خطبة الجمعة بعنوان : نعمة الأمن ، للدكتور خالد بدير
بتاريخ 24 رجب 1446 هـ ، الموافق 24 يناير 2025م
خطبة الجمعة بعنوان : نعمة الأمن ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 24 رجب 1446 هـ ، الموافق 24 يناير 2025م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 24 يناير 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : نعمة الأمن :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 24 يناير 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : نعمة الأمن ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 24 يناير 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : نعمة الأمن ، بصيغة pdf أضغط هنا.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 24 يناير 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : نعمة الأمن : كما يلي:
أولًا: أهميةُ الأمنِ ومكانتُهُ في الإسلامِ.
ثانيًا: علاقةُ الأمنِ بأداءِ الشعائرِ والعباداتِ.
ثالثًا: إنَّ مع العسرِ يُسرًا ومع الشدةِ فرجًا , درسٌ مِن الإسراءِ والمعراجِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 24 يناير 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : نعمة الأمن : كما يلي:
نعمةُ الأمنِ.
24 رجب 1446هـ – 24 يناير 2025م
المـــوضــــــــــوع
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
العنصر الأول من خطبة الجمعة بعنوان : نعمة الأمن ، للدكتور خالد بدير
أولًا: أهميةُ الأمنِ ومكانتُه في الإسلامِ.
إنّ نعمةَ الأمنِ مِن أعظمِ نعمِ اللهِ علينَا؛ فهي أهمُّ مِن نعمةِ الرزقِ، ولذلكَ قُدِّمتْ عليهَا في قولِهِ تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}[البقرة: 126]. فبدأَ بالأمنِ قبلَ الرزقِ لسببينِ:
الأولُ: لأنَّ استتبابَ الأمنِ سببٌ للرزقِ، فإذا شاعَ الأمنُ واستتبَّ ضربَ الناسُ في الأرضِ، وهذا مِمَّا يدرُ عليهم رزقَ ربِّهم ويفتحُ أبوابَهُ، ولا يكونُ ذلكً إذا فُقِدَ الأمنُ.
الثاني: ولأنّهُ لا يطيبُ طعامٌ ولا يُنتفَعُ بنعمةِ رزقٍ إذا فُقِدَ الأمنُ، فمَن مِن الناسِ أحاطَ به الخوفُ مِن كلِّ مكانٍ، وتبددَ الأمنُ مِن حياتهِ ثم وجدَ لذةً بمشروبٍ أو مطعومٍ؟!
“وقد سُئلَ بعضُ الحكماءِ فقِيلَ لهُ ما النعيمُ؟! قال: الغِنَى فإنِّي رأيتُ الفقرَ لا عيشَ لهُ، قِيلَ: زدنَا، قالَ: الأمنُ فإنِّي رأيتُ الخائفَ لا عيشَ لهَ، قِيلَ: زدنَا، قال: العافيةُ فإنِّي رأيتُ المريضَ لا عيشَ له، قِيلَ: زدنَا، قال: الشبابُ فإنِّي رأيتُ الهرمَ لا عيشَ له.” ( إحياء علوم الدين) .
ولأهميةِ الأمنِ كان مطلبَ الأنبياءِ والصالحين بل والناسِ جميعاً، كما جاءَ في حديثِ القرآنِ الكريمِ عن الأمنِ: فإبراهيمُ عليه السلامُ يدعو اللهَ أنْ يجعلَ بلدَهُ آمنًا،{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ}(إبراهيم:35)، ويوسفُ عليه السلامُ يطلبُ مِن والديهِ دخولَ مصرَ مخبرًا باستتبابِ الأمنِ بهَا، { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ}(يوسف: 99)؛ ولمَّا خافَ موسى أعلمَهُ ربُّهُ أنَّهُ مِن الآمنين لِيَهْدَأَ رَوْعُهُ، وتسكنَ نفسُهُ، {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ }(القصص: 31).
وقد امتنَّ اللهُ على قريشٍ بهذه النعمةِ في قولهِ تعالى: { لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}.(قريش 1-4).
ولأهميةِ الأمنِ ومكانتهِ في الإسلامِ أعلاهُ العلماءُ منزلةً أعظمَ مِن نعمةِ الصحةِ. قال الرازيُّ رحمه اللهُ: “سُئِلَ بعضُ العلماءِ: الأمنُ أفضلُ أم الصحةُ؟ فقال: الأمنُ أفضلُ، والدليلُ عليهِ أنّ شاةً لو انكسرتْ رجلُهَا فإنّها تصحُّ بعدَ زمانٍ، ثمّ إنّهَا تقبلُ على الرعيِ والأكلِ، ولو أنَّها رُبطتْ في موضعٍ ورُبطَ بالقربِ منها ذئبٌ فإنَّها تمسكُ عن العلفِ ولا تتناولُهُ إلى أنْ تموتَ، وذلك يدلُّ على أنَّ الضررَ الحاصلَ مِن الخوفِ أشدُّ مِن الضررِ الحاصلِ مِن ألمِ الجَسَدِ”(تفسير الرازي). ولأهميةِ الأمنِ أكرمَ اللهُ بهِ أولياءَهُ في جنتهِ ودارِ كرامتهِ؛ لأنَّه لو فُقِدَ فُقِدَ النعيمُ، قالَ ربُّ العالمين: {ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ}(الحجر: 46)، وقال:{يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ} (الدخان : 55)، وقال:{وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} (سبأ : 37).
إنّ الأمنَ والاستقرارَ إذا عَمَّ البلادَ، وألقَى بظلِّهِ على الناسِ، أَمِنَ الناسُ على دينِهِم وأنفسِهِم وأموالِهِم وأعراضِهِم ومحارمِهِم، ولو كتَبَ اللهُ الأمنَ على أهلِ بلدٍ مِن البلادِ، سارَ الناسُ ليلًا ونهارًا لا يخشَوْن إلّا الله، وفي رِحابِ الأمنِ وظلِّهِ تعمُّ الطمأنينةُ النُّفوسَ، ويسودُهَا الهُدُوء، وتعمُّهَا السعادة، ويجمعُ الرسولُ ﷺ ذلك في قولِه: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ؛ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» (الترمذي وابن ماجة وابن حبان بسند حسن) وصدقَ مَن قالَ:
إِذَا اجْتَمَعَ الإِسْلاَمُ وَالقُوتُ لِلْفَتَى …………وَكَانَ صَحِيحًا جِسْمُهُ وَهْوَ فِي أَمْنِ
فَقَدْ مَلَكَ الدُّنْيَا جَمِيعًا وَحَازَهَا …………وَحَقٌّ عَلَيْهِ الشُّكْرُ للهِ ذِي الْمَنِّ
إنَّ مكانةَ الأمنِ كبيرةٌ، ولذلك كان الرسولُ ﷺ إذا دخلَ شهرٌ جديدٌ ورأَى هلالَهُ سألَ اللهَ أنْ يجعَلَهُ شهرَ أمنٍ وأمانٍ، فيقولُ: «اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ؛ وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ؛ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ». (الترمذي وحسنه ).
فالأمنُ تُحقَنُ فيه الدِّماءُ، وتُصَانُ الأموالُ والأعراضُ، وتَنامُ فيه العيونُ، ويتنعَّمُ به الكبيرُ والصغيرُ والإنسانُ والحيوانّ، فالأمنُ مِن نِعَمِ اللهِ العُظمَى وآلائهِ الكبرى، لا تصلُحُ الحياةُ إلَّا بهِ، ولا يطيبُ العيشُ إلّا باستِتْبابِه!!
العنصر الثاني من خطبة الجمعة بعنوان : نعمة الأمن ، للدكتور خالد بدير
ثانيًا: علاقةُ الأمنِ بأداءِ الشعائرِ والعباداتِ.
إنَّ أثرَ الأمنِ لا يقتصرُ على قيامِ الحضارةِ ونهضةِ الأمةِ اقتصاديًا واجتماعيًا فحسب، بل يؤثرُ ذلكَ على أداءِ العباداتِ والطاعاتِ والمناسكِ للهِ ربِّ العالمين، فالعبادةُ لا يتأتَّى القيامُ بها على وجهِهَا إلّا في ظلِّ الأمنِ، فالصلاةُ قالَ اللهُ عنها: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ * فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ}.(البقرة: 238-239). وشُرعتْ صلاةُ الخوفِ تخفيفًا في حالِ الخوفِ، قالَ تعالى: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ……..فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} (النساء: 102-103)، وقالَ أيضًا: {فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ} أي: أدُّوهَا بكمالِهَا وصفتِهَا التامةِ في حالِ الأمنِ والاطمئنانِ.
وهذه عبادةُ الحجِّ، مِن شروطِ وجوبِهَا: الأمنُ، فإذا وجدَ الإنسانُ نفقةَ الحجِّ ولم يكنْ الطريقُ إليهِ آمنًا فلا يجبُ عليهِ الحجُّ قولًا واحدًا، قال اللهُ تعالى: {فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (البقرة: 196). ولما أخبرَ اللهُ نبيَّهُ ﷺ بأنَّهُم سيدخلُون البيتَ الحرامَ ويؤدُّون نسكَهُم بعدما صدَّهُم المشركونَ عنه، وصفَ حالَ دخولِهِم بالأمنِ، فقالَ: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ} (الفتح: 27). وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} (العنكبوت: 67).
إنّ اللهَ سبحانَهُ وتعالى حرّمَ ثلاثةَ أشهرٍ متوالياتٍ ( ذو القعدةِ وذو الحجةِ ومحرم) هي أشهرُ الحجِّ، قال العلماءُ: وإنّمَا كانت الأشهرُ المحرمةُ أربعةً، ثلاثةٌ سَرْدٌ وواحدٌ فردٌ؛ لأجلِ أداءِ مناسكِ الحجِّ والعمرةِ، فحُرِّمَ قبلَ شهرِ الحجِّ شهرٌ، وهو ذو القعدةِ؛ لأنَّهُم يقعدون فيه عن القتالِ، فيذهبونَ إلى الأراضِي المقدسةِ لأداءِ فريضةِ الحجِّ وهم آمنون، وحُرِّمَ شهرّ ذي الحجةِ لأنّهم يوقعون فيه الحجَّ ويشتغلونَ فيهِ بأداءِ المناسكِ وهُم آمنون، وحُرِّمَ بعدَهُ شهرٌ آخرُ، وهو المحرمُ؛ ليرجعُوا فيهِ إلى نائِي أقصَى بلادِهِم آمنين، وحُرِّمَ رجبُ في وسطِ الحولِ، لأجلِ زيارةِ البيتِ والاعتمارِ بهِ، فيزورُهُ ثمّ يعودُ إلى وطنهِ فيه آمنًا، فالإسلامُ عظَّمَ الدمَ، وجعلَ سافكَهُ مرتكبًا لإثمٍ كبيرٍ، وفي هذه الأشهرِ تتضاعفُ تلك الجريمةُ، إنَّها رسالةٌ للعالمِ وللإنسانيةِ أنّ هذا الدينَ دينُ سلمٍ وسلامٍ، وأمنٍ وأمانٍ، فهلَّا فقهتْ البشريةُ وانتبَهَ عقلاءُ العالمِ إلى هذا الدينِ العظيمِ.
ولو انتقلنَا إلى عمليةِ نشرِ الدعوةِ الإسلاميةِ نجدُ أنّ انتشارَهَا يكونُ في وقتِ الأمنِ أكثرُ مِن غيرهِ مِن الأوقاتِ، قال اللهُ تعالى عن وصفِ حالِ دعوةِ موسَى عليه السلامُ لقومِه: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ } (يونس: 83).
ونحن نعلمُ التضييقَ على الرسولِ ﷺ والصحابةِ الكرامِ في إقامةِ الشعائرِ والعباداتِ في بدايةِ الدعوةِ بمكةَ.
وهكذا توجدُ علاقةٌ وثيقةٌ بينَ الأمنِ وإقامةِ الشعائرِ والعباداتِ.
العنصر الثالث من خطبة الجمعة بعنوان : نعمة الأمن ، للدكتور خالد بدير
ثالثًا: إنَّ معَ العُسرِ يُسرًا ومع الشدةِ فرجًا، درسٌ مِن الإسراءِ والمعراجِ.
نعلمُ جميعًا أنَّ الرسولَ ﷺ أُوذِيَ إيذاءً شديدًا مِن أهلِ مكةَ والطائفِ، وبعدَ هذه الأجواءِ الكالحةِ، والظروفِ الحرجةِ، يمُنُّ اللهُ عليهِ ﷺ برحلةِ الإسراءِ المعراجِ ، رحلةٍ تاريخيةٍ لم ينلْ شرفَهَا قبلَهُ نبيٌّ مرسلٌ ولا ملَكٌ مقربٌ، هي رحلةٌ مباركةٌ طيبةٌ، بدأتْ بأقدسِ بقاعِ الأرضِ، وانتهتْ بأعلَى طبقاتِ السماءِ، وكأنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أرادَ أنْ يقولَ لحبيبهِ ﷺ: يا محمدٌ إذا كانَ أهلُ مكةَ آذوكَ وطردوكَ، فإنَّ ربَّ البريةِ لزيارتِهِ يدعوكَ!!
فكانتْ رحلةُ الإسراءِ والمعراجِ، وبعدَ المحنِ تأتِي المنحُ، وبعدَ الشدةِ يأتي الفرجُ، وبعدَ العسرِ يأتي اليسرُ!!
يا محمدٌ: لا تظنّ بأنَّ جفاءَ أهلِ الأرضِ يعنِى جفاءَ أهلِ السماءِ!! يا محمدٌ: إنَّ اللهَ يدعوكَ اليومَ ليعوضكَ بجفاءِ أهلِ الأرضِ حفاوةَ أهلِ السماءِ!! حيثُ تبدأُ تلك الرحلةُ الأرضيةُ السماويةُ، وهذا هو الفرجُ العظيمُ الذى أزالَ عن النبيِّ ﷺ كلَّ همٍّ وغمٍّ مرَّ بهِ وأزاحَ عنهُ كلَّ أذَى أصابَهُ، فأيُّ خيرٍ وفضلٍ وشرفٍ وتكريمٍ مِن أنْ يكونَ الحبيبُ ضيفًا على الكريمِ.؟!!
تنكَّرَ لهُ الخلقُ فاستقبلَهُ الخالقُ!! سُدَّتْ في وجههِ أبوابُ الأرضِ ففُتحَتْ له أبوابُ السماءِ!! أدمتْهُ الحجارةُ الباغيةُ فاستقبلتْهُ القبلاتُ الحانيةُ!! لم يسمعْهُ الناسُ في الطائفِ فجمعَ اللهُ له الأنبياءَ والمرسلينَ في “بيتِ المقدسِ” فكان لهم قائدًا وإمامًا!! فمِن زحمةِ الابتلاءِ، كانت رحلةُ الإسراءِ مِنْحةً واصطفاءً، رحمةً واجتباءً!!
إنَّ كلَّ واحدٍ منَّا يمرُّ بشدائدَ ومحنٍ، شدائدَ متنوعةٍ ومتفرقةٍ ومختلفةٍ، فمنكُم مَن يمرُّ بشدةٍ اجتماعيةٍ، وآخرُ يمرُّ بشدةٍ اقتصاديةٍ، وثالثٌ يمرُّ بشدةٍ نفسيةٍ، ورابعٌ يمرُّ بشدةٍ مرضيةٍ ……إلخ. كلُّ هذه الشدائدِ والمحنِ بعدَهَا فرجٌ قريبٌ، فبعدَ الجوعِ شبعٌ، وبعدَ الظمأِ ريٌّ، وبعدَ السهرِ نومٌ، وبعدَ المرضِ عافيةٌ، سوفَ يصلُ الغائبُ، ويهتدِي الضالُّ، ويُفكُّ العانِي، وينقشعُ الظلامُ {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ } (المائدة: 52).
بشِّر الليلَ بصبحٍ صادقٍ سوفَ يطاردهُ على رؤوسِ الجبالِ ومساربِ الأوديةِ، بشِّر المهمومَ بفرجٍ مفاجئٍ يصلُ في سرعةِ الضوءِ ولمحِ البصرِ، بشِّر المنكوبَ بلطفٍ خفيٍّ وكفٍّ حانيةٍ وادعةٍ، صبحُ المهمومينَ والمغمومينَ لاح، فانظرْ إلى الصباحِ وارتقبْ الفتحَ مِن الفتّاحِ، إذا رأيتَ الصحراءَ تمتدُّ وتمتدُّ، فاعلمْ أنَّ وراءَهَا رياضًا خضراءَ وارفةَ الظلالِ، وإذا رأيتَ الحبلَ يشتدُّ ويشتدُّ فاعلمْ أنَّهُ سوفَ ينقطعُ. مع الدمعةِ بسمةٌ، ومع الخوفِ أمنٌ، ومع الفزعِ سكينةٌ. فلا تضق ذرعًا، فمِن المحالِ دوامُ الحالِ، وأفضلُ العبادةِ انتظارُ الفرجِ، الأيامُ دولٌ، والدهرُ قُلّبٌ، والليالِي حبالَى، والغيبُ مستورٌ، والحكيمُ كلُّ يومٍ هو في شأنٍ، ولعلَّ اللهَ يحدثُ بعدَ ذلك أمرًا، وإنَّ مع العسرِ يُسرًا، إنَّ مع العسرِ يُسرًا.
فإذَا داهمتْكَ داهيةٌ فانظرْ في الجانبِ المشرقِ منهَا، وإذا ناولَكَ أحدُهُم كوبَ ليمونٍ فأضفْ إليهِ حفنةً مِن سكرٍ، وإذا أهدَى لكَ ثعبانًا فخذْ جلدَهُ الثمينَ واتركْ باقيَهُ، وإذا لدغتْكَ عقربٌ فاعلمْ أنّهُ مصلٌ واقِ ومناعةٌ حصينةٌ ضدَّ سمِّ الحياتِ، تكيفْ في ظرفِكَ القاسِي، لتخرجَ لنَا منهُ زهرًا ووردًا وياسمينًا، { فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (النساء: 19).
نسألُ اللهَ أنْ يفرجَ همومَنَا وغمومَنَا وكروبَنَا، وأنْ يرزقَنَا الأمنَ والأمانَ والاستقرارَ، وأنْ يحفظَ مصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ ؛؛؛
الدعاء،،،،،،، وأقم الصلاة،،،،،
كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف