتْ واتَّحدتْ، لَم تستطعْ أُمَّةٌ مَهْمَا كانتْ قوَّتُهَا النَّيْلَ منهَا؛ لأنَّ يدَ اللهِ مع الجماعةِ؛ ولأنَّها مع اتِّحادِهَا مَحميةٌ بربِّهَا، وهذا ما عُرِفَ على مَرِّ السنين، فما قَوِيَتْ أُمَّةٌ مُتفرقةً مُشَتَّتةً، وما ضَعُفَتْ أُمَّةٌ اجْتمعتْ وتكاتَفَتْ وارتبطتْ بربِّهَا.
ألا فلنحتدْ جميعًا مِن أجلِ بناءِ مجتمعِنَا، مِن أجلِ بناءِ وطنِنَا، مِن أجلِ بناءِ مصرِنَا، مِن أجلِ بناءِ حضارتِنَا، بعيدينَ عن التفرقةِ، عن التشرذمِ، عن التحزبِ، عن التشتتِ، حتى نحققَ آمالَنَا، ويعلو بنيانُنَا ، ونبلغَ منانَا .
أيُّها الإخوةُ المؤمنون: لا يفوتُنَا في هذا المقامِ أنْ نذكِّرَ الجميعَ بصيامِ يومِ عاشوراء؛ لأنَّهُ يكفرُ ذنوبَ سنةٍ، وفي ذلك يقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلم: ” صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ؛ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ.”( مسلم).
يقولُ الإمامُ ابنُ حجرٍ – رحمَهُ اللهُ – : “وظاهرهُ أنَّ صيامَ يومِ عرفةَ أفضلُ مِن صيامِ يومِ عاشوراء، وقد قيلَ في الحكمةِ في ذلك: أنَّ يومَ عاشوراء منسوبٌ إلى موسى عليه السلامُ، ويومَ عرفةَ منسوبٌ إلى نبيِّ هذه الأمةِ، فلذلك كان أفضلَ.”( فتح الباري )، وكأنَّهُ خصوصيةً لأمةِ محمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلم.
نسألُ اللهَ أنْ يحفظَ بلادَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ،،،
الدعاء…….. وأقم الصلاة،،،،
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف