خطبة الجمعة بعنوان : أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ ، للدكتور خالد بدير
بتاريخ 21 رمضان 1446 هـ ، الموافق 21 مارس 2025م

خطبة الجمعة بعنوان : أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 21 رمضان 1446 هـ ، الموافق 21 مارس 2025م.
تحميل خطبة الجمعة القادمة 21 مارس 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 21 مارس 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ ، بصيغة word أضغط هنا.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 21 مارس 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ ، بصيغة pdf أضغط هنا.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 21 مارس 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ : كما يلي:
أولًا: حثُّ الإسلامِ على برِّ الأمِّ.
ثانيًا: برُّ الأمِّ صورٌ ونماذجّ مشرقةٌ.
ثالثًا: الاجتهادُ في العشرِ الأواخرِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 21 مارس 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ : كما يلي:
خطبةٌ بعنوان: ” أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ”
21 رمضان 1446هـ – 21 مارس 2025م
المـــوضــــــــــوع
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
العنصر الأول من خطبة الجمعة بعنوان : أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ
أولًا: حثٌّ الإسلامِ على برِّ الأمِّ.
لقد حثَّنَا الشارعُ الحكيمُ على البرِّ والإحسانِ إلي الوالدينِ ولا سيَّمَا في مرحلةِ الكبرِ والشيخوخةِ، قال تعالى: { وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا } [الإسراء: 23-24]، واعتبرَ الإسلامُ ذلكَ شكراً لهمَا على ما قدمَاهُ لكَ مِن معروفٍ وتربيةٍ ورعايةٍ في حالِ صغرِكَ، قال تعالى: { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ } (لقمان: 14)، فانظرْ رحمَكَ اللهُ كيفَ قرنَ شكرَهُمَا بشكرِهِ تعالى ؟!! قال ابنُ عباسٍ رضي اللهُ عنهمَا: ثلاثُ آياتٍ نزلتْ مقرونةً بثلاثٍ لا تقبلُ واحدةٌ بغيرِ قرينتِهَا، قولُهُ تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}، فمَن أطاعَ اللهَ ولم يطعْ الرسولَ لم يُقبلْ منهُ. الثانيةُ: قولُهُ تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}، فمَن صلَّى ولم يزكِّ لم يقبلْ منهُ. الثالثةُ: قولُهُ تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}، فمَن شكرَ اللهَ ولم يشكرْ لوالديهِ لم يقبلْ منهُ.
ولمنزلةِ ومكانةِ برِّ الوالدينِ جعلَهُ الرسولُ ﷺ مِن أحبِّ الأعمالِ إلى اللهِ بعدَ الصلاةِ، فَعَن عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : ” سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ: أَيُّ العَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ ؟ قَالَ : الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا ، قَالَ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ قَالَ : ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ : الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ” . ( متفق عليه ) .
ولأهميةِ ومكانةِ الأمِّ في الإسلامِ كررَ الإسلامُ الوصيةَ بالأمِّ ثلاثًا؛ لتحملِهَا متاعبَ الحملِ والرضاعةِ والتربيةِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: “جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ” ( متفق عليه). يقولُ ابنُ بطالٍ: ” في هذا الحديثِ دليلٌ أنَّ محبةَ الأمِّ والشفقةَ عليهَا ينبغِي أنْ تكونَ ثلاثَ أمثالِ محبةِ الأبِّ؛ لأنَّهُ ﷺ كررَ الأمَّ ثلاثَ مراتٍ، وذكرَ الأبَّ في المرةِ الرابعةِ فقط، وإذا تؤملَ هذا المعنَى شهدَ لهُ العيانُ، وذلك أنَّ صعوبةَ الحملِ وصعوبةَ الوضعِ وصعوبةَ الرضاعِ والتربيةِ تنفردُ بهَا الأمُّ، وتشقَى بها دونَ الأبِّ فهذه ثلاثةُ منازلٍ يخلُو منها الأبٌّ.” (شرح ابن بطال على البخاري).
فالأمُّ كلُّهَا حسناتٌ بجميعِ مراحلِ عمرِهَا منذُ ولادتِهَا حتى وفاتِهَا؛ وهذه رسالةٌ لِمَن يتضجرُ أو يتشاءمُ مِن إنجابِ البناتِ !! يقولُ الإمامُ الشافعيُّ رحمهُ اللهُ:” البنونَ نِعَمٌ والبناتُ حسناتٌ، واللهُ عزَّ وجلَّ يحاسبُ على النِعمِ، ويجازِي على الحسناتِ “
وقد لخصَ أحدُهُم فضلَ الأمِّ ومكانتَهَا في جميعِ مراحلِ عمرِهَا بقولِهِ: ما رأيتُ كالأنثَى فضلاً .. تُدخِلُ أباهَا الجنةَ طفلةً .. وتُكملُ نصفَ دينِ زوجِهَا شابةً .. والجنةُ تحتُ قدميهَا أُمّاً ..!!
ولمكانةِ الأمِّ وفضلِهَا جعلَ الإسلامُ برَّهَا جهادًا في سبيلِ اللهِ وطريقًا إلى الجنةِ، فقد « جاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ ﷺ، فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ ، أردتُ أن أغزوَ وقد جئتُ أستشيرُكَ ؟ فقالَ: هل لَكَ مِن أمٍّ ؟ قالَ: نعَم ، قالَ : فالزَمها فإنَّ الجنَّةَ تحتَ رِجلَيها ».( أحمد والنسائي) ؛ وَعَنْ عَائِشَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا – قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ” دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ فِيهَا قِرَاءَةً ، فَقُلْتُ : مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا : حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ ، كَذَلِكُمُ الْبِرُّ ، كَذَلِكُمُ الْبِرُّ ” . وَكَانَ أَبَرَّ النَّاسِ بِأُمِّهِ . (الحاكم وصححه).
ومِن عجيبِ ما جاءَ بهِ الإسلامُ أنّهُ أمرَ ببرِّ الأمِّ والإحسانِ إليهَا حتى في حالةِ الشركِ، فعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي، وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدَهُمْ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللّهِ ﷺ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللّهِ، قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ».(متفق عليه).
إنَّ الإنسانَ إذا أهملَ أبويهِ ولم يقمْ ببرهِمَا وبرعايتِهِمَا ولا سيّمَا في حالِ الكبرِ والضعفِ والشيخوخةِ فإنَّهُ بعيدٌ عن رحمةِ اللهِ وعن جنتِهِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، ” أَنّ النَّبِيَّ ﷺ رَقَى الْمِنْبَرَ ، فَقَالَ : آمِينَ ، آمِينَ ، آمِينَ ” ، قِيلَ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا كُنْتَ تَصْنَعُ هَذَا ؟ فَقَالَ : قَالَ لِي جِبْرِيلُ : رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا لَمْ يُدْخِلْهُ الْجَنَّةَ ، قُلْتُ : آمِينَ ، ثُمَّ قَالَ : رَغِمَ أَنْفُ عَبْدٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ لَمْ يُغْفَرْ لَهُ ، فَقُلْتُ : آمِينَ ، ثُمَّ قَالَ : رَغِمَ أَنْفُ امْرِئٍ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ ، فَقُلْتُ : آمِينَ ” .( أحمد والطبراني والترمذي وحسنه).
بل إنَّ الإسلامَ عَدَّ عقوقَ الوالدينِ مِن أكبرِ الكبائرِ، فَعَن أَبي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ” أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبائِرِ ثَلاثًا، قَالُوا: بَلى يا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: الإِشْراكُ بِاللهِ وَعُقوقُ الْوالِدَيْنِ ، وَكانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ ، فَقالَ أَلا وَقَوْلُ الزّورِ قَالَ: فَما زَالَ يُكَرِّرُها حَتّى قُلْنا لَيْتَهُ سَكَتَ ” .( متفق عليه ) .
فينبغِي على العبدِ أنْ يسعَى على رضا الوالدينِ وإسعادِهِمَا مهمَا كان الأمرُ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: إِنِّي جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَلَقَدْ تَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ. قَالَ : ” ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا ” . ( أبو داود والنسائي والبيهقي والحاكم وصححه ) .
العنصر الثاني من خطبة الجمعة بعنوان : أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ
ثانيًا: برُّ الأمِّ صورٌ ونماذجُ مشرقةٌ.
تعالوا لنعرضَ لكُم صوراً مشرقةً لسلفِنَا الصالحِ وكيف كانوا بارّينَ بآبائِهِم وأمهاتِهِم مقارنةً بواقعِنَا المعاصرِ!!
فقد رأَى ابنُ عمرَ – رضي اللهُ عنهما – رجلاً يطوفُ بالكعبةِ حاملًا أُمَّهُ على رقبتِهِ فقالَ: يا ابنَ عمرَ أترَى أنِّي جزيتُهَا ؟ قال: لا! ولا بطلقةٍ واحدةٍ ولكنّكَ أحسنتَ، واللهُ يثيبُكَ على القليلِ كثيراً .
وكان عليٌّ بنُ الحسنِ: لا يأكلُ مع والديهِ فقِيلَ لهُ في ذلك؟! فقال: لأنّهُ ربَّمَا يكونُ بينَ يدي لقمةٌ أطيبُ مِمَا يكونُ بينَ أيديهِمَا وهما يتمنيانِ ذلكَ، فإذا أكلتُ بخستُ بحقهِمَا!!
وهذا أبو هريرةَ كانت أمُّهُ في بيتٍ وهو في آخرٍ، فإذا أرادَ أنْ يخرجَ وقفَ على بابِهَا فقال: السّلامُ عليكِ يا أُمَّاه ورحمةُ اللهِ وبركاته. فتقولُ: وعليكَ يا بنيَّ ورحمةُ اللهِ وبركاته، فيقولُ: رحمَكِ اللهُ كما ربّيتنِي صغيرا. فتقولُ: رحمَكَ اللهُ كما بررتَنِي كبيرًا. (الأدب المفرد للبخاري).
وعن مُحمدٍ بنِ المنكدرِ رحمَهُ اللهُ تعالى أنّهُ قال: “بِتُّ أَغْمِزُ رِجْلَ أُمِّي، وَأخي عُمَرُ يُصَلِّي الليلُ ، وَمَا أُحِبُّ أنَّ لَيْلَتِي بِلَيْلَتِهِ” ؛ أغمزُ: أي أدلكُهَا لمرضٍ أصابَهَا، أيْ: واحدٌ يبرُّ أمَّهُ، والآخرُ بطاعةِ ربّهِ فكان يرَى أنَّ برَّ أمِّهِ أعظمُ مِن طاعةِ ربِّهِ!! لذلك قال ابنُ عبّاسٍ- رضي اللهُ عنهما-:” إنّي لا أعلمُ عملًا أقربُ إلى اللهِ- عزّ وجلّ- مِن برِّ الوالدةِ” (الأدب المفرد للبخاري)
وأختمُ صورَ برِّ الأمِّ عندَ سلفِنَا الصالحِ بهذهِ القصةِ الجميلةِ التي تنبأَ بهَا النبيُّ ﷺ للتابعِي الجليلِ أويسِ بنِ عامرٍ الذي أصبحَ مجابَ الدعوةِ مِن كثرةِ برِّهِ لأُمِّهِ.
فعنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ سَأَلَهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ فَقَالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ ؟ قَالَ: نَعَمْ . قَالَ: مِنْ مُرَادٍ ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ؟ قَالَ: نَعَمْ . قَالَ: فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ ؟ قَالَ: نَعَمْ . قَالَ لَكَ وَالِدَةٌ ؟ قَالَ: نَعَمْ . قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ : ” يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ ، مِنْ مُرَادٍ ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ. فَاسْتَغْفِرْ لِي. فَاسْتَغْفَرَ لَهُ .”(مسلم).
قال القاضِي عياضٌ:” وقولُ النبىِّ ﷺ فيهِ: ” لهُ والدةٌ، هو بها برٌّ، لو أقسمَ على اللهِ لأبرَّهُ “: إشارةٌ إلى إجابةِ دعوتِهِ وعظيمِ مكانتِهِ عندَ ربِّهِ، وأنّهُ لا يخيبُ أملهُ فيهِ، ولا يكذبُ ظنهُ بهِ، ولا يردُّ دعوتهُ ورغبتهُ وعزيمتهُ وقسمهُ في سؤالِهِ بصدقِ توكلِهِ عليهِ وتفويضهِ إليهِ، وقِيلَ: معنى ” أقسمَ على اللهِ “: وعى، و” أبرَّهُ ” أجابَهُ، وفيهِ فضلُ برِّ الوالدينِ، وعظيمُ أجرِ البرِّ بهمَا.” أ.ه. وقال النوويُّ: ” هذه منقبةٌ ظاهرةٌ لأويسٍ رضي اللهُ عنهُ، وفيه استحبابُ طلبِ الدعاءِ والاستغفارِ مِن أهلِ الصلاحِ، وإنْ كان الطالبُ أفضلَ منهُم.”
هكذا علمنَا السلفُ الصالحُ رضي اللهُ عنهم كيف نبرُّ الأمَّ ونعظمَ قدرَهَا ؛ وهي الأمُّ التي صنعت الرجالَ؟!
وقد يقولُ قائلٌ: إنّ أمِّي ماتت، فهل لي مِن برٍّ أبرهَا بهِ بعدَ موتِهَا؟! أقولُ: تعالَ معِي استمعْ إلى حبيبِكَ ﷺ، فعَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَبَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِمَا ؟ قَالَ “: نَعَمْ، الصَّلاَةُ عَلَيْهِمَا، وَالاِسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِيفَاءٌ بِعُهُودِهِمَا مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لاَ تُوصَلُ إِلاَّ بِهِمَا”. (أبو داود وابن ماجة).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ:” إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ؛ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ؛ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ “. ( مسلم ).
وهكذا يجبُ علينَا برُّ آبائِنَا وأمهاتِنَا أحياءً وأمواتًا؛ لنحظَى ببرِّ أولادِنَا لنَا، فيكونُ الجزاءُ مِن جنسِ العملِ.
العنصر الثالث من خطبة الجمعة بعنوان : أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ
ثالثًا: الاجتهادُ في العشرِ الأواخرِ.
للعشرِ الأواخرِ مِن رمضانَ فضلٌ عظيمٌ عندَ اللهِ تعالى، وقد ذكرَهَا اللهُ في قولِهِ:{وَالْفَجْرِ؛ وَلَيَالٍ عَشْرٍ} (الفجر: 1 ؛ 2)، وقد ذهبَ كثيرٌ مِن المفسرين إلى أنَّها العشرُ الأواخرُ مِن رمضانَ؛ لذلك كان يجتهدُ فيها النبيُّ ﷺ بالطاعةِ والعبادةِ والقيامِ، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ”(متفق عليه). قال الإمامُ ابنُ حجرٍ:” أيْ سهرَهُ فأحياهُ بالطاعةِ وأحيا نفسَهُ بسهرِهِ فيهِ؛ لأنَّ النومَ أخو الموتِ، وأضافَهُ إلى الليلِ اتساعًا؛ لأنَّ القائمَ إذا حيي باليقظةِ أحيا ليلَهُ بحياتِهِ.”(فتح الباري)، وشدُّ المئزرِ كنايةٌ عن بلوغِ الغايةِ في اجتهادهِ عليه السلامُ في هذه العشرِ. وعَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَت: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِا”( مسلم) يقولُ الإمامُ النوويُّ:” يستحبُّ أنْ يزادَ مِن الطاعاتِ في العشرِ الأواخرِ مِن رمضانَ، واستحبابُ إحياءِ لياليهِ بالعباداتِ .”
وقد سارتْ قوافلُ الصالحينَ تقفُ عندَ العشرِ وقفةَ جدٍ وصرامةٍ، تمتصُّ مِن رحيقِهَا وتنهلُ مِن معينِهَا، وترتوي مِن فيضِ عطاءاتِهَا، وتعملُ فيها ما لا تعملُ في غيرِهَا، حتى صنعتْ هذه العشرُ رجالًا ترَبُّوا على الطاعةِ والإيمانِ. يقولُ أبو عثمان النهدِي: «كانُوا يعظمُون ثلاثَ عشراتٍ: العشرُ الأولُ مِن محرمٍ، والعشرُ الأولُ من ذي الحجةِ، والعشرُ الأواخرُ مِن رمضانَ». ومِن شدةِ تعظيمِهم لهذه الأيامِ كانوا يتطيبُون لها ويتزينُون، قال ابنُ جريرٍ: كانوا يستحبُون أنْ يغتسلُوا كلَّ ليلةٍ مِن ليالِي العشرِ الأواخرِ، وكان النخعيُّ يغتسلُ كلَّ ليلةٍ!
وكان ثابتُ البناني وحميدُ الطويلُ يلبسانِ أحسنَ ثيابِهِمَا ويتطيبانِ ويطيبانِ المسجدَ بالنضوحِ في الليلةِ التي تُرجَى فيها ليلةُ القدرِ. قال ثابتٌ: وكان لتميمِ الداريِّ حلةٌ يلبسُهَا في الليلةِ التي تُرجَى فيها ليلةُ القدرِ.
هكذا كانوا تعظيمًا لهذه العشرِ، وهكذا كانوا اجتهادًا في العبادةِ وانقطاعًا لها في هذه الليالي المباركاتِ.
فأين نحنُ مِن قومٍ كانوا أنضاءَ عبادةٍ وأصحابَ سهرٍ؟!
انظروا إلى امرأةِ حبيبِ العجمِي -وهو أحدُ السلفِ- تقولُ لهُ في الليلِ: قد ذهبَ الليلُ وبينَ أيدينَا طريقٌ بعيدٌ، وزادٌ قليلٌ، وقوافلُ الصالحينَ قد سرتْ ومضتْ، ونحن بقينَا.
فهذه المرأةُ لم تنشغلْ بطعامٍ ولا بشرابٍ، ولا بوصفاتِ إعدادِ الأطعمةِ، ولا بالموضاتِ وما ينزلُ خصيصًا في العشرِ الأواخرِ مِن الملابسِ والموضاتِ، لقد شغلتُهُم المشاغلُ الإيمانيةُ، وألهتُهُم عن هذه الأمورِ الدنيويةِ.
وهكذا الفرقُ بينَ حالِنَا في رمضانَ وحالِ سلفِنَا الصالحِ، وكفى بالواقعِ المعاصرِ على ذلك دليلًا !!!
كما كان مِن هديهِ ﷺ في هذه العشرِ الأخيرةِ مِن رمضانَ أنَّهُ يتحرى ليلةَ القدرِ، فهي خير من ألف شهر. وقال ﷺ في ذلك:” مَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ.”(البخاري)؛ فيا سعادةَ مَن نالَ بركتَهَا وحظيَ بخيرِهَا، ويستحبُّ الإكثارُ مِن الدعاءِ فيها، فعن عَائِشَةَ رضي اللهُ عنها: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا قَالَ:” قُولِي اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّى”.(الترمذي وابن ماجة).
فعليكُم بالجدِّ والاجتهادِ في هذهِ العشرِ المباركةِ؛ اقتداءً بنبيِّكُم ﷺ، لتفوزُوا بسعادةِ العاجلِ والآجلِ.
نسألُ اللهَ أنْ يتقبلَ صيامنَا وصالحَ أعمالِنَا، وأنْ يجعلنَا بارينَ بوالدِينَا،
وأنْ يرزقنَا ليلةَ القدرِ، وأنْ يحفظَ مصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ،
الدعاء،،،، وأقم الصلاة،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف