أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة بعنوان : أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟! ، للدكتور خالد بدير

خطبة الجمعة بعنوان : أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟! ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 25 صفر 1446 هـ ، الموافق 30 أغسطس 2024م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 30 أغسطس 2024م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟!:

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 30 أغسطس 2024م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟! ، بصيغة word  أضغط هنا.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 30 أغسطس 2024م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟! ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن الدروس الدينية

 

للمزيد علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

عناصر خطبة الجمعة القادمة 30 أغسطس 2024م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟! : كما يلي:

 

أولًا: الإسلامُ دينُ اليسرِ لا العسرِ.

ثانيًا: مظاهرُ وصورُ يسرِ الإسلامِ.

ثالثًا: آثارُ التشددِ في الدينِ على الفردِ والمجتمعِ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 30 أغسطس 2024م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟! : كما يلي:

خطبةٌ بعنوان: أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟!

25 صفر 1446هـ -30 أغسطس 2024م

المـــوضــــــــــوع

الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ . أمَّا بعدُ:

العنصر الأول من خطبة الجمعة بعنوان : أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟! 

أولًا: الإسلامُ دينُ اليسرِ لا العسرِ.

إنَّ دينَنَا الحنيفَ دينُ اليُسرِ ِ، فهو قائمٌ على اليسرِ وعدمِ المشقةِ، فالتيسيرُ على العبادِ مرادُ اللهِ، والمشقةُ لا يريدُهَا اللهُ لعبادِهِ: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}.[البقرة: 185]، ومِن يُسرِ الإسلامِ أنَّ اللهَ لم يكلفْ هذهِ الأمةَ إلّا بمَا تستطيع، قالَ تعالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}.(البقرة: 286).

ولأهميةِ اليسرِ في الشريعةِ الإسلاميةِ عنونَ لهُ الإمامُ البخاريُّ بابًا خاصًّا في صحيحِهِ وسمَّاهُ: ” بابُ قولِ النبيِّ : يسرُوا ولا تعسرُوا وكان يحبُّ التخفيفَ واليسرَ على الناسِ .” وساقَ عدةَ وصايَا وشواهدَ وأدلةً ليسرِ النبيِّ ورحمتِهِ بأمتهِ منها: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:” مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَيْسَرُ مِنْ الْآخَرِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا؛ فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ.” (البخاري ومسلم واللفظ له).

 قال صاحبُ عونِ المعبودِ :” فيهِ استحبابُ الأخذِ بالأيسرِ والأرفقِ ما لم يكنْ حرامًا أو مكروهًا .”

وعَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ بَعَثَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إِلَى الْيَمَنِ فقَالَ لَهما:” يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا وَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا”.(متفق عليه). وأنتَ ترَى أنَّ النبيَّ جمعَ بينَ الشيءِ وضدّهِ تأكيدًا، فإنَّه كان يكفِي قولهُ: ”يسِّرا ”؛ وإنَّمَا ذكرَ الضدَّ: ”ولا تعسّرَا” تأكيدًا للأمرِ.

 يقولُ الإمامُ النوويُّ:” إنَّما جمعَ في هذه الألفاظِ بين الشيءِ وضدهِ؛ لأنَّهُ قد يفعلهُمَا في وقتينِ، فلو اقتصرَ على (يسِّرَا) لصدقَ ذلك على مَن يسَّرَ مرةً أو مرات، وعسّرَ في معظمِ الحالاتِ، فإذا قالَ: ( ولا تعسِّرَا )، انتفَى التعسيرُ في جميعِ الأحوالِ مِن جميعِ وجوهِهِ، وهذا هو المطلوبُ .” أ.ه

وفي مقابلِ التيسيرِ في الدينِ نهَى الشارعُ الحكيمُ عن التشددِ والغلوِّ فيه، فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ قَالَ : ” إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَىْءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ “. ( البخاري ومسلم). يقولُ الحافظُ بنُ رجبٍ: ” معنى الحديث: النهيُ عن التشديدِ في الدينِ، بأنْ يحمِّلَ الإنسانُ نفسَهُ مِن العبادةِ ما لا يحتملهُ إلّا بكلفةٍ شديدةٍ، وهذا هو المرادُ بقولهِ : ” لن يُشادَّ الدينَ أحدٌ إلّا غلبَهُ ” يعني: أنَّ الدينَ لا يُؤخذُ بالمغالبةِ، فمَن شادَّ الدينَ غلبَهُ وقطعَهُ.”أ.ه

العنصر الثاني من خطبة الجمعة بعنوان : أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟! 

ثانيًا: مظاهرُ وصورُ يسرِ الإسلامِ.

إنَّ الدينَ الإسلاميَّ الحنيفَ دينُ اليسرِ وعدمِ التشددِ في جميعِ المجالاتِ:

ففِي مجالِ العباداتِ عامةً والصلاةِ خاصةً لتكررِهَا في كلِّ يومٍ، نتمثلُ أمرَ الرسولِ في التخفيفِ والتيسيرِ، فقد روي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ ، ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فَيُصَلِّي بِهِمُ الصَّلاَةَ، فَقَرَأَ بِهِمُ البَقَرَةَ، قَالَ: فَتَجَوَّزَ رَجُلٌ فَصَلَّى صَلاَةً خَفِيفَةً، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاذًا، فَقَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ، فَأَتَى النَّبِيَّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا قَوْمٌ نَعْمَلُ بِأَيْدِينَا، وَنَسْقِي بِنَوَاضِحِنَا، وَإِنَّ مُعَاذًا صَلَّى بِنَا البَارِحَةَ، فَقَرَأَ البَقَرَةَ، فَتَجَوَّزْتُ، فَزَعَمَ أَنِّي مُنَافِقٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ : ” يَا مُعَاذُ، أَفَتَّانٌ أَنْتَ – ثَلاَثًا – اقْرَأْ: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى وَنَحْوَهَا “. (البخاري). قال الإمامُ ابنُ حجرٍ:” فيهِ استحبابُ تخفيفِ الصلاةِ مراعاةً لحالِ المأمومين”. (فتح الباري).

ونحن نعلمُ منزلةَ سيدِنَا معاذٍ رضي اللهُ عنه، وحبَّ الرسولِ لهُ، وهو أعلمُ الناسِ بالحلالِ والحرامِ، وكان يردفُهُ خلفَهُ على الدابةِ حُبًّا في صحبتِهِ، ومع ذلك عاتبَهُ وعنفَهُ لمَّا أطالَ على الناسِ في الصلاةِ كمَا ذُكِرَ.

لذلك كان مِن هديِ الرسولِ التخفيفُ في الصلاةِ. فَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، لاَ أَكَادُ أُدْرِكُ الصَّلاَةَ مِمَّا يُطَوِّلُ بِنَا فُلاَنٌ، فَمَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ فِي مَوْعِظَةٍ أَشَدَّ غَضَبًا مِنْ يَوْمِئِذٍ، فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ مُنَفِّرُونَ، فَمَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ فِيهِمُ المَرِيضَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الحَاجَةِ».(متفق عليه).

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «إِنِّي لَأَقُومُ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ؛ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ». (البخاري).

وفي مجالِ الصيامِ: كان يواصلُ الصيامَ لربِّهِ تعالى، واتبعَهُ الصحابةُ رضي اللهُ عنهم واقتدُوا بهِ في الوصالِ، فنهاهُم رحمةً ورأفةً بهِم وشفقةً عليهم، وتيسيرا لهم في أمر الصيام. فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ” نَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنْ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ. فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: وَأَيُّكُمْ مِثْلِي؟! إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ؛ فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوْا الْهِلَالَ؛ فَقَالَ: لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ ؛ كَالتَّنْكِيلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا ”. ( البخاري ).

ولذلك نهاهُم عن صيامِ الدهرِ أبدًا أو قيامِ الليلِ أبدًا أو التبتلِ، فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: جَاءَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ، يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ ، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ ؟ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلاَ أُفْطِرُ، وَقَالَ آخَرُ: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا، أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي».(البخاري).

وهذا عبدُاللهِ بنُ عمروٍ جعلَ يساومُ النبيَّ في الصيامِ والقيامِ، فعنهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ: لِي رَسُولُ اللَّهِ : يَا عَبْدَ اللَّهِ أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ؛ صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ. فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا؛ وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا؛ وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا؛ وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا؛ وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا؛ فَإِنَّ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ. فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً قَالَ: فَصُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام وَلَا تَزِدْ عَلَيْهِ. قُلْتُ: وَمَا كَانَ صِيَامُ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام؟ قَالَ: نِصْفَ الدَّهْرِ فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ بَعْدَ مَا كَبِرَ: يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”(البخاري)

وهكذا بلغتْ رحمةُ الرسولِ بأمتِهِ حدًّا لا يتخيلُهُ عقلٌ، حتى إنَّ الأمرَ وصلَ إلى خوفِهِ عليهِم مِن كثرةِ العبادةِ!! ومع أنَّ التقربَ إلى اللهِ والتبتلَ إليهِ أمرٌ محمودٌ مرغوبٌ، بل هو مأمورٌ بهٍ، لكنَّهُ كان يخشَى على أمتِهِ مِن المبالغةِ في الأمرِ فيفتقدُون التوازنَ في حياتِهِم، أو يصلُ بهم الأمرُ إلى المَللِ والكسلِ، أو يصلُ بهم الحدُّ إلى الإرهاقِ الزائدِ عن طاقةِ الإنسانِ، لذلك رأيناهُ كثيرًا ما يُعرِضُ عن عملٍ مِن الأعمالِ، مُقرَّبٍ إلى قلبِهِ، محببٍ إلى نفسِه، لا لشيءٍ إلّا لخوفِهِ أنْ يُفرَضَ على أمتِه فيعنتهُم ويشقّ عليه؛ تقولُ أمُّ المؤمنينَ عائشةُ: “إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ”[البخاري ومسلم]، ولذلك كان كثيرًا ما يقولُ كلمةً: “لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي”، دلالةً على أنَّهُ يحبُّ الأمرَ، ولكنَّهُ يخشَى الفتنةَ على الأمةِ، فانظرْ كيف كان لا يخرجُ في كلِّ المعاركِ لكي لا يتحرَّجَ الناسٌ في الخروجِ في كلِّ مرةٍ، وكيف كان لا يؤخرُ صلاةَ العشاءِ إلى منتصفِ الليلِ، وكيف رفضَ الخروجَ إلى قيامِ الليلِ جماعةً في رمضانَ خشيةَ أنْ يُفرَضَ على المسلمين، وكيف تأخرَ في الردِّ على مَن سألَ عن تكرارِ الحجِّ في كلِّ عامٍ خشيةَ فرضِهِ بهذه الصورةِ على المسلمين، وهكذا….

العنصر الثالث من خطبة الجمعة بعنوان : أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ؟! 

ثالثًا: آثارُ التشددِ في الدينِ على الفردِ والمجتمعِ.

إنَّ للتشدّدِ في الدينِ والفهمِ الخاطئِ للنصوصِ الشريعةِ الغراءِ آثارًا وخيمةً وأضرارًا جسيمةً على الفردِ والمجتمعِ: فهُم بجهلِهِم المركبِ بمسائلِ الشريعةِ- ولا سيّمَا المسائلُ الدقيقةُ التي لا يحسنُهَا إلَّا العلماء – يكفِّرونَ مَن شاءُوا ولا يفرقونَ بينَ كفرٍ أصغر أو أكبر، أو كبيرةٍ وصغيرةٍ، ولعلَّ الجهلَ بأحكامِ الشريعةِ مِن أهمِّ صفاتِ الخوارجِ الذينَ كانُوا أولَ مَن تولَّى وزرَ التكفيرِ في هذه الأمةِ، حينَ كفَّرُوا أصحابَ النبيِّ ، فقد وصفَهُم بقولِهِ:” يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ؛ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ؛ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ؛ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ”. (متفق عليه). يقولُ الإمامُ القرطبيُّ منددًا بضلالةِ الخوارجِ وقلةِ فهمِهِم وتكفيرِهِم الناس: “ويكفيكَ مِن جهلِهِم وغلوهِم في بدعتِهِم حكمهُم بتكفيرِ مَن شهدَ لهُ رسولُ اللهِ بصحةِ إيمانِهِ وبأنَّهُ مِن أهلِ الجنةِ”. وهل هناكَ جهلٌ مركبٌ بعدَ هذا الجهلِ ؟!!!

كذلك لا يخفَى على الجميعِ ما يصدرُ عن ذوِي حداثةِ السنِّ وقلةِ التجاربِ، وهذا شائعٌ وكثيرٌ مِن شبابِنَا الطائشِ الذين تشبعُوا بالجمودِ الفكرِي التكفيرِي المتطرفِ، وهؤلاءِ يقولُ عنهُم النبيُّ ﷺ: ” يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ “.(البخاري).

قال السنديُّ: ” قولُهُ: (أحداثُ الأسنانِ) أي صغارُ الأسنانِ، فإنَّ حداثةَ السّنِّ محلٌّ للفسادِ عادة. (سفهاءُ الأحلامِ): ضعافُ العقولِ”. (حاشية السندي).

هؤلاء تظنُّ مِن حلاوةِ منطقِهِم وعذوبةِ ألسنتِهِم أنّهُم مصلحون، ألَّا إنّهُم هُم المفسدونَ ولكن لا يشعرون.

 فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : « يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ رِجَالٌ يَخْتِلُونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ، يَلْبَسُونَ لِلنَّاسِ جُلُودَ الضَّأْنِ، أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ، وَقُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الذِّئَابِ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَبِي تَغْتَرُّونَ أَمْ عَلَيَّ تَجْتَرِئُونَ، فَبِي حَلَفْتُ لَأَبْعَثَنَّ عَلَى أُولَئِكَ مِنْهُمْ فِتْنَةً تَذَرُ الْحَلِيمَ فِيهِمْ حَيْرَانَ » ( الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب ) . هؤلاءِ بفكرِهِم الخاطئِ المتطرفِ قال فيهم الإمامُ مالكٌ رحمَهُ اللهُ: «إنَّ أقوامًا ابتغُوا العبادةَ وأضاعُوا العلمَ فخرجُوا على أمةِ محمدٍ بأسيافِهِم، ولو ابتغُوا العلمَ لحجزَهُم عن ذلك».

فما أكثرَ الجهلاءَ الذينَ يتصدرونَ للفتوىَ بغيرِ علمٍ في هذهِ الأيامِ. فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ:” إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ؛ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا”(متفق عليه).

 ونحن نعلمُ أنَّ الفتوىَ بغيرِ علمٍ قد تؤدِّي إلى الهلاكِ والدمارِ والوقوعِ في أكبرِ الكبائرِ، وقد أنكرَ النبيُّ على مَن أفتُوا رجلًا بغيرِ علمٍ مِمّا أدَّى إلى هلاكِهِ وموتِهِ، فعَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، ثُمَّ احْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ فَقَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ: «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَلَا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ َعلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً، ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ » ( أبوداود وابن ماجة بسند حسن ) .

فالتكفيرُ والإرهابُ والأفكارُ المتطرفةُ ذريعةٌ ومسوغٌ لاستباحةِ الدماءِ وانتهاكِ الأعراضِ، وسلبِ الأموالِ الخاصّةِ والعامةِ، وتفجيرِ المساكنِ والمركباتِ، وتخريبِ المنشآتِ، وزرعِ العداواتِ والأحقادِ والفرقةِ بينَ أفرادِ المجتمعِ، فهذه الأعمالُ وأمثالُهَا محرَّمةٌ شرعًا بإجماعِ المسلمينَ؛ لِمَا في ذلك مِن هتكٍ لحرمةِ الأنفسِ المعصومةِ، وهتكٍ لحرمةِ الأموالِ، وهتكٍ لحرماتِ الأمنِ والاستقرارِ، وحياةِ الناسِ الآمنينَ المطمئنينَ في مساكنِهِم ومعايشِهِم، وهتكٍ للمصالحِ العامةِ التي لا غنَى عنهَا للناسِ في حياتِهِم، وكلُّ هذه جرائمٌ ترتكبُ تحتَ ستارِ التكفيرِ !!

ومِن هنَا ندعُوا الجميعَ إلى فهمِ مقاصدِ الشريعةِ الغراءِ، ومراعاةِ التيسيرِ ورفعِ الحرجِ عن الناسِ، ونشرِ قيمِ الإسلامِ وأخلاقِهِ وسماحتِهِ، وتطبيقِ ذلك عمليًّا على أرضِ الواقعِ؛ لنكونَ دعاةً للغيرِ بأفعالِنَا قبلَ أقوالِنَا.

نسألُ اللهَ أنْ يهدينَا إلى الصراطِ المستقيمِ، وأنْ يحفظَ مصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ.

   الدعاء،،،،،،،                    وأقم الصلاة،،،،،                كتبه : خادم الدعوة الإسلامية

  د / خالد بدير بدوي

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »