خطبة الجمعة القادمة للدكتور خالد بدير “ركائز الأمن المجتمعي”
خطبة الجمعة القادمة 26 نوفمبر 2021م : “ركائز الأمن المجتمعي” ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ: 21 ربيع الآخر 1443هـ – 26 نوفمبر 2021م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 26 نوفمبر 2021م ، للدكتور خالد بدير : “ركائز الأمن المجتمعي” :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 26 نوفمبر 2021م ، للدكتور خالد بدير : “ركائز الأمن المجتمعي” ، بصيغة pdf أضغط هنا.
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
للمزيد علي قسم خطبة الجمعة القادمة
عناصر خطبة الجمعة القادمة 26 نوفمبر 2021م ، للدكتور خالد بدير : “ركائز الأمن المجتمعي” : كما يلي:
أولًا: أهميةُ الأمنِ ومكانتُه في الإسلامِ
ثانيًا: وسائلُ تحقيقِ الأمنِ المجتمعيِ
ثالثًا: أثرُ الأمنِ المجتمعي في نهضةِ الأمةِ
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 26 نوفمبر 2021م ، للدكتور خالد بدير : “ركائز الأمن المجتمعي” : كما يلي:
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليه ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليه ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليه وسلم. أما بعدُ:
أولًا: أهميةُ الأمنِ ومكانتُه في الإسلامِ
إنَّ اللهَ –سبحانَهُ وتعالى – أنعمَ علينا بنعمٍ كثيرةٍ، ومن أهمِّ هذه النعمِ نعمةُ الأمنِ والأمانِ، ونعمةُ الأمنِ أعظمُ من نعمةِ الرزقِ، ولذلك قُدِّمتْ عليها في الآيةِ الكريمةِ . قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ }[البقرة: 126]. فبدأَ بالأمنِ قبل الرزقِ لسببين:
الأولُ: لأنّ استتبابَ الأمنِ سببٌ للرزقِ، فإذا شاعَ الأمنُ واستتبَّ ضربَ الناسُ في الأرضِ، وهذا مما يدرُّ عليهم رزق ربِّهم ويفتحُ أبوابهُ، ولا يكونُ ذلك إذا فُقِدَ الأمنُ.
الثاني: لأنّه لا يطيبُ طعامٌ ولا يُنتفعُ بنعمةِ رزقٍ إذا فُقِدَ الأمنُ، فمَن مِن الناسِ أحاطَ به الخوفُ مِن كلِّ مكانٍ، وتبددَ الأمنُ من حياتهِ ثم وجدَ لذةً بمشروبٍ أو مطعومٍ؟! “وقد سُئلَ بعضُ الحكماءِ، ما النعيمُ؟! قال: الغِنَى فإنّي رأيتُ الفقرَ لا عيشَ له، قِيل: زدنَا، قال: الأمنُ فإني رأيتُ الخائفَ لا عيشَ له، قيل: زدنَا، قال: العافيةُ فإنّي رأيتُ المريضَ لا عيشَ له، قيل: زدنَا، قال: الشبابُ فإنّي رأيتُ الهرمَ لا عيشَ له.” (إحياء علوم الدين).
ولأهميةِ الأمنِ كان مطلبَ الأنبياءِ والصالحين بل والناسِ جميعًا، فإبراهيمُ عليه السلامُ يدعو اللهَ أنْ يجعلَ بلدَهُ آمنًا، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ}(إبراهيم:35)؛ ويوسفُ عليه السلامُ يطلبُ من والديهِ دخولَ مصرَ مخبرًا باستتبابِ الأمنِ بها، قال تعالى: { فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ}(يوسف: 99) ؛ ولمَّا خافَ موسى أعلمَهُ ربُّهُ أنّهُ مِن الآمنين ليهدأَ رَوْعُه، وتسكنَ نفسهُ؛ قال تعالى: {وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ }(القصص: 31). ولما عفا النبيُّ – صلى اللهُ عليه وسلم – عن أهلِ مكةَ يومَ فتحِهَا ذكَّرهُم بما ينالون به من الأمنِ، مما يدلُّ على أهميتهِ لدى المؤمنين والكافرين، فقال: « مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ ، وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ » ( مسلم) .
ولأهميةِ الأمنِ ومكانتهِ في الإسلام أعلاهُ العلماءُ منزلةً أعظم مِن نعمةِ الصحةِ. يقولُ الإمامُ الرازيُّ – رحمه اللهُ-: “سُئلَ بعضُ العلماءِ: الأمنُ أفضلُ أم الصحة؟ فقال: الأمنُ أفضلُ، والدليلُ عليه أنّ شاةً لو انكسرتْ رجلُهَا فإنّها تصحُّ بعد زمانٍ، ثم إنّها تُقبلُ على الرعيِ والأكلِ، ولو أنّها رُبطتْ في موضعٍ ورُبطَ بالقربِ منها ذئبٌ فإنّها تُمسكُ عن العلفِ ولا تتناولُهُ إلى أنُ تموتَ، وذلك يدلُّ على أنّ الضررَ الحاصلَ من الخوفِ أشدُّ من الضررِ الحاصلِ مِن ألمِ الجَسَدِ” . (تفسير الرازي). ولأهميةِ الأمنِ أكرمَ اللهُ به عبادَهُ في دارِ كرامتهِ؛ لأنّه لو فُقِدَ فُقِدَ النعيمُ، قال تعالى: {ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ}. (الحجر: 46)، وقال سبحانِهُ: {يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ}. (الدخان: 55)، وقال – جلّ شأنُهُ – : {وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} (سبأ: 37).
إنّ الأمنَ والاستقرارَ إذا عَمَّ البلادَ، وألقَى بظلِّه على الناسِ، أَمِنَ الناسُ على دينهِم وأنفسهِم وعقولهِم وأموالهِم وأعراضهِم ومحارمهِم، ولو كتَبَ اللهُ الأمنَ على أهلِ بلدٍ من البلادِ، سارَ الناسُ ليلًا ونهارًا لا يخشَوْن إلا اللهَ، وفي رِحابِ الأمنِ وظلِّهِ تعمُّ الطمأنينةُ النُّفوسَ، ويسودُهَا الهُدُوء، وتعمُّها السعادةُ، ويجمعُ صلى اللهُ عليه وسلم ذلك في قولِه: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ؛ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا» ( ابن ماجة والترمذي وحسنه) . وصدقَ مَن قال:
إِذَا اجْتَمَعَ الإِسْلاَمُ وَالقُوتُ لِلْفَتَى ………… وَكَانَ صَحِيحًا جِسْمُهُ وَهْوَ فِي أَمْنِ
فَقَدْ مَلَكَ الدُّنْيَا جَمِيعًا وَحَازَهَا ………… وَحَقٌّ عَلَيْهِ الشُّكْرُ للهِ ذِي الْمَنِّ
ولمكانةِ الأمنِ وأهميتهِ كان صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا دخلَ شهرٌ جديدٌ ورأى هلالَهُ، سألَ اللهَ أنْ يجعَلَهَ شهرَ أمنٍ وأمانٍ، فيقولُ: ” اللهم أهلَّهُ علينَا بالأمنِ والإيمانِ؛ والسلامةِ والإسلامِ، ربي وربُّكَ اللهُ ” (الترمذي وحسنه) .
ثانيًا: وسائلُ تحقيقِ الأمنِ المجتمعيِ
إنّ وسائلَ تحقيقِ الأمنِ المجتمعيِ كثيرةٌ وعديدةٌ، من أهمِّها:-
الإيمانُ والتوحيدُ والعبادةُ: فالإيمانُ هو أساسُ الأمنِ؛ واشتقاقُهُ اللغويُّ مشتقٌ من الأمنِ الذي هو ضدُّ الخوفِ، قال تعالى: {الذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} (الأنعام : 82).
كما أنّ التوحيدَ والعبادةَ أمنٌ في الدنيا والآخرةِ، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور: 55).
فلا أمنَ إلا بإقامةِ العبادةِ الخاليةِ مِن شوائب الشركِ ؛ فلا يُدْعَى غيرُ اللهِ، ولا يُستغاثُ إلا بالله.ِ
ومنها: شكرُ النعمِ: فالنعمُ تثبتُ بالشكرِ، ويتبعهُ الأمنُ والطمأنينةُ والاستقرارُ، وتذهبُ بالجحودِ والنكرانِ، ويتبعُه الخوفُ والرعبُ والدارُ البوار. قال تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ} (إبراهيم: 28 ؛ 29)؛ وقال – جلّ شأنهُ -: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} (النحل: 112). يقولُ الإمامُ القرطبيُّ – رحمه اللهُ- : “سُمى الجوعُ والخوفُ لباسًا ؛ لأنّه يظهرُ عليهم من الهزالِ وشحوبةِ اللونِ وسوءِ الحالِ، ما هو كاللباسِ”. (تفسير القرطبي).
- ومنها: فرضُ عقوباتٍ رادعةٍ للمروعين والمجرمين: فلو فُرضتْ عقوباتٌ رادعةٌ ، والضربُ بيدٍ من حديدٍ لكلِّ مَن تسولُ نفسُه العملَ على زعزعةِ الأمنِ وانتشارِ الفوضى بالبلاد؛ لتحققَ أمنُ الناسِ في عقولهِم وأموالهِم وأعراضهِم وأمنهِم على ديارهِم. قال تعالى:{ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} (المائدة: 45).
فالقصاصُ والحدودُ والعقوباتُ شُرِعتْ لإحكامِ الأمنِ، مَن قَتَلَ بغير حقِّ قُتِل، ولو لم يُقتلْ لقامتْ الثاراتُ، وصارَ كلٌّ يأخُذُ حقَّهُ بيدهِ، ومَن سرقَ قُطِعَ، ولو لم يُقطَعْ لصارت البلادُ مَنْهَبَةً، كلٌّ يأخُذُ ما يَشاءُ ويذَر ، وشُرِع التعزيرُ لولِيِّ الأمرِ؛ ليؤدبَ كلَّ معتدٍ بما يردعهُ عن العودةِ إلى فعلتهِ، فيأمن الناسُ ويطمئنُّون.
ومنها: إصلاحُ ذاتِ البينِ: استجابةً لقولهِ تعالى: { فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}.( الأنفال: 1).
فإصلاحُ ذاتِ البينِ عزيمةٌ راشدةٌ ونيةٌ خيرةٌ وإرادةٌ مصلحةٌ، والأمةُ تحتاجُ إلى إصلاحٍ يدخلُ الرضا على المتخاصمين ، ويعيدُ الوئامَ إلى المتنازعين ، إصلاحٌ تسكنُ به النفوسُ وتأتلفُ به القلوبُ ، وإذا كان كذلك، وأرادَ المسلمون أنْ يحموا أوطانَهم، ويحفظوا وحدةَ أمتهِم، فعليهم بالحوارِ لإصلاحِ ذاتِ البينِ، والاجتماعِ والتآلفِ، فالاجتماعُ نعمةٌ، والخلافُ فرقةٌ وشتاتٌ، وما فتئَ القرآنُ يحذرُ من التنازعِ والخلافِ، يقول تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46].
فعلينا أنْ نتحرّرَ من الفرقةِ والتشاحنِ والتباغضِ والتقاتلِ والتحزبِ بالصلحِ والمصافحةِ والمصالحةِ والتنازلِ والمحبةِ والأخوةِ حتى تعودَ المياهُ إلى مجاريها ..
يجبُ علينا أنْ نكونَ صَفًّا واحدًا مُتلاحِمًا كالبنيانِ المرصوصِ مع ولاةِ أمرِنا وعلمائِنا ، في استتبابِ الأمنِ والقضاءِ على هذه الظواهرِ المفزعةِ ، والأحداثِ المفجعةِ واستئصالِ شأفتِها، واعلموا أنّ وسائلَ تحقيقِ الأمنِ هذه كلّهَا تعودُ إلى أمرين لا ثالثَ لهما: تعظيمُ أمرِ اللهِ في المأموراتِ والمنهياتِ، وإصلاحُ ذاتِ البينِ!! وصدقَ القائلُ:
إنّ المكـارمَ كلَّها لو حصلتْ …… رجـعتْ جمـلتهَا إلى شـيئين
تعظيم أمرِ اللهِ جـلّ جـلاله …… والسعي في إصلاحِ ذاتِ البيـنِ
ومنها: الدعاءُ بالأمنِ والأمانِ: فيستحبُ لجميعِ أفرادِ المجتمعِ الدعاء في جميع الأوقاتِ، أنْ يرزقَنا وأولادَنا وأهلنَا ومجتمعنَا وبلادنَا الأمنَ والأمانَ والاستقرارَ؛ فالدعاءُ مفتاحُ كلِّ خيرٍ في الدنيا والآخرةٍ، وكان من دعائهِ صلى اللهُ عليه وسلم : ” اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي ، وَآمِنْ رَوْعَاتِي .” (النسائي وابن ماجة والحاكم وصححه).
فعلينا أنْ نقتديَ بنبيِّنَا –صلى اللهُ عليه وسلم- وأنْ نداومَ على الدعاءِ والتضرعِ إلى اللهِ؛ ليرزقنَا الأمنَ والأمانَ.
ثالثًا: أثرُ الأمنِ المجتمعيِ في نهضةِ الأمةِ
إنّ نعمةَ الأمنِ لها علاقةٌ وطيدةٌ بنهضةِ المجتمعِ ورقيهِ، فإذا عمَّ الأمنُ البلادَ والعبادَ أصبحَ كلٌّ فردٍ منتجًا وفعَّالًا؛ فكم مِن مصانعٍ أُغلقتْ، وشركاتٍ أعلنتْ إفلاسَها ؛ وأماكن سياحيةٍ توقفَ نشاطُهَا، وتجاراتٍ بارتْ بسبب زعزعةِ الأمنِ ونشرِ الفوضى في المجتمع !!!
لذلك يجبُ علينا أنْ نسعى جاهدين من أجلِ تحقيقِ الأمنِ في ديارِنا وأوطانِنا؛ لأنّه في ظلّ انعدامِ الأمنِ لا تنهضُ أمةٌ ولا تقومُ حضارةٌ، ألم تجدْ أنّ اللهَ تعالى منَّ على ثمودَ قومِ صالحٍ بنعمةِ الأمنِ التي كانتْ من أسبابِ نهضةِ دولتهِم وقيامِ حضارتهِم؟!! فقال تعالى:{وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ}( الحجر: 82) ؛ فلو انعدمَ الأمنُ ما استطاعوا أنْ ينحتوا بيوتًا من الخشبِ فضلًا عن الجبالِ!! ولهذا امتنَّ اللهُ على سبأٍ حيثُ أسكنَهُم الديارَ الآمنةَ، فتمكنُوا من بناءِ حضارتهِم، وتشييدِ مملكتهِم، فقال تعالى:{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِي وَأَيَّامًا آمِنِينَ}(سبأ: 18).
إنّ أثرَ الأمنِ لا يقتصرُ على قيامِ الحضارةِ ونهضةِ الأمةِ اقتصاديًا واجتماعيًا فحسب ، بل يؤثرُ ذلك على أداءِ العباداتِ والطاعاتِ والمناسكِ للهِ ربِّ العالمين، فالعبادةُ لا يتأتى القيامُ بها على وجهِها إلا في ظلِّ الأمنِ، فالصلاةُ قال اللهُ تعالى عنها: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ * فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} (البقرة: 238-239 ). وشرعتْ صلاةُ الخوفِ تخفيفًا في حال الخوفِ، قال تعالى:{وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ………..فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} (النساء: 102-103). وقولُهُ: {فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ} أي: أدوُهَا بكمالِها وصفتِها التامةِ في حال الأمنِ والاطمئنانِ.
وهذه عبادةُ الحجِّ، من شروطِ وجوبِها: الأمن، فإذا وجد الإنسانُ نفقةَ الحجِّ ولم يكن الطريقُ إليه آمنًا فلا يجبُ عليه الحجُّ قولًا واحدًا، قال اللهُ تعالى: {فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (البقرة: 196). ولما أخبرَ اللهُ نبيَّهُ – صلى اللهُ عليه وسلم – بأنّهم سيدخلون البيتَ الحرامَ ويؤدون نُسكَهُم بعدما صدّهُم المشركون عنه، وصف حالَ دخولِهم بالأمنِ فقال: { لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ }. (الفتح: 27) .
وهكذا في ظلِّ الأمنِ والأمانِ تحلو العبادةُ، ويصيرُ النومُ سباتًا، والطعامُ هنيئًا، والشرابُ مريئًا، فالأمنُ والأمانُ هما عمادُ كلِّ جهدٍ تنمويٍّ، وهدفٌ مرتقبٌ لكلِّ المجتمعاتِ على اختلافِ مشاربِها.
أسأل اللهَ أنْ يجعلَ هذا البلدَ أمنًا أمانًا سخاءً رخاءً وسائرَ بلادِ العالمين ،،،،،،
الدعاءُ،،،، وأقم الصلاةَ،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف