خطبة الجمعة القادمة بعنوان: سلوك الصائمين في رمضان، للدكتور خالد بدير
خطبة الجمعة القادمة بعنوان: سلوك الصائمين في رمضان، للدكتور خالد بدير بتاريخ 5 رمضان 1437هـ – 10 يونيه 2016م.
لتحميل الخطبة بصيغة word أضغط هنا
لتحميل الخطبة بصيغة pdf أضغط هنا
ولقراءة الخطبة كما يلي:
عناصر الخطبة:
العنصر الأول: أثر العبادات في تهذيب السلوك
العنصر الثاني: آداب وسلوك الصائم
العنصر الثالث: ثمرات وفوائد الصيام
المقدمة: أما بعد:
العنصر الأول: أثر العبادات في تهذيب السلوك
أيها المسلمون: إن الإسلام لم يشرع العبادات بكافة صورها طقوساً ولا شعائر مجردة من المعنى والمضمون، بل إن كل عبادة تحمل في جوهرها قيمة أخلاقية مطلوب أن تنعكس على سلوك المسلم المؤدي لهذه العبادة، وأن تتضح جلياً في شخصيته وتعاملاته مع الغير، وأيضاً فيما يرسمه لذاته من إطار يحرص على الالتزام به ولا يحيد عنه.
عباد الله : إن كثيراً منا يخطئ حينما يفصل العبادة في الإسلام عن السلوك، ولم يصبح هدف البشر الآن إلا التعبد دون أدنى اهتمام بتحقق الثمرة المرجوة من العبادة، ألا وهو حدوث تزكية النفس!! ودائما تُقرن نصوص القرآن والسنة الكلام عنهما.
ولو طوفنا حول جميع العبادات لوجدنا الهدف منها هو تهذيب الأخلاق وتزكيتها، فالزكاة المفروضة- مثلاً – ليست ضريبة تؤخذ من الجيوب، بل هي أولاً غرس لمشاعر الحنان والرأفة، وتوطيد لعلاقات التعارف والألفة بين شتى الطبقات، وقد نص القرآن على الغاية من إخراج الزكاة بقوله: ” خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ” [التوبة/103]، فتنظيف النفس من أدران النقص، والتسامي بالمجتمع إلى مستوى أنبل هو الحكمة الأولى، والناظر في هذه الآية يرى أن فيها بياناً لأثر الزكاة على المزكي من حيث تهذيب نفسه وإصلاحها، والمقصود هنا تطهيرهم من ذنوبهم التي لا بد أن تقع منهم، حيث الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، ومعلوم أن الخطايا قد تكون مادية كما تكون معنوية، ومن جملة الخطايا المعنوية البخل والشخ، وقد ذمهما الله تعالى، حيث قال عز وجل، “هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ”( محمد: 38 )، ويقول الله تعالى: “وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” ( الحشر: 9 )، حيث البخل والشح قيمتان سلبيتان في نفس الإنسان، بوجودهما لا يمكنه أن يمد يد العون لغيره من المحتاجين، فينتج عن ذلك آثار سلبية أخرى في نفوس هؤلاء المعوزين، حيث يرمقون هذا الغني البخيل بعين الغيظ والحنق والحسد، والحقد على من أعطاه الله من ماله، وحبس حق هذا المال عن عياله، فالخلق عيال الله كما ورد في الحديث القدسي، وعلى ذلك يسود المجتمع بخل وشح وتقتير، وحبس لحقوق الفقراء من أموال الأغنياء، وحنق وحسد وغيظ، وكل هذه صفات نهى الشرع عنها، لأنها كفيلة على قلتها أن تفتت كيان المجتمع، وأن تحل عرى الوفاق بين أفراده، فمجتمع لا يسوده الحب والوئام، هو مجتمع ضعيف هزيل، لا يستطيع أن يدفع عن نفسه أي شر أو أذى، ثم إنه لا يستطيع أن يكون له دور في ترقيه الحياة والسمو بها.
ومن أخلاق الزكاة أيضاً النهي عن المن في العطاء، فإذا أعطيت المحتاج مالا ثم مننت عليه، فقد أبطلت صدقتك، وهكذا تكون للزكاة علاقةٌ وطيدة بغرس القيم والأخلاق والتراحم بين أفراد المجتمع ولهذه الغاية العظمي فرضت زكاة الفطر في رمضان، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:” فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ” [ أبو داود وابن ماجة بسند حسن] ، وكل هذه معاني وأخلاق نبيلة يطهر بها الشرع أفراده ظاهراً وباطناً.
وفي الصلاة، تأتي الحكمة العليا منها في قوله تعالى: “وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ” (العنكبوت: 45) فأنت مأمور في أداء الصلاة في جماعة، لكي تحتك بالناس وتتفاعل معهم وتربطك بهم صلات وتواد وتراحم، فضلاً عن أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فالفحشاء والمنكر هما جماع الأقوال البذيئة والأفعال السيئة، وهما لا يظهران إلا في التعامل مع الناس في المجتمع.
وفي الصيام نعلم أن رمضان هو شهر الأخلاق ومدرستها، فهو شهر الصبر، وشهر الصدق، وشهر البر، وشهر الكرم، وشهر الصلة ، وشهر الرحمة ، وشهر الصفح ، وشهر الحلم، وشهر المراقبة، وشهر التقوى، وكل هذه أخلاق يغرسه الصوم في نفوس الصائمين وذلك من خلال قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ » ( البقرة : 183) ، بكل ما تحمله كلمة التقوى من دلالات ومعان إيمانية وأخلاقية، ويربي الرسول صلى الله عليه وسلم الصائمين على أرفع القيم الخلقية وأنبلها حيث يقول: “الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ : إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ ” (البخاري ومسلم)، فالصوم جنة أي وقاية من جميع الأمراض الخلقية، ويفسره ما بعده ” فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ” فإن اعتدى عليك الآخرون بسبٍّ أو جهل أو أذى فقل: ” إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ ” وليس هذا على سبيل الجبن والضعف والخوَر؛ بل إنها العظمة والسمو والرفعة التي يربي عليها الإسلام أتباعه، وسواء كان هذا القول تلفظاً صريحاً، أو كان تذكيراً داخليا لنفسه بأنه صائم، فكلاهما فيه: تذكير النفس بحفظ الصيام من اللغو الذي قد يفسده، وفيه نوع من أنواع الصبر الكثيرة التي تجتمع في الصيام. والمعني: إني في غاية التقوى والتحلي بأخلاق الصيام ، ولا ينبغي لي أن أفسد صومي بالرد عليك بهذه الأقوال البذيئة، فإذا حاول إنسان استفزازك بما يحملك على رد إساءته، ومقابلة سبِّه بسب، فعليك أن تدرك أن الصوم يحجزك عن ذلك لأنه جنة ووقاية من سيء الأخلاق.
وفي الحج يغرس القرآن أسمى المعاني الأخلاقية في نفوس الحجاج والمعتمرين من خلال قوله تعالى: “الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ” [البقرة/197]، فقد يظن الإنسان أن السفر إلى البقاع المقدسة رحلة مجردة عن المعاني الخلقية، بل أنت مأمور بضبط الأخلاق أثناء الزحام، كما يجب عليك اجتناب الرفث والفسوق والجدال والخصام في الحج، فضلاً عن غرس قيم الصبر وتحمل المشاق والمساواة بين الغني والفقير والتجرد من الأمراض الخلقية.
إن العبادات لا يمكن أن تؤتى ثمرتها المرجُوّة إلا إذا ظهر أثرها في سلوك المرء وأخلاقه وتعامله مع الآخرين، فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له، ومن لم ينهه حجه وصومه عن اللغو والرفث والفسوق فما انتفع بحج ولا بصيام …..وهكذا
عباد الله: هذا العرض المجمل لبعض العبادات التي اشتهر بها الإسلام ، وعرفت على أنها أركانه الأصيلة ، نستبين منه متانة الأواصر التي تربط الدين بالخلق، إنها عبادات متباينة في جوهرها ومظهرها ، ولكنها تلتقي عند الغاية التي رسمها الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: “إنما بُعثتُ لأتمم صالح الأخلاق “، لأنها كلها شرعت من أجل تهذيب السلوك والأخلاق كما دللنا على ذلك بشواهد صحيحة من القرآن والسنة.
إن العبادة هي علاقة بينك وبين ربك، أما السلوك فهو علاقة بينك وبين الناس، ولابد أن تنعكس العلاقة بينك وبين ربك على العلاقة بينك وبين أفراد المجتمع، فتحسنها وتهذبها.
العنصر الثاني: آداب وسلوك الصائم
أحبتي في الله: تعالوا بنا في هذا العنصر لنقف مع الآداب والسلوكيات التي يجب أن يتحلى بها الصائم في شهر رمضان المبارك اقتداءً بنبينا صلى الله عليه وسلم وتتلخص فيما يلي:-
أولاً: إخلاص النية: فالصائم يجب عليه أن يستحضر النية التي من أجلها يصوم رمضان، حتى يأخذ الأجر كاملاً، ويحصل أعلى درجة من الثواب، فكلما أخلص عمله كلما كان هذا أرفع لدرجته عند ربه، وأرجى لقبول صومه، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا، وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ».[النسائي وأبو داود بسند حسن].
ثانياً: السَّحُور: كثير منا يهمل وجبة السحور؛ ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يحافظ على تناول السحور، وحَثَّ الأمة عليه، فقال: «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً»[متفق عليه]، وسبب البركة: أنه يقوي الصائم، وينشطه، ويهون عليه الصيام؛كما أن السحور هو الفصل بين صيام المسلمين وصيام أهل الكتاب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَكْلَةُ السَّحَرِ»[مسلم]، فمن السنة أن يتسحر المسلمون ولو على جرعة ماء أو على تمرات إحياءً للسنة وابتغاءً للأجر، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِجَرْعَةٍ مِنْ مَاءٍ»[ابن حبان بسند حسن].
ثالثاً: تعجيل الفطور وتأخير السَّحُور: فكان صلى الله عليه وسلم يعجل بالفطر بعد المغرب، ويؤخر السحور قبل الفجر، فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ.”( متفق عليه)؛ وقال صلى الله عليه وسلم:«عجلوا الإفطار وأخروا السحور»[ الجامع الصغير والطبراني]. كما أن تعجيل الفطر فيه مخالفة لليهود ؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ ؛ عَجِّلُوا الْفِطْرَ فَإِنَّ الْيَهُودَ يُؤَخِّرُونَ.” (أبوداود بسند حسن)
رابعاً: الدعاء عند الفطر: فقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاءً نقوله عند الإفطار، فكما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: «ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الْأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ»[أبوداود]، كما أن للصائم عند فطره دعوة لا ترد، قال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ»[ابن ماجة والطبراني]. وكان عبد الله بن عمرو بن العاص إذا أفطر يقول: ” اللهم إني أسألك – برحمتك التي وسعت كل شئ – أن تغفر لي “.
وكثير منا أيضاً يخطئ حينما يستبطئ الإجابة؛ وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:” لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ” قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا الِاسْتِعْجَالُ؟ قَالَ:” يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ ” ( مسلم) ؛ وليعلم هذا المسكين الذي استبطأ الإجابة فترك الدعاء أنه خسر ثوابا وأجرا عظيما عند الله؛ لأن الله توعده بالإجابة عاجلا أو آجلا ؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” ما مِن مسلِمٍ يدعو اللَّهَ عزَّ وجلَّ بدَعوةٍ ليسَ فيها إثمٌ ، ولا قَطيعةُ رحِمٍ ، إلَّا أعطاهُ اللَّهُ بِها إحدى ثلاثِ خصالٍ : إمَّا أن يعجِّلَ لَهُ دعوتَهُ ، وإمَّا أن يدَّخرَها له في الآخرةِ ، وإمَّا أن يصرفَ عنهُ منَ السُّوءِ مثلَها . قالوا : إذًا نُكْثِرُ ، قالَ : اللَّهُ أَكْثَرُ ” [أحمد والترمذي والحاكم وصححه]؛ فانظر إلى الصحابة قالوا : إذاً نكثر ؛ لأن الإجابة مضمونة في إحدى هذه الثلاث طالما التزمت بشروط الدعاء وآدابه؛ فإما أن يعجل الله لك الدعوة؛ أو يصرف عنك مصيبة أو نازلة كانت ستنزل بك رفعها الدعاء؛ أو يدخرها لك في الآخرة؛ يقول: عبدي دعوتني في يوم كذا في ساعة كذا بدعوة كذا فاذهب إلى قصر كذا في الجنة؛ وقتها يقول العبد: يارب ليتك لم تستجب لي ولا دعوة في الدنيا!!! فلنكثر من الدعاء عند الإفطار فالدعاء مجاب؛ والله أكثر وأكثر!!
خامساً: الفطر على رطب أو تمر أو ماء: ثم الذهاب لصلاة المغرب كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم؛ فإن ذلك فيه تهيئة للمعدة على تناول الطعام، ويقلل الجوع، ويُساعد على عدم امتلاء البطن، فعن ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ، فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ»[أحمد أبوداود والترمذي وحسنه].
سادساً: عدم الإسراف في الفطور: فالمؤمن مطالب دائماً أن يحرص على التوازن في كل شيء، فإذا أكل فلا يسرف في الأكل، وإذا شرب فلا يسرف في الشراب، وعلى الصائم ألا يُكثر من الطعام عند الإفطار حتى يستطيع القيام لصلاة التراويح.
سابعاً: الجود ومدارسة القرآن: فالجود ومدارسة القرآن مستحبان في كل وقت، إلا أنهما آكد في رمضان وهذا هو منهاج النبي صلى الله علىه وسلم. فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ؛ وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ؛ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ؛ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ.”(متفق عليه) .
ثامناً: الكف عما يتنافى مع الصيام: لأن الصيام عبادة من أفضل القربات، شرعه الله تعالى ليهذب النفس، ويعودها الخير؛ فينبغي أن يتحفظ الصائم من الأعمال التي تخدش صومه، حتى ينتفع بالصيام، وتحصل له التقوى التي ذكرها الله في قوله:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 183)
وليس الصيام مجرد إمساك عن الأكل والشرب، وإنما هو إمساك عن الأكل والشرب وسائر ما نهى الله عنه. فعن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” ليس الصِّيامُ من الأكلِ والشُّربِ إنَّما الصِّيامُ من اللّغوِ والرَّفثِ فإن سابَّك أحدٌ أو جهِل عليك فقلْ: إنِّي صائمٌ إنِّي صائمٌ “.(ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم وصححه)؛ وروى الجماعة – إلا مسلما – عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ؛ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ “. ونحن نرى كثيرا من الناس يصومون عن الحلال ( من الطعام والشراب والنساء) ؛ ويفطرون على الحرام ( من الغيبة والنميمة والسب والشتم والنظر إلى الحرام ……إلخ)؛ وفي الآخر يقول : يا عم الشيخ ؟ فعلت كذا وكذا في نهار رمضان فهل صيامي صحيح؟!! أقول: هؤلاء محرومون من الأجر؛ لا نقول ببطلان صيامهم وعليهم الإعادة؛ وإنما نقول لهم : ضاع الأجر وثبت الوزر . فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ :” رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلاَّ الْجُوعُ ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلاَّ السَّهَرُ . “.( النسائي، وابن ماجه والحاكم، وصححه).
تاسعاً: الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر من رمضان: فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:” كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ؛ وَأَحْيَا لَيْلَهُ؛ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ.”(متفق عليه) . وفي رواية لمسلم: ” كَانَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ “. وسنتكلم عن العشر الأواخر وفضلها في خطبة كاملة في حينها إن شاء الله تعالى.
العنصر الثالث: ثمرات وفوائد الصيام
أيها المسلمون: بعد أن تكلمنا في العنصرين السابقين عن أثر العبادات في تهذيب السلوك؛ والآداب والسلوكيات التي ينبغي أن يتحلى بها الصائم؛ نأتي هنا إلى معرفة الثمرات والفوائد والمنح والعطايا التي أعدها الله لكل من التزم بآداب وسلوكيات الصيام وتتلخص فيما يلي:-
أولاً: أن الله تبارك وتعالى أضاف جزاء الصيام لنفسه: والعطية على قدر المعطي؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ .”( متفق عليه)؛ فالله يجزيهم بغير حساب؛ فجعل الله سبحانه الصوم له، والمعنى أن الصيام يختصه الله سبحانه وتعالى من بين سائر الأعمال؛ لأنه أعظم العبادات إطلاقاً؛ فإنه سر بين الإنسان وربه؛ فالإنسان لا يُعلم هل هو صائمٌ أم مفطرٌ؛ إذ نيته باطنة؛ فلذلك كان أعظم إخلاصاً؛ فاختصه الله سبحانه من بين سائر الأعمال تعظيماً لقدره.
ثانياً: أن الصائم اجتمعت فيه أنواع الصبر الثلاثة: وهي الصبر على طاعة الله، وعن معصية الله، وعلى أقداره سبحانه وتعالى؛ فهو صبرٌ على طاعة الله؛ لأن الإنسان يصبر على هذه الطاعة ويفعلها؛ وعن معصية الله سبحانه؛ لأنه يتجنب ما يحرم على الصائم؛ وعلى أقدار الله تعالى؛ لأن الصائم يصيبه ألمٌ بالعطش والجوع والكسل وضعف النفس؛ فلهذا كان الصوم من أعلى أنواع الصبر؛ لأنه جامعٌ بين الأنواع الثلاثة، وقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }[الزمر:10] . قال الأوزاعي : ليس يوزن لهم ولا يكال ، إنما يغرف لهم غرفا . (تفسير ابن كثير )
ثالثاً: أن الصيام يشفع لصاحبه يوم القيامة: فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ. وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ أي يشفعهما الله فيه ويدخله الجنة.”( أحمد والطبراني والحاكم وصححه).
رابعاً: أن الصوم سبيل إلى المغفرة والأجر العظيم: قال تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35]؛ وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”. (البخاري)؛ وقَالَ:” مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ” .( البخاري)؛ وقَالَ:” الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ”(مسلم).
خامساً: أن الصوم جُنةٌ وحِصنٌ من النار: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “الصيام جُنة” (متفق عليه). “وقد ذكر بعض العلماء أن الصوم إنما كان جُنةً من النار؛ لأنه إمساكٌ عن الشهوات والنار محفوفةٌ بالشهوات، فالحاصل أنه إذا كف نفسه عن الشهوات في الدنيا كان ذلك ساتراً له من النار في الآخرة.” (فتح الباري). وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:” مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا”(متفق عليه).” وقوله: ((سبعين خريفاً)): أي سبعين سنة.” (شرح النووي على مسلم).
سادساً: أن الصوم سببٌ لدخول الجنة: فعَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:” إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ. يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ؛ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ .”(متفق عليه)؛ وفي رواية للبخاري: ” فِي الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا الصَّائِمُونَ.”. قال ابن حجر: “الريان بفتح الراء وتشديد التحتانية وزن فعلان من الري: اسم علم على باب من أبواب الجنة يختص بدخول الصائمين منه، وهو مما وقعت المناسبة فيه بين لفظه ومعناه؛ لأنه مشتق من الري وهو مناسب لحال الصائمين … قال القرطبي: اكتفي بذكر الري عن الشبع؛ لأنه يدل عليه من حيث أنه يستلزمه، قلت: أو لكونه أشق على الصائم من الجوع.”(فتح الباري)
سابعاً: أن للصائم فرحتين: فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” .. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا، إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ.” (متفق عليه). ” قيل معناه: فرح بزوال جوعه وعطشه حيث أبيح له الفطر، وهذا الفرح طبيعي وهو السابق للفهم. وقيل أن فرحه بفطره من حيث أنه تمام صومه وخاتمة عبادته وتخفيف من ربه ومعونة على مستقبل صومه….. وقوله: وإذا لقي ربه فرح بصومه، أي بجزائه وثوابه وقيل الفرح الذي عند لقاء ربه إما لسروره بربه أو بثواب ربه، على الاحتمالين .”( فتح الباري)
ثامناً: أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله تعالى من ريح المسك: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:”…… وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي.”(متفق عليه)؛ قال ابن عبد البر: ” وخلوف فم الصائم ما يعتريه في آخر النهار من التغير وأكثر ذلك في شدة الحر. ومعنى قوله: لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك؛ يريد أزكى عند الله وأقرب إليه وأرفع عنده من ريح المسك.” (التمهيد).
تاسعاً: أن الصوم يزيل الأحقاد والضغائن: فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” صوم شهر الصبر وثلاثة أيام من كل شهر يذهبن وَحَرَ الصدر.”(البزار بسند صحيح). “ووَحَرَ الصدر: أي غشه أو حقده أو غيظه أو نفاقه بحيث لا يبقى فيه رين أو العداوة أو أشد الغضب. “(فيض القدير للمناوي).
عاشراً: أن الله تعالى جعل الصيام من الكفارات لعظم أجره: وذلك مثل كفارة فدية الأذى، قال تعالى: {فَفِدْيَةٌ مِن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ ..} [البقرة: 196]؛ وكفارة القتل الخطأ، قال تعالى: {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ..} [النساء: 92]؛ وكفارة اليمين، قال تعالى: {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ .. }[المائدة: 89]… إلى غير ذلك من الكفارات.
أيها المسلمون: هناك ثمرات وفوائد أخرى كثيرة للصيام دينية واجتماعية وأخروية وطبية لا يتسع المقام لذكرها في هذه الدقائق والوريقات المعدودة ويكفي القلادة ما أحاط بالعنق!!
الدعاء،،،،،،، وأقم الصلاة؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ كتبه : خادم الدعوة الإسلامية د / خالد بدير بدوي