خطبة الجمعة القادمة : حق الزمالة والجوار ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 2 ديسمبر 2022م : حق الزمالة والجوار ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 8 جماد أول 1444هـ ، الموافق 2 ديسمبر 2022م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 2 ديسمبر 2022م ، للدكتور محروس حفظي : حق الزمالة والجوار .
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 2 ديسمبر 2022م ، للدكتور محروس حفظي : حق الزمالة والجوار ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 2 ديسمبر 2022م ، للدكتور محروس حفظي : حق الزمالة والجوار ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة : حق الزمالة والجوار ، للدكتور محروس حفظي :
(1) مفهومُ الجوارِ في الإسلامِ.
(2) جانبٌ مِن حقوقِ الجوارِ في الإسلامِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة حق الزمالة والجوار ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
خطبة بعنوان: « حقُّ الزمالةِ والجوارِ» بتاريخ 8 جمادي الأولى 1444 هـ = الموافق 2 ديسمبر 2022 م
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة
(1) مفهومُ الجارِ في الإسلامِ:
لقد حثَّ الإسلامُ على مراعاةِ الجارِ بكلِّ أقسامِهِ، وأولَى رعايةً بهِ، وأعلَى شأنَهُ، وجاءتْ الوصيةُ به في آيِ الذكرِ الحكيمِ قالَ ربُّنَا:﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾، وقد أكثرَ جبريلُ-عليه السلام- مِن الوصيةِ بالجارِ حتّى ظنَّ النبيُّ ﷺ أنَّه سيورِّثُهُ فعن ابْنِ عَمْرٍو “ذُبِحَتْ لَهُ شَاةٌ فِي أَهْلِهِ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا اليَهُودِيِّ؟ أَهْدَيْتُمْ لِجَارِنَا اليَهُودِيِّ؟ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ:«مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ»(الترمذي وحسنه) .
كما عدَّ الإسلامُ الذنبَ الذي يُرتكبُ في حقِّهِ مبالغًا في عقوبتِه؛ لأنَّ لهُ حقُّ الجوارِ، والأمنُ والأمانُ فعَنْ عَبْدِ الله قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ؟ قَالَ:«أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ» قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إِنَّ ذَلِكَ لَعَظِيمٌ، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ» قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ» (متفق عليه) .
إنَّ الجارً الحسنَ عونٌ للمسلمِ على الخيرِ والبرِّ، والطاعةِ والإحسانِ، ولذا عُدَّ مِن أسبابِ سعادةِ المرءِ في الدنيا أنْ يُرزقَ بجارٍ حسنٍ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ ثَلاثَةٌ، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ ثَلاثَةٌ، مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الصَّالِحُ، وَالْمَرْكَبُ الصَّالِحُ، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ: الْمَرْأَةُ السُّوءُ، وَالْمَسْكَنُ السُّوءُ، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ “ (أحمد، وابن حبان)، ولذا استعاذَ نبيُّنَا ﷺ مِن جارِ السوءِ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ مِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ جَارِ السُّوءِ فِي دَارِ الْمُقَامِ، فَإِنَّ جَارَ الدُّنْيَا يَتَحَوَّلُ» (الأدب المفرد، إسناده حسن) .
ومِن خلالِ استقراءِ النصوصِ الشرعيةِ يتبينُ، أنَّ الجيرانَ ثلاثةٌ:
1ـ جارٌ له ثلاثةٌ حقوقٍ: وهو الجارُ المسلمُ القريبُ ذو الرحمِ، لهُ حقُّ الجوارِ، وحقُّ الإسلامِ، وحقُّ القرابةِ.
2ـ جارٌ لهُ حقان: وهو الجارُ المسلمُ، له حقُّ الجوارِ، وحقُّ الإسلامِ.
3ـ جارٌ له حقٌّ واحدٌ: وهو الجارُ غيرُ المسلمِ، له حقُّ الجوارِ، وقد أمرنَا الإسلامُ بحسنِ المعاملةِ وطيبِ العشرةِ، وعدمِ التعرضِ لهُ بالإيذاءِ قولًا وفعلًا قال ربُّنَا: ﴿لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾، وقد ضربَ رسولُنَا ﷺ أروعَ الأمثلةِ في حسنِ الجوارِ مع غيرِ المسلمين، فلم يُؤثرْ عنه أنْ تَعدَّى عليهِ أو تعرضَ لهُ بأيِّ لونٍ مِن ألوانِ الأذَى أو المضايقةِ، بل كان يتفقدُ حالَهُم إذا غابُوا، أو يُقدّمُ لهم العونَ إنْ احتاجوا فعَنْ أَنَسٍ أَنَّ غُلَامًا مِنَ الْيَهُودِ كَانَ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ: «أَسْلِمْ»، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ، وَهُوَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ» (البخاري) .
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة
(2) جانبٌ مِن حقوقِ الجوارِ في الإسلامِ:
للجارِ على جارِه في القِيَمِ الإسلاميةِ، وفي الآدابِ الشرعيةِ حقوقٌ تُشبِهُ حقوقَ الأرحامِ، وفيما يلِي عرضٌ لجانبٍ مِن تلك الحقوقِ:
*البعدُ عن إيذائهِ بأيِّ وسيلةٍ كانت: لقد حرَّمَ الإسلامُ أنْ يُلحقَ المسلمُ الأذَى بغيرهِ بأيِّ طريقةٍ، لكنَّ حرمةَ إيذاءِ الجارِ آكدٌ وأعظمُ، ولهذا عُدَّ مِن علاماتِ الإيمانِ باللهِ واليومِ الآخرِ إكرامُه وعدمُ إيذائِه فعن أبي هريرةَ قال: قال رسولُ اللهِ ﷺ:«مَن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فلا يؤذِ جارَهُ، ومَن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليكرمْ ضيفَهُ، ومَن كان يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليقلْ خيرُا أو ليصمتْ» (البخاري)، كما أنَّ الإحسانَ إلى الجارِ مِن أسبابِ دخولِ الجنةِ، وإيذائَهُ مِن أسبابِ دخولِ النار، فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:«قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا، وَصِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: هِيَ فِي النَّارِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ فَإِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا، وَصَدَقَتِهَا، وَصَلَاتِهَا، وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ بِالْأَثْوَارِ مِنَ الْأَقِطِ، وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا، قَالَ: هِيَ فِي الْجَنَّةِ» (أحمد وسنده صحيح) .
ومَن أرادَ أنْ يعرفَ أنَّه محسنٌ، فلينظرْ إلى حالهِ مع جيرانِه وهل يحسنُ إليهم؟ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُ بِهِ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ. قَالَ: «كُنَّ مُحْسِنًا» قَالَ: كَيْفَ أَعْلَمُ أَنِّي مُحْسِنٌ؟ قَالَ: “سَلْ جِيرَانَكَ، فَإِنْ قَالُوا: إِنَّكَ مُحْسِنٌ فَأَنْتَ مُحْسِنٌ، وَإِنَّ قَالُوا: إِنَّكَ مُسِيءٌ فَأَنْتَ مُسِيءٌ» (الحاكم والبيهقي)، فأين هؤلاء الذين يؤذون جيرانَهُم – بالأصواتِ المزعجةِ أو المضايقاتِ بالنظرِ أو حتّى بالجلوسِ في الطرقاتِ والزوايا إلى ساعاتٍ متأخرةٍ مِن الليلِ، أو الحديثِ بما يجرِي في بيتهِ، وكشفِ أسرارِه للناس، أو سرقتِه وإسماعِه ما يكرَه – مِن تلك الوصايا النبويةِ، وإذا بلغتْ أذيةُ الجارِ مبلغًا فيجعلُ جارَهُ يفارقُ بيتَهُ لأجلِ ما يُلقى مِن أذى، فالمؤذِي على خطرٍ عظيمٍ مِن نزولِ العقوبةِ العاجلةِ بهِ التي قد تهلكُهُ أو تهلكُ ولدَهُ أو تتلفُ مالَهُ قَالَ ثَوْبَانُ: “… مَا مِنْ جَارٍ يَظْلِمُ جَارَهُ وَيَقْهَرُهُ، حَتَّى يَحْمِلَهُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَنْزِلِهِ، إِلَّاهَلَكَ” (الأدب المفرد، سنده صحيح) .
وكما أنَّ دينَنَا الحنيفَ ينهى عن أذيةِ الجارِ، فكذلك يُرغبُ في الصبرِ على أذاه، وتحملِ ما يصدرُ منهُ مِن قولٍ أو فعلٍ، ولا يقابلُ أذيةَ جارِهِ له بالمثلِ، فمَن تصبّرَ نالَ محبةَ اللهِ تعالى قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ثَلَاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللهُ…. وعدَّ منهم: وَرَجُلٌ لَهُ جَارٌ يُؤْذِيهِ، فَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُ وَيَحْتَسِبُهُ حَتَّى يَكْفِيَهُ اللهُ إِيَّاهُ بِمَوْتٍ أَوْ حَيَاةٍ…” (أحمد، سنده صحيح)، لكن إنْ لم يستطعْ بيعَ دارهِ، والانتقالَ منه بسببِ أذيةِ جارهِ، وزادَ هذا الأذى بحيث لا يصبرُ عليه، وخشي أنْ يتمادَى في غيِّهِ وأذيتهِ، فإنَّ مِن النصحِ لهُ أنْ يُوضعَ لهُ حدٌ، ويمنعَ مِن تعديهِ على جيرانهِ، وتكفَّ يدُهُ المعتديةُ بكلِّ وسيلةٍ مشروعةٍ؛ إذ “لا ضررَ ولا ضرار”، وحتى لا يسرِي الأذَى إلى جارٍ آخر فعن أبي هريرةَ قال: «جاءَ رجلٌ إلى النبيِّ ﷺ يشكو جارَهُ، فقال: اذهبْ فاصبرْ فأتَاه مرتين أو ثلاثًا، فقال: «اذهبْ فاطرحْ متاعَكَ في الطريقِ» فطرحَ متاعَهُ في الطريقِ، فجعلَ الناسُ يسألونَهُ فيخبرهُم خبرَهٌ، فجعلَ الناسُ يلعنونَهُ: فعلَ اللهُ بهِ وفعلَ وفعلَ، فجاءَ إليهِ جارُهُ فقال له: ارجعْ لا ترَى منِّي شيئًا تكرهُه» (أبو داود، وسنده صحيح).
ويجبُ تربيةُ الأولادِ على تعظيمِ حقِّ الجارِ، وكفِّ الأذى عنه، وإخبارِهِم بمَا في إكرامِهِ مِن عظيمِ الأجرِ، وما في أذيتهِ مِن الوعيدِ الشديدِ؛ إذ الأذيةُ قد لا تصدرُ مِن الرجلِ لجارِه، ولكن مِن زوجهِ أو ولدهِ، ولو وقعَ ذلك منهم فلا يتساهلُ به، بل يظهرُ غضبَهُ عليهم؛ ليعلمُوا أنَّ هذا الأمرَ شنيعٌ فلا يتهاونون ولا يستخفون به .
لقد كان العربُ في الجاهليةٍ يتفاخرون بحسنِ الجوارِ، وعلى قدرِ الجارِ يكونُ ثمنُ الدارِ، وقد باعَ أحدُهُم منزلَهُ فلمَّا لامُوه في ذلك قال:
يلومونَنِي أَنْ بِعتُ بالرخصِ منزلِي *** ولم يعرفُوا جارًا هناك ينغــِّصُ
فقلتُ لهم: كفّوا الملامَ فإنَّمَــا *** بجيرانِهَا تغلُوا الديارُ وترخصُ
وما أروعَ أنْ تسري الغيرةُ على محارِمِكَ إلى محارمِ جارِكَ، فلا تمدّنَّ عينيكَ إلى سترِه أو إلى أحدٍ مِن نسائِه، قال حاتمُ الطائيُّ:
نَارِي ونارُ الْجَارِ وَاحِدَةٌ … وَإِلَيْهِ قبلِي تنزلُ الْقدرُ
مَا ضرَّ جارِي أَنْ أجاورَهٌ … أَن لَا يكونَ لبيتهِ سترُ
أعشى إِذا مَا جارتِي خرجتْ … حَتَّى يوارِي جارتِي الخدرُ
ويصمُّ عَمَّا كَانَ بَينهمَا … سَمْعِي وَمَا بِي غَيرهُ وقرُ
لقد ربَّى الإسلامُ أتباعَهُ على كفِّ الأذيةِ بأنْ لا تتخذْ مِن معرفتِكَ لأحوالِ جارِكَ سبيلًا لطعنِه مِن الخلفِ، وللاعتداءِ عليه، ومِن عوراتِه بابًا تنفذُ منهُ أغراضَك، عن الْمِقْدَاد قال: «سَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ عَنِ الزِّنَا؟ قَالُوا: حَرَامٌ، حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، فَقَالَ: لِأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشْرِ نِسْوَةٍ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ، وَسَأَلَهُمْ عَنِ السَّرِقَةِ؟ قَالُوا: حَرَامٌ، حَرَّمَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ، فَقَالَ: لِأَنْ يَسْرِقَ مِنْ عَشَرَةِ أَهْلِ أَبْيَاتٍ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَسْرِقَ مِنْ بَيْتِ جَارِهِ» (أَحْمَدُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ) .
تابع/ خطبة الجمعة القادمة
*الإحسانُ إليهِ، والتوددُ معهُ، والعطفُ عليهِ، والجودُ بمَا تملكُ: إنَّ المستقرءَ لنصوصِ الشريعةِ يجدُ أنَّ أهلَ العلمِ قد اهتمُّوا بمبحثِ الجارِ اهتمامًا كبيرًا، فقسمُوه إلى أنواع: منها: جارٌ قريبٌ في النسبِ، وجارٌ بعيدٌ نسبًا … إلخ، والقربُ والبعدُ في الجوارِ إلى أيِّ حدٍ؟ عَنِ الْحَسَنِ: «أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْجَارِ، فَقَالَ: أَرْبَعِينَ دَارًا أَمَامَهُ، وَأَرْبَعِينَ خَلْفَهُ، وَأَرْبَعِينَ عَنْ يَمِينِهِ، وَأَرْبَعِينَ عَنْ يَسَارِهِ» (الأدب المفرد، وإسناده حسن)، فإذا كان تحديدُ الجوارِ أربعينَ دارًا، وكلّهَا داخلٌ في الوصيةِ بالجارِ، فهذه الأربعون تتفرعُ، فأقصَى بيتٍ مِن الأربعين يُراعِي حقوقَ أربعين بيتًا أخرى وهكذا، فتكونُ النتيجةُ: تتموجُ حقوقُ الجوارِ، وتنتشرُ كتموجِ موجاتِ الأثيرِ حتى تعمَّ العالمَ كلَّهُ، ولا يبقَى شبرٌ على وجهِ الأرضِ إلّا ودخلَ في وصايا النبيِّ ﷺ، ولو راعينَا حرمةَ الجوارِ بينَ الأفرادِ والقرَى والمدنِ والأقطار .. إلخ، لحصلَ خيرٌ كثيرٌ، ووقعَ نفعٌ وفيرٌ، فكلُّ دولةٍ تراعِي حقوقَ جارتِهَا، فالجوارُ بهذا المفهومِ يشملُ الجميعَ، وإذا توسعتْ دائرةُ الجوارِ شملتْ العالمَ أجمع، وبهذا يعمُّ السلامُ الأرضَ، وتُحفظُ الإنسانيةُ مِن الاعتداءِ على أرضِهَا وعرضِهًا ومالِهَا …إلخ، وهذا مقصدٌ إسلاميٌّ أمرَ بهِ دينُنَا بل حثّتْ عليه كلُّ الشرائعِ السماويةِ، وأقرتْهُ القوانينُ الوضعيةُ.
لقد أمرَ الإسلامُ أنَّ المسلمَ يعطفُ على جارِه ويجودُ بما يملكُ فعَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً، فَأَكْثِرْ مَاءَهَا، وَتَعَاهَدْ جِيرَانَكَ» (مسلم)، فكيفَ للمسلمِ أنْ يبيتَ شبعانًا، وجارُهُ طاوٍ جوعان، ويلبسَ الجديدَ ويبخلَ بثيابهِ على ذوي الخصاصةِ مِن جيرانهِ، يتمتعُ بالطيباتِ وجيرانُهُ يشتهون العظامَ، وكسرَ الطعامِ فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَقَدْ أَتَى عَلَيْنَا زَمَانٌ – أَوْ قَالَ: حِينٌ – وَمَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِدِينَارِهِ وَدِرْهَمِهِ مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، ثُمَّ الْآنَ الدِّينَارُ وَالدِّرْهَمُ أَحَبُّ إِلَى أَحَدِنَا مِنْ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” كَمْ مِنْ جَارٍ مُتَعَلِّقٌ بِجَارِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ: يَا رَبِّ، هَذَا أَغْلَقَ بَابَهُ دُونِي، فَمَنَعَ مَعْرُوفَهُ” (الأدب المفرد، حسن لغيره) .
كما يأمرُنَا دينُنَا أنْ نقدمَ يدَ العونِ لجارِنَا، فأباحَ أنْ نأْذَنَ له أنْ يستخدمَ بعضَ حِيطانِ بيوتِنَا فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«لَا يَمْنَعْ جَارٌ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِهِ»(متفق عليه)، فالبيوتُ آنذاك كانت متراكبةً، فقد يحتاجُ الجارُ أنْ يضعَ خشبةً على حائطِ جارٍه، فالمقصودُ مِن الحديثِ أنْ تبْذلَ لهُ بعضَ المعونةِ، وتسْمَحَ له بِبَعضِ التصرفاتِ إنْ كانت تنْفعُه، ولا تؤذِيك، وقسْ على ذلك ما تشاء.
لقد نهى النبيُّ ﷺ نساءَ الأنصارِ مِن استحقارِ أنْ تُهدِي لجارتِهَا هديةً قد تظنُّ أنَّها غَيرُ ذاتِ قِيمةٍ، بَل ينبغِي عَليها أنْ تُهدي جَارتَهَا بما هو مُتاحٌ عِندها حتى ولو قلَّ شأنُه، كما أنَّه ينبغِي للمرأةِ التي أهدتهَا جَارتُهُا شيئًا أن لا تحتقرَ هذا الشيءَ ولا تُقللَ مِن قيمتِه، بل تأخذهُ بعينِ الرضا، وتشكرُ لجارتِهَا حسنَ صنيعِهَا فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ:«يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ، لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا، وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ» (متفق عليه)، بهذا المفهومِ الواسعِ لمعنى الجارِ يصيرُ العالمُ كلُّهُ – بحقِّ الجوارِ- خاليًا مِمَن يشكُو الجوعَ والعوزَ والحاجةَ، أو المرضَ والعلاجَ، أو السكنَ والإيواءَ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَشْبَعُ وَجَارُهُ جَائِعٌ» (الأدب المفرد، صحيح) .
تابع/ خطبة الجمعة القادمة
*الفرحُ لفرحهِ، والحزنُ لمصيبتِه، والمؤاساةُ لبليتِه: أوجبَ دينُنَا علينَا أنْ نفرحَ لفرحِ الآخرين، وأنْ نشارَكَهُم أحزانَهُم، وأنْ نتقدَهُم عن مرضِهِم، فلا يليقُ بك -أيُّها المسلم- أنْ تقيمَ في بيتِكَ الأفراحَ، وفي البيتِ الذي بجوارِكَ مآتمُ الموتِ؟! هل تجردتْ العواطفُ والمشاعرُ، وفُقدتْ القيمُ والمعانِي الإنسانية، ونسينَا العاداتِ والتقاليدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ» (الترمذي وحسنه) .
نسألُ اللهَ أنْ يرزقَنا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنَّه أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: د / محروس رمضان حفظي عبد العال
عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف