أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة بعنوان : أنت عند الله غالٍ ، للدكتور خالد بدير

بتاريخ 20 جماد أول 1446 هـ ، الموافق 22 نوفمبر 2024م

خطبة الجمعة بعنوان : أنت عند الله غالٍ ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 20 جماد أول 1446 هـ ، الموافق 22 نوفمبر 2024م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 22 نوفمبر 2024م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : أنت عند الله غالٍ :

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 22 نوفمبر 2024م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : أنت عند الله غالٍ ، بصيغة  word أضغط هنا.

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 22 نوفمبر 2024م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : أنت عند الله غالٍ ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

عناصر خطبة الجمعة القادمة 22 نوفمبر 2024م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : أنت عند الله غالٍ : كما يلي:

 

أولًا: احترامُ آدميةِ الإنسانِ.

ثانيًا : النهيُ عن تنقيصِ الآخرينَ أو احتقارِهِم.

ثالثًا: المعيارُ عندَ اللهِ بالتقوَى.

 

ولقراءة جزء من خطبة الجمعة القادمة 22 نوفمبر 2024م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : أنت عند الله غالٍ : كما يلي:

 

أنتَ عندَ اللهِ غالٍ

20 جمادى الأولى 1446هـ – 22 نوفمبر 2024م

المـــوضــــــــــوع

الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ . أمَّا بعدُ:

العنصر الأول من خطبة الجمعة بعنوان : أنت عند الله غالٍ

أولًا: احترامُ آدميةِ الإنسانِ.

لقد خلقَ اللهُ النفسَ الإنسانيةَ وجعلَهَا رمزًا للتكريمِ والتوقيرِ والاحترامِ، فقالَ تعالَى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} [الإسراء: 70].

يقولُ الإمامُ ابنُ كثيرٍ –رحمَهُ اللهُ-: ” يخبرُ تَعَالَى عَنْ تَشْرِيفِهِ لِبَنِي آدَمَ وَتَكْرِيمِهِ إِيَّاهُمْ فِي خَلْقِهِ لَهُمْ عَلَى أَحْسَنِ الْهَيْئَاتِ وَأَكْمَلِهَا. كقولِهِ تعالَى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}. [التِّينِ: 4] أَيْ: يَمْشِي قَائِمًا مُنْتَصِبًا عَلَى رِجْلَيْهِ وَيَأْكُلُ بِيَدَيْهِ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ وَيَأْكُلُ بِفَمِهِ. وَجَعَلَ لَهُ سَمْعًا وَبَصَرًا وَفُؤَادًا يَفْقَهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ، وَيُفَرِّقُ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ وَيَعْرِفُ مَنَافِعَهَا وَخَوَاصَّهَا وَمَضَارَّهَا فِي الْأُمُورِ الدينية والدنيوية….. {وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلًا} أَيْ: مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ وَأَصْنَافِ المخلوقات. وقد استدل بهذه الآية الكريمة عَلَى أَفْضَلِيَّةِ جِنْسِ الْبَشَرِ عَلَى جِنْسِ الْمَلَائِكَةِ.” أ.ه

واحترامُ آدميةِ الإنسانِ كلمةٌ تضمُّ مجموعةً مِن المشاعرِ الإيجابيةِ المتمثلةُ في الحبِّ والعنايةِ والتقديرِ، وهي صفةٌ إنسانيةٌ جليلةٌ تحملُ في طياتِها معاني أخرى من الشموخِ والرفعةِ والعزةِ، والاحترامُ عكسُ الازدراءِ أي الاحتقار، وقد ظهرتْ هذه القيمةُ في العديدِ من المواقفِ كما جاءَ في القرآنِ والسنةِ .

فاللهُ تعالَى خلقَ الإنسانَ وكرّمَهُ، ومِن مظاهرِ هذا التكريمِ: أنَّ اللهَ خلقَهُ بيدِهِ ونفخَ فيهِ مِن روحِهِ، وأسجدَ لهُ ملائكتَهُ، كمَا أمرَ إبليسَ بالسجودِ لهُ، كمَا سخّرَ اللهُ للإنسانِ كلَّ ما في السماواتِ والأرضِ مِن شمسٍ وقمرٍ ونجومٍ وأرضٍ ومياهٍ وأنهارٍ وبحارٍ … إلخ. ومِن مظاهرِ تكريمِ اللهِ عزَّ وجلَّ لبنِي آدمَ أنَّ اللهَ حرّمَ الاعتداءَ على النفسِ الإنسانيةِ، بلْ حرَّمَ تخويفَ العبدِ أو الإشارةَ إليهِ بحديدةٍ أو سلاحٍ، والنصوصُ الشرعيةُ في كلِّ ما ذكرَ مشهورةٌ ومعروفةٌ.

ومِن أبرزِ صورِ الاحترامِ والتكريم لغيرِ المسلمين، مخاطبةُ النبيِّ مُحمدٍ لملكِ الرومِ حينَ أرسلَ إليهِ رسالةً يدعُوهُ بهَا إلى الدينِ الإسلاميِّ تبدأُ بقولهِ: ” مِن مُحمدٍ رسولِ اللهِ إلى هرقل عظيمِ الروم”، فقد حرصَ نبيُّنَا الكريمُ على إنزالِ الناسِ منازلَهُم واحترامِهِم وتقديرِهِم. يقولُ ابنُ حجرٍ: ” لم يُخلهِ مِن إكرامٍ لمصلحةِ التألّفِ”؛ وكثيرًا ما يحتاجُ المسلمونَ للتعاملِ بالاحترامِ والتوقيرِ لمصلحةِ وحدةِ الصفِ وتوفيرِ الجهودِ وتأليفِ القلوبِ، وإزالةِ الدخنِ، وإغاظةِ العدوِّ…وبقدرِ ما يحترمُ بعضُنَا بعضًا نكونُ في نظرِ الناسِ محترمين. ولقد كانَ مثالًا حيًّا في احترامِ غيرِ المسلمين أحياءً وأمواتًا، فقد زارَ الغلامَ اليهوديَّ في مرضهِ فكان ذلك سببًا في إسلامِهِ، فقالَ : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَنْقَذَهُ بِى مِنَ النَّارِ»[سنن أبي داود]. وفي مجالِ تكريمهِ واحترامه للأمواتِ منهم قيامهِ لجنازةِ اليهوديِّ؛ فقد روي ” أنَّ النَّبِيَّ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ فَقَامَ, فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ، فَقَالَ: أَلَيْسَتْ نَفْسًا ؟!” (متفق عليه).

وهكذا تواترتْ النصوصُ الشرعيةُ في احترامِ آدميةِ الناسِ جميعًا مسلمينَ وغيرِ مسلمينَ أحياءً وأمواتًا.

العنصر الثاني من خطبة الجمعة بعنوان : أنت عند الله غالٍ

ثانيًا : النهيُ عن تنقيصِ الآخرينَ أو احتقارِهِم.

إذا كانَ اللهُ كرّمَ النفسَ الإنسانيةَ وأعلَى مِن شأنِهَا، ففِي مقابلِ ذلكَ نهَي الشارعُ الحكيمُ عن احتقارِ المسلمِ أو التنقيصِ مِن قدرِهِ بأيِّ صورةٍ مِن الصورِ أو شكلٍ مِن الأشكالِ، واعتبرَ ذلكَ مِن أمورِ الجاهليةِ العمياء، لذلكَ وضعَ النبيُّ العنصريةَ تحتَ قدميهِ في خُطبةِ الوداعِ، فعَنْ أَبِي نَضْرَةَ، حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللهِ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ: ” ألا وإنَّ كل شيء مِن أمر الجاهلية موضوعٌ تحت قدميَّ هاتَين، يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا أَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلَّا بِالتَّقْوَى أَبَلَّغْتُ ، قَالُوا: بَلَّغَ رَسُولُ اللهِ”. ( أحمد والطبراني والبيهقي بسند صحيح ).

لذلكَ نهانَا الدينُ الإسلاميُّ الحنيفُ عن السخريةِ والاستهزاءِ بالآخرينَ أو التقليلِ مِن شأنِهِم وتحقيرِهِم؛ لأنَّ هذا يخالفُ الآدابَ الإسلاميةَ، وفي ذلكَ يقولُ أحدُ السلفِ: لو سخرتُ مِن كلبٍ لخشيتُ أنْ أُحوَّلَ كلبًا.

 وللهِ درُّ الشاعرِ حينَ قال:   احفظْ لسانَكَ لا تقلْ فتبتلَى ……… إنَّ البلاءَ موكلٌ بالمنطقِ.

وصدقَ اللهُ العظيمُ حيثُ يقولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. (الحجرات: 11)، يقولُ ابنُ كثيرٍ: ” الآيةُ تنهَى عن الاستهزاءِ بالآخرينَ أو إهانتِهِم، كما تنهَى الآيةُ عن لمزِ الناسِ، بأنْ نقولَ لهُم ما يُهينُهُم، أو يُحقّرُهُم ويصغّرُهُم، وتنهَى أيضًا عن التنابزِ بالألقابِ، فلا يجوزُ مناداةُ الأشخاصِ بأسماءٍ، أو صفاتٍ سيئةٍ يكرهونَ سماعَهَا.( تفسير ابن كثير).

لذلكَ نهَى الرسولُ عن كلِّ صورِ السخريةِ والاستهزاءِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ : «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا» وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ». (مسلم). فالباعثُ على السُّخْرِيةِ واحتقارِ الناسِ إنّمَا هو الكبرُ، وهو مِن أعظمِ خصالِ الشرِّ، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ» قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: «إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ» (مسلم). ومعنى (غمطُ الناسِ): أي احتقارُهُم.

إنَّ ذمَّ الإنسانِ لخلقتِهِ هو ذمٌّ لخالقِهِ، فمَن ذمَّ صنعةً، فقد ذمَّ صانعَهَا، وقد جاءَ في الحديثِ الذي أخرجَهُ الإمامُ أحمدُ، وفيهِ أنَّ النبيَّ قَالَ: «كُلُّ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَسَنٌ». وقال رجلٌ لحكيمٍ: “يا قبيحَ الوجهِ! فقالَ: ما كان خَلْقُ وجهِي إليَّ فأُحسنُهُ”. (إحياء علوم الدين).

إنَّ كثيرًا منَّا يفتخرُ بنسبِهِ وحسبِهِ ويترفعُ على الناسِ بأنّهُ فلانٌ بنُ فلان، ويعاملُ الناسَ بأنفةٍ وعلوٍّ واستكبارٍ؛ وكأنّهُ خُلِقَ مِن مادةٍ غيرِ التي خُلِقَ منهَا الناسُ جميعًا، وليعلمَ هذا المفتخرُ أنَّهُ يسعَى بعنصريتِهِ وقبليتِهِ وحسبِهِ ونسبِهِ إلى النارِ وبئسَ القرار، كمَا أخبرَنَا بذلكٍ النبيُّ المختارُ، فعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: انْتَسَبَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بْنُ فُلاَنٍ، فَمَنْ أَنْتَ لَا أُمَّ لَكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ” انْتَسَبَ رَجُلَانِ عَلَى عَهْدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ حَتَّى عَدَّ تِسْعَةً، فَمَنْ أَنْتَ لَا أُمَّ لَكَ؟ قَالَ: أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، ابْنُ الْإِسْلَامِ، قَالَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّ هَذَيْنِ الْمُنْتَسِبَيْنِ، أَمَّا أَنْتَ أَيُّهَا الْمُنْتَمِي أَوْ الْمُنْتَسِبُ إِلَى تِسْعَةٍ فِي النَّارِ فَأَنْتَ عَاشِرُهُمْ، وَأَمَّا أَنْتَ يَا هَذَا الْمُنْتَسِبُ إِلَى اثْنَيْنِ فِي الْجَنَّةِ، فَأَنْتَ ثَالِثُهُمَا فِي الْجَنَّةِ”. (أحمد والبيهقي بسند صحيح). وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ:” لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمْ الَّذِينَ مَاتُوا؛ إِنَّمَا هُمْ فَحْمُ جَهَنَّمَ؛ أَوْ لَيَكُونُنَّ أَهْوَنَ عَلَى اللَّهِ مِنْ الْجُعَلِ الَّذِي يُدَهْدِهُ الْخِرَاءَ بِأَنْفِهِ؛ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالْآبَاءِ؛ إِنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ؛ النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ”.(أحمد والترمذي وحسنه).

لهذا عاتبَ الرسولُ أبا ذرٍّ لمَّا عيَّرَ بلالًا بأُمّهِ. فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: عَيَّرَ أَبُو ذَرٍّ بِلَالًا بِأُمِّهِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ السَّوْدَاءِ، وَإِنَّ بِلَالًا أَتَى رَسُولَ اللهِ ، فَأَخْبَرَهُ فَغَضِبَ، فَجَاءَ أَبُو ذَرٍّ وَلَمْ يَشْعُرْ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ ، فَقَالَ: مَا أَعْرَضَكَ عَنِّي إِلَّا شَيْءٌ بَلَغَكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: ” أَنْتَ الَّذِي تُعَيِّرُ بِلَالًا بِأُمِّهِ؟ ” قَالَ النَّبِيُّ : ” وَالَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ عَلَى مُحَمَّدٍ ، مَا لِأَحَدٍ عَلَيَّ فَضْلٌ إِلَّا بِعَمَلٍ، إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا كَطَفِّ الصَّاعِ ” (شعب الإيمان للبيهقي).

العنصر الثالث من خطبة الجمعة بعنوان : أنت عند الله غالٍ

ثالثًا: المعيارُ عندَ اللهِ بالتقوَى.

إنَّ المعيارَ عندَ اللهِ تعالَى في الآخرةِ بالتقوَى وليسَ بالمالِ أو بالنسبِ الأقوَى، قالَ تعالَى:{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }. [الحجرات: 13]. فالصورةُ والمالُ ليسَا بمقياسٍ لتوقِيرِ الناسِ، أو السُّخْرِيةِ منهم، إنّمَا المفاضلةُ في طَهارةِ القلبِ، وحُسنِ الأعمالِ، ويدلُّ على هذا ما أخرجَهُ الإمامُ مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ»، فالكرامةُ والفوزُ تكونُ لأصحابِ القلوبِ التقيَّةِ النقيَّةِ مهمَا كان حالُهُ وصورتُهُ، ومهما كانتْ أموالُهُ وأولادُهُ، وصدقَ اللهُ العظيمُ حيثُ يقولُ: { وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ}[سَبَأٍ: 37].

فقد يكونُ الرجلُ فقيرَ الحالِ، قليلَ المالِ، مجهولًا في الأرضِ لكنَّهُ مذكورٌ في السماءِ، فعَنْ سَهْلٍ، قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ، فَقَالَ: «مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟» قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ، قَالَ: ثُمَّ سَكَتَ، فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ المُسْلِمِينَ، فَقَالَ: «مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟» قَالُوا: حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لاَ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لاَ يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لاَ يُسْتَمَعَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا». (البخاري). أي: خيرٌ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ مِن ملءِ الأرضِ مِن مثلِ هذا الرجلِ الذي لهُ شرفٌ وجاهٌ في قومِهِ؛ لأنَّ اللهَ سبحانَهُ وتعالَى ليسَ ينظرُ إلى الشرفِ، والجاهِ، والنسبِ، والمالِ، والصورةِ، واللباسِ، والمركوبِ، والمسكونِ، وإنّمَا ينظرُ إلى القلبِ والعملِ، فإذا صلحَ القلبُ فيمَا بينَهُ وبينَ اللهِ عزَّ وجلَّ، وأنابَ إلى اللهِ، وصارَ ذاكراً للهِ تعالَى خائفًا منهُ، مخبتًا إليهِ، عاملًا بمَا يرضِي اللهَ عزَّ وجلَّ، فهذا هو الكريمُ عندَ اللهِ، وهذا هو الوجيهُ عندَهُ، وهذا هو الذي لو أقسمَ على اللهِ لأبرَهُ. ويؤخذُ مِن هذا فائدةٌ عظيمةٌ وهي: أنَّ الرجلَ قد يكونُ ذَا منزلةٍ عاليةٍ في الدنيَا، ولكنّهُ ليسَ لهُ قدرٌ عندَ اللهِ، وقد يكونُ في الدنيَا ذَا مرتبةٍ منحطةٍ وليسَ لهُ قيمةٌ عندَ الناسِ وهو عندَ اللهِ خيرٌ مِن كثيرٍ مِمَّن سواهُ، وصدقَ الرسولُ حيثُ يقولُ: «إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ». (البخاري)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: «رُبَّ أَشْعَثَ، مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ». (مسلم). “ومعنى (مدفوع بالأبواب) أي: لا قدرَ لهُ عندَ الناسِ فهُم يدفعونَهُ عن أبوابِهِم ويطردونَهُ عنهُم احتقارًا لهُ. (لو اقسمَ على اللهِ لأبرَّهُ): أي لو حلفَ على وقوعِ شيءٍ أوقعَهُ اللهُ إكرامًا لهُ بإجابةِ سؤالِهِ وصيانتِهِ مِن الحنثِ في يمينِهِ، وهذا لعظمِ منزلتِهِ عندَ اللهِ وإنْ كان حقيرًا عندَ الناسِ.” (تعليق د/ محمد فؤاد عبدالباقي على صحيح مسلم).

وهذا الصحابيُّ الجليلُ زاهرٌ الذي كان يحبُّهُ الرسولُ حُبًّا كثيرًا وكان يداعبُهُ مع دمامتِهِ وفقرِهِ، فعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ يُقَالُ لَهُ زَاهِرُ … أَتَاهُ النَّبِيُّ وَهُوَ يَبِيعُ مَتَاعَهُ، فَاحْتَضَنَهُ مِنْ خَلْفِهِ وَالرَّجُلُ لَا يُبْصِرُهُ، فَقَالَ: أَرْسِلْنِي، مَنْ هَذَا؟ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهُ النَّبِيُّ جَعَلَ يُلْزِقُ ظَهْرَهُ بِصَدْرِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : “مَنْ يَشْتَرِي هَذَا الْعَبْدَ” – وَكَانَ رَجُلًا دَمِيمًا – فَقَالَ زَاهِرٌ: تَجِدُنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ كَاسِدًا، قَالَ: “لَكِنَّكَ عِنْدَ اللَّهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ”، أَوْ قَالَ: : “بَلْ أَنْتَ عِنْدَ الله غالٍ”. (ابن حبان والترمذي بسند صحيح).

ونحن نعلمُ جميعًا منزلةَ الصحابِيِّ الجليلِ عبدِاللهِ بنِ مسعودٍ مع نحافتِهِ ودقةِ ساقيهِ، إلّا أنّهّمَا أثقلُ في الميزانِ عندَ اللهِ مِن جبلِ أُحدٍ، فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنَ الْأَرَاكِ، وَكَانَ دَقِيقَ السَّاقَيْنِ، فَجَعَلَتِ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ، فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «مِمَّ تَضْحَكُونَ؟» قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ، فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ». (أحمد بسند حسن). فقد يكونُ الرجلُ نحيفًا صغيرَ الحجمِ لكنّهُ عندَ اللهِ ثقيلُ الميزانِ، والعكسُ مِن ذلكَ قد يكونُ الرجلُ سمينًا كالفيلِ ولا يزنُ عندَ اللهِ جناحَ بعوضةٍ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: ” إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ العَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ القِيَامَةِ، لاَ يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، اقْرَءُوا إن شِئْتُم، {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَزْنًا}. [الكهف: 105] “.(البخاري).

نسألُ اللهَ تعالى أنْ يثبتَنَا ويثقّلَ موازينَنَا، وأنْ يحفظَ مصرنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ.

       الدعاءُ،،،،                 وأقمْ الصلاةَ،،،،                   كتبه : خادم الدعوة الإسلامية

                                                                                                                             د / خالد بدير بدوي

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »