خطبة الجمعة القادمة بعنوان : مجالس العلم والذكر والاستعداد لرمضان ، للدكتور محمد حرز
خطبة الجمعة القادمة بعنوان : مجالس العلم والذكر والاستعداد لرمضان ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 20 شعبان 1445هـ ، الموافق 1 مارس 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 1 مارس 2024م بصيغة word بعنوان : تحويل القبلة دروس وعبر ، للدكتور محمد حرز.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 1 مارس 2024م بصيغة pdf بعنوان : مجالس العلم والذكر والاستعداد لرمضان ، للدكتور محمد حرز.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 1 مارس 2024م بعنوان : مجالس العلم والذكر والاستعداد لرمضان.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 1 مارس 2024م بعنوان : مجالس العلم والذكر والاستعداد لرمضان : كما يلي:
مجالسُ العلمِ والذكرِ والاستعدادُ لرمضانَ
للدكتور/ مُحمد حرز …بتاريخ 20 شعبان 1445هـ، الموافق 1 مارس 2024م
الحمدُ للهِ الذي خضعَ كلُّ شيءٍ لإرادتِه، وذلَّ كلُّ شيءٍ لعزتِه، وتواضعَ كلُّ شيءٍ لكبريائِه، واستسلمَ كلُّ شيءٍ لقدرتِه، الحمدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ الرعد:28، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه، أولٌ بلا ابتداءٍ وآخرٌ بلا انتهاءٍ، الوترُ الصَّمَدُ الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، وَأشهد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، القائلُ كما في حديثِ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ الله العَظِيمِ» متفق عليه، فاللهُمَّ صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ وعلى آلهِ وأصحابِهِ الأطهارِ الأخيارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أمَّا بعدُ: فأوصيكُم ونفسِي أيُّهَا الأخيارُ بتقوىَ العزيزِ الغفارِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران :102).
أيُّهَا السادةُ: ( مجالسُ العلمِ والذكرِ والاستعدادُ لرمضانُ )، عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا
أولًا: فضلُ مجالسِ الذكرِ.
ثانيـًـــا : أينَ نحنُ مِن مجالسِ العلمِ والذكرِ؟
ثالثًا وأخيرًا: البدارَ البدارَ قبل فواتِ الأوانِ لاغتنامِ أيامِ النفحاتِ.
أيُّها السادةُ : بدايةً ما أحوجَنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلى أنْ يكونَ حديثُنَا عن مجالسِ العلمِ والذكرِ والاستعدادِ لرمضانَ، وخاصةً والناسُ في غفلةٍ، والناسُ قلقونَ بسببِ غلاءِ الأسعارِ وارتفاعِهَا، يفكرونَ في الطعامِ والشرابِ بالليلِ والنهارِ أكثرَ مِن التفكيرِ في الطاعاتٍ والقرباتِ، ونسَي الجميعُ أنَّ الذي رزقَهُم في الرخصِ قادرٌ على أنْ يرزقَهُم في الغلاءِ، ونسَي الجميعُ إلّا ما رحمَ اللهُ أنَّ الرزاقَ هو اللهُ، وخاصةً وأنَّ مَجَالِسَ الْعِلْمِ، وَحِلَقَ الذِّكْرِ، وَحَلَقَاتِ الْقُرْآنِ مَجَالِسٌ تُشْحَنُ فِيهَا الْقُلُوبُ بِالْإِيمَانِ، وَتُشْرَحُ فِيهَا الصُّدُورُ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ، وَيَتَعَلَّمُ الْمُؤْمِنُ فِيهَا الشَّرِيعَةَ وَالْأَحْكَامَ
وخاصةً والجميعُ ينتظرُ شهرَ رمضانَ مِن السنة إلى السنةِ طمعًا في الرحمةِ والمغفرةِ والعتقِ مِن النارِ، وتبدأُ العباداتُ بحماسٍ شديدٍ، وتُنزعُ الأتربةُ مِن فوقِ المصاحفِ المتروكةِ طوالَ السنةِ لنبدأَ في قراءتهِ، وخاصةً ونحنُ على أعتابِ شهرِ رمضانَ، ومِن الواجبِ على الدعاةِ أنْ يهيئُوا النفوسَ الشاردةَ وأنْ يُوقظُوا القلوبَ الغافلةَ لاستقبالِ هذا الشهرِ الكريمِ وهذا الموسمِ العظيمِ، وهُو ربيعُ أمةِ سيدِ النبيينَ ﷺ.
بذكرِ اللهِ ترتاحُ القلوبُ*** ودنياكَ بذكراهُ تطيبُ
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : مجالس العلم والذكر والاستعداد لرمضان
أولًا: فضلُ مجالسِ العلمِ والذكرِ.
أيُّها السادةُ: وبدونِ مقدماتٍ لقد قستْ القلوبُ، وقلَّ الخوفُ مِن علامِ الغيوبِ، وضاقتْ الدنيا على أهلِهَا، وأظلمتْ النفوسُ بسببِ بعدِهَا عن منهجِ ربِّهَا وبسببِ البعدِ عن مجالسِ الذكرِ والعلمِ.
وكيفَ لا ؟ وذكرُ اللهِ تعالى هو الفرجُ بعدَ الشدَّةِ، واليسرُ بعدَ العسرِ، والفرحُ بعدَ الغمِّ والهمِّ، وهو تفريجُ الكرباتِ، وتيسيرُ الأمورِ، والراحةُ والسعادةُ في الدنيا والآخرةِ، وما عولجَ كربٌ ولا أزيلتْ شدَّةٌ بمثلِ ذكرِ اللهِ -تبارك وتعالى-…وما طابتْ الدنيا إلّا بذكرِ اللهِ جلّ وعلا.
وكيفَ لا؟ وإنَّ خيرَ المجالسِ وأزكاهَا وأشرفَهَا وأعلاهَا قدرًا عندَ اللهِ وأجلَّهَا مكانةً عندَهُ مجالسُ الذكرِ، فهي حياةُ القلوبِ ونماءُ الإيمانِ وزكاءُ النفسِ وسبيلُ السعادةِ والفلاحِ في الدنيا والآخرةِ، فالذِّكْرُ يَطْمَئِنُّ بِهِ الْقَلْبُ ويريحُ النفسَ، كَمَا أَخْبَرَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- فِي كِتَابِهِ الْعَظِيمِ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].
وكيفَ لا ؟ وحلقُ العلمِ وموائدُ العلماءِ أيُّها الأخيارُ مِن أرفعِ المجالسِ قدرًا وأكثرِهَا أجرًا عندَ اللهِ جلَّ وعلَا.
كيف لا؟! ومجالسُ الذكرِ والعلمِ هي رياضُ الجنةِ في الدنيا، فعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ قال: (إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا) قَالُوا: وَمَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: ( حِلَقُ الذِّكْرِ) حديث حسن، فمَن شاءَ أنْ يسكنَ رياضَ الجنةِ في الدنيا، فليستوطنْ مجالسَ الذكرِ والعلمِ؛ فإنَّها رياضُ الجنةِ.
وكيفَ لا؟ ومجالسُ الذكرِ هي مجالسُ الملائكةِ، فإنّهُ ليس مِن مجالسِ الدنيا مجلسٌ إلّا مجلسٌ يُذكرُ اللهُ تعالى فيه ، كما في حديث أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه قال: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: (إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا : هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ ، قَالَ فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ : مَا يَقُولُ عِبَادِي ؟ قَالُوا يَقُولُونَ : يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ ، قَالَ فَيَقُولُ : هَلْ رَأَوْنِي ؟ قَالَ فَيَقُولُونَ : لَا وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ ، قَالَ : فَيَقُولُ وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي ؟ قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا، قَالَ يَقُولُ : فَمَا يَسْأَلُونِي ؟ قَالَ يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ ، قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا ؟ قَالَ يَقُولُونَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا ، قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا ؟ قَالَ يَقُولُونَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً ، قَالَ فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ ؟ قَالَ يَقُولُونَ : مِنْ النَّارِ ، قَالَ يَقُولُ وَهَلْ رَأَوْهَا ؟ قَالَ يَقُولُونَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا ، قَالَ يَقُولُ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا ؟ قَالَ يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً ، قَالَ فَيَقُولُ فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ ، قَالَ يَقُولُ مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ : فِيهِمْ فُلَانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ ، قَالَ هُمْ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ ( متفق عليه، فمجالسُ الذكرِ هي مجالسُ الملائكةِ بخلافِ مجالسِ الغفلةِ واللهوِ والباطلِ فإنَّهَا مجالسُ الشياطينِ، واللهُ تعالى يقولُ: { وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } [الزخرف : 36].
وكيف لا ؟ ومجالسُ العلمِ والذكرِ هي مجالسٌ تتنزلُ على أهلِهَا السكينةُ، وتغشاهُم الرحمةُ، وتحفُّهُم الملائكةُ، ويذكرُهُم اللهُ فيمَن عندَهُ، كما روى مسلمٌ في صحيحهِ عن أبي هريرةَ رضي اللهُ أنَّ النبيَّ ﷺ قال: ( ما اجتمَعَ قومٌ في بيتٍ من بيوتِ اللَّهِ يتلونَ كتابَ اللَّهِ، ويتدارسونَهُ فيما بينَهم إلَّا نزلَت عليهِم السَّكينةُ، وغشِيَتهُمُ الرَّحمةُ، وحفَّتهُمُ الملائكَةُ، وذكرَهُمُ اللَّهُ فيمَن عندَهُ).
وكيف لا؟ ومِن شرفِ مجالسِ الذكرِ وعلوِّ مكانتِهَا عندَ اللهِ: أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يُباهِي بالذاكرينَ الملائكةَ ، كما ثبتَ عن أبي سعيدٍ الخدرِيِّ رضي اللهُ عنه قال: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلْقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ مَا أَجْلَسَكُمْ ؟ قَالُوا جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ ، قَالَ آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ ؟ قَالُوا وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ ، قَالَ أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ ، وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَقَلَّ عَنْهُ حَدِيثًا مِنِّي ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ : ( مَا أَجْلَسَكُمْ ؟ ) قَالُوا جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا ، قَالَ : ( آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ ؟ ) قَالُوا وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ ، قَالَ : ( أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ ، وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمْ الْمَلَائِكَةَ ).
وكيف لا ؟ وأهلُ الذكرِ هُم أهلُ الجنةِ، فقد روى الإمامُ أحمدُ بسندٍ صحيحٍ عن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو قال: قلتُ يا رسولَ اللهِ ما غنيمةُ مجالسِ الذِّكرِ؟ قال: غنيمةُ مجالسِ الذِّكرِ الجنَّةُ)، (رواه أحمد) وَمِنْ فَضَائِلِ مَجَالِسِ الذِّكْرِ والعلمِ: أَنَّ سَيِّئَاتِ أَهْلِهَا تُبَدَّلُ حَسَنَاتٍ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَا مِنْ قَوْمٍ اجْتَمَعُوا يَذْكُرُونَ اللَّهَ، لَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ إِلَّا وَجْهَهُ، إِلَّا نَادَاهُمْ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ قُومُوا مَغْفُورًا لَكُمْ، قَدْ بُدِّلَتْ سَيِّئَاتُكُمْ حَسَنَاتٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَمِنْ فَضَائِلِ مَجَالِسِ الذِّكْرِ: مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَيَبْعَثَنَّ اللَّهُ أَقْوَامًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي وُجُوهِهِمُ النُّورُ، عَلَى مَنَابِرِ اللُّؤْلُؤِ، يَغْبِطُهُمُ النَّاسُ، لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ، قَالَ: فَجَثَا أَعْرَابِيٌّ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَلِّهِمْ لَنَا نَعْرِفْهُمْ. قَالَ: هُمُ الْمُتَحَابُّونَ فِي اللَّهِ، مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى، وَبِلَادٍ شَتَّى، يَجْتَمِعُونَ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ يَذْكُرُونَهُ» رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، وَحَسَّنَهُ الْمُنْذِرِيُّ وَالْهَيْثَمِيُّ.
وكيف لا؟ ومجالسُ الذكرِ والعلمِ طريقُ الأصفياءِ، وزادُ الأتقياءِ، وميراثُ الأنبياءِ، فعن أبِي هريرةَ-رضي اللهُ عنه-أنه َكَانَ يَقُولُ: يَا أَهْلَ السُّوقِ، مَا أَعْجَزَكُمْ! قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: ذَاكَ مِيرَاثُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يُقْسَمُ، وَأَنْتُمْ هَاهُنَا لَا تَذْهَبُونَ فَتَأَخُذُونَ نَصِيبَكُمْ مِنْهُ. قَالُوا: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي الْمَسْجِدِ. فَخَرَجُوا سِرَاعًا إِلَى الْمَسْجِدِ، وَوَقَفَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَهُمْ حَتَّى رَجَعُوا، فَقَالَ لَهُمْ: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَدْ أَتَيْنَا الْمَسْجِدَ، فَدَخَلْنَا، فَلَمْ نَرَ فِيهِ شَيْئًا يُقْسَمُ. فَقَالَ لَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ: أَمَا رَأَيْتُمْ فِي الْمَسْجِدِ أَحَدًا؟ قَالُوا: بَلَى، رَأَيْنَا قَوْمًا يُصَلُّونَ، وَقَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَقَوْمًا يَتَذَاكَرُونَ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَيْحَكُمْ، فَذَاكَ مِيرَاثُ مُحَمَّدٍ ﷺ “، رواه الطبراني في المعجم الأوسط، فإذا كان لمجالسِ الذكرِ كلُّ هذه الفضائلِ فحريٌّ بالمسلمِ أنْ يسارعَ إليها، ويكونَ مِن أهلِهَا، وينتسبَ إلى أصحابِهَا لينالَ مِن فضائِلِهَا وبركاتِهَا.
فَحَرِيٌّ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى حُضُورِ مَجَالِسِ الذِّكْرِ وَالْعِلْمِ وَمُدَارَسَةِ الْقُرْآنِ، وَأَنْ يَلْتَزِمَ الْهَدْيَ النَّبَوِيَّ وَفِعْلَ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ. وَإِذَا اجْتَمَعَ الرَّجُلُ مَعَ أَهْلِ بَيْتِهِ ذَكَّرَهُمْ وَوَعَظَهُمْ فَذَلِكَ مِنْ مَجَالِسِ الذِّكْرِ، وَإِذَا اجْتَمَعَ الْقَوْمُ فِي نُزْهَةٍ أَوِ اسْتِرَاحَةٍ عَقَدُوا لَهُمْ فِيهِ مَجْلِسَ قُرْآنٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ وَعْظٍ وَتَذْكِيرٍ؛ لِيَكُونَ مِنْ مَجَالِسِ الذِّكْرِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تَكْثُرَ مَجَالِسُ الذِّكْرِ فِي حَيَاةِ الْمُؤْمِنِ؛ لِأَنَّهَا حَيَاةُ الْقُلُوبِ، وَمَوَاضِعُ الرَّحْمَةِ وَالسَّكِينَةِ، وَحُضُورِ الْمَلَائِكَةِ، وَمُبَاهَاةِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ بِأَهْلِهَا فِي الْمَلَكُوتِ الْأَعْلَى، ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152].
فالذّاكرونَ اللهَ تعالى هم السبّاقونَ في ميدانِ السيرِ إلى اللهِ والدارِ الآخرةِ، فعن أبِي هريرةَ -رضي اللهُ عنه- عن النبيِّ ﷺ قال: “سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ”، قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قَالَ: “الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ”. وهؤلاء -عباد الله- هم الذين أعدّ الله لهم المنزلة الكريمة والثواب العظيم: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [الأحزاب: 35]،وذكرُ اللهِ -عبادَ اللهِ- جالبٌ للنعمِ المفقودةِ، وحافظٌ للنعمِ الموجودةِ، فما استُجلبتْ نعمةٌ وما حُفظتْ نعمةٌ بمثلِ ذكرِ اللهِ -تباركَ وتعالى-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7]. وساعةُ الذكرِ فاعلمْ ثروةٌ وغنَى .. .. وساعةُ اللهوِ إفلاسٌ وفاقاتٌ
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : مجالس العلم والذكر والاستعداد لرمضان
ثانيـًـــا : أينَ نحنُ مِن مجالسِ العلمِ والذكرِ؟
أيُّها السادة: قد عرفَ سلفُنَا الصالحُ قيمةَ هذه المجالسِ المباركةِ وفضلَهَا، وأنَّها مِن أقوَى الأسبابِ التي تُعينُ على إحياءِ القلوبِ، والتقربِ مِن علّامِ الغيوبِ، وهي مِن أفضلِ طرقِ النجاحِ ووسائلِ الفلاحِ في الدارينِ بإذنِ ربِّ العالمين، فصرفُوا فيها معظمَ أوقاتِهِم، وعمَّرُوا بهَا أكثرَ ساعاتِهِم، وبذلُوا في الحرصِ على حضورِهَا أقصَى جهدِهِم وأعلَى طاقاتِهِم حتى تركُوا مِن أجلِ طلبِ العلمِ الأوطانَ والديارَ، وارتحلُوا في تحصيلِه بينَ الأقطارِ والأمصارِ، لذا كانت مجالسُ العلماءِ وحلقُ الذكرِ في زمانِهِم عامرةً، حيثُ كانُوا يتسابقونَ إليهَا للتفقهِ في الدينِ وسماعِ حديثِ خيرِ المرسلينَ عليهِ أفضلُ الصلاةِ وأزكَى التسليمِ، حالُهُم مع مجالسِ العلمِ والذكرِ كحالِنَا مع الهواتفِ الذكيةِ في هذا اليومِ، ننامُ عليها ونستيقظُ عليها، ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، فأينَ نحنُ مِن مجالسِ العلمِ والذكرِ؟ إنَّ الناظرَ في حالِ المسلمينَ اليومَ ليَحزنُ أشدَّ الحزنِ عندمَا يرَى أنَّ الإقبالَ على طلبِ العلمِ الشرعِي اليومَ قليلٌ! وأنَّ الحرصَ على رفعِ الجهلِ لا يكونُ إلّا مِن عددٍ مِن المسلمينَ ضئيلٌ!. فأكثرُ مجالسِ العلمِ اليومَ قد هُجرتْ! وغالبُ موائدِ العلماءِ الربانيينَ قد تُركتْ! حتى مِمّن ينبغِي عليهم أنْ يحرصُوا على شهودِهَا!!، حتى أصبحتْ اليومَ لأهلِهَا تحنُّ! وعلى فراقِهِم تأنُّ! واللهُ المستعانُ.
فأينَ الذين كانُوا يتسابقون على هذه المجالسِ المباركةِ ؟!.، وأينَ الذين كانوا يتنافسونَ على حضورِ حلقِ العلمِ النافعةِ ؟!.
أينَ الذين كانوا ينسخونَ الأحاديثَ النبويةَ، ويدونونَ الفوائدَ العلميةَ ؟!.
أين حفاظُ كلامِ ربِّ العالمين، والمتونِ بأنواعِهَا والصحيحينِ؟!.
لماذا هذا الزهدُ فيها؟!، والإعراضُ عن حضورِهَا؟!، وقلةُ الإقبالِ إليهَا!!.، لماذا الكسلُ والخمولُ !!، فما الذي شغلَ أهلُ الإسلامِ عن حضورِ المجالسِ التي يُحبُّهَا العزيزُ العلامُ؟!
فأين تُقضى أيامُ المسلمين ؟ وكيف تُصرفُ أوقاتُهُم؟!.
إنَّ الأسبابَ كثيرةٌ! والنتيجةَ واحدةٌ!!. فمنهم مَن غرتهُم الملذاتُ !! وتغلبتْ عليهم النفسُ والشهواتُ والشيطانُ والهوَى! فتركُوا مجالسَ الخيرِ و البركاتِ!!.، ومنهم مَن لا يستحضرُ شرفَ طلبِ العلمِ، وأجرَ حضورِ مجالسِهِ!، وأنَّه مِن أجلِّ القرباتِ لربِّ البرياتِ! فلا يبالِي! ولا يحرصُ على الذهابِ إلى مجالسِ النفعِ والخيراتِ!!.، ومنهم مَن شغلتْهُ وسائلُ التواصلِ والاتصالاتِ! عن حضورِ مجالسِ العلماءِ والتفقهِ في دينِ ربِّ الأرضِ والسماواتِ!. ولا ننسَى أيضًا أيُّها الأفاضلُ أنَّ بعضَ مَن اقتحمَ ميدانَ النصحِ والدعوةِ مِن غيرِ زادٍ ولا عتادٍ! هم سببٌ كذلك في هجرانِ مجالسِ العلمِ التي تُعقدُ في بيوتِ اللهِ جلّ جلالُه، فأصبحَ الكثيرُ مِن المسلمين- إلّا مَن رحمَهُ ربُّ العالمين- عن مجالسِ العلماءِ معرضين! وإلى مجالسِ السفهاءِ مقبلين!!.ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ.
أيُّها السادة: إنّنَا لا ننكرُ أنَّ في أمتِنَا اليومَ وللهِ الحمدُ والفضلُ والمنةُ مَن لا يزالُ حريصًا على الأخذِ مِن ميراثِ الأنبياءِ ويبذلُ جهدَهُ في الاقتداءِ بمَن سبقَهُ مِن الأتقياءِ الأصفياءِ، فثبتَهُم اللهُ على هذا الطريقِ القويمِ، وجزاهُم اللهُ على ذلكِ خيرَ الجزاءِ. لكن على هؤلاء الأصفياءِ مِن العلماءِ الأتقياءِ وطلبةِ العلمِ النجباءِ أنْ يحمدُوا اللهَ جلَّ جلالُه على هذا الاصطفاءِ، وأنْ لا ييأسوا ولا يحزنوا مِن قلةِ الأعوانِ وعدمِ تشجيعِ الأصحابِ والإخوانِ!، وعليهم أنْ يواصلوا في طلبِ العلمِ بالليلِ والنهارِ، وليحرصُوا على العملِ بهِ، وليبذلُوا وسعَهُم في حثِّ المسلمين على التفقهِ في الدينِ، وليخلصُوا في ذلك لربِّ العالمين ولا يهتموا بعددِ الحاضرين…وصدقَ المعصومُ ﷺ إذْ يقولُ كما في حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: (مَن سلَكَ طريقًا يلتَمِسُ فيهِ علمًا ، سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ طريقًا إلى الجنَّةِ ، وإنَّ الملائِكَةَ لتَضعُ أجنحتَها لطالِبِ العلمِ رضًا بما يصنعُ وإنَّ العالم ليستغفِرُ لَهُ مَن في السَّمواتِ ومن في الأرضِ ، حتَّى الحيتانِ في الماءِ ، وفضلَ العالمِ على العابدِ كفَضلِ القمرِ على سائرِ الكواكبِ ، وإنَّ العُلَماءَ ورثةُ الأنبياءِ إنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا إنَّما ورَّثوا العلمَ فمَن أخذَهُ أخذَ بحظٍّ وافرٍ) رواه الترمذي، وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:“ مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ“ رواه الترمذي…ومجالسُ الذكرِ والعلمِ يرفعُ اللهُ بها الدرجاتِ ويُزكِّي بها النفوسُ، وخيرٌ مِن إنفاقِ الذهبِ والفضةِ والجهادِ في سبيلِ اللهِ، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاء قَالَ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: ” أَلَا أُنَبِّئكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْد ملكيكم، وَأَرْفَعهَا فِي دَرَجَاتكُمْ، وَخَيْر لَكُمْ مِنْ إِنْفَاق الذَّهَب وَالْوَرِق، وَخَيْر لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقهمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقكُمْ؟ قَالُوا بَلَى، قَالَ ذِكْر اللَّه “رواه الترمذي وابن ماجه بإسناد صحيح بل ذكرُ اللهِ ينجِّي الأنسانَ مِن عذابِ اللهِ، فعن مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: (مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ عَمَلاً قَطُّ أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ اللهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ) رواه الترمذي وأحمد. وعن أُبيِّ بنِ كعبٍ قال كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ، اذْكُرُوا اللَّهَ، جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ } رواه الترمذي. وللهِ درُّ الشافعِيِّ:
علمُ العليمِ وعقلُ العاقلِ اختلفَـا *** مَن ذا الذي منهما قد أحرزَ الشرفَا
فالعلمُ قالَ أنا أحرزتُ غايتَـُه *** والعقلُ قالَ أنا الرحمنُ بي عرفَا
فأفصحَ العلمُ إفصاحًا وقالَ لهُ *** بأيّنَا الرحمنُ في قرآنِه اتصفَـا
فبانَ للعقلِ أنَّ العلـمَ سيدُهُ *** وقبَّلَ العقلُ رأسَ العلمِ و انصرفَا
فاللهَ اللهَ في مجالسِ العلمِ، اللهَ اللهَ في مجالسِ الذكرِ، اللهَ اللهَ في مُدارسةِ القرآنِ بالليلِ والنهارِ، اللهَ اللهَ في مُدَارَسَةِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ كَافَّةً، اللهَ اللهَ في الْوَعْظِ وَالتَّذْكِيرِ بِنِعْمَةِ الْهِدَايَةِ، وَتَرْقِيقِ الْقُلُوبِ، وَالْحَدِيثِ عَنِ الْآخِرَةِ وَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا.
واللهِ ما طلعتْ شمسٌ ولا غربتْ ***** إلّا وحبّكَ مقرونٌ بأنفاسِي
ولا جلستُ إلى قومٍ أحدثُهُم ***** إلّا وأنتَ حديثِي بينَ جلاسِي
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : مجالس العلم والذكر والاستعداد لرمضان
ثالثًا وأخيرًا: البدارَ البدارَ قبلَ فواتِ الأوانِ لاغتنامِ أيامِ النفحاتِ.
أيُّها السادة: أوشكَ أنْ يهلَّ علينا هلالُ رمضانَ بالخيرِ واليمنِ والبركاتِ، جاءَ رمضانُ بمَا فيهِ مِن خيرٍ وبركةٍ، جاءَ رمضانُ يحملُ البشرياتِ للعاملين، جاءَ رمضانُ فرصةً للعابدينَ، جاءَ رمضانُ ليرفعَ في الجنةِ درجاتِ المحبين، جاءَ رمضانُ ليغسلَ ذنوبَ التائبينَ النادمينَ، جاءَ رمضانَ فهلْ مِن مشمرٍ إلى الجنةِ، جاءَ رمضانُ فهلْ مِن تائبٍ، فهلْ مِن نادمٍ، فهلْ مِن مستغفرٍ، فهلْ مِن عادٍ إلى علامِ الغيوبِ وستيرِ العيوبِ.
شهرٌ يفوقُ على الشهورِ بليلةٍ *** مِن ألفِ شهرٍ فُضلتْ تفضـيلاً
طُوبَى لعبدٍ صحَّ فيهِ صيامُهُ *** ودعَا المهيمنَ بكرةً وأصيــلًا
وبليلةٍ قــدْ قامَ يختمُ وردَهُ *** متبتِّـــلاً لإلهــهِ تبتــيلاً
أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لِي ولكُم
الخطبةُ الثانية الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلَّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلَّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ …………………… وبعدُ
أيُّها السادة: رمضانُ فرصةٌ عظيمةٌ، ومناسبةٌ كريمةٌ، تَصفُو فيها النفوسُ، وتَهفُو إليها الأرواحُ، وتَكثرُ فيها دواعي الخيرِ، تفتحُ فيه أبوابُ الجنانِ ، وتُغلقُ فيه أبوابُ النيرانِ وتَتنزلُ فيه الرحماتُ، وتُرفعُ فيه الدرجاتُ، وتُغفرُ فيه الزلاتُ، وتُحطُّ فيه الأوزارُ والخطيئاتُ، يَجزلُ اللهُ فيه العطايَا والمواهبَ، ويَفتحُ أبوابَ الخيرِ لكلِّ راغبٍ، ويعظمُ أسبابَ التوفيقِ لكلِّ طالبٍ، فللهِ الحمدُ والشكرُ على جزيلِ نعمائهِ، وترادفِ مننهِ وآلائهِ. فالبدارَ البدارَ بالتوبةِ والندمِ على ما فاتَ قبلَ فواتِ الأوانِ، نستقبلُ رمضانَ بفتحِ صفحةٍ بيضاءَ مشرقةٍ مع اللهِ سبحانَهُ وتعالَى بالتوبةِ الصادقةِ بالتوبةِ النصوحِ {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31]، تُبْ إلى اللهِ مِن الذنوبِ والمعاصي، تبْ إلى اللهِ مِن تضييعِ الأوقاتِ، تبْ إلى اللهِ مِن آفاتِ اللسانِ، حتى قلبكَ يحتاجُ إلى توبةٍ؟ فتبْ إلى ربِّكَ، واندمْ على ما فعلتَ فاللهُ كريمٌ يقبلُ توبةَ التائبينَ، ويغفرُ ذنوبَ المستغفرينَ .. ويمحُو سيئاتِ النادمينِ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) سورة [التحريم:8)
أيَا عبدُ كم يراكَ اللهُ عاصيًا *** حريصًا على الدنيا وللموتِ ناسيَا
أنسيتَ لقاءَ اللهِ واللحدَ والثرَى *** ويومًا عبوسًا تشيبُ منهُ النواصيَا
لو أنَّ المرءَ لم يلبسْ ثيابًا مِن التقَى*** تجردَ عريانًا ولو كان كاسيَا
ولو كانتْ الدنيا تدومُ لأهلِهَا *** لكانَ رسولُ اللهِ حيًّا وباقيَا
ولكنّهَا تفنَى ويفنَى نعيمُهَا *** وتبقَى الذنوبُ والمعاصِي كمَا هيَا.
تابع / خطبة الجمعة القادمة بعنوان : مجالس العلم والذكر والاستعداد لرمضان
فيا عبدَ اللهٍ، فارقْ المعصيةَ وأهلَ المعصيةِ ومكانَ المعصيةِ وكلَّ ما يُذكّرُكَ بالمعصيةِ، وأكثرْ مِن قولِهِ تعالَى: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:23].
ارفعْ صوتَكَ بالنداءِ.. يا ربِّ إنَّ ذنوبِي قد كثُرتْ.. وليس لي بعذابِ النارِ مِن قِبَلٍ..
ولا أطيقُ لهَا صبرًا ولا جلَدًا.. فانظرْ إلهِي إلى ضعفِي ومسكنتِي.. ولا تذقنِي حرًّا لجهنمَ غدًا.
يا مَن عوّدتَ لسانَكَ على الغيبةِ والنميمةِ وقولِ الزورِ، تُبْ إلى اللهِ.
يا مَن أهملتَ أولادَكَ وتركتَهُم لقرناءِ السوءِ، تُبْ إلى اللهِ.
يا مَن تعودتَ على تأخيرِ الصلاةِ، بادرْ مِن الآنِ وتُبْ إلى اللهِ.
عبدَ اللهِ يا مَن تعوّدتَ على أكلِ الحرامِ تُبْ إلى اللهِ وعُدْ إلى الحلالِ قبلَ أنْ يهجمَ عليكَ ملكُ الموتِ.
عبدَ اللهِ لا تؤخرْ توبتَكَ، كيف بكَ لو نزلَ بكَ الموتُ وأنتَ على غيرِ توبةٍ، أعقدتَ مع ملكِ الموتِ عقدًا بعدمِ مجيئهِ؟ أم اتخذتَ عندَ الرحمنِ عهدًا أنْ لا يقبضَ روحَكَ حتى تتوبً؟
فالاستعدادَ الاستعدادَ لشهرِ الصيامِ والقيامِ والقرآنِ، فالتوبةَ التوبةَ قبلَ حلولِ رمضانَ، فبابُ التوبةِ مفتوحٌ لا يغلقُ أبدًا في كلِّ وقتٍ وحينٍ ما لم تطلعْ الشمسُ مِن مغربِهَا وما لم تصلْ الروحُ إلى الحلقومِ كما قالَ النبيُّ المختارُ ﷺ في حديثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:( إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ)، رواه الترمذي.
وأبشرْ: فما دمتَ في وقتِ المهلةِ فبابُ التوبةِ مفتوحٌ لقولِ المصطفَي ﷺ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ) رواه مسلم.
فالبدارَ البدارَ بالاستغفارِ قبلَ فواتِ الأوانِ واسمعْ إلى العزيزِ الغفارِ وهو ينادِى { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} الزمر:53، وعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ– يَقُولُ « قَالَ اللَّهُ يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِى يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ». وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِيمَا يَحْكِى عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ « أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي . فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِى ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَبْدِى أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِى ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ ».واعلم أنّ اللهَ جلّ وعلا وعدَ مَن استغفرَهُ أنْ يغفرَ له سبحانه وتعالى: قال جل وعلا﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾طه: 82
بك أستجيرُ ومَن يجيرُ سواكَا *** فأجرْ ضعيفًا يحتمِي بحماكَ
إنِّي ضعيفٌ أستعينُ على قوىَ *** ذنبِي ومعصيتِي ببعضِ قواكَا
أذنبتُ ياربِّي وآذتنِي ذنوبٌ *** مالَها مِن غافرٍ إلّا كَا
دنياي غرتنِي وعفوكَ غرنِّي *** ماحيلتِي في هذهِ أو ذا كَا
يا غافرَ الذنبِ العظيمِ وقابلًا *** للتوبِ قلبٌ تائبٌ ناجاكَا
أتردَّهُ وتردَّ صادقَ توبتِي *** حاشَاكَ ترفضُ تائبًا حاشاكَ
فليرضَ عنِّي الناسُ أو فليسخطُوا *** أنَا لم أعدْ أسعَى لغيرِ رضاكَا
حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وشرِّ الفاسدين وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
د/ محمد حرز
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف
_______________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف