خطبة الجمعة بعنوان : الهجرة النبوية المشرفة وحديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار ، للدكتور خالد بدير
خطبة الجمعة بعنوان : الهجرة النبوية المشرفة وحديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 29 ذو الحجة 1445 هـ ، الموافق 5 يوليو 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 5 يوليو 2024م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : الهجرة النبوية المشرفة وحديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار:
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 5 يوليو 2024م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : الهجرة النبوية المشرفة وحديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 5 يوليو 2024م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : الهجرة النبوية المشرفة وحديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار ، بصيغة pdf أضغط هنا.
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للمزيد علي قسم خطبة الجمعة القادمة
عناصر خطبة الجمعة القادمة 5 يوليو 2024م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : الهجرة النبوية المشرفة وحديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار: كما يلي:
أولًا: ثناءُ اللهِ على المهاجرينَ والأنصارِ في القرآنِ الكريمِ.
ثانيًا: مواقفُ للمهاجرينَ والأنصارِ أنزلَ اللهُ فيهَا قرآنًا.
ثالثًا: واجبُنَا نحوَ الصحابةِ الكرامِ مِن المهاجرينَ والأنصارِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 5 يوليو 2024م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : الهجرة النبوية المشرفة وحديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار : كما يلي:
الهجرة النبوية المشرفة وحديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار
29 ذو الحجة 1445هـ – 6 يوليو 2024م
المـــوضــــــــــوع
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
العنصر الأول من خطبة الجمعة بعنوان : الهجرة النبوية المشرفة وحديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار
أولًا: ثناءُ اللهِ على المهاجرينَ والأنصارِ في القرآنِ الكريمِ.
لقد اشتملَ القرآنُ الكريمُ على كثيرٍ مِن الآياتِ التي تتحدثُ عن الصحابةِ الكرامِ مِن المهاجرينَ والأنصارِ رضي اللهُ عنهم، وتُبيِّنُ هذه الآياتُ منزلتَهُم وجهادَهُم، ودفاعَهُم عن الإسلامِ. ففِي شأنِ المهاجرينَ الذينَ هاجرُوا وتركُوا وطنَهُم وديارَهُم وأموالَهُم فرارًا إلى اللهِ ورسولِهِ، جاءتْ آياتٌ كثيرةٌ تُبيِّنُ فضلَهُم ومنزلتَهُم، قالَ تعالَى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }. (البقرة: 218)، وقالَ جلَّ شأنُهُ: {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ}. (آل عمران: 195)، وقالَ تعالَى: { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}(النحل: 110)، وقالَ تعالَى:{ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ }. (الحج: 39 ، 40)، وقالَ جلَّ شأنُهُ: {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ * لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ}. (الحج: 58، 59). ولمكانةِ المهاجرينَ أولاهُمُ الرسولُ ﷺ في إمامةِ المصلينَ في قولِهِ: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً ..». (مسلم).
كمَا مدحَ اللهُ تعالَى الأنصارَ؛ لأنَّهُم هُم الذينَ آوَوا رسولَ اللهِ ﷺ ونصرُوهُ ودافعُوا عنهُ، قالَ تعالَى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. (الأعراف: 157).
ونظرًا لِمَا قامَ بهِ الأنصارُ مِن إيثارٍ ونصرٍ ودفاعٍ، تمنَّى الرسولُ ﷺ أنْ يكونَ واحدًا منهُم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَوْ أَنَّ الأَنْصَارَ سَلَكُوا وَادِيًا، أَوْ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ فِي وَادِي الأَنْصَارِ، وَلَوْلاَ الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ»، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «مَا ظَلَمَ بِأَبِي وَأُمِّي، آوَوْهُ وَنَصَرُوهُ، أَوْ كَلِمَةً أُخْرَى». (البخاري).
كما جاءتْ آياتٌ عديدةٌ تتحدثُ عن المهاجرينَ والأنصارِ معًا، وتُبيِّنُ فضلَهُم وجهادَهُم، قالَ تعالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.(الحشر: 8 ، 9).
فقد أثنَى اللهُ على المهاجرينَ والأنصارِ في هاتينِ الآيتينِ، مدحَ المهاجرينَ بصدقِ الإيمانِ والتضحيةِ، ومدحَ الأنصارَ بإخلاصِ الإيمانِ، وحبِّ الذينَ هاجرُوا إليهِم، كمَا مدحَهُم بالإيثارِ في أسمَى صورِهِ؛ لأنَّهُ إيثارٌ عن حاجةٍ.
وقالَ تعالَى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}. (التوبة: 100)، وقالَ جلَّ شأنُهُ: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة: 117)، وقالَ سبحانَهُ وتعالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (الأنفال: 74). وقد دعَا ﷺ للمهاجرينَ والأنصارِ بقولِهِ: « اللهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَهْ، فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ».(مسلم)، وقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:” أُوصِي الخَلِيفَةَ بِالْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ: أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَأُوصِي الخَلِيفَةَ بِالأَنْصَارِ الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُهَاجِرَ النَّبِيُّ ﷺ: أَنْ يَقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَيَعْفُوَ عَنْ مُسِيئِهِم”.(البخاري).
وهكذا حفلَ القرآنُ الكريمُ بالعديدِ مِن الآياتِ التي تتحدثُ عن الصحابةِ مِن المهاجرينَ والأنصارِ رضي اللهُ عنهُم.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة بعنوان : الهجرة النبوية المشرفة وحديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار
ثانيًا: مواقفُ للمهاجرينَ والأنصارِ أنزلَ اللهُ فيهَا قرآنًا.
تعالُوا بِنَا في هذا العنصرِ نذكرُ مواقفَ للمهاجرينَ والأنصارِ أنزلَ اللهُ فيهَا قرآنًا يُتلَى ويُتعبَّدُ بهِ إلى يومِ القيامةِ.
الموقفُ الأولُ: إيثارُ أبِي طلحةَ الأنصارِي رضي اللهُ عنهُ. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَصَابَنِي الجَهْدُ، فَأَرْسَلَ إِلَى نِسَائِهِ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُنَّ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَلاَ رَجُلٌ يُضَيِّفُهُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، يَرْحَمُهُ اللَّهُ؟» فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو طَلْحَةَ، فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ: ضَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لاَ تَدَّخِرِيهِ شَيْئًا، قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا عِنْدِي إِلَّا قُوتُ الصِّبْيَةِ، قَالَ: فَإِذَا أَرَادَ الصِّبْيَةُ العَشَاءَ فَنَوِّمِيهِمْ، وَتَعَالَيْ فَأَطْفِئِي السِّرَاجَ وَنَطْوِي بُطُونَنَا اللَّيْلَةَ، فَفَعَلَتْ، ثُمَّ غَدَا الرَّجُلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: «قَدْ عَجِبَ اللهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ». فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}[الحشر: 9]. (متفق عليه). يقولُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ رحمَهُ اللهُ:” وَقَوْلُهُ تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} يعني حاجةً، أي يقدمُوا المحاويجَ على حاجةِ أنفسِهِم، ويبدأونَ بِالنَّاسِ قَبَلَهُمْ فِي حَالِ احْتِيَاجِهِمْ إِلَى ذَلِكَ. وهكذا الْمَاءُ الَّذِي عُرِضَ عَلَى عِكْرِمَةَ وَأَصْحَابِهِ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ، فَكُلٌّ مِنْهُمْ يَأْمُرُ بِدَفْعِهِ إِلَى صَاحِبِهِ وَهُوَ جَرِيحٌ مُثْقَلٌ أَحْوَجُ مَا يَكُونُ إِلَى الْمَاءِ، فَرَدَّهُ الْآخَرُ إِلَى الثَّالِثِ، فَمَا وَصَلَ إِلَى الثَّالِثِ حَتَّى مَاتُوا عَنْ آخِرِهِمْ، وَلَمْ يَشْرَبْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ.” (تفسير ابن كثير).
الموقفُ الثانِي: أنسُ بنُ النضرِ والفداءُ والتضحيةُ: فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: غَابَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ، فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالٍ قَاتَلْتَ المُشْرِكِينَ، لَئِنِ اللَّهُ أَشْهَدَنِي قِتَالَ المُشْرِكِينَ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ»، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، وَانْكَشَفَ المُسْلِمُونَ، قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ – يَعْنِي أَصْحَابَهُ – وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ، – يَعْنِي المُشْرِكِينَ – ثُمَّ تَقَدَّمَ»، فَاسْتَقْبَلَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، فَقَالَ: «يَا سَعْدُ بْنَ مُعَاذٍ، الجَنَّةَ وَرَبِّ النَّضْرِ إِنِّي أَجِدُ رِيحَهَا مِنْ دُونِ أُحُدٍ»، قَالَ سَعْدٌ: فَمَا اسْتَطَعْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا صَنَعَ، قَالَ أَنَسٌ: فَوَجَدْنَا بِهِ بِضْعًا وَثَمَانِينَ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ، أَوْ رَمْيَةً بِسَهْمٍ وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَقَدْ مَثَّلَ بِهِ المُشْرِكُونَ، فَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ إِلَّا أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ قَالَ أَنَسٌ: ” كُنَّا نُرَى أَوْ نَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَفِي أَشْبَاهِهِ: {مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23] إِلَى آخِرِ الآيَةِ “.(البخاري). يقولُ الإمامُ أبو بكرٍ الجزائرِي:” هذا ثناءٌ آخرُ على بعضِ المؤمنينَ الذينَ لمَّا تخلفُوا عن بدرٍ فتأسفُوا ولمَّا حصلَ انهزامٌ لهُم في أُحدٍ عاهدُوا اللهَ لئِن أشهدَهُم اللهُ قتالًا مع رسولِ اللهِ ﷺ ليُقاتلُنَّ حتى الاستشهاد، فأخبرَ تعالَى عنهُم بقولِه: (فمنهُم مَن قضَى نحبَهُ)، أي وفَّى بنذرِهِ فقاتلَ حتى استشهدَ. ومنهُم مَن ينتظرُ القتلَ في سبيلِ اللهِ”.( أيسر التفاسير).
الموقفُ الثالثُ: صهيبٌ والبيعُ الرابحُ: فقد نزلَ فيهِ قولُهُ تعالَى: { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} (البقرة: 207)، قالَ القرطبيُّ:” نَزَلَتْ فِي صُهَيْبٍ، فَإِنَّهُ أَقْبَلَ مُهَاجِرًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَاتَّبَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَنَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ، وَانْتَثَلَ مَا فِي كِنَانَتِهِ، وَأَخَذَ قَوْسَهُ، وَقَالَ: لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي مِنْ أَرْمَاكُمْ، وَايْمُ اللَّهِ لَا تَصِلُونَ إِلَيَّ حَتَّى أَرْمِيَ بِمَا فِي كِنَانَتِي، ثُمَّ أَضْرِبُ بِسَيْفِي مَا بَقِيَ في يدي منه شي، ثُمَّ افْعَلُوا مَا شِئْتُمْ. فَقَالُوا: لَا نَتْرُكُكَ تَذْهَبُ عَنَّا غَنِيًّا وَقَدْ جِئْتَنَا صُعْلُوكًا، وَلَكِنْ دُلَّنَا عَلَى مَالِكَ بِمَكَّةَ وَنُخَلِّي عَنْكَ، وَعَاهَدُوهُ عَلَى ذَلِكَ فَفَعَلَ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ نَزَلَتْ:” وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ” الْآيَةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:” رَبِحَ الْبَيْعُ أَبَا يَحْيَى”، وَتَلَا عَلَيْهِ الْآيَةَ”. (تفسير القرطبي).
العنصر الثالث من خطبة الجمعة بعنوان : الهجرة النبوية المشرفة وحديث القرآن الكريم عن المهاجرين والأنصار
ثالثًا: واجبُنَا نحوَ الصحابةِ الكرامِ مِن المهاجرينَ والأنصارِ.
إذا كنَّا قد عرفنَا منزلةَ وفضلَ المهاجرينَ والأنصارِ، وما قامُوا بهِ مِن صبرٍ وجهادٍ وفداءٍ وتضحيةٍ ودفاعٍ عن الإسلامِ، فتعالُوا بنَا إلى عنصرِنَا العملِيِّ والتطبيقِيِّ لنعرفَ واجبَنَا نحوَ صحابةِ نبيِّنَا ﷺ والذي يتلخصُ فيمَا يلِي:-
1- حُبُّ الصحابةِ رضي اللهُ عنهُم: فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:” اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ.” [أحمد والترمذي والبيهقي] . وقد كان السلفُ يُعلِّمُون أولادَهُم حبَّ الصحابةِ وسيرتَهُم.. قال الإمامُ مالكٌ -رحمَهُ اللهُ-: ” كانُوا يُعلمُونَنَا حُبَّ أبي بكرٍ وعمرَ كما يُعلمُونَنَا السورةَ مِن القرآنِ “.. فعلينَا أنْ نُحبَّ صحابةَ رسولِ اللهِ ﷺ – ولا سيَّمَا الأنصارُ -؛ لأنَّهُم هُم الذينَ آوَوا رسولَ اللهِ ﷺ ونصرُوهُ، فعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ” مَنْ أَحَبَّ الأَنْصَارَ أَحَبَّهُ اللَّهُ ، وَمَنْ أَبْغَضَ الأَنْصَارَ أَبْغَضَهُ اللَّهُ.” (ابن ماجة) .
2- عدَمُ سبِّهِم: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:” لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ .” (متفق عليه).
وفي النهيِ عن سبِّهِم كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: ” لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ ﷺ، فَلَمُقَامُ أَحَدِهِمْ سَاعَةً ، خَيْرٌ مِنْ عَمَلِ أَحَدِكُمْ عُمُرَهُ.” (ابن ماجة بسند حسن )؛ وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ , وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ.” [الطبراني في الكبير ] .
3- عدمُ ذكرِ مساوئِهِم: فنحنُ نسمعُ بينَ الفينةِ والأُخرَى مَن يذكرُهُم بسوءٍ، أو يذكرُ الخلافاتِ التي دارتْ بينَهُم، وذلكَ مِن أجلِ التشكيكِ في عدالتِهِم ونزاهتِهِم، وهذا منهيٌّ عنهُ شرعًا، قالَ الإمامُ أحمدُ -رحمَهُ اللهُ تعالَى- ” لا يجوزُ لأحدٍ أنْ يذكرَ شيئا مِن مساوئِهِم ولا يطعنَ على أحدٍ منهُم بعيبٍ ولا نقصٍ، فمَن فعلَ ذلكَ فقد وجبَ على السلطانِ تأديبهُ وعقوبتهُ، ليس لهُ أنْ يعفوَ عنهُ بل يعاقبهُ ويستتيبهُ، فإنْ تابَ قُبِلَ منهُ، وإنْ ثبتَ أعادَ عليهِ العقوبةَ وخلدَهُ الحبسَ حتى يموتَ أو يراجعَ .” [طبقات الحنابلة والصارم المسلول] .
4- الترضِّي والترحمُ عليهِم: ففِي كلِّ ذكرٍ لهُم نترحمُ عليهِم وندعُو لهَم، قال الحميدي _رحمَهُ اللهُ تعالى_ إنَّ مِن السنةِ: ” الترحمُ على أصحابِ مُحمدٍ ﷺ كلِّهِم فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قال: { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ}(الحشر:10)، فلم نُؤمرْ إلّا بالاستغفارِ لهُم، فمَن سبَّهُم أو تنقصَهُم أو أحدًا منهُم فليسَ على السنةِ، وليسَ لهُ في الفيءِ حق. ” ا.ه[أصول السنة] .
5- مطالعةُ سيرِهِم وتعليمُهَا للنشءِ: فعلينَا أنْ نطالعَ سيرَهُم وأعمالَهُم ونُعلِّمَ ذلك أبناءَنَا!! فإنَّ تَعلُّمَ ذلك يُعلِي مِن همةِ الآباءِ والأبناءِ على السواءِ. يقولُ ابنُ الجوزي: ” عليكُم بملاحظةِ سيرِ السلفِ، ومطالعةِ تصانيفِهِم وأخبارِهِم، فقد استفدتُ بالنظرِ فيهَا مِن ملاحظةِ سيرِ القومِ، وقدرِ هممِهِم، وحفظهِم وعباداتِهِم، وغرائبِ علومِهِم، ما لا يعرفهُ مَن لم يُطالعْ، فصرتُ أستزرِي ما الناسُ فيهِ، وأحتقرُ هممَ الطلابِ!!.” (صيد الخاطر) .
6- الدفاعُ عنهُم: فكَمْ مِن جاهلٍ ناعقٍ بينَ الحينِ والحينِ يخرجُ على فضائيةٍ أو إعلامٍ يسبُّ الصحابةَ رضي اللهُ عنهُم، أو يطعنُ فيهِم، وينبغِي على كلِّ فردٍ ولا سيَّمَا العلماءُ أنْ يُدافعُوا عنهُم، يقولُ ﷺ: «يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ» ( البيهقي بسند صحيح ).
فعلينَا أنْ نجلَّ ونحبَّ صحابةَ الرسولِ ﷺ ونعرفَ لهُم قدرَهُم، وأنْ نتأسَّى بهِم في أقوالِهِم وأفعالِهِم وصبرِهِم وجهادِهِم.
نسألُ اللهَ أنْ يرضَى عن المهاجرينَ والأنصارِ، وأنْ يرزقَنَا حُبَّهُم والسيرَ على نهجِهِم، وأنْ يحشرَنَا في زمرتِهِم بصحبةِ حبيبِنَا وسيدِنَا مُحمدٍ ﷺ في الجنةِ ،،،
الدعاء،،،، وأقم الصلاة،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف