أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ، للدكتور محمد حرز

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 3 ربيع الأول 1446هـ ، الموافق 6 سبتمبر 2024م

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 6 سبتمبر 2024م بصيغة word بعنوان : وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ، للدكتور محمد حرز.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 6 سبتمبر 2024م بصيغة pdf بعنوان : وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا ، للدكتور محمد حرز.

عناصر خطبة الجمعة القادمة 6 سبتمبر 2024م بعنوان : وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا.

 

أولًا: الزواجُ نعمةٌ عظيمةٌ ومنَّةٌ كبيرةٌ.

ثانيًا:.كثرةُ الطلاقِ خطرٌ يهددُ المجتمعاتِ.

ثالثــــًا وأخيرًا: يامَن تريدُ الطلاقَ تمهلْ قليلًا.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 6 سبتمبر 2024م بعنوان : وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا : كما يلي:

 

( وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا )

 د/ مُحمد حرز بتاريخ: 3 ربيع الأول  1446هــ – 6 سبتمبر 2024م

الحمدُ للهِ الذي خلقَ فسوَّى وقدَّرَ فهدَى، وخلقَ الزوجينِ الذكرَ والأنثَى مِن نُطفةٍ إذا تُمنَى، الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ: ﴿ هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ﴾ الأعراف:189، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وليُّ الصالحينَ، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفيُّهُ من خلقِه وَخَلِيلُهُ القائلُ كما في حديثِ ثوبانَ رضي اللهُ عنه قال: قال ﷺ: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ (رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ)، فاللهُمَّ صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ  المختارِ وعلى آلهِ وأصحابِهِ الأطهارِ الأخيارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ..  أمَّا بعدُ …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (سورة  أل عمران :102)، عبادَ الله: (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا

عناصرُ اللقاءِ:

أولًا: الزواجُ نعمةٌ عظيمةٌ ومنَّةٌ كبيرةٌ.

ثانيًا:.كثرةُ الطلاقِ خطرٌ يهددُ المجتمعاتِ.

ثالثــــًا وأخيرًا: يامَن تريدُ الطلاقَ تمهلْ قليلًا.

أيُّها السادةُ: ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلي أنْ يكونَ حديثُنَا عن: (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا )، وخاصةً ونحنُ نعيشُ زمانًا عزفَ فيهِ الكثيرُ مِن الشبابِ والشاباتِ عن الزواجِ إمَّا بسببِ المغالاةِ، وإمَّا بسببِ كثرةِ الطلاقِ في المجتمعاتِ، فيُقالُ فلانٌ تزوجَ وطلقَ، وفلانةٌ تزوجتْ وطُلقتْ، وإمَّا بسببٍ ما يسمعُ عن كثرةِ الخياناتِ الزوجيةِ بسببِ مواقعِ التواصلِ الاجتماعِي ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، وخاصةً وإنَّ مِن المؤسفِ أنْ يصلَ بعضُ الشبابِ إلى سنِّ الثلاثينَ والأربعين، وهو لم يفكرْ بعد في موضوعِ الزواجِ ونسَى
المسكينُ أنَّ تأخيرَ الزواجِ مخالفٌ للسنّةِ الشرعيةِ و مخالفٌ للسنّةِ الفِطريةِ، وخاصةً وقد انتشرَ الطلاقُ بصورةٍ مفزعةٍ ومخيفةٍ على مرأىَ ومسمعٍ للجميعِ ولا حولَ ولا قوةَ إلَّا باللهِ، وخاصةً وأنَّ رئيسَ جهازِ الإحصاءِ بمصرَ قال :حالةُ طلاقٍ كلُّ دقيقتين في مصرَ.. وأكثرُ مِن عشرةِ آلافِ خلعٍ في العامِ، سلِّمْ يا ربِّ سلِّمْ، خرابٌ ودمارٌ وهلاكٌ وخزيٌ وعارٌ وانحرافٌ وانحطاطٌ ما بعدَهُ انحرافٌ وانحطاطٌ في كيانِ الأسرةِ المسلمةِ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهٍ ……وللهِ درُّ القائلِ

متى يبلغُ البنيانُ يومًا  تمامَهُ *** إذا كنتَ تبنيهِ وغيرُكَ يَهدِمُ

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا

أولًا: الزواجُ نعمةٌ عظيمةٌ ومنَّةٌ كبيرةٌ.

أيُّها السادةُ: الزواجُ آيةٌ ربانيّةٌ وسنةٌ نبويةٌ وضرورةٌ اجتماعيةٌ وسكنٌ للغريزةِ الجسديةِ، قال جلَّ وعلا: )وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) وَلَمَّا أَرَادَ بَعْضُ الصَّحَابِةِ-رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ- أَنْ يَتَعَفَّفُوا عَنِ النِّكَاحِ نَـهَاهَمُ النَّبِـيُّ، ﷺ، عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ: «… وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي » متفق عليه. وَلَمَّا أَرَادَ أحَدُ الصَّحَابِةِ-رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ- أَنْ يَـخْتَصِيَ حَتَّـى يَقْطَعَ شَهْوَتَهُ، وَيَتَفَرَّغَ لِلْعِبَادَةِ، نَـهَاهُ النَّبِـيُّ ﷺ عَنْ ذَلِكَ، يَقُولُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لاَخْتَصَيْنَا» متفق عليه . وحثّنَا الحبيبُ ﷺ عَلَى الزَّوَاجِ فَقَالَ: « تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، إِنِّي مُكَاثِرٌ الْأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ( والزواجُ سكنٌ للغريزةِ الجسديةِ يقولُ المصطفَى ﷺ: (وفي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، أَيَأتي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكونُ له فِيهَا أَجْرٌ؟ قالَ: أَرَأَيْتُمْ لو وَضَعَهَا في حَرَامٍ، أَكانَ عليه فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذلكَ إذَا وَضَعَهَا في الحَلَالِ كانَ له أَجْر (رواه مسلم، لذا حثّنَا القرآنُ ونبيُّ الإسلامِ ﷺ على الزواجِ، فقالَ جلَّ وعلا: }وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} النور: 32 ، وعن أبي هريرةَ قَالَ ﷺ: ( ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَوْنُهُمْ…) وَذَكَرَ مِنْهُمْ: (النَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ)؛ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وفي حديثِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:  ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ)(متفق عليه)، والزِّواجُ -عبادَ اللهِ- أُنْسٌ ومودَّةٌ، وراحَةٌ وطمأنِينَةٌ! إذا حَسُنتْ العِشرَةُ بينَهما! “. وبالزِّواجِ تَتَقَارَبُ الأسرُ وَتَتَعَارَفُ، وتَسُودُ المودَّةُ والقُربى، ويحصلُ النَّسلُ وتكثرُ الذُّرِّية ويكون الأجرُ والثَّوابُ، قال المصطفى –صلى الله عليه وسلم-: “تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ؛ فإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”.  أليس الزَّواجُ بذلك نِعمَةً وهِبَةً من الله ورحمةً؟! فَلِمَ أَصبَحَ الزِّواجُ على بعضِنَا همًّا وغمًّا ونقمةً وكَرْبًا؟! لماذا صارَ الزِّواجُ في كثيرٍ مِن الأحيانِ مَصْدَرًا للذُّنوبِ والآثامِ؟! أتدرونَ لماذا؟! لأنَّنا في كثيرٍ من الأحيانِ خَرَجْنَا به عن حدودِ الشَّرعِ والمقبولِ، والمفروضِ والمعقولِ . أتدرون لماذا؟ لأنَّ البيوتَ ابتعدتْ عن منهجِ ربِّهَا وسنةِ نبيِّهَا ﷺ لحديثِ النبيِّ ﷺ كما  في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ( إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)، أتدرون لماذا؟ لأنّنَا غالينَا في المهورِ وتشددنَا في أمورِ الزواجِ فشدّدَ اللهُ علينَا، والمهرُ حقٌّ مِن اللهِ تعالى للمرأةِ، وهو نوعٌ من التَّقديرِ والاحتِرامِ لها، وليس ثمنًا أو قيمَةً لها، قال تعالى: ( وَءاتُواْ النِّسَاءَ صَدُقَـاتِهِنَّ نِحْلَةً(، أي: عن طِيبِ نفسٍ، فالإسلامُ أمرَ بالمهرِ من جهةٍ وحثَّ على تيسيرهِ وتخفيفِه وتسهيلهِ من جهاتٍ أخرى! وكُلَّما قلَّ المهرُ ازْدَادَت بَرَكَةُ المَرأَةِ، ألم يقلْ -عليه الصلاةُ والسَّلامُ-: “أعظمُ النِّسَاءِ بَرَكَةً أيسَرُهُنَّ مؤونةً”؟! وقال: “خيرُ الصَّداقِ أيسَرُهُ”. فيسرُوا عبادَ اللهِ ييسِّرُ اللهُ عليكم وسهلُوا الزواجُ يسهلُ اللهُ عليكُم أحوالَكُم وأمورَكُم فالجزاءُ مِن جنسِ العملِ ارحمُوا مَن في الأرضِ يَرْحَمْكُم مَن في السَّماءِ، فالأولادُ أمانةٌ، وتربيتُهُم أمانةٌ، وتزويجُهُم أمانةٌ، ستسألُ عنها يومَ القيامةِ إذا حافظتَ عليهم فقد صُنتَ الأمانةَ، وإذا أهملتَهُم فقد خُنتَ الأمانةَ كما أخبرَ بذلك الصادقُ المصدوقُ ﷺ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهُ عَنْهمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ : أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ)) (متفق عليه) وفي صحيحِ مسلمٍ من حديثِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ- رضى اللهُ عنه–قال: سمعتُ النبيَّ ﷺ يَقُولُ: مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)

ليس اليتيمُ من انتهى أبواهُ *** من الحياةِ وخلفَاهُ ذليلاً

إنّ اليتيمَ هو الذي تَرى له ***أُمَّا تَخَلّتْ أو أَبًا مشغولًا

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا

ثانيًا: كثرةُ الطلاقِ خطرٌ يهددُ المجتمعاتِ.

أيُّها السادةُ: كَلِمَةُ الطَّلَاقِ تَهْتَزُّ لَهَا القُلُوبُ حُزْنًا، وَتَرْتَجِفُ النُّفُوسُ لَهَا، بِوُقُوعِهَا يَفْرَحُ بِهَا الشَّيْطَانُ، وَيَهْتَزُّ لَهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَالعَجَبُ كُلُّ العَجَبِ في طَلَاقٍ يَقَعُ في عُمُرِ الزُّهُورِ، مِنْ شَبَابٍ وَشَابَّاتٍ لم يتحملُوا المسؤوليةَ ولم يعرفُوا معنَى الزواجِ الحقيقِي ، والطَّلَاقُ فُرْقَةٌ وَخَرَابُ بَيْتٍ كَانَ مَبْنِيَّاً عَلَى أَسَاسٍ مِنَ المَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ، لِذَا جَاءَتْ سُورَةُ الطَّلَاقِ، كَعَلَامَةٍ حَمْرَاءَ تُشِيرُ إلى خَطَرِهِ، وَتُحَذِّرُ مِنَ الاقْتِرَابِ مِنْهُ، لذا صَوَّرَ الإِسْلَامُ الطَّلَاقُ صُورَةً تُرْهِبُ كُلَّاً مِنَ الزَّوْجَيْنِ، حَتَّى يَبْتَعِدُوا عَنْهُ مَا اسْتَطَاعُوا إلى ذَلِكَ سَبِيلَاً، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ» رواه أبو داود، فَلَا يَصِحُّ اسْتِعْمَالُ كَلِمَةِ الطَّلَاقِ لِأَسْبَابٍ يُمْكِنُ عِلَاجُهَا عَنْ طَرِيقِ ﴿فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلَاً إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيَّاً كَبِيرَاً﴾، أَو عَنْ طَرِيقِ ﴿فَابْعَثُوا حَكَمَاً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمَاً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحَاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمَاً خَبِيرَاً﴾.

أَو عَنْ طَرِيقِ ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرَاً كَثِيرَاً﴾. انْظُرُوا إلى هَذَا الحِوَارِ بَيْنَ سَيِّدِنَا عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَرَجُلٍ جَاءَ يَسْتَشِيرُهُ في طَلَاقِ امْرَأَتِهِ، رُوِيَ أَنَّ رَجُلَاً قَالَ فِي عَهْدِ عُمَر لِامْرَأَتِهِ: نَشَدْتُكِ بِاللهِ هَلْ تُحِبِّينِي؟ فَقَالَتْ: أَمَّا إِذْ نَشَدْتَنِي بِاللهِ، فَلَا. فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى عُمَرَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: أَنْتِ التي تَقُولِينَ لِزَوْجِكَ: لَا أُحِبُّكَ؟ فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَشَدَنِي بِاللهِ، أَفَأَكْذِبُ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَاكْذِبِيهِ، لَيْسَ كُلُّ البُيُوتِ تُبْنَى عَلَى الحُبِّ، وَلَكِنَّ النَّاسَ يَتَعَاشَرُونَ بِالإِسْلَامِ وَالأَحْسَابِ. كَلِمَةُ الطَّلَاقِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّلَاقُ؟ كَلِمَةٌ تَعْنِي الوَدَاعَ وَالفِرَاقَ، وَالنِّزَاعَ وَالشِّقَاقَ، كَلِمَةُ الطَّلَاقِ كَمْ هَدَّمَتْ مِنْ بُيُوتِ المُسْلِمِينَ؟ وَكَمْ قَطَّعَتْ مِنْ أَوَاصِرَ للأَرْحَامِ وَالمُحِبِّينَ؟ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ كَمْ مِنْ عَيْنٍ أَبْكَتْ، وَقَلْبٍ أَجْهَشَتْ، وَفُؤَادٍ رَوَّعَتْ، كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ صَغِيرٌ حَجْمُهَا، لَكِنَّ خَطْبَهَا جَليِلٌ، كَلِمَةٌ تُرْعِدُ الفَرَائِصَ بِوَقْعِهَا، وَتَجْعَلُ الفَرَحَ تَرَحَاً، وَالبَسْمَةَ غُصَّةً، كثرَ الطلاقُ حينمَا فقدنَا زوجًا يرعَى الذمَمَ حينمَا فقدنَا الأخلاقَ والشيمَ، زوجٌ ينالُ من زوجتهِ اليوم، فيأخذُهَا من بيتِ أبِيهَا عزيزةً كريمةً ضاحكةً مسرورةً، ويردُّهَا بعدَ أيامٍ قليلةٍ حزينةً باكيةً مطلقةً ذليلة!

كثرَ الطلاقُ حينمَا استخفَّ الأزواجُ بالحقوقِ والواجباتِ، وضيَّعُوا الأماناتِ والمسؤولياتِ. كثرَ الطلاقُ حينمَا فقدنَا زوجًا يَغفرُ الزلَّةَ، ويسترُ العورةَ، حينمَا فقدنَا زوجًا يخافُ اللهَ، ويتَّقي اللهَ، ويرعى حدودَ اللهِ، ويحفظُ العهودَ والأيامَ التي خلَتْ، والذكرياتِ الجميلةَ التي مضت.

 كثرَ الطلاقُ حينمَا فقدنَا الصالحاتِ القانتاتِ الحافِظاتِ للغيب بما حَفِظَ اللهُ، حينما أصبحت المرأةُ طليقةَ اللسانِ، طليقةَ العنانِ، تخرجُ متى شاءتْ، وتدخلُ متى أرادتْ، مضيعةً لحقوقِ الأزواجِ والبناتِ، يا لها مِن مصيبةٍ عظيمةٍ. كثُرَ الطَّلاقُ حينما تدخَّلَ الآباءُ والأمهاتُ في شؤونِ الأزواجِ والزوجاتِ الأبُّ يتابعُ ابنَهُ في كلِّ صغيرٍ وكبيرٍ، وفي كلِّ جليلٍ وحقيرٍ، والأمُّ تتدخَّلُ في شؤونِ بنتِهَا في كلِّ صغيرٍ وكبيرٍ، وجليلٍ وحَقيرٍ، حتى ينتهي الأمرُ إلى الطَّلاقِ والفراقِ، ألم يَعلمَا أنَّهُ مَن أفسدَ زوجةً على زوجِهَا أو أفسدَ زوجًا على زوجتِهِ، لعنَهُ اللهُ؟ كثرَ الطلاقُ لما كثرَتْ النعمُ، وبطرَ الناسُ الفضلَ من اللهِ والكرمَ، وأصبحَ الغنيُّ ثريًّا؛ يتزوَّجُ اليومَ ويطلِّقُ في الغدِ القريبِ، ولم يعلمْ أنَّ اللهَ سائلُهُ، وأنَّ اللهَ محاسبُهُ، وأنَّ اللهَ موقفُهُ بينَ يديهِ في يومٍ لا ينفعُ فيه مالٌ ولا بنونَ، ولا عشيرةٌ ولا أقربون.……كثرَ الطلاقُ بسببِ مواقعِ التواصلِ الاجتماعِيِّ والذئابِ البشريةِ عليها وصدقَ النبيُّ ﷺ إذْ يقولُ كما في حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ـ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:“ لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ“ (رواه أبو دواد) لذا اهتمَّ دينُنَا الحنيفُ بالأسرةِ اهتمامًا كبيرًا ودعَا إلى تقويتِهَا، ودوامِ ترابطِهَا؛ لتكونَ أسرةً متماسكةً سعيدةً، ينعمُ أفرادُهَا من أبٍّ وأمٍّ وأولادٍ ومَن يعيشُ معهم مِن الأقاربِ والأرحامِ بالمحبةِ والوئامِ، مِنْ أَجْلِ بِنَاءِ مُجْتَمَعٍ مُسْلِمٍ عَلَى أُسُسٍ سَلِيمَةٍ، وَأَمَرَ بِالمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ بَيْنَ الزَّوْجَينِ، مَعَ تَحَمُّلِ كُلِّ طَرَفٍ مَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَحَمَّلَهُ مِنْ مُنَغِّصَاتِ الْحَيَاةِ مِنَ الطَّرَفِ الآخَرِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ (البقرة: 228) فَحَثَّ الإِسْلَامُ عَلَى المُعَاشَرَةِ الحَسَنَةِ، وَأَنْ يَتَحَمَّلَ الرَّجُلُ اِعْوِجَاجَ الْمَرْأَةِ، كَمَا فِي الحَدِيثِ: “الْمَرْأَةُ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ أَعْوَجَ، وَإِنَّكَ إِنْ أَقَمْتَهَا كَسَرْتَهَا، وَإِنْ تَرَكْتَهَا تَعِشْ بِهَا وَفِيهَا عِوَجٌرَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.

 وَأَلْزَمَ الإِسْلَامُ الْمَرْأَةَ بِطَاعَةِ الزَّوْجِ بِالمَعْرُوفِ، فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:” إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا وَصَامَتْ شَهْرَهَا وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ(رواه أحمد)  وَنَهَى النبيُّ ﷺ المَرْأَةَ أَنْ تَطْلُبَ مِنْ زَوْجِهَا الطَّلَاقَ دُونَ أَسْبَابٍ أَوْ مُبَرِّرَاتٍ شَرْعِيَّةٍ، فَعَلَى الْمَرْأَةِ أنْ تصبرَ عَلَى الزَّوْجِ، وَأنْ لا تتسرعَ بِطَلَبِ الطَّلَاقِ، قَالَ ﷺ أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ)) رَوَاهُ أَحْمَدُ .

واللهِ الذي لا إلهَ إِلّا هو ما خربتْ الأسرُ وتفككتْ إِلّا أنَّها أَعرضَتْ  عن منهجِ اللهِ وسنةِ نبيِّهَا ﷺ وصدقَ ربُّنَا إذْ يقولُ:) وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى )(سورة  طه : 125 )فمَن اتبعَ منهجَ اللهِ سعدَ في دنياهُ وسعدَ في أُخراهُ، ومَن أعرضَ عن منهجِ اللهِ وعصَى مولَاهُ شقِيَ في دنياهُ، وهلَكَ في أُخراه. لذا كرَّهَ الإسلامُ الطلاقَ ونفَّرَ منهُ، وَجَعَلَتْ الشَّرِيعَةُ الإِسْلَامِيَّةُ الطَّلَاقَ آخَرَ الحُلُولِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَجَعَلَتْهُ مُتَدَرِّجًا مِنْ ثَلَاثِ طَلْقَاتٍ؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ﴾ فَالطَّلَاقُ غَيْرُ مُحَبَّبٍ فِي الإِسْلَامِ فِي أَصْلِهِ، لِذَا وَضَعَ الإِسْلَامُ الحُلُولَ الأُولَى قَبْلَ تَقَطُّعِ الْعَلَاقَةِ الزَّوْجِيَّةِ. وكيف لا؟ ولقد بيَّنَ الاسلامُ أنَّ  الشَّيْطَانَ  لَا يَفْرَحُ بِشَيءٍ كَفَرَحِهِ بِالطَّلَاقِ ،سلِّمْ يا ربِّ سلِّمْ كما في حديثِ جابرِ بنِ عبدِاللهِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ  قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:”إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وانتشارُ الطلاقِ في هذه الأزمانِ والتهاونُ بهِ لهُ أسبابٌ كثيرةٌ وعديدةٌ، نذكرُ بعضَهَا  على سبيلِ المثالِ لا الحصرِ مِن بابِ:

عرفتُ الشرَّ لا للشرِّ ولكنْ لتوقِّيه **مَن لم يعرفْ الشرَّ مِن الخيرِ يقعْ فيهِ

منها: الاستعجالُ وسرعةُ الانفعالِ وعدمُ ضبطِ النفسِ وعدمُ التغافلِ بينَ الزوجينِ،  الرجلُ إذا غضبَ واشتدَ غضبُهُ أوّلُ ما يفكرُ، يفكرُ في الطلاقِ ويسارعُ إليهِ، ولو لأتفهِ الأسبابِ، فعلَى الزوجِ إذا غضبَ، وعلَتِ الأصواتُ، واشتدتْ الخلافاتُ بينَهُ وبينَ زوجتِه – أنْ يتحلَّى بالصبرِ، ويتحكمَ في ألفاظِهِ، وأنْ يُراعِي الآدابَ النبويةَ عندَ الغضبِ، فالرجلُ كلُّ الرجلِ هو مَن يملكُ نفسَهُ عندَ الغضبِ، فعن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: ( ليسَ الشَّديدُ بالصُّرَعَةِ ، إنَّما الشَّديدُ الَّذي يملِكُ نفسَه عندَ الغَضبِ( ، وليغيرْ الزوجُ مِن حالتِهِ ساعةَ غضبِهِ، فعن أبي ذرٍّ، أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: ((إذا غضبَ أحدُكم وهو قائمٌ فلْيجلسْ، فإن ذهبَ عنه الغضبُ وإلاَّ فلْيَضْطَجِعْ)) ومنها: الفهمُ الخاطئُ للرجولةِ الذي يدفعُ الرجلَ للتسلطِ على المرأةِ، وكذا عملُ المرأةِ مع تقصيرِهَا في حياتِهَا الزوجيةِ.

ومِن أسبابِ الطلاقِ أيضًا: سوءُ العشرةِ بينَ الزوجينِ، وعدمُ قيامِ أحدهُمَا بمَا أوجبَ اللهُ عليهِ للآخرِ، فقد أمرَ اللهُ بحسنِ العشرةِ فقالَ: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ النساء: 19. ومِن الأسبابِ: تدخُّلُ الأقاربِ في التفاصيلِ الصغيرةِ والكبيرةِ بينَ الزوجينِ، فيثورُ الأبوانِ ويُعضِّدهُم الإخوةُ والأخواتُ، حتى إذا انتزعُوا ابنتَهُم مِن زوجِهَا، ذهبُوا لحياتِهِم، ونسَوها، تُقاسِي مرارةَ الفرقةِ والوحدةِ. ومِن الأسبابِ: إهمالُ الزوجةِ لبيتِهَا، وكثرةُ خروجِهَا منهُ، وفي المقابلِ انطواءُ الزوجِ على أصحابِهِ دونَ أهلِهِ وعيالِهِ، وكثرةُ انشغالِهِ وعدمُ تحملِ المسؤوليةِ ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ .

تابع / خطبة الجمعة القادمة بعنوان : وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا

ومِن الأسبابِ أيضًا: تدخُّلُ الآخرينَ بالإفسادِ بينَ الزوجينِ كالذئابِ البشريةِ على مواقعِ التواصلِ الاجتماعِي  فبعضُ الناسِ يشعلونَ نارَ الفتنةِ بينَ الزوجينِ، فويلٌ لِمَن كانَ سببًا في خرابِ بيوتِ المسلمين، فقد قال رسولُ اللهِ ﷺ: ( ليسَ منَّا مَن خبّبَ امرأةً على زوجِهَا(، فانتبهُوا أيُّها الأزواجُ وأنتم أيّتُها الزوجاتُ قبلَ فواتِ الأوانِ، وكونُوا عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ مَعْصُومَاً، وَبِأَنَّ الزَّوْجَةَ لَيْسَتْ مَعْصُومَةً «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» رواه الترمذي

كُونُوا عَلَى يَقِينٍ بِأَنَّ اللهَ تعالى لَمْ يَخْلُقِ الزَّوْجَيْنِ بِطِبَاعٍ وَاحِدَةٍ، وَالزَّوْجَانِ اللَّذَانِ يَظُنَّانِ أَنَّهُمَا مَخْلُوقٌ وَاحِدٌ يَعِيشَانِ في أَوْهَامٍ، كَيْفَ يُرِيدُ الزَّوْجُ مِنْ زَوْجَتِهِ أَنْ تُفَكِّرَ في عَقْلِهِ؟ وَكَيْفَ تُرِيدُ الزَّوْجَةُ مِنْ زَوْجِهَا أَنْ يُحِسَّ بِقَلْبِهَا؟

وصَدَقَ اللهُ تعالى القَائِلُ: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾. يَا أَيُّهَا الأَزْوَاجُ: تَذَكَّرُوا قَوْلَ اللهِ تعالى: ﴿فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرَاً كَثِيرَاً﴾. تَذَكَّرُوا قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: َكما في حديث أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقَاً رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» رواه مسلم

 فَيَا أَيُّهَا الزَّوْجُ: قَبْلَ أَنْ تُفَكِّرَ بِكَلِمَةِ الطَّلَاقِ التي تُدَمِّرُ وَلَا تُعَمِّرُ عَلَيْكَ أَنْ تُفَكِّرَ في حَسَنَاتِ زَوْجَتِكَ في سَاعَةِ الغَضَبِ، وَبَعْدَ اسْتِحْضَارِ الحَسَنَاتِ تَكَلَّمْ.

وَقَبْلَ أَنْ تُفَكِّرَ الزَّوْجَةُ في طَلَبِ الطَّلَاقِ مِنْ زَوْجِهَا، لِتَتَذَكَّرْ حَسَنَاتِهِ ثُمَّ لِتَتَكَلَّمْ. وَلْيَذْكُرْ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ قَوْلَهُ تعالى: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾. كَمْ فَضْلُ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ؟ وَكَمْ فَضْلُ الزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ؟

يَا أَيُّهَا الأَزْوَاجُ وَالزَّوْجَاتُ، كُونُوا عَلَى حَذَرٍ مِنْ إِخْلَالِ العِشْرَةِ الزَّوْجِيَّةِ لِأَنَّ طَامَّتَهَا كُبْرَى، وَأَوَّلُ البَاكِينَ عَلَى نَتَائِجِ سُوءِ العِشْرَةِ هُوَ أَنْتُمْ، ثُمَّ أَبْنَاؤُكُمْ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ العَلِيِّ العَظِيمِ.

أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لِي ولكُم

الخطبةُ الثانية الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلَّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلَّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ……… وبعدُ

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا

ثالثــــًا وأخيرًا: يامَن تريدُ الطلاقَ تمهلْ قليلًا

أيُّها السادةُ: الطلاقُ أبغضُ الحلالِ عندَ اللهِ تباركَ وتعالى، وإنْ كان مشروعًا إِلّا أنَّهُ مكروهٌ إِلّا في أضيقِ الحدودِ كما قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه و سلم عن محمودِ بنِ لَبِيدٍ أنَّه قال: أُخْبِرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا، فَقَامَ غَضْبَانًا، ثُمَّ قَالَ: أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللهِ، وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، حَتَّى قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَا أَقْتُلُهُ؟(

*فانتبِهْ يامَن تريدُ الطلاقَ تمهلْ قليلًا تفكرْ كثيرًا قبلَ أنْ تقدمَ على هدمِ أسرةٍ بأكملِهَا يا مَن يريدُ الطلاقَ، إنْ كانتْ زوجتُكَ ساءَتْكَ اليوم، فقد سرَّتْكَ أيامًا، وإنْ كانتْ أحزنَتْكَ هذا العام، فقد سرَّتْكَ أعوامًا.

*يا مَن تريدُ الطلاقَ، صبرٌ جميلٌ فإنْ كانتْ المرأةُ ساءَتْكَ، فلعلَّ اللهَ أنْ يُخرجَ منها ذريَّةً صالحةً تقرُّ بها عينُكَ، قال ابنُ عباسٍـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ   في قولِهِ تعالى: (فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)(النساء:19 ) .قال: هو الولدُ الصالحُ. فالمرأةُ تكونُ عندَ زوجٍ تؤذيهِ وتسبهُ وتهينهُ وتؤلِمهُ، فيصبرُ لوجهِ اللهِ ويَحتسبُ أجرَهُ عندَ اللهِ، ويعلمُ أنَّ معه اللهَ، فما هي إلا أعوامٌ حتى يقرَّ اللهُ عينَهُ بذرِّيةٍ صالحةٍ، وما يدريكَ فلعلَّ هذه المرأةَ التي تكونُ عليكَ اليومَ جحيمًا، لعلَّهَا أنْ تكونَ بعدَ أيامٍ سلامًا ونعيمًا، وما يدريكَ فلعلَّهَا تَحفظُكَ في آخرِ عمرِكَ، صبرٌ فإن الصبرَ عواقبهُ حميدةٌ، وإنَّ مع العسرِ يسرًا

* يا مَن يريدُ الطلاقَ، تريَّثْ فيما أنتَ قادِمٌ عليه، فإذا أردتَ الطلاقَ، فاستشرْ العلماءَ، وراجعْ الحكماءَ، والتمسْ أهلَ الفضلِ والصلحاءَ، واسألْهُم عمَّا أنتَ فيه، وخذْ كلمةً منهم تثبتكَ، ونصيحةً تقويك.َ

 * يا مَن يريدُ الطلاقَ، إذا أردتَ الطلاقَ، فاستخِرْ اللهَ، وأنزِلْ حوائجَكَ باللهِ، فإنْ كنتَ مريدًا للطَّلاقِ، فخذْ بسنَّةِ حبيبِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم؛ طلِّقْهَا طلقةً واحدةً في طُهرٍ لم تجامِعهًا فيه، لا تطلِّقهَا وهي حائضٌ، فتلكَ حدودُ اللهِ: ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ (الطلاق: 1) ، وإذا طلَّقتَهَا، فطلِّقْهَا طلقةً واحدةً لا تزيدُ، جاءَ رجلٌ إلى ابنِ عباسٍ رضى اللهُ عنه فقالَ: يا ابنَ عباسٍ طلقتُ امرأتِي مائةَ تطليقةٍ. قال: ثلاثٌ حُرمتْ بهنًّ عليك، وسبعٌ وتسعون اتخذتَ بها كتابَ اللهِ هزوا))، يَا مَنْ تُرِيدُ الطلاق تَدَرَّجْ فِي الْحَلِّ وَلاَ تَتَسَرَّعْ؛ فتندمْ وتخسرْ كثيرًا .

قالَ قتادةُ في تفسيرِ قولِ اللهِ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا، الميثاقُ الغليظُ الذي أخذَهُ للنساءِ على الرجالِ : إمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ. وقد كان في عقدِ المسلمينَ عندَ إنكاحِهِم : ” آللهُ عليكَ لتمسكنَّ بمعروفٍ أو لتسرحنَّ بإحسانٍ ” .فحافظُوا على أسرِكُم وعلى بيتِكُم وعلى أولادِكُم مِن الضياعِ وتمهلْ كثيرًا قبلَ أنْ تنطقَ بكلمةِ الطلاقِ واعلمْ أنَّهَا كلمةٌ خطيرةٌ تفسدُ البيوتَ ولا تصلحُهَا وتدمرُهَا ولا تبنيهَا وتخربُهَا ولا تعمرُهَا، وأعلمْ أنَّ البيوتَ لا تخلُو مِن المشاكلِ والخلافاتِ فلو خلتْ البيوتُ من المشاكلِ الزوجيةِ لخلى بيتُ النبيِّ ﷺ، كان يقولُ كما في صحيحِ البخارِي من حديثِ أمنَا عائشةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ  : إنِّي لَأَعْرِفُ غَضَبَكِ ورِضَاكِ “قالَتْ: قُلتُ: وكيفَ تَعْرِفُ ذَاكَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: “إنَّكِ إذَا كُنْتِ رَاضِيَةً قُلْتِ: بَلَى ورَبِّ مُحَمَّدٍ، وإذَا كُنْتِ سَاخِطَةً قُلْتِ: لا ورَبِّ إبْرَاهِيمَ “قالَتْ: قُلتُ: أجَلْ، لَسْتُ أُهَاجِرُ إلَّا اسْمَكَ)

فاللهَ اللهَ في الأسرةِ؛ لأنّ المحافظةَ عليها دينٌ وإيمانٌ وإحسانٌ، اللهَ اللهَ في اتباعِ منهجِ اللهِ ورسولِهِ في المعاملةِ بينَ الزوجينِ، اللهَ اللهَ في كتمِ الغيظِ للمحافظةِ على الاسرةِ من الدمارِ والهلاكِ.

حفظَ اللهُ بيوتَنَا، وبيوتَ المسلمينَ مِن كلِّ سوءٍ وشر ،وحفظَ اللهُ مصرَ قيادة وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.

 

كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه                      

                  د/ محمد حرز

                     إمام وخطيب بوزارة الأوقاف

 

_______________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »