خطبة الجمعة : فريضة الزكاة ودورها في تحقيق التوازن المجتمعي، للدكتور خالد بدير
خطبة الجمعة القادمة 15 يناير 2021م : فريضة الزكاة ودورها في تحقيق التوازن المجتمعي، للدكتور خالد بدير ، بتاريخ: 2 من جماد آخر 1442هـ – 15 يناير 2021م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 15 يناير 2021م ، للدكتور خالد بدير : فريضة الزكاة ودورها في تحقيق التوازن المجتمعي:
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 15 يناير 2021م ، للدكتور خالد بدير : فريضة الزكاة ودورها في تحقيق التوازن المجتمعي، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 15 يناير 2021م ، للدكتور خالد بدير : فريضة الزكاة ودورها في تحقيق التوازن المجتمعي ، بصيغة pdf أضغط هنا.
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للمزيد علي قسم خطبة الجمعة القادمة
عناصر خطبة الجمعة القادمة 15 يناير 2021م ، للدكتور خالد بدير : فريضة الزكاة ودورها في تحقيق التوازن المجتمعي: كما يلي:
العنصر الأول: أهمية الزكاة والحث عليها في الإسلام
العنصر الثاني: جزاء مانع الزكاة في الدنيا والآخرة
العنصر الثالث: دور الزكاة في تحقيق التوازن المجتمعي
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 15 يناير 2021م ، للدكتور خالد بدير : فريضة الزكاة ودورها في تحقيق التوازن المجتمعي: كما يلي:
الحمد لله ؛ نحمده ونستعينه ونتوب إليه ونستغفره ؛ ونؤمن به ونتوكل عليه ؛ ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. أما بعد:
العنصر الأول: أهمية الزكاة والحث عليها في الإسلام
عباد الله: إن من أعظم العبادات وأجل الفرائض وأهم الأركان …. الزكاة ؛ فالزكاة ركن من أركان الإسلام ، ونظام لا تصلح الحياة الاجتماعية إلا به ، ولا يقبل الدين دونه؛ ولقد حفل القرآن الكريم وسنة النبي الأمين صلى الله عليه وسلم بنصوصٍ كثيرة تحث على الزكاة بين الترغيب في أدائها والترهيب من منعها!!
وقد قرنت الزكاة بالصلاة في اثنين وثمانين موضعًا من القرآن الكريم؛ وعن الحكمة من ذلك يقول الإمام السعدي رحمه الله في تفسيره:” كثيرا ما يجمع تعالى بين الصلاة والزكاة في القرآن، لأن الصلاة متضمنة للإخلاص للمعبود، والزكاة والنفقة متضمنة للإحسان على عبيده، فعنوان سعادة العبد إخلاصه للمعبود، وسعيه في نفع الخلق، كما أن عنوان شقاوة العبد عدم هذين الأمرين منه، فلا إخلاص ولا إحسان ” .
فالصلاة بها تصلح العلاقة والحقوق بينك وبين الله؛ والزكاة بها تصلح العلاقة والحقوق بينك وبين الناس!!
أيها المسلمون: لقد استهان كثير من الناس في هذا الزمان بفريضة الزكاة؛ وفرقوا بينها وبين الصلاة؛ فهم يحافظون على الصلاة في أوقاتها ؛ ويهملون أداء الزكاة لأصحابها من الفقراء المعدمين؛ كما حدث بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد اعتقد بعض مانعي الزكاة من أحياء العرب أن دفع الزكاة إلى الإمام قد انتهى زمنه، لأنه كان خاصًا برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ واحتجوا بقوله تعالى: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ }؛ وقد رَدَّ عليهم هذا التأويل والفهم الفاسد الصديق أبو بكر وسائر الصحابة، وقاتلوهم حتى أدوا الزكاة إلى الخليفة، كما كانوا يُؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قال الصديق: ” والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال؛ والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه” ( متفق عليه ).
عباد الله: إن إخراج الزكاة فيه طهارة وتزكية للنفس والمال معًا؛ قال تعالى: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا }؛ فهي بمثابة طهارة وجلاء وغسل للأدران والأوساخ من الذنوب والمعاصي والشح والبخل ومنكرات الصفات القبيحة؛ ولذلك كان لا يأكلها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أهل بيته؛ وقال في ذلك: «إنّ الصّدقة لا تنبغي لآل محمّد، إنّما هي أوساخ النّاس».(مسلم)؛ وعن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: إنّ الحسن بن عليّ- رضي الله عنهما- أخذ تمرة من تمر الصّدقة فجعلها في فيه. فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالفارسيّة: كخ، كخ ؛ أما تعرف أنّا لا نأكل الصّدقة؟ » . (البخاري ومسلم) .
أحبتي في الله: كثير منا يعتقد أن الزكاة تنقص المال؛ وهذا فهم خاطئ؛ والرسول صلى الله عليه وسلم في جميع أحاديثه لا يقسم لأنه مصدق في كل ما يقول؛ ولكنه جاء عند الحديث عن الزكاة والصدقة والإنفاق فأقسم على أنها لا تُنقِص من المال: فعن أَبي كَبْشَةَ الْأَنَّمَارِيّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:” ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ : مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ؛ وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا ؛ وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ” (الترمذي وحسنه) .
العنصر الثاني: جزاء مانع الزكاة في الدنيا والآخرة
عباد الله: إن من يطالع نصوص القرآن والسنة يجد أن الله توعد مانعي الزكاة بالعذاب الأليم في الآخرة؛ فضلاً عن محق بركة المال في الدنيا . قال تعالي:{ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ؛ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (التوبة34 ؛ 35) . يصور عبدالله بن مسعود – رضي الله عنه – صورة الكي فيقول:” لا يوضع دينار على دينار ولا درهم على درهم؛ ولكن يوسع جلده حتى يوضع كل دينار ودرهم على حدته. فإن قيل لم خص الجباه والجنوب والظهور بالكي؟! قيل: لأن الغني البخيل إذا رأى الفقير عبس وجهه وزوى ما بين عينيه؛ وأعرض بجنبه؛ فإذا قرب منه ولي بظهره؛ فعوقب بكي هذه الأعضاء ليكون الجزاء من جنس العمل.” (الكبائر للذهبي) .
أيها المسلمون: اعلموا أن كل إنسان عنده أي نوع من أنواع الأموال الخمسة الواجب فيها الزكاة: ( المال النقدي – عروض التجارة- بهيمة الأنعام – الزروع والثمار- المعدن والركاز ) لا يؤدي زكاته؛ فإنه سيعذب به يوم القيامة ليكون الجزاء من جنس العمل؛ فعن أبي هُرَيْرَةَ َقال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ؛ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ” ( مسلم) . هذا في الذهب والفضة؛ أما عن بهيمة الأنعام فكذلك الجزاء من جنس العمل؛ فعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: ” انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: هُمْ الْأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ قَالَ فَجِئْتُ حَتَّى جَلَسْتُ فَلَمْ أَتَقَارَّ أَنْ قُمْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي مَنْ هُمْ؟ قَالَ: هُمْ الْأَكْثَرُونَ أَمْوَالًا إِلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ؛ مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ وَلَا بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا كَانَتْ وَأَسْمَنَهُ تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا؛ كُلَّمَا نَفِدَتْ أُخْرَاهَا عَادَتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ. ” ( متفق عليه ) .
وعن مانع الزكاة من بقية أنواع الأموال عمومًا يصور حاله القرآن فيقول تعالى: { وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }(آل عمران: 180)؛ وعن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَيْهِ يَعْنِي شِدْقَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ ثُمَّ تَلَا: {لَا يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} الْآيَةَ “(البخاري) .
أما جزاء من أخرج زكاته وأنفق ماله وأدى حق الله وحق العباد؛ فقد أعد الله له الأجر العظيم والثواب الجزيل في الآخرة؛ فضلاً عن البركة في أهله وماله وولده في الدنيا. قال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} قال ابن كثير في تفسيره: “أي: مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم به وأباحه لكم، فهو يخلفه عليكم في الدنيا بالبدل، وفي الآخرة بالجزاء والثواب”؛ ولذلك بلغ عبد الله بن جعفر مبلغا عاليا في الجود؛ وعوتب في ذلك فقالوا له: لو ادخرت مالك لولدك بعدك فقال: “إن الله عودني عادة وعودت عباده عادة: عودني أن يعطيني، وعودت عباده أن أعطيهم، وأخشى إذا قطعت عادتي عنهم أن يقطع عادته عني! ” .
وما أروع المزارع الذي قسم محصوله ثلاثة أثلاث؛ فعال نفسه وأسرته؛ وأخرج حق العباد؛ ورد الثلث في خدمة الأرض؛ فكان جزاؤه أن الملك يأمر السحابة بإفراغ الماء في حديقته دون غيرها؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ ، فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ : اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ ، فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ ، فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ ، فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ ، فَقَالَ لَهُ : يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا اسْمُكَ ؟ قَالَ : فُلَانٌ – لِلِاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ – فَقَالَ لَهُ : يَا عَبْدَ اللَّهِ لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي ؟ فَقَالَ : إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ : اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ ، لِاسْمِكَ ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا ؟ قَالَ : أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا ، فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا ، فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا ، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ ” (مسلم) .
لذلك أخلف الله عليه؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ؛ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا. وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا.” ( متفق عليه ) .
وفي حديث الإسراء والمشاهد التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم صورة حية لأثر الإنفاق وإخراج الزكاة والمانع لها ؛ حيث أتى على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم؛ كلما حصدوا عاد كما كان ، قال يا جبريل من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء المجاهدون في سبيل الله تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه ، …. ثم أتى على قوم على أدبارهم رقاع وعلى أقبالهم رقاع يسرحون كما تسرح الأنعام إلى الضريع والزقوم ورضف جهنم ، قال من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم وما ظلمهم الله وما الله بظلام للعبيد . ( البزار ؛ وابن كثير في تفسيره؛ والمنذري في الترغيب والترهيب وقال: إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما ) .
فانظر لنفسك يا عبد الله أي الطريقين تسلك؟ وأي الجزاءين تختار؟!!
العنصر الثالث: دور الزكاة في تحقيق التوزان المجتمعي
عباد الله: إن من ينظر إلى المجتمع يجد فيه فقراء ومعدمين؛ وبؤساء ومجروحين؛ وأصحاب شدة مهضومين؛ وضعفاء مهمَّشين؛ ويجد أن الخلل يكمن في منع الزكاة؛ لأن الغني منع حق الفقير ؛ فاختل بذلك التوازن المجتمعي في الحياة؛ فعن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم؛ ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا وعروا إلا بما يضيع أغنياؤهم ألا وإن الله يحاسبهم حسابا شديدا ويعذبهم عذابا أليما” (الطبراني في الأوسط والصغير والبيهقي موقوفًا ) .
فكيف يحدث توازن وتكافل وقد منع الغني حق الفقير وضن وبخل به؟!!! إن الغني لو منع حق الفقير – المقرر شرعاً ليس منحةً ولا تفضلًا- لازداد الغني غنيً والفقير فقرًا، واختل التوازن في المجتمع. لذلك قال على رضي الله عنه – أيضًا-: ” ما رأيت نعمة موفورة إلا وإلى جانبها حق مضيّع”، وكما قال الشيخ الشعراوى رحمه الله: ” إذا رأيت فقيرًا في بلاد المسلمين .. فاعلم أن هناك غنيًا سرق ماله”؛ وقال عمر : “ما تمتع غنيٌّ إلا من جوع فقير”.
أيها المسلمون: والله الذي لا إله غيره؛ لو أن كل غنيٍّ اتقى الله وأخرج زكاته ما وجدت فقيرا في بلاد المسلمين؛ وإن ما ابتليت به الأمة من أمراض فتاكة؛ وغلاء في الأسعار ؛ ومنع نزول الأمطار؛ وانتشار الفقر والشدة في البلاد؛ وغيرها من الأمراض الاجتماعية الأخرى؛ سببه منع الزكاة والإعراض والميل عن منهج الله جل وعلا .
فعن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا مَعْشَرَ المهاجرينَ ! خِصالٌ خَمْسٌ إذا ابتُلِيتُمْ بهِنَّ ، وأعوذُ باللهِ أن تُدْرِكُوهُنَّ : لم تَظْهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ ؛ حتى يُعْلِنُوا بها ؛ إلا فَشَا فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافِهِم الذين مَضَوْا ، ولم يَنْقُصُوا المِكْيالَ والميزانَ إِلَّا أُخِذُوا بالسِّنِينَ وشِدَّةِ المُؤْنَةِ ، وجَوْرِ السلطانِ عليهم ، ولم يَمْنَعُوا زكاةَ أموالِهم إلا مُنِعُوا القَطْرَ من السماءِ ، ولولا البهائمُ لم يُمْطَرُوا ، ولم يَنْقُضُوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلا سَلَّطَ اللهُ عليهم عَدُوَّهم من غيرِهم ، فأَخَذوا بعضَ ما كان في أَيْدِيهِم ، وما لم تَحْكُمْ أئمتُهم بكتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ويَتَخَيَّرُوا فيما أَنْزَلَ اللهُ إلا جعل اللهُ بأسَهم بينَهم” . (ابن ماجة والبيهقي بسند صحيح ) .
أيها المسلمون: عليكم بالزكاة قبل أن يأتيكم الأجل وأنتم لا تشعرون؛ وقتها يتمني أحدكم الرجوع ليخرج زكاة ماله ويتصدق؛ ولكن هيهات هيهات!! قال تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} (المنافقون: 10) ؛ وهنا وقفة جميلة مع هذا التصوير القرآني لمانع الزكاة والصدقات؛ الميت تمنى الرجوع قائلاً: فأصدق؛ ولم يقل لأصلي أو لأصوم أو غير ذلك!! قال أهل العلم : ﻣﺎ ﺫﻛﺮ الميت ﺍﻟﺼﺪﻗﺔ إلا ﻟﻌﻈﻴﻢ ﻣﺎ ﺭﺃﻯ ﻣﻦ فضل ثوابها وأثرها بعد موته”؛ ولذلك قال عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه-: « إنّ الأعمال تباهت، فقالت الصّدقة أنا أفضلكنّ » (إحياء علوم الدين) .
” وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: من كان له مال يبلغه حج بيت الله تعالى ولم يحج؛ أو تجب فيه الزكاة ولم يزك ؛ سأل الرجعة عند الموت. فقال له رجل: اتق الله يا ابن عباس فإنما يسأل الرجعة الكفار. فقال ابن عباس: سأتلو عليك بذلك قرآنا قال الله تعالى: ” وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق ” . أي أؤدي الزكاة ” وأكن من الصالحين ” أي أحج” . ( تفسير الدر المنثور) .
فهيا قبل فوات الأوان؛ وقبل أن تندم ولا ينفع الندم!! اللهم إني قد بلغت؛ اللهم فاشهد يا رب العالمين!!
أيها المسلمون: ليكن لنا القدوة في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم في تكافلهم وتعاطفهم وتحابهم، ولا سيما وقت الأزمات والشدائد والجوائح والكربات؛ فعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ:” النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ؛ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ.” (متفق عليه) . وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:” بَيْنَمَا نَحْنُ فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ قَالَ: فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهْرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا ظَهْرَ لَهُ؛ وَمَنْ كَانَ لَهُ فَضْلٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ لَهُ. قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَ حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّهُ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ ” . (مسلم) .
فأنت ترى من خلال هذه النصوص أن المسلمين كلهم كالفرد الواحد وكالجسد الواحد؛ تسعد الأعضاء كلها بسعادته وتحزن لحزنه، فعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :”مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى” . (مسلم) .
فعلينا أن نتكافل وأن نتعاون ؛ ولا سيما في ظل ظروف هذا الوباء والبلاء ؛ وعلى الأغنياء أن يسرعوا في إخراج زكاة أموالهم لإنقاذ حياة المصابين بفيروس كورونا ؛ وما يحتاجونه من علاج ونفقات واسطوانات أوكسجين؛ فهذ داخل في مصارف الزكاة؛ وإذا لم تقم الزكوات بذلك يفرض على الأغنياء بما يسد حاجة المرضي والمصابين؛ قال ابن حزم:” وفرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك، وإن لم تقم الزكوات بهم، ولا في سائر أموال المسلمين بهم، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بد منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يكنهم من المطر والصيف، والشمس وعيون المارة ” . ( المحلى) .
فما أجمل أن نكون جميعًا متعاونين متحابين متكافلين؛ فتسود بيننا علاقات الود والمحبة والتراحم والتكافل !!!
نسأل الله أن يجعل هذا البلد آمنا مطمئنا متحدا متعاونا متكافلا وسائر بلاد المسلمين!!!
الدعاء،،،، وأقم الصلاة،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف