خطبة الجمعة : جبر الخاطر وأثره في توثيق الروابط الاجتماعية ، للدكتور خالد بدير
خطبة الجمعة بعنوان : جبر الخاطر وأثره في توثيق الروابط الاجتماعية ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 28 رجب 1445 هـ ، الموافق 9 فبراير 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 9 فبراير 2024م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : جبر الخاطر وأثره في توثيق الروابط الاجتماعية :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 9 فبراير 2024م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : جبر الخاطر وأثره في توثيق الروابط الاجتماعية ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 9 فبراير 2024م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : جبر الخاطر وأثره في توثيق الروابط الاجتماعية ، بصيغة pdf أضغط هنا.
>
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للمزيد علي قسم خطبة الجمعة القادمة
عناصر خطبة الجمعة القادمة 9 فبراير 2024م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : جبر الخاطر وأثره في توثيق الروابط الاجتماعية : كما يلي:
أولًا: جبرُ الخواطرِ عبادةٌ.
ثانيًا: جبرُ الخواطرِ في حياةِ النبيِّ ﷺ.
ثالثًا: دعوةٌ إلى جبرِ الخواطرِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 9 فبراير 2024م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : جبر الخاطر وأثره في توثيق الروابط الاجتماعية : كما يلي:
جبرُ الخاطرِ وأثرُهُ في توثيقِ الروابطِ الاجتماعيةِ.
28 رجب 1445هـ – 9 فبراير 2024م
المـــوضــــــــــوع
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ.
العنصر الأول من خطبة الجمعة : جبرُ الخاطرِ وأثرُهُ في توثيقِ الروابطِ الاجتماعيةِ
أولًا: جبرُ الخواطرِ عبادةٌ.
كثيرٌ مِن الناسِ يَعتقدُ أنَّ العبادةَ في الإسلامِ مقصورةٌ على الصلاةِ والصيامِ والزكاةِ والحجِ، وهي المشهورةُ عندَ الفقهاءِ بكتابِ العباداتِ، وغفلَ الكثيرُ عن عبادةٍ مِن أهمِّ العباداتِ، بل هي طريقٌ إلى الجنةِ، ألَا وهي عبادةُ جبرِ الخواطرِ، فجبرُ الخواطرِ خلقٌ إسلاميٌّ عظيمٌ يدلُّ على سموِّ نفسٍ، وسلامةِ صدرٍ، ورجاحةِ عقلٍ، يجبرُ المسلمُ فيهِ نفوسًا كُسرتْ؛ وقلوبًا فطرتْ، وأجسامًا أرهقتْ، وأشخاصًا أرواحُ أحبابِهِم أزهقتْ، فمَا أجملَ هذه العبادةَ وما أعظمَ أثرهَا. يقولُ الإمامُ سفيانُ الثوري: “ ما رأيتُ عبادةً يتقربُ بهَا العبدُ إلي ربِّه مثلِ جبرِ خاطرِ أخيهِ المسلم”.
وجبرُ النفوسِ مِن الدعاءِ الملازمِ لرسولِ اللهِ ﷺ. فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فِي صَلاَةِ اللَّيْلِ:” رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَاجْبُرْنِي، وَارْزُقْنِي، وَارْفَعْنِي”. (الترمذي والحاكم وصححه).
ولقد حفلَ القرآنُ الكريمُ بعبادةِ جبرِ الخواطرِ في كثيرٍ مِن المواضعِ، مِن ذلكَ قولُهُ تعالَى لنبيِّهِ ﷺ: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ }. ( القصص:85). فرسولُ اللهِ ﷺ قد أحبَّ مكةَ التي ولدَ ونشأَ فيها، وأُخرجَ منها ظلمًا، وقد احتاجَ في هذا الموقفِ الصعبِ، وهذا الفراقِ الأليمِ إلى شيءٍ مِن المواساةِ وجبرِ الخاطرِ، فأنزلَ اللهُ تعالى لهّ قرآنًا مؤكدًا بقسمٍ، أنَّ الذي فرضَ عليك القرآنَ وأرسلكَ رسولًا وأمركَ بتبليغِ شرعِهِ سيردُّكَ إلى موطنِكَ مكةَ عزيزًا منتصرًا، وقد أنجزَ اللهُ لهُ ما وعدَهُ.
كما اهتمَّ القرآنُ الكريمُ بجبرِ خاطرِ اليتيمِ، فقالَ تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} ( الضحى: 9 ؛ 10 ). يقولُ ابنُ قدامةَ -رحمه اللهُ-: “ وكان مِن توجيهاتِ ربِّنَا – سبحانه وتعالى- لنبيِّهِ ﷺ، فكما كنتَ يتيمًا يا محمدٌ فآواكَ اللهُ، فلا تقهرْ اليتيمَ، ولا تذلهُ، بل: طيبْ خاطرَهُ، وأحسنْ إليهِ، وتلطفْ بهِ، واصنعْ بهِ كمَا تحبُّ أنْ يُصنعَ بولدِكَ مِن بعدِكَ، فنهَى اللهُ عن نهرِ السائلِ وتقريعِه، بل أمرَ بالتلطفِ معهُ، وتطييبِ خاطرهِ، حتى لا يذوقَ ذلَّ النهرِ مع ذلِّ السؤالِ”. أ. ه
وقد كان اللهُ مع الصبيِّ زيدِ بنِ أرقمٍ حين سمعَ عبدَ اللهِ بنَ أبيّ يقولُ: “لئِن رجعنَا المدينةَ ليخرجنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ”، وبلَّغَ الكلمةَ للنبيِّ ﷺ؛ لأنَّ مثلَ هذه الكلمةِ الخطيرةِ لا بُدّ أنْ تُنقلَ، لكن لم يكنْ معهُ مَن يشهدُ لهُ، وظنَّ قومَهُ أنَّهّ غفلَ ونقلَ ما لم يحصلْ لصغرِ سنِّهِ، فلم يصدقُوه، فخفقَ برأسِه مِن الهمِّ ما ذكرَهُ بقولِهِ: “فأصابنِي همٌّ لم يصبنِي مثلهُ قط” فأنزلَ اللهُ: { هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ }. إلى قولِهِ: { يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (المنافقون: 7 ، 8)، فأرسلَ إليَّ رسولُ اللهِ ﷺ فقرأَهَا عليَّ ثم قالَ: ” إنَّ اللهَ قد صدقَكَ يا زيدٌ ”، فجبرَ اللهُ خاطرَ الصبيِّ الذي كان حريصًا على مصلحةِ أهلِ الإسلامِ.
ومِن أشهرِ مواضعِ جبرِ الخواطرِ في القرآنِ الكريمِ الآياتُ التي نزلتْ في حادثةِ الإفكِ، في شأنِ السيدةِ عائشةَ رضي اللهُ عنها، فقد دخلتْ امرأةٌ مِن الأنصارِ على عائشةَ وبكتْ معهَا كثيرًا دونَ أنْ تنطقَ كلمةً. قالتْ: عائشةُ لا أنساهَا لها. وعندما تابَ اللهُ على كعبِ بنِ مالكٍ، بعدمَا تخلفَ عن غزوةِ تبوكٍ، دخلَ المسجدَ مستبشرًا، فقامَ إليهِ طلحةُ يهرولُ واحتضنَهُ، قال: لا أنساهَا لطلحةَ. (والقصتان بتمامهما في البخاري ومسلم).
فمواقفُ جبرِ الخواطرِ في لحظاتِ الانكسارِ لا تُنسَى، مهمَا مرتْ عليهَا الأيامُ والأعوامُ.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة : جبرُ الخاطرِ وأثرُهُ في توثيقِ الروابطِ الاجتماعيةِ
ثانيًا: جبرُ الخواطرِ في حياةِ النبيِّ ﷺ.
لقد ضربَ لنَا رسولُ اللهِ ﷺ أروعَ الأمثلةِ في خلقِ جبرِ الخواطرِ قبلَ البعثةِ وبعدَهَا، ونحن نعلمُ قولَ السيدةِ خديجةَ فيهِ لمّا نزلَ عليهِ الوحيُ وجاءَ يرجفُ فؤادُهُ:” كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا؛ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ؛ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ؛ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ؛ وَتَقْرِي الضَّيْفَ؛ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ”. ( متفق عليه ) .
إنَّ عبادةَ جبرِ الخواطرِ في حياةِ النبيِّ ﷺ شملتْ جميعَ أطيافِ المجتمعِ رجالًا ونساءً صغارًا وكبارًا، فهذا جابرُ بنُ عبدِالله استشهدَ أبوهُ فانكسرَ قلبُهُ، واجتمعتْ عليهِ الهمومُ والغمومُ والديونُ، فما يلبثُ ﷺ حتى يسريِ عنهُ ويجبرَ خاطرَهُ، فعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ يَقُولُ: ” لَمَّا قُتِلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ يَوْمَ أُحُدٍ ، لَقِيَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ فَقَالَ : يَا جَابِرُ ، مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا ؟ قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، اسْتُشْهِدَ أَبِي ، وَتَرَكَ عِيَالاً وَدَيْنًا ، قَالَ : أَفَلاَ أُبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ اللَّهُ بِهِ أَبَاكَ ؟ قَالَ : بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ : مَا كَلَّمَ اللَّهُ أَحَدًا قَطُّ إِلاَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ، وَكَلَّمَ أَبَاكَ كِفَاحًا ، فَقَالَ : يَا عَبْدِي ، تَمَنَّ عَلَيَّ أُعْطِكَ ، قَالَ : يَا رَبِّ تُحْيِينِي ، فَأُقْتَلُ فِيكَ ثَانِيَةً ، فَقَالَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ : إِنَّهُ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ إِلَيْهَا لاَ يَرْجِعُونَ، قَالَ: يَا رَبِّ، فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِي، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}.( ابن ماجة والترمذي وحسنه).
ولا يخفَى علينَا اهتمامُهُ ﷺ بجبرِ خواطرِ النساءِ. فقد روى أنسُ بنُ مالكٍ قالَ: “إِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ!”.( البخاري) .
وحتى الأطفال، كان لهم مِن جبرِ الخاطرِ مع رسولِ اللهِ ﷺ نصيب، فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:” كانَ رَسولُ اللهِ ﷺ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكانَ لي أَخٌ يُقَالُ له: أَبُو عُمَيْرٍ، قالَ: أَحْسِبُهُ، قالَ: كانَ فَطِيمًا، قالَ: فَكانَ إذَا جَاءَ رَسولُ اللهِ ﷺ فَرَآهُ، قالَ: أَبَا عُمَيْرٍ ما فَعَلَ النُّغَيْرُ قالَ: فَكانَ يَلْعَبُ بهِ”. (مسلم).
فهذا الطفلُ ماتَ طائرُهُ، فجبرَ بخاطرهِ النبيُّ ﷺ بهذه الكلماتِ.
وقد تجاوزتْ إنسانيتُهُ ﷺ في جبرِ الخواطرِ مِن عالمِ الإنسانِ إلى عالمِ البهائمِ المعجمةِ، فيروي عبدُ اللهِ بنُ جعفرٍ رضي اللهُ عنهما أنَّ النبيَّ ﷺ دخلَ حائطًا لرجلٍ مِن الأنصارِ، فإذا فيه جملٌ، فلمَّا رأَى النبيَّ ﷺ حنَّ وذرفتْ عيناهُ، فأتاهُ ﷺ فمسحَ ظفراهُ فسكتْ، فقالَ ﷺ: “مَن ربُّ هذا الجمل؟ لمَن هذا الجمل؟” فجاءَ فتىً مِن الأنصارِ فقالَ: لي يا رسولَ اللهِ، فقالَ لهُ: ” أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ ” (أبو داود)، ( وَتُدْئِبهُ: أَيْ تُكْرِههُ وَتُتْعِبهُ)، وقد مَرَّ ﷺ بِبَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ فَقَالَ: “اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً وَكُلُوهَا صَالِحَةً” (أبوداود بسند صحيح) .
العنصر الثالث من خطبة الجمعة : جبرُ الخاطرِ وأثرُهُ في توثيقِ الروابطِ الاجتماعيةِ
ثالثًا: دعوةٌ إلى جبرِ الخواطرِ.
أيُّها الإخوةُ المؤمنون: ما أحوجنَا – في هذا الزمانِ وهذه الظروفِ الراهنةِ وفي أشهرِ الخيراتِ – إلى مواساةِ الناسِ، والتخفيفِ عنهم وتطييبِ خاطرهِم؛ لأنَّ أصحابَ القلوبِ المنكسرةِ كثيرون، ترى أنَّ هذه مُعلَّقةٌ لا هي زوجةٌ، ولا هي مُطلَّقةٌ، وهذه أرملةٌ، وذاك مسكينٌ، وهذا يتيمٌ، والآخرُ عليه ديونٌ وفي حالةِ غمٍّ وهمٍّ، وهذا لا يجدُ جامعةً، وذاك لا يجدُ وظيفةً، وهذا لا يجدُ زوجةً، أو لا يجدُ زواجًا، وذاك مريضٌ، والآخرُ مُبْتلًى، والهمومُ كثيرةٌ.
إنَّ جبرَ خاطرِ هذه الفئاتِ الضعيفةِ سبيلٌ وطريقٌ إلى محبةِ اللهِ تعالى، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ وَأَيُّ الأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا، وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ شَهْرًا، وَمَنَ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يَتَهَيَّأَ لَهُ أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامِ”. (رواه ابن أبي الدنيا والطبراني وغيرهما بسند حسن).
كما أنَّ جبرَ خاطرِ هذه الفئاتِ قد يكونُ سببًا في دخولِكَ الجنة، فعَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ قَالَ: اجْتَمَعَ حُذَيْفَةُ وَأَبُو مَسْعُودٍ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: رَجُلٌ لَقِيَ رَبَّهُ فَقَالَ مَا عَمِلْتَ؟ قَالَ: مَا عَمِلْتُ مِنْ الْخَيْرِ إِلَّا أَنِّي كُنْتُ رَجُلًا ذَا مَالٍ فَكُنْتُ أُطَالِبُ بِهِ النَّاسَ فَكُنْتُ أَقْبَلُ الْمَيْسُورَ وَأَتَجَاوَزُ عَنْ الْمَعْسُورِ، فَقَالَ: تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي” (مسلم) .
فهذا الرجلُ لم يعملْ خيرًا قط سوى خلقٍ واحدٍ وهو جبرُ خواطرِ المدينينَ والمعسرينَ والتجاوزِ عنهُم، فكان الجزاءُ مِن جنسِ العملِ، وأصبحَ جبرُ الخاطرِ طريقًا لهُ إلى الجنةِ.
فما أجملَ أنْ يسعَى الإنسانُ في قضاءِ حوائجِ المسلمينَ، وجبرِ خاطرهِم، وتفريجِ كروبهِم، وتقديمِ يدِ العونِ لهُم، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:” الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ؛ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ؛ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”.(متفق عليه) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ”(مسلم).
يقولُ الإمامُ النوويُّ: ” فيهِ فضلُ قضاءِ حوائجِ المسلمين ونفعهِم بما تيسرَ مِن علمٍ أو مالٍ أو معاونةٍ أو إشارةٍ بمصلحةٍ أو نصيحةٍ وغيرِ ذلك، وفضلُ السترِ على المسلمين، وفضلُ إنظارِ المعسرِ.” (شرح النووي ) .
كما أنَّ جبرَ خواطرِ الأطفالِ والصبيانِ وتحبيبَهُم في المساجدِ مِن الصفاتِ الحميدةِ التي تجعلُ قلوبَهُم معلقةً بالمساجدِ بدلًا مِن نهرِهِم وطردِهِم، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن شَدَّادِ بن الْهَادِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فِي إِحْدَى صَلاتَيِ النَّهَارِ: الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ، وَهُوَ حَامِلٌ الْحَسَنَ أَوِ الْحُسَيْنَ، فَتَقَدَّمَ فَوَضَعَهُ عِنْدَ قَدَمِهِ الْيُمْنَى، فَسَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَجْدَةً فَأَطَالَهَا، فَرَفَعْتُ رَأْسِيَ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَاجِدٌ، وَإِذَا الْغُلامُ رَاكِبٌ ظَهْرَهُ، فَعُدْتُ فَسَجَدْتُ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، قَالَ نَاسٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ سَجَدْتَ فِي صَلاتِكَ هَذِهِ سَجْدَةً مَا كُنْتَ تَسْجُدُهَا، أَشَيْئًا أُمِرْتَ بِهِ، أَوْ كَانَ يُوحَى إِلَيْكَ؟ قَالَ:”كُلٌّ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي، فَكَرِهْتُ أَنْ أُعْجِلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ”. (أحمد والحاكم وصححه). فما أجملها من أخلاق!
إنَّ تطييبَ الخاطرِ لا يحتاجُ إلى كثيرِ جهدٍ، ولا كبيرِ طاقةٍ، فربّمَا يكفِي البعضُ كلمةً مِن ذكرٍ، أو دعاءٍ، أو موعظةٍ، وربَّمَا يحتاجُ الآخرُ إلى مساعدةٍ، وينتظرُ البعضُ قضاءَ حاجةٍ، ويكتفِي البعضُ الآخرُ بابتسامةٍ، فعلينَا أنْ نَجتهدَ بإدخالِ الفرحِ والسرورِ إلى قلوبِ إخوانِنَا، ولا نبخَلُ على أنفسِنَا، فالصدقةُ والخيرُ نَفْعُهُ يعودُ إليك.
فاجبرُوا خواطرَ مَن حولَكُم، فمَن سارَ بينَ الناسِ جابرًا للخواطرِ، أدركتْهُ عنايةُ اللهِ في المخاطرِ.
نسألُ اللهَ أنْ يجعلَنَا مِن أهلِ جبرِ الخواطرِ، وأنْ يحفظنَا مِن المخاطرِ ؛؛
الدعاء،،،، وأقم الصلاة،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف