خطبة الجمعة بعنوان (الإيضاح والبيان فى ردع دعاة الفتنة والبهتان) الموافق 20-7-2017
لتحميل الخطبة بصيغة pdf إضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة word إضغط هنا
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة بعنوان (الإيضاح والبيان فى ردع دعاة الفتنة والبهتان) الموافق 20-7-2017
أعدها الفقير إلى عفو ربه / ماهر السيد خضير (إمام وخطيب ومدرس أوقاف الإسكندرية)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عناصر الخطبة
العنصر الأول / تحرير المفاهيم من الفهم السليم
العنصر الثاني / المواطنة المتكافئة من منظور الشرع والدين
العنصر الثالث / واجبنا جميعاً نحو بلادنا وأوطاننا
ــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا وأستاذنا وحبيبنا محمدًا عبد الله ورسوله، الصادق الوعد الأمين اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأحبابه ومن اهتدى بهديه، وسار على نهجه إلى يوم الدين.
أما بعد الهدف من طرح هذا الموضوع الآن / ما نراه من تعمد البعض من الخلط والتلبيس على العوام من الناس بغرض الكيد للبلاد وجرها إلى الفرقة والحروب الأهلية بزعم أن هذا دينه كذا وهذا دينه كذا حتى استحلوا ما حرمه الله من الدماء والأموال والأعراض فكان واجبا علينا أن نوضح ونبين
عباد الله إن تحرير المفاهيم والمصطلحات أمر هام للحكم على الأشياء وكلما كان فهم المصطلح دقيقاً كان الحكم كذلك كالميزان الذى توزن به الأشياء كلما كان دقيقاً كانت النتائج كذلك ومن يقرأ تاريخ الأمم يلحظ بوضوح تلك النقطة البارزة التي كانت وراء الدمار الهائل الذي أصابها في كثير من الأحيان، وهى مسألة الجهل والخلط للمفاهيم والمصطلحات والتلبيس على عوام الناس . ومن المعلوم بجلاء أنَّ الإسلام دين ومنهج واضح كالمحجة البيضاء وقد جاء بتحصيل المنافع، والمصالح، منافع ومصالح الناس في دينهم ودنياهم بحسب الاستطاعة ، وإلغاء وتفويت المضار، والمفاسد في الدين والدنيا ، بحسب الاستطاعة وكما قيل ((حيثما توجد المصلحة فثم شرع الله) ولكن الأمة ابتليت بشرذمة لبست على كثير من الناس كثيراً من الأمور بُغية تحقيق أهدافها وهذا دائما هو شأن دعاة الفتن والمرضى وصدق الله تعالى إذ يقول ((فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ … )) آل عمران … فالفتنة غاية وهدف عند كثيرٍ ولا يخلو منهم زمان ولا مكان
فمن المصطلحات الهامة التى يجب تحريرها وتوضيحها مصطلح المواطنة وهل الإسلام يقر بها أم لا؟
أيها الكرام / المواطنة تعنى الفرد الذي يتمتع بعضوية بلد ما ويستحق ما يترتب على تلك العضوية من الحقوق العامة من أمن ومسكن ومشرب وغيرها – وهذا المعنى هو ما يقره الإسلام وجاء به سيد الأنام تقرير مبدأ حقوق المواطنة للجميع، فلا فرق بين مسلم وغير مسلم ، بل الجميع أسوة وسواء بالمعروف والعدل وقيام العلاقة على أساس مفهوم الأمة الواحدة والشعب الواحد، لا فرق بين مواطن وآخر، في حقوق المواطنة (هذا كتاب من محمد النبي – صلى الله عليه وسلم – بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم، فلحق بهم ، وجاهد معهم ، إنهم أمة واحدة من دون الناس … وَمَنْ قَعَدَ بِالْمَدِينَةِ أُمِّنَ أَبَرَّ الْأَمْنِ، إِلَّا ظَالِمًا وَآثِمًا، وَأَنَّ أَوْلَاهُمُ بِهَذِهِ الصَّحِيفَةِ الْبَرُّ الْمُحْسِنُ»)[1]
ومن المصطلحات … الديمقراطية / أصل الكلمة تعني (حكم الشعب للشعب) ، بمعنى أن الشعب هو الذي يختار السلطة ، وهذا المعنى صحيح شرعا في الإسلام، فالأمة هي التي تختار السلطة ، وعلى هذا أجمع الصحابة كما قرر ذلك عمر في آخر خطبة له في صحيح البخاري عبد الرحمن بن عوف، قال: خطبنا عمر فقال:” إنه لا خلافة إلا عن مشورة، وأيما رجل بايع رجلا عن غير مشورة، لا يؤمر واحد منهما تغرة أن يقتلا ” قال شعبة: قلت لسعد: ما تغرة أن يقتلا؟ قال: عقوبتهما أن لا يؤمر واحد منهما .. “[2]
ويعبر عن النظام الديمقراطي بأنه هو الذي توفرت فيه شروط عدة وهي حكم الشعب، والتداول السلمي للسلطة، والفصل بين السلطات، واستقلال القضاء، واحترام حقوق الإنسان، وسيادة القانون على الجميع ..
عباد الله إن من جميل سماحة الإسلام وشرعه أنه أقر التعددية المذهبية والطائفية واحترام حقوق الغير
وأن الإسلام جاء بالحقوق والمواطنة الكاملة والعدل المطلق واحترام حقوق الجميع – فلقد نزل الرسول صلى الله عليه وسلم يثرب -المدينة المنورة -أعطى اليهود عهد أمان، يقتضي فسح المجال لهم أمام دينهم وعقيدتهم، وإقامة شعائرهم في أماكن عبادتهم. ثم سار على هذا النهج الخلفاء الراشدون، وهذا نصه:”بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم …)[3]
ولقد فتح المسلمون مصر وتركوا شئون القبط كما هي إلى المقوقس يسوسها كما كان قبل الفتح، وهو أشبه بالحكم الذاتي والمحلي
ولقد أمر وحمى الإسلام كذلك كرامة أهل الكتاب ((والقرآن الكريم يعني بأهل الكتاب “اليهود والنصارى” انظر: ابن كثير والشهرستاني في الملل والنحل)) فلقد صان حقوقهم وجعل لهم الحرية في الجدل والمناقشة في حدود العقل والمنطق، مع التزام الأدب والبعد عن الخشونة والعنف. يقول الله تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون} (العنكبوت:46)
وأما بشأن الأقليات والطوائف فلقد خرجت في الأمة فرق وأقليات كثيرة تأولت القرآن على غير وجهه، فلم يتعرض لهم الصحابة، ولا من بعدهم، وحكموا لهم بالإسلام العام ولم يستحلوا دماءهم ولم يكفروا منهم أحد ،وحكموا لهم وأنهم من أهل القبلة، ما لم يخرجوا على الأمة بالسيف ويستحلوا دماءها .
وهذه هى الرحمة العامة التي بعث بها النبي – صلى الله عليه وسلم – {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} [الأنبياء:107]
عباد الله / إن ديننا ينهى ويرفض الإكراه في شتى أحكامه وتشريعاته فلا إكراه فى البيع ولا إكراه في الشراء ولا إكراه فى الزواج ولا إكراه فى الطلاق ولا إكراه فى الهبة ولا إكراه فى الرجعة فلا يوجد إكراه في اى لون من العبادات والمعاملات فكيف يأتي اليوم من يريد ان يكره الناس على الدخول في الاسلام بحجة ان هذا من الاسلام ؟؟؟
إننا إذا تأملنا قول الله تعالى: {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} [البقرة:256] نجد أن الإسلام رفع الإكراه عن المرء في عقيدته، وأقر أن الفكر والاعتقاد لا بد أن يتسم بالحرية، وأن أي إجبار للإنسان، أو تخويفه، أو تهديده على اعتناق دين أو مذهب أو فكره باطل ومرفوض، لأنه لا يرسخ عقيدة في القلب، ولا يثبتها في الضمير. لذلك قال تعالى: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} [يونس:99]،وقال أيضا: {فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر } [الغاشية:21،22] كل هذه الآيات وغيرها، تنفي الإكراه في الدين، وتثبت حق الإنسان في اختيار دينه الذي يؤمن به (لكم دينكم ولى دين) الكافرون
أيها المسلم
- بما تفسر أن ديننا أحل لنا الزواج من أهل الكتاب ويكون لها كامل الحقوق الزوجية ؟
- بما تفسر ان ديننا أحل لنا ذبيحة وطعام أهل الكتاب؟
- بما تفسر أن النبي صلى الله عليه وسلم يموت ودرعه مرهونة عند يهودى؟ وثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم أنه اشترى من يهودي سلعة إلى الميسرة. وثبت عنه أنه أخذ من يهودي ثلاثين وسقا من شعير، ورهنه درعه. وشاركهم في زرع خيبر وثمرها.
أيها المسلمون الكرام إن الدين الذي يقر ويأمر بالعدل وأداء الحقوق إلى أصحابها وفى نفس الحين يأمر بعدم إكراه احد على الدخول فيه لهو دين يقر بالمواطنة المتكافئة والحقوق الكاملة للجميع دون تفرقة
نسأل تعالى ان يرزقنا طريق الحق والصواب …. عباد الله ادعوا الله يستجب لكم واستغفروه انه عفور رحيم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على إمام الأولين والآخرين صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد
عباد الله / هل جزاء الوطن الذي ولدت وعشت فيه وتعلمت فيه وأمنت على نفسك وأهلك فيه تجازيه بالكيد والتخريب والضرر له والحاق الأذى بمؤسسته
?فأي دين يقول بأن يعطى آمانا للناس على أنفسهم وأموالهم ثم يُقتلوا وتستباح دمائهم ؟
ياهؤلاء ألم تسمعوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم فعَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ «مَنْ أَمَّنَ رَجُلًا عَلَى نَفْسِهِ فَقَتَلَهُ أُعْطِيَ لِوَاءَ الْغَدْرِ يَوْمَ الْقَيَامَةِ» . رَوَاهُ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ. وفى رواية (من امن رجلا على دَمه فَقتله فَأَنا برِئ من الْقَاتِل وان كَانَ الْمَقْتُول كَافِرًا)
أيها المسلمون السؤال الان الذى يطرح نفسه فى الك الفترة الراهنة ما هو واجبنا نحو الوطن؟
أولاً :- حب الوطن / هو تفاني لبلده وإخلاص الشخص لبلده بعيدا عن الاختلافات وحب الوطن لا شك من الإيمان قال أحدهم : سمعت أعرابياً يقول : ( إذا أردت أن تعرف الرجل فانظر كيف تحننه إلى أوطانه ، وتشوقه إلى إخوانه ، وبكاؤه على ما مضى من زمانه ) ، وإن محبة المكان الذي ولد فيه الإنسان ونشأ فيه وترعرع بين أحضانه أمر فطري، مجبول عليه الإنسان والحيوان؛ لأنه يجد فيه دفء الوطن وأمنه وذاته وقد قيل ثلاث خصال في ثلاث أصناف من الحيوان : الإبل تحن إلى أوطانها ، وإن كان عهدها بها بعيداً، والطير إلى وكره وإن كان موضعه مجدباً ، والإنسان إلى وطنه وإن كان غيره أكثر نفعاً ، ولما أشتاق النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة محل مولده ومنشئه أنزل الله تعالى عليه قوله ( إن الذي فرض عليك القرآن لرادّك إلى معاد) إلى مكة ، وفي الأثر قَدِم أُصيل الغفاري ( بالتصغير ) على رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة قبل أن يضرب الحجاب ، فقالت له عائشة كيف تركت مكة ؟ قال : أخضرت جنباتها ، وابيضت بطحاؤها وأغدق أذخرها وانتشر سلمها ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ( حسبك يا أصيل لا تحزني ) وفي رواية ( وبها يا أصيل تدع القلوب تقر)
ثانياً : – الالتزام حيث يتطلب الانتماء للوطن الالتزام بأداء الواجبات تجاه الوطن والمواطن والمقيم بإخلاص وصدق وأمانة ليكون الموظف والطالب والمعلم والقيادي والجميع له مكان حقيقي ومكانة تفاعلية ملموسة ظاهرة لها ميزانها في المجتمع ومقام محمود عند الله تبارك وتعالى. قال ابن خزيمة –رحمه الله-: «من ليس له ثقل في الأرض التي يعيش عليها فهو عالة عليها», والمقصود هو أن يكون كل إنسان مفتاحاً للخير مغلقا للشر, فيكون سفيراً لبلاده في الداخل والخارج، ومثالاً وقدوة في كافة الميادين، ويقوم بإصلاح مواطن الخلل، ويذود عن حياض بلاده والعمل على حجب أي ضرر قد يقع بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن لحديث ( من رأي منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)
ثالثاً : – الإحترام والتعاون فلابد من التعاون على البر والتقوى واستشعار حالة المحتاج والمريض، فنجد اهتمام المجتمع الإسلامي في العصر الأول باليتيم والمسكين والأرملة والمريض والعاجز والشيخ الكبير والمسجون ومجهولي الهوية، ولا أدل على ذلك من أصناف الزكاة: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل}.. وقال : «من فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة». وهذه بشارة تدفعنا للعمل تجاه التكافل الاجتماعي.
وعلينا إبراز الخير في بلادنا من تعليم وعلاج مجاني ومساجد وجمعيات خيرية وتوفير المأوى وفرص العمل وتسهيل مهمة الزواج والعلاوات.. كما قال تعالى: {وأما بنعمة ربك فحدث}.
وأيضا السعي إلى الاكتفاء الذاتي لنكون دولة منتجة وليست مستهلكة، وكل يخطط ويفكر ويبتكر، وأن نهتم في المرحلة المقبلة بالاقتصاد لمواكبة العصر.
- استخدام النقد البناء وهو ألا يتكلم أو يكتب إلا بالبراهين الساطعة والأدلة القاطعة، وبعدها ينتقد دون سباب أو شتائم أو تجريح أو استهزاء أو سخرية، بل يأتي بالشواهد والبدائل الناجحة لتصحيح مسار التنمية في البلاد لتسير في خطوات ثابتة وراسخة، وهو حق مشروع ويكفله القانون.
- الحفاظ على المال العام فكل شخص مستأمن ويجب عليه عدم الإساءة في استخدام المال العام في الشارع فلا يكسر أو يسرق أو يتحايل أو يخرب أو يسيء استخدام الأجهزة أو يسرق الثروات ويبدها (كل على ثغر فلا يؤتى الإسلام من قبلك).
رابعاً :- الاعتزاز بهويتى الوطنية وهو لا يتنافى مع اعتزازي بدينى بل الاعتزاز بالوطن الآمن لان به وفيه احافظ على دينى ولاافتن فيه
أيها المسلمون عباد الله اتقوا الله فى أوطانكم حافظوا عليها وكونوا سببا فى عزتها بين الامم وليعلم كل واحد منكم أنه على ثغر فى مكانه الفلاح فى أرضه والصانع فى مصنعه والعامل فى عمله والتاجر فى متجره والمعلم فى مدرسته والتلميذ والطبيب والشيخ والمهندس والشرطى والوزير والرئيس الجميع كل على ثغر فليحرص على الا يؤتى وطنه من قبله حفظ الله بلادنا من كل كيد ومكروه
…… الدعاء …………… وأقم الصلاة
الفقير الى عفو ربه / ماهر السيد خضير (امام وخطيب ومدرس أوقاف الاسكندرية)
[1] الأموال لابن زنجويه (2/ 469) (750) صحيح
[2] النسائى السنن الكبرى صحيح
[3] تاريخ الطبري