خطبة الجمعة بعنوان : يا باغي الخير أقبِل ، للدكتور خالد بدير
بتاريخ 29 شعبان 1446 هـ ، الموافق 28 فبراير 2025م.

خطبة الجمعة بعنوان : يا باغي الخير أقبِل ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 29 شعبان 1446 هـ ، الموافق 28 فبراير 2025م.
تحميل خطبة الجمعة القادمة 28 فبراير 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : يا باغي الخير أقبِل :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 28 فبراير 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : يا باغي الخير أقبِل ، بصيغة word أضغط هنا.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 28 فبراير 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : يا باغي الخير أقبِل ، بصيغة pdf أضغط هنا.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 28 فبراير 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : يا باغي الخير أقبِل : كما يلي:
أولًا: فضلُ شهرِ رمضانَ المباركِ.
ثانيًا: طاعاتٌ وعباداتٌ في شهرِ البركاتِ.
ثالثًا: وضعُ خُطةٍ وبرنامجٍ عمليٍّ للاستفادةِ مِن رمضانَ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 28 فبراير 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : يا باغي الخير أقبِل : كما يلي:
يا باغيَ الخيرِ أقبِلْ
29 شعبان 1446هـ – 28 فبراير 2025م
المـــوضــــــــــوع
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
العنصر الأول من خطبة الجمعة بعنوان : يا باغي الخير أقبِل
أولًا: فضلُ شهرِ رمضانَ المباركِ.
مِن حكمةِ اللهِ سبحانَهُ أنْ فاضلَ بينَ خلقِهِ زماناً ومكاناً، ففضّلَ بعضَ الأمكنةِ على بعضٍ، وفضّلَ بعضَ الأزمنةِ على بعضٍ، ففضّلَ في الأزمنةِ شهرَ رمضانَ على سائرِ الشهورِ، فهو فيهَا كالشمسِ بينَ الكواكبِ، واختصَّ هذا الشهرَ بفضائلَ عظيمةٍ ومزايَا كبيرةٍ، فهو الشهرُ الذي أنزلَ اللهُ فيهِ القرآنَ، قال تعالى: { شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ } (البقرة:185).
وهو الشهرُ الذي فرضَ اللهُ صيامَهُ، فقالَ سبحانَهُ: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (البقرة:183).
وهو شهرُ التوبةِ والمغفرةِ، وتكفيرُ الذنوبِ والسيئاتِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: ” الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ”. (مسلم).
فمَن صامَهُ وقامَهُ إيماناً بموعودِ اللهِ، واحتساباً للأجرِ والثوابِ عندَ اللهِ، غفرَ لهُ ما تقدمَ مِن ذنبِهِ، ولهذا يقولُ الرسولُ ﷺ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ».(متفق عليه). يقولُ الإمامُ ابنُ حجرٍ رحمَهُ اللهُ:” الْمُرَادُ بِالْإِيمَانِ الِاعْتِقَادُ بِحَقِّ فَرْضِيَّةِ صَوْمِهِ وَبِالِاحْتِسَابِ طَلَبُ الثَّوَابِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: احْتِسَابًا أَيْ عَزِيمَةً، وَهُوَ أَنْ يَصُومَهُ عَلَى مَعْنَى الرَّغْبَةِ فِي ثَوَابِهِ طَيِّبَةً نَفْسُهُ بِذَلِكَ غَيْرَ مُسْتَثْقِلٍ لِصِيَامِهِ وَلَا مُسْتَطِيلٍ لِأَيَّامِه.”(فتح الباري) . ه.
كما هو شهرُ العتقِ مِن النارِ، ففي حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:” وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ”. (الترمذي وابن ماجة).
وفيه تفتحُ أبوابُ الجنانِ وتغلقُ أبوابُ النيرانِ، وتصفدُّ الشياطينُ، لذلك ينبغِي على العبدِ أنْ يغتنمَ فرصةَ تقييدِ الشياطين في شهرِ رمضانَ، حتى يظفرَ بالنصرِ عليهم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ” إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ؛ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ؛ وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ ” . ( مسلم) .
وهو شهرُ الصبرِ، والصبرُ لا يتجلَّى في شيءٍ مِن العباداتِ كما يتجلَّى في الصومِ، ففيهِ يحبسُ المسلمُ نفسَهُ عن شهواتِهَا ومحبوباتِهَا، ولهذا كان الصومُ نصفَ الصبرِ، وجزاءُ الصبرِ الجنة، قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}. (الزمر: 10)؛ فلم يحددْ لهم الأجر، والعطيةُ على قدرِ المعطِي، يقولُ الإمامُ الأوزاعيُّ: ” لا يوزنُ لهم بميزانٍ، ولا يُكالُ لهم بمكيالٍ، وإنّمَا يغرفُ لهم غرفًا “.(تفسير ابن كثير).
وهو شهرٌ فيهِ ليلةُ القدرِ، وكان ﷺ يتحرَّى ليلةَ القدرِ لشرفِهَا وفضلِهَا، قال ابنُ كثيرٍ في تفسيرِهِ عن مجاهدٍ: ” أنَّ النبيَّ ﷺ ذكرَ رجلًا مِن بنِي إسرائيلَ لَبسَ السلاحَ في سبيلِ اللهِ ألفَ شهرٍ، قال: فَعَجبَ المسلمونَ مِن ذلك، قال: فأنزلَ اللهُ عزَّ وجلَّ: { إِنَّا أَنزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ؛ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ؛ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ } ( القدر : 1-3) التي لبسَ ذلك الرجلُ السلاحَ في سبيلِ اللهِ ألفَ شهرٍ “. أهـ
فليلةٌ واحدةٌ خيرٌ مِن عبادةِ 83 سنةً مِن الأممِ الماضيةِ، فمَا بالُكَ لو صادفتْكَ ليلةُ القدرِ عشرينَ سنةً مثلًا!!
فانظرْ إلى هذه الفضائلِ الجمّةِ، والمزايا العظيمةِ في هذا الشهرِ المباركِ، فحريٌّ بكَ -أخي المسلم- أنْ تعرفَ لهُ حقّهُ، وأنْ تقدرَهُ حقَّ قدرِهِ، وأنْ تغتنمَ أيامَهُ ولياليه، عسى أنْ تفوزَ برضوانِ اللهِ، فيغفرُ اللهُ لكَ ذنبَكَ وييسرُ لكَ أمرَكَ، ويكتبُ لكِ السعادةَ في الدنيا والآخرةِ.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة بعنوان : يا باغي الخير أقبِل
ثانيًا: طاعاتٌ وعباداتٌ في شهرِ البركاتِ.
هناكَ عدةُ طاعاتٍ وعباداتٍ يغتنمُ بهَا الصائمُ شهرَ البركاتِ، ليفوزَ بأعلَى المنازلِ والدرجاتِ، منها:
الجودُ والكرمُ: فالجودُ والكرمُ مستحبٌّ في كلِّ وقتٍ، إلَّا أنَّهُ آكدٌ في رمضانَ، فالصيامُ يُعينُ المسلمَ على الإحسانِ للفقراءِ والمساكينِ وأصحابِ الحاجاتِ، فالصائمُ إذا جاعَ أحسَّ بحاجةِ الجائعين، وإذا عطشَ أحسَّ بالظامئين، فيحفزهُ ذلك على الإحسانِ إليهِم والشفقةِ عليهم، والسعيِ في سدِّ جُوْعهِم وظمأهِم، وإدخالِ السرورِ والفرحِ عليهِم. ولهذا كان ﷺ كثيرَ الجودِ والكرمِ في رمضانَ، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَجْوَدَ النَّاسِ؛ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ؛ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ؛ فَلَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ.”(متفق عليه) .
ومنها: مدارسةُ القرآنِ: فقد كان جبريلُ – عليهِ السلامُ – يدارسُ القرآنَ لنبيِّنَا ﷺ في شهرِ رمضانَ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ” كَانَ يَعْرِضُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ الْقُرْآنَ كُلَّ عَامٍ مَرَّةً؛ فَعَرَضَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ فِي الْعَامِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ“. (البخاري). فالقرآنُ خيرٌ في كلِّ أحوالِهِ: نزلَ جبريلُ بالقرآنِ فأصبحَ جبريلُ خيرَ الملائكةِ، ونزلَ القرآنُ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ فصارَ سيدَ الخلقِ، وجاءَ القرآنُ إلى أمةِ مُحمدٍ فأصبحتْ خيرَ أمةٍ، ونزلَ القرآنُ في شهرِ رمضانَ فأصبحَ خيرَ الشهورِ، ونزلَ القرآنُ في ليلةِ القدرِ فأصبحتْ خيرًا مِن ألفِ شهرٍ، فماذا لو نزلَ القرآنُ في قلوبِنَا ؟!! ومِن هنَا كانت علاقةُ شهرِ رمضانَ بالقرآنِ علاقةً قويةً، حيثُ نزولُهُ في هذا الشهرِ المباركِ، ومدارسةُ جبريلَ عليه السلامُ للرسولِ ﷺ. وكان قتادةُ -رحمه اللهُ- يختمُ القرآنَ في كلِّ سبعِ ليالٍ مرةً، فإذا دخلَ رمضانُ ختمَ في كلِّ ثلاثِ ليالٍ مرةً، فإذا دخلَ العشرُ ختمَ في كلِّ ليلةٍ مرةً.
ومنها: قيامُ الليلِ: اقتداءً بالنبيِّ ﷺ، وينبغي إيقاظُ الأهلِ والأولادِ لاغتنامِ هذه الليالي المباركةِ. قال سفيانُ الثوري رحمَهُ اللهُ: أحبُّ إليَّ إذا دخلَ رمضانُ أنْ يتهجدَ بالليلِ، ويجتهدَ فيهِ، ويُنهضَ أهلَهُ وولدَهُ إلى الصلاةِ إنْ أطاقُوا ذلك. فعن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ: ” رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ، فَإِنْ أَبَتْ، نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، ورَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ، وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فَإِنْ أَبَى، نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ.”(أبو داود) .
وفي الموطأِ أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ كان يُصلِّي مِن الليلِ ما شاءَ اللهُ أنْ يُصلِّي، حتى إذا كان نصفُ الليلِ أيقظَ أهلَهُ للصلاةِ، يقولُ لهُم: الصلاةَ الصلاةَ، ويتلُو هذه الآيةَ: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه:132].
تابع / خطبة الجمعة بعنوان : يا باغي الخير أقبِل
إنَّ هذه العنايةَ بأمرِ الزوجةِ والأهلِ والأولادِ تجعلُ مِن البيتِ المسلمِ يعيشُ في روحانيةِ رمضانَ هذا الشهرِ الكريمِ، عندما يقبلُ الأبُّ والأمُّ والأولادُ على الصلاةِ والعبادةِ والذكرِ وقراءةِ القرآنِ، ولنحفزَهُم على ذلك الخيرِ، فمَن دعا إلى هُدَى كان لهُ مِن الخيرِ والأجرِ مثلُ أجورِ مَن اتبعَهُ لا ينقصُ ذلك مِن أجورِهِم شيئًا.
ومنها: كثرةُ الدعاءِ: فالدعاءُ لهُ مكانةٌ عظيمةٌ ولا سيّمَا في رمضانَ، مِن أجلِ ذلك جاءتْ آيةُ الدعاءِ في سياقِ آياتِ الصيامِ، لتدلَّ دلالةً واضحةً على ارتباطِ عبادةِ الصومِ بعبادةِ الدعاءِ، قالَ تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}. (البقرة: 186).
وهذا فيهِ إشارةٌ دقيقةٌ للعلاقةِ الوطيدةِ بينَ رمضانَ والدعاءِ، فالدعاءُ في هذا الشهرِ المباركِ الفضيلِ يخرجُ مِن قلبٍ خاشعٍ ونفسٍ مطمئنةٍ امتنعتْ عن الطعامِ والشرابِ والشهواتِ امتثالًا لأمرِ اللهِ وطاعةً لرسولِهِ الكريمِ ﷺ، فللصائمِ عندَ فطرِهِ دعوةٌ لا تُردُّ، قالَ ﷺ: «إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ»[ابن ماجة والطبراني]. وكان عبدُ اللهِ بنُ عمرِو بنِ العاص إذا أفطرَ يقولُ: ” اللهُمَّ إنِّي أسألُكَ برحمتِكَ التي وسعتْ كلَّ شئٍ أنْ تغفرَ لِي “.
ومنها: الاجتهادُ في العبادةِ في العشرِ الأواخرِ مِن رمضانَ: فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:” كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ؛ وَأَحْيَا لَيْلَهُ؛ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ.”(متفق عليه) . وفي رواية لمسلم: ” كَانَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ “.
ومنها: التحَلِّي بمكارمِ الأخلاقِ: لأنَّ رمضانَ هو شهرُ الأخلاقِ ومدرستهَا، ولقد ربَّي الرسولُ ﷺ الصائمينَ على أرفعِ القيمِ الخلقيةِ وأنبلِهَا حيثُ يقولُ: “الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ : إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ ” (البخاري ومسلم)، والمعني: إنِّي في غايةِ التقوى والتحلِّي بأخلاقِ الصيامِ، ولا ينبغِي لي أنْ أفسدَ صومِي بالردِّ عليك بهذه الأقوالِ البذيئةِ، فعليكَ أنْ تدركَ أنَّ الصومَ يحجزُكَ عن ذلك؛ لأنَّه جنةٌ ووقايةٌ مِن سيءِ الأخلاقِ، شرعَهُ اللهُ تعالى ليهذبَ النفسَ، ويعودَهَا الخيرَ، فينبغِي أنْ يتحفظَ الصائمُ مِن الأعمالِ التي تخدشُ صومَهُ، حتى ينتفعَ بالصيامِ، وتحصلَ له التقوى والأخلاقُ.
وهكذا يعملُ الصيامُ على تربيةِ النفسِ وتزكيتِهَا بجميعِ جوانبِهَا؛ ليصلَ بهَا إلى أعلَى درجاتِ الكمالِ المنشودِ.
فعليكَ أخي الصائم أنْ تلزمَ طريقَ الخيرِ مِن صيامٍ وقيامٍ وطاعاتٍ حتى تخرجَ مِن رمضانَ وقد تحققَ فيك قولُهُ ﷺ :” غُفِرَ لهُ ما تقدمَ مِن ذنبِهِ”. واحذرْ طرقَ الشرِ والشيطانِ، حتى لا تكونَ مِن الذين دعَا عليهم جبريلُ الأمينُ، وأمَّنَ خلفَهُ خاتمُ المرسلين. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ” أَنّ النَّبِيَّ ﷺ رَقَى الْمِنْبَرَ ، فَقَالَ: آمِينَ ، آمِينَ ، آمِينَ ” ، قِيلَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا كُنْتَ تَصْنَعُ هَذَا ؟ فَقَالَ: قَالَ لِي جِبْرِيلُ: رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا لَمْ يُدْخِلْهُ الْجَنَّةَ ، قُلْتُ: آمِينَ ، ثُمَّ قَالَ: رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ ، فَقُلْتُ: آمِينَ ، ثُمَّ قَالَ: رَغِمَ أَنْفُ امْرِئٍ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ ، فَقُلْتُ: آمِينَ” .(أحمد والترمذي وحسنه).
فاحرصْ أخي الصائمَ على كلِّ ما يزيدُ إيمانَكَ ويحسنُ أخلاقَكَ، ويهذب نفسك مِن طاعاتٍ وقرباتٍ، واجتنبْ كلَّ ما يُنقصُ إيمانَكَ، ويسئُ أخلاقَكَ مِن معاصيِ وسيئاتٍ.
العنصر الثالث من خطبة الجمعة بعنوان : يا باغي الخير أقبِل
ثالثًا: وضعُ خُطةٍ وبرنامجٍ عمليٍّ للاستفادةِ مِن رمضانَ.
الكثيرونُ مِن الناسِ وللأسفِ الشديدِ يخططونَ تخطيطاً دقيقاً لأمورِ الدنيا، ولكنْ قليلونَ هُم الذينَ يخططونَ لأمورِ الآخرةِ، وهذا ناتجٌ عن عدمِ الإدراكِ لمهمةِ المؤمنِ في هذه الحياةِ، ونسَي أو تناسَى أنّ للمسلمِ فرصاً كثيرةً مع اللهِ ومواعيدَ مهمةً لتربيةِ نفسِهِ حتى تثبتَ على هذا الأمرِ، ومِن أمثلةِ هذا التخطيطِ للآخرةِ، التخطيطُ لاستغلالِ رمضانَ في الطاعاتِ، فيضعُ المسلمُ لهُ برنامجاً عملياً لاغتنامِ أيامِ وليالي رمضانَ في طاعةِ اللهِ تعالى:
تُصلِّي جميعَ الأوقاتِ في جماعةٍ، والتراويحَ بجزءٍ، والمحافظةُ على صلاةِ الضحَى، والتهجدِ، وصلةِ الأرحامِ، والإنفاقِ، وزيارةِ المرضَي، وحضورِ الجنائزِ، وغيرِ ذلكَ، فتقومُ بعملِ جدولٍ في كراسةٍ مِن ثلاثينَ خانةٍ ولكلِّ يومٍ تسطرُ فيهِ أعمالَهُ، ثم توقعُ عليهَا وتكتبُ شرطًا جزائيًّا: أقرُّ أنَا الموقعُ أدناهُ أنّنِي لن أقصرَ في أيْ بندٍ مِن البنودِ سالفةِ الذكرِ، وإذا قصرتُ أتعهدُ بدفعِ مبلغِ كذَا صدقةً. حتى الشرطُ الجزائِي يكونُ طاعةً!
وليكنْ لكُم القدوةُ في سلفِكُم الصالحِ وكيف كانوا يتسابقونَ إلى أبوابِ الخيرِ، فهذا أبو بكرٍ – رضي اللهُ عنه – الرجلُ الذي ما وَجَدَ طريقًا علِم أنَّ فيها خيرًا وأجرًا إلاَّ سلَكَهَا ومشَى فيهَا، فحينم٩ا وجَّهَ النبيُّ ﷺ إلى أصحابِه بعضَ الأسئلةِ عن أفعالِ الخيرِ اليوميَّة، كان أبو بكرٍ الصديق هو المجيب، قال ﷺ: ” مَن أصبحَ مِنكُم اليومَ صائمًا؟ “، قال أبو بَكرٍ: أنا، قال: ” فمَن تَبِع مِنكم اليومَ جنازةً؟”، قال أبو بكرٍ: أنا، قال: ” فمَن أَطْعَم منكم اليومَ مِسكينًا؟ “، قال أبو بكر: أنا، قال: ” فمَن عادَ مِنكم اليومَ مريضًا؟”، قال أبو بكر: أَنا، فقال رسولُ الله – ﷺ -: ” ما اجْتمَعْنَ في امرئٍ إلاَّ دخَل الجَنَّةَ .”( أخرجه مسلم) .
فيا أيُّها المتقاعسونَ، استبقُوا الخيراتِ؛ فإنَّ الإنسانَ لا يدرِي ماذا يعرضُ لهُ؟ فهناك مَن يُصابُ بالفقرِ بعدَ الغنَى، وهناك مَن يغنَى غنى يصلُ بهِ إلى درجةِ الطغيانِ، وهناك مَن يعرضُ لهُ المرضُ، وهناك مِن يصيبُهُ الهرمُ، حتى يصلَ بهِ إلى درجةِ الخرفِ، وهناك مَن يأتيهِ الموتُ سريعًا، ولذلك قال المعصومُ ﷺ: ” بَادِروا بالأعمالِ سبعًا؛ هلْ تَنتظِرونَ إلاَّ فقرًا مُنسِيًا، أو غِنىً مُطغِيًا، أو مرَضًا مُفسِدًا، أو هَرَمًا مُفنِّدًا، أو موتًا مُجهِزًا، أو الدجالَ فشرُّ غائِبٍ يُنتظَر، أو الساعةَ فالساعةُ أدْهى وأمَرُّ”. (النسائي والترمذي وحسنه).
فبادرْ – أيُّها الحبيبُ – إلى العباداتِ والطاعاتِ، وسارعْ إلى الصالحاتِ تَنلْ البركاتِ، وتُستجَابُ منكَ الدعواتُ، وتُفرّجُ لكَ الكرباتُ، وتَنلْ المرضاتِ مِن ربِّ البرياتِ، وتزودْ بالخيراتِ لتفرحَ بلقاءِ ربِّ الأرضِ والسماواتِ !!!
نسألُ اللهَ أنْ يتقبلَ منَّا صيامنَا وقيامنَا وصالحَ أعمالِنَا، وأنْ يحفظَ مصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ،،
الدعاء،،،، وأقم الصلاة،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف