أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة بعنوان : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ ، للدكتور خالد بدير

بتاريخ 10 رجب 1446 هـ ، الموافق 10 يناير 2025م

خطبة الجمعة بعنوان : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 10 رجب 1446 هـ ، الموافق 10 يناير 2025م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 10 يناير 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ :

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 10 يناير 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ ، بصيغة  word أضغط هنا.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 10 يناير 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

عناصر خطبة الجمعة القادمة 10 يناير 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ : كما يلي:

 

أولًا: أهميةُ الأخلاقِ ومكانتُهَا في الإسلامِ.

ثانيًا: التعايشُ السلميُّ صورٌ ومظاهرُ مشرقةٌ.

ثالثًا: قضايا اجتماعيةٌ معاصرةٌ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 10 يناير 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ : كما يلي:

 

وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ

10 رجب 1446هـ – 10 يناير 2025م

المـــوضــــــــــوع

الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ . أمَّا بعدُ:

العنصر الأول من خطبة الجمعة بعنوان : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ

أولًا: أهميةُ الأخلاقِ ومكانتُهَا في الإسلامِ.

إنَّ للأخلاقِ أهميةً كُبرَى في الإسلامِ، فالخُلقُ مِن الدينِ كالروحِ مِن الجسدِ، والإسلامُ بلا خُلقٍ جسدٌ بلا رُوحٍ، بل إنَّهُ أخبرَنَا أنَّ الهدفَ مِن بعثتِهِ غرسُ مكارمِ الأخلاقِ في أفرادِ المجتمعِ فقالَ:” إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ صالحَ الأخلاقِ” [أحمد والبيهقي والحاكم وصححه]. قال المناويُّ: “أيْ أُرسلتُ لأجلِ أنْ أكملَ الأخلاقَ بعدَ ما كانتْ ناقصةً، وأجمعُهَا بعدَ التفرقةِ.” وقد وقفَ العلماءُ عندَ هذا الحديثِ قائلينَ: لماذَا حصرَ النبيُّ بعثتَهُ في مكارمِ الأخلاقِ مع أنَّهُ بُعِثَ بالتوحيدِ والعباداتِ وهي أرفعُ منزلةً وأهمُّ مِن الأخلاقِ؟!!

والجوابُ: أنَّ التوحيدَ والعباداتِ شُرِعَتْ مِن أجلِ ترسيخِ مكارمِ الأخلاقِ بينَ أفرادِ المجتمعِ، فالغايةُ والحكمةُ مِن تشريعِ العباداتِ هي غرسُ الأخلاقِ الفاضةِ وتهذيبُ النفوسِ، كما في الصلاةِ والزكاةِ والصومِ والحجِّ وغيرِهَا.

ولأهميةِ الأخلاقِ أصبحتْ شعارًا للدينِ ( الدينُ المعاملةُ ) فلم يكنْ الدينُ صلاةً ولا زكاةً ولا صومًا فحسب.

قالَ الفيرُوز آبادِي رحمَهُ اللهُ: “اعلمْ أنَّ الدينَ كلَّهُ خُلقٌ، فمَن زادَ عليكَ في الخُلقِ، زادَ عليكَ في الدينِ”.

بل إنَّ حسنَ الخُلقِ مِن كمالِ الإيمانِ، فصاحبُ الأخلاقِ الحسنةِ يكونُ كاملَ الإيمانِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :” أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا؛ وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا.” [أبو داود والترمذي وصححه]. قالَ المباركفورِي: ” أكملُ المؤمنينَ إيمانًا أحسنُهُم خُلقًا “: لأنَّ كمالَ الإيمانِ يوجبُ حُسنَ الخُلقِ والإحسانَ إلى كافةِ الإنسانِ، ” وخياركُم خياركُم لنسائِهِم “: لأنّهنَّ محلُّ الرحمةِ لضعفِهِنَّ”.

إنَّ حُسنَ الخُلقِ طريقٌ إلى الجنةِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ؟ فَقَالَ:” تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ “.  [ أحمد والترمذي وصححه ] .

 وقد وقفتُ كثيرًا عندَ هذا الحديثِ متسائلًا: لماذا اقتصرَ النبيُّ في هذا الحديثِ على هذينِ الأمرينِ ؟!

قال العلماءُ في ذلك: لأنَّ تقوَى اللهِ تُصلِحُ ما بينكَ وبينَ اللهِ، فتمتثلُ الأوامرَ وتنتهِي عن المحرماتِ !!

وحُسنُ الخُلقِ يُصلِحُ ما بينكَ وبينَ الناسِ، فلا تكذبْ على أحدٍ، ولا تخنْ أحدًا، ولا تحقدْ على أحدٍ … إلخ

وقد حفلتْ السنةُ النبويةُ المباركةُ على كثيرٍ مِن الأحاديثِ التي تدلُّ على أنَّ الأخلاقَ طريقٌ إلى الجنةِ، فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :” أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ “. [ أبو داود والترمذي وحسنه]. كمَا أنَّ صاحبَ الأخلاقِ الحسنةِ رفيقُ النبيِّ في الجنةِ، فعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:” إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ؟ قَالَ: الْمُتَكَبِّرُونَ” [الترمذي وحسنه]. وحُسنُ الخُلقُ يثقلُ موازينَ العبدِ يومَ القيامةِ ويرفعُهُ درجاتٍ في الجنةِ، فعَنْ أَبِي الدرداءِ رضي اللهُ عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ : ” مَا مِنْ شَيْءٍ فِي اَلْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ اَلْخُلُقِ” ( أَبُو دَاوُدَ). ويقولُ أيضًا :” إِنَّ الْعَبْدَ لَيَبْلُغُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ” . [أبودواد والحاكم وصححه].

كمَا أنَّ خُلقًا واحدًا مِن بينِ سائرِ الأخلاقِ قد يكونُ سببًا في دخولِكَ الجنة، فعَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ قَالَ: اجْتَمَعَ حُذَيْفَةُ وَأَبُو مَسْعُودٍ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: رَجُلٌ لَقِيَ رَبَّهُ فَقَالَ مَا عَمِلْتَ؟ قَالَ: مَا عَمِلْتُ مِنْ الْخَيْرِ إِلَّا أَنِّي كُنْتُ رَجُلًا ذَا مَالٍ فَكُنْتُ أُطَالِبُ بِهِ النَّاسَ فَكُنْتُ أَقْبَلُ الْمَيْسُورَ وَأَتَجَاوَزُ عَنْ الْمَعْسُورِ، فَقَالَ: تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِي” (مسلم).

فخُلقٌ واحدٌ كان طريقًا لهذا الرجلِ إلى الجنةِ، فما بَالُكَ لو تحليتَ بمكارمِ الأخلاقِ كلِّهَا؟!!

لذلك اهتَمَّ الصحابةُ بحسنِ الخُلقِ وطلبِهِ مِن اللهِ، فعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ : بَاتَ أَبُو الدَّرْدَاءِ اللَّيْلَةَ يُصَلِّي فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَقُولُ : ” اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي، حَتَّى أَصْبَحَ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ، مَا كَانَ دُعَاؤُكَ مُنْذُ اللَّيْلَةِ إِلا فِي حُسْنِ الْخُلُقِ، قَالَ: يَا أُمَّ الدَّرْدَاءِ، إِنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ يَحْسُنُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ حُسْنُ خُلُقِهِ الْجَنَّةَ، وَيَسُوءُ خُلُقُهُ حَتَّى يُدْخِلَهُ سُوءُ خُلُقِهِ النَّارَ” (شعب الإيمان للبيهقي) .

إنَّ كثيرًا منَّا يُكثرُ مِن الصلاةِ والصيامِ والأعمالِ الصالحةِ، ولكنَّهُ للأسفِ يسوءُ خلقُهُ في التطبيقِ العملِيِّ مع الناسِ والأهلِ والجيرانِ، فسلَكَ بذلكَ طريقًا إلى النارِ بدلًا مِن طريقِ الجنةِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَة ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا ، وَصِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: ” هِيَ فِي النَّارِ ” ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا ، وَصَدَقَتِهَا ، وَصَلَاتِهَا ، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنَ الْأَقِطِ ، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ، قَالَ : ” هِيَ فِي الْجَنَّةِ ” . ( ابن حبان والحاكم وصححه ) .

فعليكُم أنْ تُحسنُوا أخلاقَكُم لتكونَ طريقَكُم إلى الجنةِ، وإيَّاكُم وسوءَ الخلقِ حتى لا يكونَ طريقَكُم إلى النارِ !!

العنصر الثاني من خطبة الجمعة بعنوان : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ

ثانيًا: التعايشُ السلميُّ صورٌ ومظاهرُ مشرقةٌ.

لقد أمرَ اللهُ المسلمينَ في القرآنِ الكريمِ ببرِّ غيرِهِم، الذين لم يتعرضُوا لهُم بالأذَى والقتالِ، فقالَ تعالى: { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الممتحنة:8، 9). وقد تجلَّى حسنُ الخُلقِ عندَ المسلمينَ في تعاملِهِم مع غيرِهِم في كثيرٍ مِن تشريعاتِ الإسلامِ التي أبدعت الكثيرَ مِن المواقفِ الفياضةِ بمشاعرِ الإنسانيةِ والرفقِ.

فقد أوجبَ الإسلامُ حسنَ العشرةِ وصلةَ الرحمِ حتى مع الاختلافِ في الدينِ، فقد أمرَ اللهُ بحسنِ الصحبةِ للوالدينِ وإنْ جهدَا في ردِّ ابنهِمَا عن التوحيدِ إلى الشركِ، فإنَّ ذلكَ لا يقطعُ حقهمَا في برِّهِ وحسنِ صحبتِهِ، فقالَ تعالَى: { وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا }. (لقمان: 15). وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: قَدِمَتْ أُمِّي، وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدُوا رَسُولَ اللَّهِ وَمُدَتُهُمْ مَعَ أَبِيهَا، فَاسْتَفتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ» ( متفق عليه). وروي البخاريُّ في الأدبِ المفردِ عن مجاهدٍ أنّهُ سمعَ عبدَ اللهِ بنَ عمرٍو يقولُ لغلامٍ لهُ يسلخُ شاةً: يا غلامٌ إذا فرغتَ فابدأْ بجارِنَا اليهودِي. فقالَ رجلٌ مِن القومِ: اليهودِيُّ أصلحَكَ اللهُ!؟ فقالَ: سمعتُ النبيَّ  يوصِي بالجارِ، حتى خشينَا أنّهُ سيورثُهُ.

كما كتبَ خالدٌ بنُ الوليدِ لنصارَى الحيرة : ” أيَّمَا شيخٌ ضعفَ عن العملِ ، أو أصابَتْهُ آفةٌ مِن الآفاتِ، أو كان غنيًّا فافتقرَ وصارَ أهلُ دينِهِ يتصدقونَ عليهِ، طُرِحَت جزيتُهُ، وعيلَ مِن بيتِ مالِ المسلمينَ هو وعيالُهُ”.

وروى أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ رأَى شيخًا كبيرًا مِن أهلِ الجزيةِ يسأل الناسَ فأخذَ بيدِهِ وذهبَ بهِ إلى منزلِهِ، فرضخَ لهُ بشيءٍ مِن المنزلِ، ثم أرسلَ إلى خازنِ بيتِ المالِ فقالَ: ( اُنظرْ هذَا وضرباءَهُ، فو اللهِ ما أنصفنَاهُ أنْ أكلنَا شبيبتَهُ ثُمَّ نخذلهُ عندَ الهرَمِ { إنّمَا الصدقاتُ للفقراءِ والمساكينِ} والفقراءُ هُم المسلمونَ، وهذا مِن المساكينِ مِن أهلِ الكتابِ)، ووضعَ عنهُ الجزيةَ وعن ضربائِهِ.

وكتبَ الخليفةُ الراشدُ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ إلى واليِّهِ عديِّ بنِ أرطأة: “وانظُرْ مِن قِبَلكَ مِن أهلِ الذمةِ قد كبرتْ سنُّهُ وضعفتْ قوتُهُ وولتْ عنهُ المكاسبُ، فأجرِ عليهِ مِن بيتِ مالِ المسلمينَ ما يصلحُهُ”. ( الأموال ؛ أبو عبيد ).

هذه هي أهمُّ مظاهرِ التعايشِ السلمِيِّ التي يدعُو إليهَا الإسلامُ مِن خلالِ قولِهِ تعالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } ( البقرة: 208).

العنصر الثالث من خطبة الجمعة بعنوان : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ

ثالثًا: قضايا اجتماعيةٌ معاصرةٌ.

أيُّها الإخوةُ المؤمنونَ: هناكَ عدةُ قضايا اجتماعيةٍ منتشرةٌ في المجتمعِ المصرِي يجبُ التنبيهُ عليهَا، منهَا:

القضيةُ الأولَى: قضيةُ المواطنةُ: فحينمَا استقرَّ النبيُّ في المدينةِ المنورةِ بعدَ الهجرةِ إليهَا أسَّسَ نظامًا عامًا أساسُهُ التعايشُ السلمِيُّ، وبالمصطلحِ الحديثِ فإنّهُ أرسَى مبدأَ المواطنةِ. ولا شكَّ أنّنَا اليومَ في أشدِّ الحاجةِ إلى هذا المفهومِ .. وهو مفهومُ أنْ تعيشَ مع الآخرِ، مفهومُ المواطنةِ، مفهومُ قبولِ الآخرِ، فالنبيُّ وجدَ في المدينةِ مزيجاً إنسانياً متنوعاً مِن حيثُ الدينِ والعقيدةِ، وحيثُ الانتماءِ القبلِي والعشائرِي، ومِن حيثُ نمطِ المعيشةِ، المهاجرونَ مِن قريشٍ، والمسلمونَ مِن الأوسِ والخزرجِ، والوثنيونَ مِن الأوسِ والخزرجِ، واليهودُ مِن الأوسِ والخزرجِ، وقبائلُ اليهودِ الثلاثة، بنُو قينقاعٍ، وبنُو النضيرِ، وبنُو قريظةَ، والأعرابُ الذين يساكنونَ أهلَ يثربَ، والموالِي، والعبيدُ، وغيرُهُم، بالمصطلحِ الحديثِ: مجتمعٌ فسيفسائِي، كبعضِ البلادِ الإسلاميةِ، التي يقتتلُ أهلُهَا، فكيفَ وفَّقَ النبيُّ بينَ هذه الانتماءاتِ؟ وبينَ هذه الاتجاهاتِ وتلكَ الأديانِ؟ بينَ المؤمنينَ بدينٍ؟ وبينَ الوثنيين؟ بينَ المؤمنينَ بدينٍ وهُم مشركون؟ وبينَ الموحدين؟ هذا الذي نحن في أمسِّ الحاجةِ إليهِ، كي نستطيعَ أنْ نقفَ في وجهِ أعدائِنَا الذين يتربصونَ بنَا الدوائرَ، فالنبيُّ قد تعاملَ مع غيرِ المسلمينَ مِن خلالِ مبدأِ السلامِ والتعايشِ السلمِي حتى مع كلِّ مَن عادَاه، وشواهدُ ذلكَ مِن السنةِ والسيرةِ كثيرةٌ، وأنتَ بهَا خبيرٌ.

فكانت دعوتُهُ تعتمدُ السلامَ منهاجًا‏،‏ والتسامحَ سلوكًا‏،‏ فقد بدأَ دعوتَهُ بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ‏، ولم يتخلَّ يومًا عن الرفقِ واللينِ في القولِ والعملِ؛ عملًا بقولِ اللهِ تعالي: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل:125)، وبهذا المنهجِ الوسطِي اليسيرِ أسّسَ الإسلامُ مبدأَ التعايشِ بينَ جميعِ الأطيافِ والمذاهبِ المختلفةِ في إطارٍ مِن المواطنةِ والمساواةِ والدعوةِ إلي التعارفِ والتعاونِ، قالَ تعالَي:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }(الحجرات13).

القضيةُ الثانيةُ: قضيةُ تنظيمِ الأسرةِ: لأنَّ تنظيمَ الأسرةِ يعملُ على قوةِ الأمةِ ونهضتِهَا، ونتيجةً لعدمِ تنظيمِ الأسرةِ يحدثُ ضعفٌ شديدٌ للمرأةِ والأولادِ معًا، فضلًا عن عجزِ الأبوينِ معًا عن القيامِ بحقوقِ الأولادِ كاملةً في التربيةِ والتعليمِ والتنشئةِ الصحيةِ؛ مما يخرجُ جيلًا هشًا ضعيفًا لا يقوَى على متطلباتِ الحياةِ ومواجهةِ الصعابِ، وهنا جاءت السنةُ النبويةُ ترشدُنَا إلى الحذرِ مِن الوقوعِ في هذا الوهنِ والضعفِ، فعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : « يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ ؛ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ ؛ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ» . ( أحمد وأبو داود بسند صحيح )، وغثاءُ السيلِ: ” ما يحملُهُ السَّيلُ مِن زَبَدٍ ووَسَخٍ، شبَّههُم بهِ لقلَّةِ شجاعتِهِم ودناءةِ قدرِهِم “. ( عون المعبود ). فالإسلامُ دعانَا إلى الموازنةِ والتنظيمِ في عمليةِ الإنجابِ، وكلُّ عصرٍ ومصرٍ لهُ ظروفُهُ وأحوالُهُ وملابساتُهُ، والعلةُ تدورُ مع المعلولِ وجودًا وعدمًا، والقلةُ القويةُ خيرٌ مِن الكثرةِ الضعيفةِ، والإنسانُ يأثمُ على إضاعةِ مستقبلِ الأولادِ وعدمِ القيامِ على أمرِهِم ورعايتِهِم، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ:  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :”  كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ” ( أبوداود والحاكم وصححه ) .

تابع خطبة الجمعة بعنوان : وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْطُ الوَجْهِ وَحُسْنُ الخُلُقِ

واعلمُوا أنَّ كثرةَ العيالِ مع عجزِ الإنسانِ عن القيامِ بواجبِهِ نحوهُم هو جهدُ البلاءِ الذي تعوذَ منهُ نبيُّكُم ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: ” تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ ؛ وَدَرَكِ الشَّقَاءِ ؛ وَسُوءِ الْقَضَاءِ ؛ وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ “. ( متفق عليه). ” قال ابنُ بطالٍ وغيرُهُ: جهدُ البلاءِ كلُّ ما أصابَ المرءُ مِن شدةٍ ومشقةٍ وما لا طاقةَ لهُ بحملِهِ ولا يقدرُ على دفعِهِ. وقِيلَ: المرادُ بجهدِ البلاءِ قلةُ المالِ وكثرةُ العيالِ كذا جاءَ عن ابنِ عمرَ ”. ( فتح الباري وشرح ابن بطال ) .

ملحوظةٌ هااامةٌ: قضيةُ تنظيمِ الأسرةِ تخصُّ محافظاتِ: (قنَا، وأسيوط، وسوهاج،  والمنيا، والأقصر).

وقضيةُ المواطنةِ تشملُ بقيةَ المحافظاتِ.

نسألُ اللهَ أنْ يحسنَ أخلاقَنَا، وأنْ يؤلفَ بينَ قلوبِنَا، وأنْ يحفظَ مصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ،

    الدعاء،،،،،،،                وأقم الصلاة،،،،،               كتبه : خادم الدعوة الإسلامية

                                                                                                                                           د / خالد بدير بدوي

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

 

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »