خطبة الجمعة القادمة ١٦ أكتوبر ٢٠٢٠م : الحياء من ﷲ ومن الخلق ومن النفس شيمة الكرام وفطرة إنسانية سوية ، للشيخ كمال المهدي
خطبة الجمعة القادمة ١٦ أكتوبر ٢٠٢٠م بعنوان (الحياء من ﷲ ومن الخلق ومن النفس شيمة الكرام وفطرة إنسانية سوية) ، للشيخ كمال المهدي ، بتاريخ 29 من صفر 1442 الموافق 16 أكتوبر 2020 م.
ولقراءة الخطبة كما يلي:
خطبة الجمعة القادمة ١٦ أكتوبر ٢٠٢٠م بعنوان (الحياء من ﷲ ومن الخلق ومن النفس شيمة الكرام وفطرة إنسانية سوية)
***
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم…
وبعد :-
أحبتي في الله :-
نستقبل في هذه الأيام ميلاد خير الأنام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فحريُ بنا أن نستقبل هذه الأيام بالفرح والسرور- ولما لانفرح برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي هدانا الله به إلى الطريق المستقيم وهو الذي دعانا للتخلق بالخلق الجميل فهو القائل :-(إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق) وفي رواية: (مكارم الأخلاق)
فتعالوا بنا اليوم لنتحدث عن خلق من هذه الأخلاق الكريمة، وأصلٌ من أصول الأخلاق، يحمل على ترك القبيح وفعل الجميل،
خُلق من أهم الأخلاق.، خُلق أصبح غريباً في هذه الأيام… وحينما ضاع منّا فسد المجتمع… خُلق كلما تمسكنا به… زاد المجتمع طهراً ونقاءً.
وكلما بعدنا عنه… زادت المشاكل في المجتمع.
** تُرى أي خلق هذا؟؟
إنه خُلق الحياء… الملاصق للإيمان، فيزيد الإيمان بزيادته، وينقص بنقصانه.
فالحياء يعد من الإيمان وذلك أنّ كلّ منهما داعٍ إلى الخير مقرّب منه، صارف عن الشرّ مبعد عنه
وفي صحيح الجامع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (الحياء والإيمان قرنا جميعًا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر)
وفي الصحيحين:عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)
**فما المقصود بالحياء؟؟
- الحَيَاءُ: خُلُقٌ يَكُفُّ العَبدَ عَنِ ارتِكَابِ القَبَائِحِ وَالرَّذَائِلِ، وَيَحُثُّهُ عَلَى فِعلِ الجَمِيلِ، وَيَمنَعُهُ مِنَ التَّقصِيرِ،
فَالحَيَاءُ هُوَ الحَائِلُ بَيْنَ الإِقْدَامِ عَلَى المَعْصِيَةِ وَالإِمْسَاكِ عَنْهَا، وَأَنَّهُ كَالسَّدِّ إِذَا تَحَطَّمَ انْهَمَرَ المَاءُ يُغْرِقُ كُلَّ شَيْءٍ؛ فَالَّذِي لَا حَيَاءَ لَهُ لَا سَدَّ عِنْدَهُ، فَهَذَا لَا يَمْنَعُهُ مَانِعٌ مِنَ الإِقْدَامِ عَلَى المَعْصِيَةِ لِيَفْعَلَهَا، وَلَا يَرَى بِهَا بَأْسًا.
وصدق القَائِلُ:
وَرُبَّ قَبِيْحَةٍ مَا حَالَ بَينِي * وَبَيْنَ رُكُوْبِهَا إِلَّا الحَيَاءُ..
فَكَانَ هُوَ الدَّوَاءَ لَهَا وَلَكِنْ * إِذَا ذَهَبَ الحَيَاءُ فَلَا دَوَاءُ..
* وَالحَيَاءُ أحبتي في الله مِن أَفضَلِ الأَخلَاقِ وَأَجَلِّهَا، وَأَعظَمِهَا قَدرًا، وَأَكثَرِهَا نَفعًا بل هوخلق الإسلام.
فعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: (إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ الإِسْلَامِ الْـحَيَاءُ)
* بل إن الحَيَاء مِفتَاحُ كُلِّ خَيرٍ:
فعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «الـحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ»؛ أَوْ قَالَ: «الـحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ» .
فهُوَ أَصلُ كُلِّ خَيرٍ، وَذَهَابُهُ ذَهَابُ الخَيرِ كله.
** والحَيَاءُ خُلُقٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ جل وعلا.؛
فعَن يَعلَـى بنِ أُمَيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّـهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم رَأَى رَجُلًا يَغتَسِلُ بِالبَـرَازِ بِلَا إِزَارٍ، فَصَعِدَ الـمِنبَـرَ، فَحَـمِدَ اللَّـهَ، وَأَثنَى عَلَـيـهِ؛ ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «إِنَّ اللَّـهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِيٌّ سِتِّـيـرٌ، يُـحِبُّ الـحَيَاءَ وَالسَّتـرَ، فَإِذَا اغتَسَلَ أَحَدُكُم فَلـيَستَتِـر» .
وعَن أَشَجِّ عَبدِ القَيسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم:(إِنَّ فِيكَ لَخُلُقَينِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ» قُلتُ: وَمَا هُمَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الحِلمُ وَالحَيَاءُ)
** ويعد الحياء من صفات الرسل والأنبياء عليهم السلام،
*° فهذا سيدنا موسى عليه السلام كان حييًّاّ ستٍّيراّ فعن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:” إنَّ موسى كان رجلًا حييًّا ستِّيرًا، لا يُرَى مِن جلده شيء استحياءً منه، فآذاه مَن آذاه مِن بني إسرائيل، فقالوا: ما يستتر هذا التَّستُّر إلَّا مِن عيب بجلده، إمَّا برص وإمَّا أُدْرَة وإمَّا آفة. وإنَّ الله أراد أن يبرِّئه ممَّا قالوا؛ فخلا موسى عليه السلام يومًا وحده، فوضع ثيابه على الحجر ثمَّ اغتسل، فلمَّا فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإنَّ الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر! ثوبي حجر! حتى انتهى إلى ملإٍ مِن بني إسرائيل، فرأوه عريانًا أحسن ما خلق الله، وأبرأه ممَّا يقولون، وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضربًا بعصاه، فو الله إنَّ بالحجر لندبًا مِن أثر ضربه ثلاثًا، أو أربعًا، أو خمسًا”، فذلك قوله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا”.
**°وهذا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان أشد الناس حياءً فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها ) رواه البخاري ومسلم..
وورد عن مالك بن صعصعة رضي الله عنهماأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثهم عن ليلة أسري به أن موسى قال له يوم فرض الله عليه الصلاة: (ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، قال: (لقد سألت ربي حتى استحييت، ولكني أرضى وأسلم، قال: فلما جاوزت نادى مناد: أمضيت فريضتي، وخففت عن عبادي) [البخاري]
** فالحَيَاءُ شَرِيعَةُ جَمِيعِ الأَنبِيَاءِ عَلَيهِمُ السَّلَام:
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ، فَاصْنَع مَا شِئْتَ» .
وَصدق القَائِلِ:-
إِذَا لَمْ تَخْشَ عَاقِبَةَ اللَّيَالِي * وَلَمْ تَسْتَحْيِ فَافْعَلْ مَا تَشَاءُ..
فَلَا وَاللَّهِ مَا فِيْ العَيْشِ خَيْرٌ * وَلَا الدُّنْيَا إِذَا ذَهَبَ الحَيَاءُ..
يَعِيْشُ المَرْءُ مَا اسْتَحْيَى بِخَيْرٍ * وَيَبْقَى العُودُ مَا بَقِيَ اللِّحَاءُ..
** وقد كان العرب يستحيون حتى أنَّ بعضهم كان يستحي في حال شركه، كما حدث لأبي سفيان قبل أن يسلم لما استدعاه هرقل ملك الرَّوم، وسأله أسئلةً عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وعن حالهم معه، فقال أبو سفيان: “فوالله لولا الحياء من أن يأثروا عليَّ كذباً لكذبت عنه”
*
وتعالوا بنا لنذكر بعضاً من النماذج المشرقة في التخلق بخلق الحياء..
*منهم على سبيل المثال لا الحصر هذه المرأة التي أتت لسيدنا موسى عليه السلام.
يخبر جل وعلا عن حالها وحيائها فيقول تعالى :- (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا…) (القصص:٢٥).
وكانك ستشعر أنّ كلامها على استحياء ومشيتها على استحياء… حالها كله استحياء.
وهذا نموذج آخر:-
هذه المَرْأَةُ السَّودَاءُ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا: عَنْ عَطَاءَ بنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ لِي ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا: أَلَا أُرِيْكَ امرَأَةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ؟ قُلتُ: بَلَى، قَالَ: هَذِهِ المَرْأَةُ السَّودَاءُ، أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ. وَإِنِّي أَتَكَشَّف، فَادْعُ اللَّهَ لِي- أَي: بِالعَافِيَةِ مِن هَذَينِ الأَمرَينِ -؛ قَالَ: (إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ) فَقَالَتْ: أَصْبِرُ، فَقَالَتْ: إِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا.
فَهَذِهِ المَرْأَةُ. قَدْ تَصْبِرُ عَلَى المَرَضِ، وَلَكِنَّهَا لَا تَسْتَطِيْعُ الصَّبْرَ عَلَى خَدْشِ الحَيَاءِ؛ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إِرَادَتِهَا.** أَلَمْ يَأْنِ لِلنِّسْوَةِ فِي هَذَا الزَّمَنِ العَصِيبِ: أَنْ يَقْتَدِيْنَ بِهَذِهِ المَرْأَةِ، وَيَتَرَبَّيْنَ عَلَى العَفَافِ وَالحَيَاءِ؟
فوالله مما يُحزن أنك ترى بعضا من النساء اليوم فقدن الحياء فيخرجن كَاسِيَاتٍ عَارِيَاتٍ:-
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: (صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ الـمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلنَ الـجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا)
يَا سُبحَانَ اللَّهِ! أَينَ عُقُولُ هَؤُلَاءِ؟ أَعُمِّيَتْ أَبصَارُهُنَّ وَبَصَائِرُهُنَّ؟
خَالَفْنَ تَعَالِيمَ الدِّيْنِ وَآدَابَ الإِسلَامِ، فلَبِسْنَ المَلَابِسَ الرَّقِيْقَةَ الَّتِي لَا تَسْتُرُ جَسَدًا، وَلَا تُخْفِي عَوْرَةً؛ وَإِنَّمَا تَزِيْدُ فِي الفِتْنَةِ وَالإِغْرَاءِ،
**
ومن النماذج المشرقة في التخلق بخلق الحياء.
أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهَا: فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: «مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ، لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ القِيَامَةِ» فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ؟ قَالَ: «يُرْخِينَ شِبْرًا» فَقَالَتْ: إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ! قَالَ: (فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا، لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ)
يَا سُبْحَانَ اللَّهِ! الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم يَقُولُ لِأُمِّ سَلَمَةَ: «يُرْخِينَ شِبْرًا»، وَلَكِنَّهَا تَقُوْلُ: إِنَّ النِّسَاءَ لَا تُطِيْقُ هَذَا، لِأَنَّ أَقْدَامَهُنَّ سَتَنْكَشِفُ عِنْدَ المَشْيِ، فَلَمْ تَرْضَ أَنْ يُرْخَى الثَّوْبُ شِبْرًا يُجَرْجِرُ فِي الأَرْضِ؛ وَلَكِنَّ فَتَيَاتِ هَذَا الزَّمَانِ رَضِيْنَ بِهَذَا الشِّبْرِ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ شِبْرًا يُجَرْجِرُ فِيْ الأَرْضِ، لَكِنَّهُ شِبْرٌ فَوْقَ الرُّكْبَتَيْنِ.
الْمَرْأَةُ فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ الْحَيَاءِ، فَإِذَا فَقَدَتِ الْمَرْأَةُ حَيَاءَهَا؛ فَقَدَتْ كُلَّ شَيْءٍ، وَفَعَلَتْ كُلَّ شَيْءٍ. وَبَطنُ الأَرضِ خَيرٌ لَهَا مِن ظَهرِهَا.**أحبتي في الله : الحياء يكون على ثلاث درجات.
“*” أولها الحَيَاءُ مِن الله)
ويكون بالخوف منه ومراقبته، وفعل ما أمر واجتناب ما نهى عنه، وأن يستحي المؤمن أن يراه الله حيث نهاه، وهذا الحَيَاء يمنع صاحبه مِن ارتكاب المعاصي والآثام؛ لأنَّه مرتبطٌ بالله يراقبه في حِلِّه وترحاله.
عَن عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: (استَـحيُوا مِنَ اللَّـهِ حَقَّ الـحَيَاءِ» قَالَ: قُلنَا: يَا رَسُولَ اللَّـهِ، إِنَّا نَستَـحْيِي وَالـحَـمدُ لِلَّـهِ؛ قَالَ: «لَـيسَ ذَاكَ، وَلَكِنَّ الاِستِحيَاءَ مِنَ اللَّـهِ حَقَّ الـحَيَاءِ: أَن تَـحفَظَ الرَّأسَ وَمَـا وَعَى، وَالبَطنَ وَمَـا حَوَى، وَلتَذكُرِ الـمَوتَ وَالبِلَـى؛ وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ، تَـرَكَ زَيـنَةَ الدُّنـيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدِ استَـحيَا مِنَ اللَّـهِ حَقَّ الحَيَاءِ)
نَعَمْ! هَذَا هُوَ الاِستِحيَاءُ الحَقِيقِيُّ الَّذِي يَدْعُو إِلَيْهِ نَبِيُّ الإِسْلَامِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: وَهُوَ أَنْ يَحْفَظَ الإِنْسَانُ حَوَاسَّهُ، يَحْفَظُ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَلِسَانَهُ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَى مُحَرَّمٍ أَوْ شَهْوَةٍ، وَلَا يَتَكَلَّمُ بِقَبِيْحٍ أَوْ مُنْكَرٍ؛ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي؟ قَالَ: (أُوصِيكَ أَنْ تَسْتَحِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا تَسْتَحِي رَجُلًا صَالِـحًا مِنْ قَوْمِكَ)
يَا لَهَا مِن وَصِيَّةٍ: مَا أَجَلَّهَا وَأَعْلَاهَا! لِمَن وُفِّقَ لِلعَمَلِ بِمُقْتَضَاهَا.
** وَاعلَم أخي الحبيب أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَاظِرٌ إِلَيكَ، مُطَّلِعٌ عَلَيكَ، فَقُل لِنَفسِكَ: لَو كَانَ رَجُلٌ مِنْ صَالِـحِي قَومِي يَـرَانِي، لَاستَـحَيْتُ مِنْهُ، فَكَيفَ لَا أَستَـحِي مِن رَبِّـي تَبَارَكَ وَتَعَالَى، ثُمَّ لَا آمَنُ تَعجِيلَ عُقُوبَتِـهِ وَكَشفَ سَتـرِهِ؟
وَصدق القَائِلِ:
يَا مُدمِنَ الذَّنبِ أَمَا تَستَحِي * وَاللَّهُ فِـي الخَلوَةِ ثَانِيكَا..
غَرَّكَ مِن ربِّكَ إِمهَالُـهُ * وَسَترُهُ طُولَ مَسَاوِيكَا..
** فَإِنَّ مَنْ عَلِـمَ أَنَّ اللَّـهَ يَـرَاهُ حَيثُ كَانَ، وَأَنَّـهُ مُطَّلِعٌ عَلَـى بَاطِنِـهِ وَظَاهِرِهِ وَسِـرِّهِ وَعَلَانِـيَتِـهِ، وَاستَـحضَـرَ ذَلِكَ فِـي خَلَوَاتِـهِ، أَوجَبَ لَـهُ ذَلِكَ تَـركَ الـمَعَاصِـي فِـي السِّـرِّ
وصدق القائل :-
وَإِذَا خَلَوتَ بِـرِيبَةٍ فِـي ظُلـمَةٍ * وَالنَّفْسُ دَاعِيَةٌ إِلَـى الطُّغيَانِ.
فَاستَـحْيِ مِن نَظرِ الإِلَهِ وَقُل لَـهَا * إِنَّ الَّذِي خَلَقَ الظَّلَامَ يَـرَانِـي.
**أَفَلَم يَأنِ لِلَّذِينَ يَخلُونَ بِمَحَارِمِ اللَّهِ وَيَدخُلُونَ عَلَى المَوَاقِعِ الإِبَاحِيَّةِ، وَيُشَاهِدُونَ الأَفلَامَ الخَلِيعَةَ، أَن يَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ: مِن قَبلِ أَن يَأتِيَ يَومٌ تُبلَى فِيهِ السَّرَائِرُ، وَيُحَصَّلَ فِيهِ مَا فِي الصُّدُورِ. يَومَ يَدُومُ فِيهِ النَّدَمُ، لِمَن زَلَّت بِهِ القَدَمُ.
“*” ثانيها :-الحياء من الناس.
ويكون بكف الاذى وترك المجاهره بالقبيح وهو دليلٌ على مروءة الإنسان؛ فالمؤمن يستحي أن يؤذي الآخرين سواءً بلسانه أو بيده، فلا يقول القبيح ولا يتلفَّظ بالسُّوء، وكذلك يستحي مِن أن تنكشف عوراته فيطَّلع عليها النَّاس.
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: لا خير فيمن لا يستحي من الناس.
وقد نصب النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحياء حكمًا على أفعال المرء وجعله ضابطًا وميزانًا، فقال: “ما كرهت أن يراه الناس فلا تفعله إذا خلوت”.
“*”ثالثها:-الحياء من النفس:
هو عفه النفس وصيانه الخلوات وهو أكمل انواع الحياء لان من استحى من نفسه فيستحى أن يفعل اى شئ .
فإذا كبرت عند العبد نفسه فسيكون استحياؤه منها أعظم من استحيائه من غيره.
قال بعض السلف: من عمل في السر عملاً يستحيي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر.
**وختاماً:- أقول لك أخي الحبيب…؛ إذا أردت الخير في الدارين فتخلق بالحياء واعلم أن حياؤك دليل على إيمانك..
حياؤك فاحفظه عليك فإنما * يدلُّ على فضل الكريم حياؤه..
إذا قلَّ ماء الوجه قلَّ حيـاؤه * ولا خير في وجهٍ إذا قلَّ ماؤه..
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه..
**
كتبه:-كمال السيد محمود محمد المهدي
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبةالجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف