خطبة الجمعة القادمة : حق الوطن والشهادة في سبيله ، للدكتور محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : حق الوطن والشهادة في سبيله ، للدكتور محمد حرز، بتاريخ 28 رجب 1442هـ ، الموافق 12 مارس 2021م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 12 مارس 2021م بصيغة word : حق الوطن والشهادة في سبيله ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 12 مارس 2021م بصيغة pdf : حق الوطن والشهادة في سبيله، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 12 مارس 2021م بعنوان : حق الوطن والشهادة في سبيله ، للدكتور محمد حرز:
أولاً: الدفاع عن الوطن مطلب شرعي
ثانيًا: فضل الشهادة في سبيل الله
ثالثًا: صور من الشهادة .
رابعًا : بشريات لأهل الشهداء.
أولاً: الدفاع عن الوطن مطلب شرعي.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 12 مارس 2021م كما يلي:
الحمد لله القائل في محكم التنزيل ﴿ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾(آل عمران: 140)،وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه، وَأشهد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ القائلُ (عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ: عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ الله، وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ الله) رواه الترمذي وحسنه ,فاللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين .
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله كما أمر الله { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (سورة أل عمران :102)
ثم أما بعد: (حق الوطن والشهادة في سبيله) عنوان وزارتنا وعنوان خطبتنا .
عناصر اللقاء:
أولاً: الدفاع عن الوطن مطلب شرعي
ثانيًا: فضل الشهادة في سبيل الله
ثالثًا: صور من الشهادة .
رابعًا : بشريات لأهل الشهداء.
أولاً: الدفاع عن الوطن مطلب شرعي.
أيها السادة : حق الوطن والدفاع عنه دين وإيمان وإحسان , وكيف لا؟ وحب الوطن من هدى النبي العدنان r والنبيين الأخيار , والدفاع عن الوطن مطلب شرعي، وواجب وطني
والموت في سبيله عزة وكرامة وشهامة وشجاعة وشهادة, لذا كانت الشهادة من أجله واجبه
فالدفاع عن الوطن عن الأرض والعرض والمال والنفس شهادة بنص السنة النبوية فعن سعيد بن زيد tقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فهوَ شَهيدٌ ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهوَ شَهيدٌ ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ أهلِهِ فهوَ شَهيدٌ”( الترمذي وحسنه)
ومن المعلوم يا سادة أن أغلى ما يملك المرء بعد دينه: وطنه ، وما من إنسان إلا ويعتز بوطنه؛ لأنه نشأ فيه وترعرع وتربى وشب على أرضه وعاش حياته وذكرياته بحلوها ومرها , وهو موطن آبائه وأجداده، ومأوى أبنائه وأحفاده، وهو مسقط الرأس، ومستقر الحياة، ومن أجله نضحي بكل غالٍ ونفيس، وسلوا من تغرب في بلاد الغربة عن اشتياقه وحبه لوطنه .
لذا وقف النبي r مخاطبًا مكة المكرمةـ زادها الله تكريمًا وتشريفًا إلى يوم الدين ـ مودعًا لها، وهي وطنه الذي أُخرج منه، بكلمات تُؤلم القلب، وتبكي العين بدل الدموع دمًا , بكلمات كلها حنين ومحبة وألم وحسرة على الفراق , بكلمات كلها انتماء وتضحية ووفاء فقد روي عن عبد الله بن عباسٍ -رضي الله عنهما- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمكة: “ما أطيبكِ من بلد، وأحبَّكِ إليَّ، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيركِ“ وفي رواية : “وَاللهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَى اللهِ –عَزَّ وَجَلَّ-، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ“
وتعلن السماء حالة الطوارئ ليهبط أمين السماء جبريل عليه السلام بقرآن يتلى إلى يوم الدين ليجفف للبني العدنان دموعه، وليخفف عنه آلامه (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ)( القصص: 85)، أي وبحق القرآن ليأتي اليوم ويردك الله إلى وطنك و إلى مكة التي أخرجوك منها.
وعندما هاجر إلى المدينة التي أنارت واستضأت بقدومه r بل كان يدعو الله أن يرزقه حبها، كما في الصحيحين “اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد“رواه البخاري .
فحب الوطن من الإيمان والدفاع عن الوطن شرف وعزة وكرامة وشهامة وشهادة في سبيل الله , لذا قرن الله جل وعلا في قرآنه بين خروج الجسد من الوطن بخروج الروح من الجسد، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً ) (النساء:66)
فالدفاع عن الوطن نعمة وأمن وأمان واستقرار وحياة للناس ، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ” مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بحذافيرها ” رواه البخاري في الأدب المفرد والترمذي في السنن.
ولله در شوقي
وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي
ثانيًا: فضل الشهادة في سبيل الله.
أيها السادة :الشهادة في سبيل الله دفاعًا عن الدين والأوطان لها فضائل كثيرة وعديدة لا يتسع الوقت لذكرها منها على سبيل المثال لا الحصر .
الشهداء أحياء عند خير جوار، قال ربنا: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ ﴾ (البقرة: 154).بل الشهداء هم أصحاب الأجور الوفيرة العظيمة، والنور التام المنيريوم القيامة قال جل وعلا ﴿ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ﴾ (الحديد: 19).
لذا تمنى نبينا صلى الله عليه وسلم أن يكون شهيدًا، وأن يُقتل في سبيل الله مرات ومرات: لفضل، ولمكانة ولفضل الشهيد عند الله جل وعلا فعن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده، وددتُ أنِّي أُقاتلُ في سبيل الله فأُقتلُ، ثم أُحيا ثم أُقتلُ، ثم أُحيا ثمَّ أُقتلُ)) متفق عليه.
بل للشهيد في الجنة مائة درجة بين كل درجة كما ين السماء والأرض فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ في الجنة مائة درجة أعدَّها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدَّرجتين كما بين السماء والأرض))؛ رواه البخاري.
وعن سهل بن سعدٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: “رِبَاطُ يَوْمٍ فِى سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا ، وَمَوْضِعُ سَوْطِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا ، وَالرَّوْحَةُ يَرُوحُهَا الْعَبْدُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ الْغَدْوَةُ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا “متفق عليه
ومن فضائل الشهادة في سبيل الله : أن الشهيد يغفر له ذنوبه ورائحة دمه مسكٌ يوم القيامة:
روى الترمذي بسند صحيح عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ ـ رضي الله عنه ـ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:“ لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ“
ومن فضائل الشهادة أيها السادة : أن الشهيد لا يُفْتَن في قبره فعَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَالُ الْمُؤْمِنِينَ يُفْتَنُونَ فِي قُبُورِهِمْ إِلاَّ الشَّهِيدَ؟ قَالَ :” كَفَى بِبَارِقَةِ السُّيُوفِ عَلَى رَأْسِهِ فِتْنَةً “ رواه النسائي.
– ومن فضائل الشهادة في سبيل الله : أن الشهيد لا يشعر بالألم عند موته: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ tقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: « مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنْ مَسِّ الْقَتْلِ إِلاَّ كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مِنْ مَسِّ الْقَرْصَةِ » رواه الترمذي .
ثالثًا: صور من الشهادة
أيها السادة : لقد ضرب لنا الصحابة الأطهار الأخيار yأروع الأمثلة في التضحية دفاعًا عن دينهم ونبيهم ووطنهم ؛ فهذا عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ رضى الله عنه في غزوة بدر ، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ” ، فيَقُولُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ ؟ ، قَالَ : “نَعَمْ“ ، قَالَ : بَخٍ بَخٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ “؟ ، قَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا رَجَاءَةَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا ، قَالَ : ” فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا ” ، فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنَّ ، ثُمَّ قَالَ : لَئِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ ، قَالَ : فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ حَتَّى قُتِلَ. (رواه مسلم )
وهذا أَنَسَ بْنَ النَّضْرِ تَغَيَّبَ عَنْ قِتَالِ بَدْرٍ وَقَالَ: تَغَيَّبْتُ عَنْ أَوَّلِ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ، وَاللَّهِ لَئِنْ أَرَانِي اللَّهُ قِتَالًا لَيَرَيَنَّ مَا أَصْنَعُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ انْهَزَمَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَقْبَلَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَقُولُ: أَيْنَ؟! أَيْنَ؟! فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ قَالَ: فَحَمَلَ فَقَاتَلَ , فقُتِلَ فَقَالَ سَعْدٌ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَطَقْتُ ما أطاق فقالت أخته: والله ما عرفت أَخِي إِلَّا بِحُسْنِ بَنَانِهِ فَوُجِدَ فِيهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ جِرَاحَةً ضَرْبَةُ سَيْفٍ وَرَمْيَةُ سَهْمٍ وَطَعْنَةُ رُمْحٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) (الأحزاب:23) صحيح ابن حبان)
وهذا رجل مِنَ الأَعْرَابِ لما سمع قول الله تعالى: (إنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) فقال: كلام من هذا ؟قالوا :كلام الله ،فقال: على من نزل؟ فقالوا: على رسول الله فآمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَ : أُهَاجِرُ مَعَكَ ؟ فَأَوْصَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ بِهِ ، فَلَمَّا كَانَتْ غَزْوَةُ خَيْبَرَ أَوْ حُنَيْنٍ غَنِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَقَسَمَ وَقَسَمَ لَهُ ، فَأَعْطَى أَصْحَابَهُ مَا قَسَمَ لَهُ ، وَكَانَ يَرْعَى ظَهْرَهُمْ ، فَلَمَّا جَاءَ دَفَعُوهُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالُوا : قَسَمَهُ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَهُ فَجَاءَهُ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ ، وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى هَا هُنَا , وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ بِسَهْمٍ فَأَمُوتَ وَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ ، فَقَالَ : ” إِنْ تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقْكَ ” ، فَلَبِثُوا قَلِيلا ، ثُمَّ دَحَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ ، فَأُتِيَ بِهِ يُحْمَلُ وَقَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : ” أَهُوَ هُوَ ؟ ” ، قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : ” صَدَقَ اللَّهُ فَصَدَقَهُ ” ، فَكَفَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَدَّمَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ ، وَكَانَ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ صَلاتِهِ عَلَيْهِ : ” اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ , فَقُتِلَ شَهِيدًا , فَأَنَا عَلَيْهِ شَهِيدٌ ” المستدرك على الصحيحين
كما ضرب لنا أبطال قواتنا المسلحة البواسل، وأبطال الشرطة البواسل، أروع الأمثلة وأعظمها في الحفاظ على الوطن والدفاع عنه والتضحية من أجله؛ فلقد ضحوا من اجل الوطن وحمايته على مدى العصور والأزمان حتى ضحوا بأرواحهم دفاعا عنه، ولازالوا يقدمون أعظم وأروع الأمثلة في الحفاظ عليه والدفاع عنه وحماية أمنه.
مِصْر الكنانة ما هانت على أحد *** الله يحرسها عطفًا ويرعاها
ندعوك يارب أن تحمى مرابعها *** فالشمس عين لها والليل نجواها
مَن شاهَدَ الأرْضَ وأَقْطَارَها *** والنَّاسَ أنـواعًا وأجناسًا
ولا رأى مِصْـرَ ولا أهلها *** فما رأى الدنيا ولا الناسَ
حفظ الله مصر وجيشها من كل سواء وشر وأرجئ الحديث عنها إلي ما بعد جِلْسة الاستراحة أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم
الخطبة الثانية
الحمد لله ولا حمد إلا له وبسم الله ولا يستعان إلا به وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …………………………. وبعد
رابعًا : بشريات لأهل الشهداء.
أيها السادة : شتان شتان بين الشهادة من أجل الحق ,والموت من أجل الباطل , شتان شتان بين من أخلص لدينه ووطنه وضحى بالغالي والنفيس, وبين من باع وطنه بالغالي والرخيص
لذا بشر الله جل وعلا أسر الشهداء بأن ذويهم في أعلى المنازل يوم القيامة مع الأكابر من النبيين والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقًا قال ربنا( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا) سورة النساء (69(
وبشر نبينا صلى الله عليه وسلم أسر الشهداء مطمئنًا نفوسهم وقلوبهم عن ذويهم الذين استشهدوا دفاعًا عن دينهم ونبيهم ووطنهم بالمكانة العلى بجوار رب البرية جل وعلا فقال:” يا جابرُ ما لي أراكَ منكسِرًا ؟“ قلتُ : يا رسولَ اللَّهِ استُشْهِدَ أبي قُتِلَ يومَ أُحُدٍ ، وترَكَ عيالًا ودَينًا ، قالَ : ( أفلَا أبشِّرُكَ بما لقيَ اللَّهُ بِهِ أباكَ ؟ ) قلتُ : بلَى يا رسولَ اللَّهِ قالَ : ما كلَّمَ اللَّهُ أحدًا قطُّ إلَّا من وراءِ حجابِه وأحيى أباكَ فَكَلَّمَهُ كِفاحًا فقالَ : يا عَبدي تَمنَّ عليَّ أُعْطِكَ قالَ : يا ربِّ تُحييني فأقتلَ فيكَ ثانيةً قالَ الرَّبُّ تبارك وتعالَى : إنَّهُ قد سبقَ منِّي أنَّهم إليها لَا يُرجَعونَ قالَ : وأُنْزِلَت هذِهِ الآيةُ : (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا) الآيةَ
وفي غزوة بدر، وقبل بداية المعركة جاء سَهْمٌ غَرِب من المشركين فأصاب حارثة بن سراقة –رضي الله عنه- وهو يشرب من ماء الحوض الذي بناه المسلمون قبل المعركة، فأصاب نحره فسقط شهيدًا –رضي الله عنه-.وبعد أن انتهت المعركة بنصر عظيم للمسلمين عاد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة، فجاءته أم حارثة الربيع بنت النضر، ونارُ فَقْدِ ولدها تلتهب في صدرها تقول: “يا رسول الله، قد عَرَفْت منزلة حارثة مني“. كلمات تقطع القلب، وتحرق الكبد ,وهل يخفى حبّ الوالدة لولدها؟ وهل تخفى حُرقة قلب الوالدة على ولدٍ لها فقدته في ريعان شبابه؟ حتى يخفى على سيد الخلق –صلى الله عليه وسلم-.
وليس يصح في الأذهان شيء *** إذا احتاج النهار إلى دليل
لكنها قدَّمت بهذه المقدمة لتكون عذرًا لها لما سوف تقوله ،قالت يا رسول، أين حارثة؟ إن كان في الجنة صبرتُ واحتسبت، وإن كانت الأخرى ترى ما أصنع. وهذا قبل تحريم النياحة، إن كان في الجنة صبرت واحتسبت؛ لأنه إن كان في الجنة فهو في سعادةٍ لا شقاء بعدها، فلماذا تبكي؟! أما إن كانت الأخرى فسترى ما أصنع، لسان حالها: أبكيه بالدم لا بالدمع يبكيه، وبالحشاشة لا بالثأر أرديه، فجاءها الرد من رسول الله –صلى الله عليه وسلم- مُسلِّيًا لقلبها المكلوم، “ويحك! أو هبلت، أو جنة واحدة هي! إنها جنان كثيرة، إنها جنان كثيرة وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى“. رواه الترمذي وحسنه
الله أكبر، أصاب الفردوس الأعلى، وما أدراك ما الفردوس؟ أعلى الجنة وسقفها عرش الرحمن، ومنها تفجَّرُ أنهار الجنة.
فالواجب علينا أن نتمسك بولائنا لوطننا الغالي، وأن نبذل ما في وسعنا لحمايته والحفاظ عليه، والتضحية بالغالي والنفيس من أجله، وأن نقف في وجه كل محاولةٍ للإخلال بأمنه، أو الإضرار بمكتسباته، أو العبث بمنشآته، أو تفريق شمله، أو الإضرار بوحدته الوطنية، أو التشكيك في إخلاص أبنائه ورجاله الـمخلصين وسلامة نياتهم.
حفظ الله مصر قيادة وشعبًا من كيد الكائدين، وحقد الحاقدين، ومكر الـماكرين، واعتداء الـمعتدين، وإرجاف الـمُرجفين، وخيانة الخائنين.
عباد الله : اذكروا الله يذكركم واستغفروه يغفر لكم وأقم الصلاة
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز
إمام بوزارة الأوقاف
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف