أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdf

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : رحم اللَّه رجلًا سمحًا ، للدكتور محمد حرز

شارك الخبر علي صفحات التواصل الإجتماعي

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 8 ربيع الآخر 1446هـ ، الموافق 11 أكتوبر 2024م. 

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 11 أكتوبر 2024م بصيغة word بعنوان : رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا ، للدكتور محمد حرز.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 11 أكتوبر 2024م بصيغة pdf بعنوان : رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا ، للدكتور محمد حرز.

عناصر خطبة الجمعة القادمة 4 أكتوبر 2024م بعنوان : رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا.

 

أولًا دينُنَا دينُ الشمائلِ الحسنةِ.

ثانيًا: السماحةُ في البيعِ خلقٌ عظيمٌ مِن أخلاقِ الإسلامِ.

ثالثــــًا وأخيرًا: صورٌ مِن السماحةِ في الإسلامِ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 4 أكتوبر 2024م بعنوان : رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا : كما يلي:

 

( رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا )

 د محمد حرز بتاريخ:  8 ربيع الآخر  1446هــ –  11أكتوبر 2024م

الحمدُ للهِ الذي تكرَّمَ على العالمينَ بدينِ الإسلامِ، وجعلَ السماحةَ فيهِ منهجًا للأنامِ، ويسَّرَ شرائعَهُ وبيَّنَ الأحكامَ، الحَمْدُ للهِ القائلِ في محكمِ التنزيلِ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)) [النساء: 29]، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وليُّ الصالحينَ، وَأشهدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وصفُيُّهُ مِن خلقهِ وخليلُهُ، القائلُ كما في حديثِ أبي سعيدٍ الخدرِي -رَضِيَ اللهُ عَنْهَ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ : ( إنَّما البيعُ عَن تراضٍ)، فاللهمَّ صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ  المختارِ وعلى آلهِ وصحبهِ الأطهارِ وسلمْ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ. أمَّا بعد …..فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ{ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (سورة  أل عمران :102). 

عبادَ الله: رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا،( عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا .

عناصرُ اللقاءِ:

أولًا دينُنَا دينُ الشمائلِ الحسنةِ.

ثانيًا: السماحةُ في البيعِ خلقٌ عظيمٌ مِن أخلاقِ الإسلامِ.

ثالثــــًا وأخيرًا: صورٌ مِن السماحةِ في الإسلامِ.

أيُّها السادةُ: ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ إلي أنْ يكونَ حديثُنَا عن: رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا، وخاصة ولقد فقدنَا السماحةَ في البيعِ والشراءِ بل وفي حياتِنِا كلِّهَا ، وخاصةً وهناكَ مِن التجارِ مَن لا يرقبونَ في مؤمنٍ إلًّا ولا ذمةً، كلُّ همِّهِ وغايتِهِ نفسُهُ فقط لا غير ، وخاصةً عندمَا صدرَ قرارٌ بمنعِ الاستيرادِ، مباشرةً وبدونِ توقُّفٍ ولا تردُّدٍ يرفعُ التجارُ الأسعارَ، لماذا هذا -يا عبادَ الله-؟ لماذا هذه الشدَّةُ والقسوةُ؟ أين الشفقةُ والرحمةُ على عبادِ الله؟ وخاصةً وأنتم ترونَ الفقرَ يزدادُ يوماً بعدَ يومٍ، وخاصةً ونحن نعيشُ في زمنِ الأزماتِ الماليةِ والاقتصاديةِ الرهيبةِ في العالمِ كلِّهِ ،وخاصةً هناك تجارُ الأزماتِ يستغلونَ حاجةَ الناسِ فكثرَ الجشعُ والطمعُ  والاستغلالُ ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ ،وخاصةً وأنَّ تجارَ اليومِ إلا ما رحمَ اللهُ قد ماتَ إحساسُهُم، ودُفنتْ مشاعرهُم  وقلَّ إيمانُهُم، ونسُوا ربَّهُم، ولا عليهم أنْ يموتَ الناسُ جوعًا، ولا يبالونَ بغلوِّ العيشِ الذي يعصرُ الناسُ عصرًا، ولا يتألمونَ للحاجةِ التي أرهقتْ مضاجعَ الناسِ بالليلِ، وأرهقتهُم بالنهارِ، هم تجارُ حروبٍ وأزماتِ، لا تهمُّهُم إلا أنفسهُم ولا حولَ ولا قوةَ إلّا باللهِ، وخاصةً و التجارةُ مِن الكسبِ الحلالِ الذي أمرَنَا بهِ دينُنَا الحنيفُ واعتبرَهَا مِن الأماناتِ التي أوصَي الإسلامُ بحفظِهَا، والسماحةُ مِن أهمِّ أخلاقِ المسلمِ في البيعِ والشراءِ.

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : رحم اللَّه رجلًا سمحًا

أولًا دينُنَا دينُ الشمائلِ الحسنةِ.

أيُّها السادة: إنَّ شريعةَ الإسلامِ نظّمتْ شؤونَ الحياةِ كلِّها، فما مِن شأنٍ مِن شؤونِ حياةِ الإنسانِ إلّا وللشريعةِ فيهِ التعليماتُ الطيّبةُ والتوجيهاتُ القيّمةُ؛ لتحوّلَ المجتمعَ المسلمَ في كلِّ ميادينِ حياتِهِ؛ لأنْ يكونِ مجتمعًا مرتبطًا بدينِهِ، ومِن ذلكُم شأنُ الأسواقِ، بيعًا وشراءً، فإنَّ شريعةَ الإسلامِ جاءتْ بالضوابطِ الشرعيةِ والآدابِ المستحبَّةِ والتوجيهاتِ النافعةِ لمَن يأتُوا الأسواقَ، ومَن يشتغلونَ فيهَا، ومَن مِهْنتُهم البيعُ والشراءٌ فيها لأنَّ الأسواقَ مِن الأماكنِ البغيضةِ للهِ تعالي كما في الحديثٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي اللهُ عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ  قَالَ: ( أَحَبُّ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدُهَا، وَأَبْغَضُ الْبِلَادِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقُهَا)، وكيف لا؟ وطلبُ الحلالِ مِن الرزقِ واجبٌ على كلِّ مسلمٍ ومسلمةٍ، وأنّ ابتغاءَ المالِ الطيبِ ضرورةٌ لاستقامةِ الحياةِ الاجتماعيةِ واستقرارِهَا، وأنّ طلبَ المعيشةِ والتكسّبِ مِن أهمِّ الأمورِ التي حثَّنَا عليها دينُنَا الحنيفُ، لذا أمرَنَا بالخروجِ في طلبِ الرزقِ، قال جلَّ وعلا وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا [النبأ:11]، قال جلَّ وعلا ((عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [المزمل:20]. وكيف لا؟ ودينُنَا دينُ الشمائلِ الحسنةِ والقيمِ المستحسنةِ والأخلاقِ العاليةِ والآدابِ الغاليةِ.. بل الغايةُ الأسمَى مِن بعثتهِ هي الأخلاقُ فقالَ كما في حديثِ أبي هريرةَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ:{ بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ } رواه البخاري، لذا فإنَّ خلقَ السماحةِ يجبُ أن يظهرَ في تعاملِنَا، وخاصةً في الدينارِ والدرهمِ، ويتأكدُ هذا عندمَا تُشحَنُ النفوسُ بحبِّ الدنيا وطلبِ المزيدِ منها، واللهُ جلَّ وعلا فطرَ الإنسانَ على حبِّ المالِ والدنيا، قالَ جلَّ وعلا: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) [العاديات: 8)، وقالَ جلَّ وعلا: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) [الفجر: 20]، وقالَ جلَّ وعلا:  )إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا((المعارج: 19 – 21).وطلبَ ربُّنَا -عزَّ وجلَّ- مِن الإنسانِ أنْ يجاهدَ نفسَهُ أثناءَ تعاملِهِ مع الدنيا التي زيَّنَهَا لهُ وفطرَهُ على محبَّتِهَا، وأنْ يجعلَهَا في يدِهٍ لا في قلبِه. وقد بيَّنَ لنَا سيدُنًا رسولُ اللهِ حقيقةَ هذه الدنيا بقولِهِ: “لَوْ كَانَتْ الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ“(رواه الترمذي، وقال : “مَا لِي وَلِلدُّنْيَا؟ مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا“(رواه الترمذي، لذا وجبَ علينَا السماحةُ في جميعِ شؤونِ حياتِنَا، فالدنيا لا قيمةَ لهَا ولا وزنَ لهَا إنَّمَا الدنيا إلى زوالٍ. وكيف لا؟ وقد أكرمنَا اللهُ تعالى بشريعةٍ كلِّها خيرٌ ورحمةٌ ومنفعةٌ للبشريةِ في دنياهُم وآخرتِهِم، لمَن قَبِلَهَا وآمنَ بهَا والتزمَهَا، هذه الشريعةُ تدعُو المؤمنَ لأنْ يكونَ متخلِّقاً بالسماحةِ في معاملتِهِ مع خلقِ اللهِ تعالى؛ لأنَّ السماحةَ تقوِّي الإيمانَ، وتُضاعفُ الثوابَ عندَ اللهِ تعالى، وتشدُّ أزرَ العبادِ، وتجعلُ المحبةَ بينَ الأفرادِ، والمودةَ والرحمةَ في قلوبِ العبادِ…. فكمْ ربَّى الإسلامُ على الأخلاقِ العُليَا، وآدابِهِ المُثلَى، ومنها ما نحن بحاجةٍ إلى الاتصافِ بهِ، والتحلِّي بأخلاقِهِ، والقيامِ بموجبهِ إنَّها خصلةٌ؛ هي خُلقُ السماحةِ ما أجملَ هذا الشعارَ، وتمثلهُ في ممارسةِ الحياةِ والدارِ، فاجعلْ شعارَكَ في جميعِ أحوالِكَ السماحةَ لإخوانِكَ.وكيف لا؟ والسماحةُ هي ملَّتُنَا ونهجُنَا وشرعُنَا، هي دينُنَا ومبدؤُنَا، وبها بُعِثَ المصطفَى العدنانُ إلينَا، فقال : “بُعِثْتُ بِالحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ”(رواه الإمام أحمد والطبراني).وكيف لا؟ والسماحةُ التي جاءَ بها شرعُنَا الحنيفُ هو فوقَ مفهومِ الإنسانيةِ وحقوقِ الإنسانِ الذي رفعَهُ الغربُ في هذا الأيامِ وقد جسَّدَ ذلكَ سيدُنَا رسولُ اللهِ بقولِهِ، كما في حديثِ شدادِ بنِ أوسٍ -رضي اللهُ عنه- قال: “ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: “إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ, فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ, وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ, وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ“(رواه مسلم

فمِن صفاتِ النفسِ الطيبةِ السماحةُ للآخرينَ والتسهيلُ واللينُ، ويعاملُ الناسَ بالتسامحِ والعفوِ والتصافحِ، فدينُنَا دينُ السماحةِ، دينُ الألفةِ، دينُ المحبةِ، دينُ الرحمةِ، دينُ التسامحِ، وللهِ درُّ الشافعِي :

يُخَاطِبنِي السَّفيهُ بِكُلِّ قُبْحٍ .:. فأكرهُ أنْ أكونَ له مجيباً

يزيدُ سفاهةً فأزيدُ حلماً .:. كعودٍ زادهُ الإحراقُ طيباً

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : رحم اللَّه رجلًا سمحًا

ثانيًا: السماحةُ في البيعِ خلقٌ عظيمٌ مِن أخلاقِ الإسلامِ.

أيُّها السادة: السماحةُ هي طيبٌ في النفسِ، وانشراحٌ في الصدرِ، ولينٌ في الجانبِ، وبشاشةٌ في الوجهِ، وصدقٌ في التعاملِ، ورحمةٌ بجميعِ خلقِ اللهِ -تعالى- مِمّا يعقلُ ومِمّا لا يعقلُ، والسماحةُ خلقٌ مِن أخلاقِ المعاملاتِ التي تنشرُ المودةَ والمحبةَ بينَ أفرادِ الأمةِ وتجعلُ منهُم أمةً متماسكةً مترابطةً يحنُو الكبيرُ على الصغيرِ، والقويُّ على الضعيفِ، والغنيُّ على الفقيرِ، أمَّا الفظاظةُ والغلاظةُ والشدةُ والقسوةُ في التعاملِ فليستْ مِن دينِنَا في شيءٍ، وإنِّ الجفاءَ الذي نراهُ في واقعِنَا حالةٌ طارئةٌ يجبُ أنْ يغيَّبَ وأنْ يزولَ، وأنْ يظهرَ خُلقُ السماحةِ على جميعِ جوارحِنَا، وأنْ يظهرَ في جميعِ حركاتِنَا وسكناتِنَا.

والسماحةُ خلقٌ عظيمٌ مِن أخلاقِ الدينِ، ومبدأٌ كريمٌ مِن مبادئِ الإسلامِ، وشيمةُ الأبرارِ المحسنين مِن الناسِ، وصفةٌ مِن صفاتِ المؤمنين، وهي عبادةٌ جليلةٌ، وسهلةٌ وميسورةٌ، أمرَ بها الدينُ، وتخلقَ بهَا سيدُ المرسلين ﷺ، تدلُّ على سموِّ النفسِ وعظمةِ القلبِ وسلامةِ الصدرِ ورجاحةِ العقلِ ووعي الروحِ ونبلِ الإنسانيةِ وأصالةِ المعدنِ.

والسماحةُ في البيعِ والشراءِ لها فضائلُ كثيرةٌ وعديدةٌ لا يتسعُ الوقتُ لذكرِهَا منها على سبيلِ المثالِ لا الحصر: السماحةُ سببٌ مِن أسبابِ رحمةِ الرحمنِ جلَّ جلالُهُ، فأين الذي يبحثونَ عن رحمةِ اللهِ -جلَّ وعلا-؟ أين الذي يريدونَ أنْ ينالُوا دعاءَ سيدِنَا رسولِ اللهِ ففي صحيحِ البخارِي عَنْ جابرٍ، رضي اللَّهُ عنْهُ، أن رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: “رَحِم اللَّه رجُلا سَمْحاً إِذَا بَاع، وَإذا اشْتَرى، وَإذا اقْتَضىَ”. فيا مَن كان حريصاً على أنْ ينالَ الرحمةَ مِن اللهِ ببركةِ الدعاءِ الشريفِ: فعليكَ بالسماحةِ أثناءَ تعاملِكَ بالدينارِ والدرهمِ، كُنْ سمحاً عندَ البيعِ، وكُنْ سمحاً عندَ الشراءِ، وكُنْ سمحاً عندَ القضاءِ، وكُنْ سمحاً عندَ الاقتضاءِ.

ومِن فضائلِ السماحة في البيع والشراء : أنَّها سببٌ مِن أسبابِ تجاوزِ اللهِ عنكَ يومَ القيامةِ يومَ الحسرةِ والندامةِ فعن أبي هُريرةَ، رضي اللَّه عَنْهُ، أنَّ رَسُول اللَّهِ قَالَ: “كَانَ رجلٌ يُدايِنُ النَّاسَ، وَكَان يَقُولُ لِفَتَاهُ: إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِراً فَتَجاوزْ عَنْهُ، لَعلَّ اللَّه أنْ يَتجاوزَ عنَّا فَلقِي اللَّه فَتَجاوَزَ عنْهُ” متفقٌ عَليه، وعَنْ أَبي مسْعُودٍ البدْرِيِّ، رضي اللَّه عنْهُ، قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّه : “حُوسبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَلَمْ يُوجدْ لَهُ مِنَ الخَيْرِ شَيءٌ، إلاَّ أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاس، وَكَانَ مُوسِراً، وَكَانَ يأْمُرُ غِلْمَانَه أنْ يَتَجَاوَزُوا عَن المُعْسِر. قَالَ اللَّه، عزَّ وجَلَّ:”نَحْنُ أحقُّ بِذَلكَ مِنْهُ، تَجاوَزُوا عَنْهُ” رواه مسلمٌ. وعنْ حُذَيْفَةَ، رضي اللَّه عنْهُ، قَالَ:”أُتِى اللَّه تَعالى بِعَبْد مِنْ عِبَادِهِ آتاهُ اللَّه مَالاً، فَقَالَ لَهُ: ماذَا عمِلْتَ في الدُّنْيَا؟ قَالَ: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّه حديثاً قَال: يَاربِّ آتَيْتَنِي مالَكَ فَكُنْتُ أُبايِعُ النَّاسَ، وَكانَ مِنْ خُلُقي الجوازُ، فكُنْتُ أَتَيَسرُ عَلى المُوسِرِ، وأُنْظِرُ المُعْسِر. فَقَالَ اللَّه تَعَالى:”أَنَا أَحقُّ بِذا مِنْكَ، تجاوزُوا عَنْ عبْدِي” بل تكون تحت عرش الرحمن وظله يوم لا ظل إلا ظله فعنْ أَبي هُريرَةَ، رضي اللَّه عنْه، قَالَ: قَالَ رسُولُ اللَّه :” مَنْ أَنْظَر مُعْسِراً أوْ وَضَعَ لَهُ، أظلَّهُ اللَّه يَوْمَ القِيامَةِ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلاَّ ظِلُّهُ ” فتجاوز عن الناس يتجاوز عنك الملك جل جلاله .

ومِن فضائلِ السماحةِ في البيعِ والشراءِ :أنّها سببٌ مِن أسبابِ النجاةِ مِن عذابِ اللهِ ومِن عذابِ النارِ، عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضي اللهُ عنه قال: قالَ رسولُ اللهِ ” حَرُم على النارِ كلُّ هيِّنٍ لينٍ سهلٍ قريبٍ من الناسِ”  وفي رواية: ( أَلَا أُخْبِرُكم بمَن يَحْرُمُ على النَّارِ، وبمَن تَحْرُمُ عليه النَّارُ؟ على كلِّ قريبٍ هيِّنٍ سهْلٍ )، اللهُ أكبرُ عبادَ الله: يا مَن تريدُ شهادةَ ضمانٍ لدخولِ جنةِ الرحيمِ الرحمنِ يا مَن تريدُ براءةً مِن النارِ كُنْ سمحًا سهلًا لينًا، قال القارِي: (أي: تحرمُ على كلِّ سهلٍ طلقٍ حليمٍ، ليِّنِ الجانبِ، ((قريبٍ)). أي: مِن النَّاسِ بمجالستِهِم في محافلِ الطاعةِ، وملاطفتِهِم قدرَ الطاعةِ. ((سهلٍ)). أي: في قضاءِ حوائجِهِم، أو معناه أنَّهُ سمحُ القضاءِ، سمحُ الاقتضاءِ، سمحُ البيعِ، سمحُ الشراءِ)، وفي مسندِ الإمامِ أحمدَ عن عطاءِ بنِ فروخٍ أَنَّ عُثْمَانَ -رضي اللهُ عنه- اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ أَرْضًا فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ, فَلَقِيَهُ. فَقَالَ لَهُ: مَا مَنَعَكَ مِنْ قَبْضِ مَالِكَ؟ قَالَ: إِنَّكَ غَبَنْتَنِي, فَمَا أَلْقَى مِن النَّاسِ أَحَدًا إِلا وَهُوَ يَلُومُنِي. قَالَ: أَوَ ذَلِكَ يَمْنَعُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَاخْتَرْ بَيْنَ أَرْضِكَ وَمَالِكَ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -:”أَدْخَلَ اللَّهُ -عز وجل- الجَنَّةَ رَجُلاً كَانَ سَهْلاً مُشْتَرِيًا وَبَائِعًا وَقَاضِيًا وَمُقْتَضِيًا”. ، فأين مَن يريدُ أنْ يعتقَ نفسَهُ مِن النارِ؟ أينَ مَن يريدُ أنْ يحرِّمَ اللهُ جسدَهُ على النارِ؟ فمَن أرادَ فليكنْ هيِّناً ليِّناً في بيعِهِ وشرائِهِ وقضائِهِ واقتضائِهِ. فالناسُ مختلفةٌ في الطباعِ والمعاملاتِ يا سادةٌ لذا قال النبيُّ كما في حديثِ أبي موسَى الأشعرِي رضي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ : ( إنَّ اللهَ تعالى خلقَ آدمَ مِن قبضةٍ قبضَها مِن جميعِ الأرضِ فجاءَ بنو آدمَ على قَدْرِ الأرضِ فجاءَ منهُم الأحمرُ والأبيضُ والأسودُ وبينَ ذلكَ والسَّهْلُ وَالْحَزْنُ والخبيثُ والطيبُ)) فكُن لينًا سهلًا تفزْ بالجنةِ ونعيمِهَا.

ومِن فضائلِ السماحةِ في البيعِ والشراءِ: أنَّ السماحةَ سببٌ مِن أسبابِ إقالةِ العثراتِ يومَ القيامةِ، وكلُّنَا أصحابُ عثراتٍ فأينَ مَن يقيلُ النادمَ في المعاملاتِ الماديةِ؟ أينَ مَن يسمعُ حديثَ سيدِنَا رسولِ اللهِ : “مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”(رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجة).وفي رواية لابن حبان: ” مَن أقالَ نادمًا بيعتَهُ أقالَ اللهُ عَثْرتَهُ يومَ القيامةِ”.

تابع / خطبة الجمعة القادمة بعنوان : رحم اللَّه رجلًا سمحًا

ومِن فضائلِ السماحةِ في البيعِ والشراءِ: أنَّ السماحةَ سببٌ مِن أسبابِ تنفيسِ الكروباتِ يومَ القيامةِ، فعَنْ أَبي قَتَادَةَ، رضي اللَّه عَنْهُ، قَالَ: سمِعْتُ رسُول اللَّهِ يقُولُ: “مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنَجِّيَهُ اللَّه مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أوْ يَضَعْ عَنْهُ” رواهُ مسلمٌ فأيُّها التجارُ، يا أربابَ الأموالِ: ارحمُوا عبادَ اللهِ، ارحمُوا الضعفاءَ، ارحمُوا أصحابَ الحاجةِ لعلكُم تُرحمون، واسمعوا حديثَ سيدِنَا رسولِ اللهِ : “اسْمَحْ يُسْمَحْ لَكَ”(رواه الإمام أحمد)، فإذا تسامحتَ مع إخوانِكَ سامحَكَ اللهُ في تعاملِكَ، فاسمعْ إلى فضيلةِ المسامحةِ وخصلةِ السماحةِ، يُلقَى رجلٌ في النارِ فيُقالُ لهُ: هل عملتَ خيرًا قط؟ فيقولُ: لا، غيرَ أنِّي كنتُ أسامحُ الناسَ في البيعِ والشراءِ، فيقولُ اللهُ -عزَّ وجلَّ-: “اسْمِحُوا لِعَبْدِي كَإِسْمَاحِهِ إِلَى عَبِيدِي” (رواه أحمد )) وفي مأثورِ الحكمةِ: “السماحُ رباحٌ”، ومعناها: المساهلةُ في الأشياءِ يُربحُ صاحبُهَا الهناءَ والوفاءَ. فكونُوا سمحينَ في معاملاتِكُم التجاريةِ يسامحكُم ربٌّ البرايَا جلَّ جلاله .

ومِن فضائلِ السماحةِ في البيعِ والشراءِ: أنَّ المتصفَ بهَا خيرُ الناسِ كما قال سيّدُ الناسِ ، روى البخاريُّ عن أبي هريرةَ رضي الله عنه عَنِ النبيِّ أنَّهُ أخَذَ سِنًّا، فَجَاءَ صَاحِبُهُ يَتَقَاضَاهُ، فَقالوا له: فَقالَ: إنَّ لِصَاحِبِ الحَقِّ مَقَالًا، ثُمَّ قَضَاهُ أفْضَلَ مِن سِنِّهِ، وقالَ: أفْضَلُكُمْ أحْسَنُكُمْ قَضَاءً)، وروى مسلم عن أبي رافع أنَّ رَسولَ اللهِ اسْتَسْلَفَ مِن رَجُلٍ بَكْرًا ، فَقَدِمَتْ عليه إبِلٌ مِن إبِلِ الصَّدَقَةِ، فأمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ، فَرَجَعَ إلَيْهِ أَبُو رَافِعٍ، فَقالَ: لَمْ أَجِدْ فِيهَا إلَّا خِيَارًا رَبَاعِيًا، فَقالَ: أَعْطِهِ إيَّاهُ، إنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً)، وأفضلُ الناسِ مَن يسمحُ عن الناسِ، فعن أبي سعيدٍ الخدري -رضي اللهُ عنه- مرفوعًا: “أَفْضَلُ الْمُؤْمِنِينَ رَجُلٌ سَمْحُ الْبَيْعِ، سَمْحُ الشِّرَاءِ، سَمْحُ الْقَضَاءِ، سَمْحُ الاقْتِضَاءِ)(رواه أحمد) ) وكيف لا؟ ولقد كان هديُهُ أكملَ وأتمَّ الهدي -بأبي هو وأمِّي فها هو يضعُ لنَا مبدأَ السماحةِ والصدقِ في البيعِ والشراءِ، يسنُّ القوانينَ التي يحتكمُ إليها كلا الطرفينِ في بيعِهِم وشرائِهِم فبيَّنَ لهُم مشروعيَّةَ الخيارِ وبيَّنَ لهُم أسبابَ البركةِ في البيعِ والشراءِ.

فعن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا) ومِن هديهِ يأمرُ التجارَ بالصدقةِ، فعَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ قال: كان يقول: ( يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إِنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلِفُ، فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ ) ومِن كرمهِ وسماحتهِ أنْ يهبَ السلعةَ وثمنَهَا لصاحبِهَا بعدَ أنْ يشتريَهُ منهُ، فعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ قَالَ: فَلَحِقَنِى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَعَا لِي وَضَرَبَهُ فَسَارَ سَيْرا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ قَالَ: ( بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ ) قُلْتُ: لاَ، ثُمَّ قَالَ: ( بِعْنِيهِ )، فَبِعْتُهُ بِوُقِيَّةٍ وَاسْتَثْنَيْتُ عَلَيْهِ حُمْلاَنَهُ إِلَى أَهْلِي فَلَمَّا بَلَغْتُ أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ فَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ ثُمَّ رَجَعْتُ فَأَرْسَلَ فِي أَثَرِى فَقَالَ: ( أَتُرَانِي مَاكَسْتُكَ لآخُذَ جَمَلَكَ خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ فَهُوَ لَكَ )وللهِ درُّ الشافعيِّ رحمَهُ اللهُ:

               وَكُن رَجُلاً عَلى الأَهوالِ جَلداً***وَشيمَتُكَ السَماحَةُ وَالوَفاءُ

وَإِن كَثُرَت عُيوبُكَ في البَرايا***وَسَرَّكَ أَن يَكونَ لَها غِطاءُ

تَسَتَّر بِالسَخاءِ فَكُلُّ عَيبٍ***يُغَطّيهِ كَما قيلَ السَخاءُ

وَلا تُرِ لِلأَعادي قَطُّ ذُلّاً***فَإِنَّ شَماتَةَ الأَعدا بَلاءُ

وَلا تَرجُ السَماحَةَ مِن بَخيلٍ***فَما في النارِ لِلظَمآنِ ماءُ

أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم

الخطبة الثانية الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلّا لهُ، وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلّا بهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ  ………………..وبعدُ          

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : رحم اللَّه رجلًا سمحًا

ثالثــــًا وأخيرًا: صورٌ مِن السماحةِ في الإسلامِ.

أيُّها السادة: تعالُوا بنَا أيُّها الأخيارُ لنعيشَ في رحابِ الأخيارِ لنتعلمَ منهُم السماحةَ في البيعِ والشراءِ والمحبةِ والرحمةِ، هذا هو أسوتُنَا وقدوتُنَا ومعلمُنَا ومرشدُنَا كان يتعاملُ بالرحمةِ والسماحةِ في بيعِهِ وشرائِهِ، فمِن ذلكَ سماحتُهُ ﷺ مع زَيْدِ بْنِ سَعْنَةَ روى البيهقي في دلائلِ النبوةِ والطبراني عن عبدِ اللهِ بنِ سلامٍ بسندٍ رجالُهُ ثقاتٌ قَالَ: إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا أَرَادَ هُدَى زَيْدِ بْنِ سَعْنَةَ – وهو الحبرُ الكبيرُ مِن أحبارِ يهودٍ – قَالَ زَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ مَا مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ شَيْءٌ إِلَّا وَقَدْ عَرَفْتُهَا فِي وَجْهِ مُحَمَّدٍ ﷺ حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ إِلَّا اثْنَتَيْنِ لَمْ أُخْبَرْهُمَا مِنْهُ: يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، وَلَا يَزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلَّا حِلْمًا، فَكُنْتُ أَتَلَطَّفُ لَهُ لِأَنْ أُخَالِطَهُ فَأَعْرِفَ حِلْمَهُ مِنْ جَهْلِهِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَوْمًا مِنَ الْحُجُرَاتِ وَمَعَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَأَتَاهُ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَتِهِ كَالْبَدَوِيِّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ بُصْرَى قَرْيَةُ بَنِي فُلَانٍ قَدْ أَسْلَمُوا وَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ وَكُنْتُ حَدَّثْتُهُمْ إِنْ أَسْلَمُوا أَتَاهُمُ الرِّزْقُ رَغَدًا وَقَدْ أَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ وَشِدَّةٌ وَمَحُوطٌ مِنَ الْغَيْثِ فَأَنَا أَخْشَى يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ الْإِسْلَامِ طَمَعًا كَمَا دَخَلُوا فِيهِ طَمَعًا، فَإِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُرْسِلَ إِلَيْهِمْ بِشَيْءٍ تُعِينَهُمْ بِهِ فَعَلْتَ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى عَلِيٍّ وسألَهُ (هل عندنا شىءٌ من المال؟). فقالَ عليٌّ بنُ أبِى طالبٍ: لا واللهِ يا رسولَ اللهِ لقد نفذَ المالُ كلُّهُ. قَالَ زَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقُلْتُ: يَا مُحَمَّدُ، هَلْ لَكَ أَنْ تُبِيعَنِي تَمْرًا مَعْلُومًا مِنْ حَائِطِ بَنِي فُلَانٍ إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا؟ فَقَالَ: «لَا يَا يَهُودِيُّ، وَلَكِنِّي أُبِيعُكَ تَمْرًا مَعْلُومًا إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا وَلَا أُسَمِّي حَائِطَ بَنِي فُلَانٍ»، قُلْتُ: نَعَمْ، فَبَايَعَنِي فَأَعْطَيْتُهُ ثَمَانِينَ مِثْقَالًا مِنْ ذَهَبٍ فِي تَمْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلِ كَذَا وَكَذَا، يقولُ زيدُ بنُ سعنةَ: فأخذهَا النبيُّ كلَّهَا وأعطاهَا لهذا الأعرابيِّ وَقَالَ: « اذهبْ إلى قومِكَ فأغثهُم بهذا المالِ ». فانطلقَ الأعرابيُّ بالمالِ كلِّهِ، قَالَ زَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ: فَلَمَّا كَانَ قِبَلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى جِنَازَةٍ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ دَنَا مِنْ جِدَارٍ لِيَجْلِسَ إِلَيْهِ فَأَتَيْتُهُ فَأَخَذْتُ بِمَجَامِعِ قَمِيصِهِ وَرِدَائِهِ وَنَظَرْتُ إِلَيْهِ بِوَجْهٍ غَلِيظٍ وهزَّ الحبرُ اليهوديُّ رسولَ اللهِ ﷺ هزًّا عنيفًا وهو يقولُ لهُ: أَدِّ ما عليكَ مِن حقٍّ ومِن دَيْنٍ يا محمد! فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُكُمْ يا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إلّا مُطلًا في أداءِ الحقوقِ وسدادِ الديونِ، وَلَقَدْ كَانَ لِي بِمُمَاطَلَتِكُمْ عِلْمٌ قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَى عُمَرَ، وَإِذَا عَيْنَاهُ تَدُورَانِ فِي وَجْهٍ كَالْفَلَكِ الْمُسْتَدِيرِ، ثُمَّ رَمَانِي بِبَصَرِهِ فَقَالَ: يَا عَدُوَّ اللهِ، أَتَقُولُ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ مَا أَسْمَعُ، وتفعلُ برسولِ اللهِ ﷺ مَا أرىَ؟!! فَوَ الَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَوْلَا أنِّي أخشى فَوْتَهُ وغضبَهُ لَضَرَبْتُ رَأْسَكَ بِسَيْفِي هذا، يقولُ زيدُ بنُ سعنَةَ: وأنا أنظرُ إلى النبيِّ ﷺ، وَرَسُولُ اللهِ ﷺ يَنْظُرُ إِلَى عُمَرَ فِي سُكُونٍ وَتُؤَدَةٍ وَتَبَسُّمٍ، ثُمَّ قَالَ: «يَا عُمَرُ، لقد كنت أَنَا وَهُوَ أَحْوَجَ إِلَى غَيْرِ هَذَا؛ يا عمرُ لقد كان مِن الواجبِ عليكَ أَنْ تَأْمُرَنِي بِحُسْنِ الْأَدَاءِ وَتَأْمُرَهُ بِحُسْنِ الطلبِ، فبهتَ الحبرُ أمامَ هذه الأخلاقِ الساميةِ، وأمامَ هذه الروحِ الوضيئةِ العاليةِ مِن الحبيبِ المصطفَى بأبِي هو وأمِّي ﷺ. أتدرونَ ماذا قال الحبيبُ صاحبُ الأخلاقِ العظيمةِ؟ التفتَ الحبيبُ إلى عمرَ رضى اللهُ عنه وقال:((اذْهَبْ بِهِ يَا عُمَرُ، فَأَعْطِهِ حَقَّهُ وَزِدْهُ عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ جزاءَ ما روعتَهُ!! ». قَالَ زَيْدٌ: فَذَهَبَ بِي عُمَرُ فَأَعْطَانِي حَقِّي وَزَادَنِي عِشْرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ يَا عُمَرُ؟ فَقَالَ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنْ أُزِيدَكَها جزاءَ ما روعتُكَ!!.فالتفتَ الحبرُ اليهوديُّ إلى عمرَ وقال: ألا أَتَعْرِفُنِي يَا عُمَرُ؟ قَالَ: لَا، فَمَنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: أَنَا زَيْدُ بْنُ سَعْنَةَ، قَالَ عمرُ: حبرُ اليهودِ؟! قال: نعم. فالتفتَ إليهِ عمرُ و قَالَ: فَمَا دَعَاكَ إِلَى أَنْ فَعَلْتَ بِرَسُولِ اللهِ ﷺ مَا فَعَلْتَ وَقُلْتَ لَهُ مَا قُلْتَ؟ فقال زيدٌ: واللهِ يا ابنَ الخطابِ ما مِن شيءٍ مِن عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا وَقَدْ عَرَفْتُهُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ ﷺ حِينَ نَظَرْتُ إِلَيْهِ ولكنَّنِي لم أختبرْ فيهِ خصلتينِ مِن خصالِ النبوةِ. فقالَ عمرُ: وما همَا؟ قال حبرُ اليهودِ: الأولَى: يَسْبِقُ حِلْمُهُ جَهْلَهُ، والثانيةُ: لَا تُزِيدُهُ شِدَّةُ الْجَهْلِ عَلَيْهِ إِلَّا حِلْمًا، أمَـا وقد عرفتُهَا اليومَ في رسولِ اللهِ فَأُشْهِدُكَ يَا عُمَرُ أَنِّي: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وأنَّ مُحمدًا رسولُ اللهِ ﷺ. قَدْ رَضِيتُ بِاللهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، وَأُشْهِدُكَ أَنَّ شَطْرَ مَالِي – فَإِنِّي أَكْثَرُهُمْ مَالًا – صَدَقَةٌ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ ، فَقَالَ لِي: عُمَرُ أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ، فَرَجَعَ عُمَرُ وَزَيْدٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ ، فَقَالَ زَيْدٌ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَتَابَعَهُ وَشَهِدَ مَعَهُ مَشَاهِدَ كَثِيرَةً. تُوُفِّيَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ رَحِمَ اللهُ زَيْدًا.

فاقَ النبيينَ في خَلقٍ وفي خُلقٍ ***   فلم يدانوهُ في عـلـــمٍ ولا كــــــــــرمٍ

فهو الذي تمَّ معنـــاهُ وصـــــــورتُهُ ***    ثم اصطفــــــــاهُ حبيبًا بارئَ النسمِ

وفي الصحيحين مِن حديثِ أبي هُريرةَ، رضي اللَّهُ عَنْهُ، أنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: ” اشْتَرَى رَجُلٌ مِن رَجُلٍ عَقارًا له، فَوَجَدَ الرَّجُلُ الذي اشْتَرَى العَقارَ في عَقارِهِ جَرَّةً فيها ذَهَبٌ، فقالَ له الذي اشْتَرَى العَقارَ: خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي، إنَّما اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الأرْضَ، ولَمْ أبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ، فقالَ الذي شَرَى الأرْضَ: إنَّما بعْتُكَ الأرْضَ، وما فيها، قالَ: فَتَحاكما إلى رَجُلٍ، فقالَ الذي تَحاكما إلَيْهِ: ألَكُما ولَدٌ؟ فقالَ أحَدُهُما: لي غُلامٌ، وقالَ الآخَرُ لي جارِيَةٌ، قالَ: أنْكِحُوا الغُلامَ الجارِيَةَ، وأَنْفِقُوا علَى أنْفُسِكُما منه وتَصَدَّقا.

تابع / خطبة الجمعة القادمة بعنوان : رحم اللَّه رجلًا سمحًا

يا للهِ العجبُ مِمّن نعجبُ عبادَ اللهِ مِن ورعِ وتقوَى المشترِي أم مِن سماحةِ وكرمِ البائعِ عبادَ الله؟ فيا عبادَ الله: تجاوزُوا عن المعسرِ ولا تضيِّقُوا عليهِ، لعلَّ اللهَ -تعالى- أنْ يتجاوزَ عنًّا، كونُوا رُحَماءَ في معاملاتِكُم التجاريةِ لعلَّ اللهَ يرحمُنَا، لا تكونُوا حريصينَ على أموالِكُم ولو بإزهاقِ أرواحِ الآخرين. فنحن نناشدُ غيرَنَا بالرحمةِ وبالسماحةِ، ونحن الذين فقدنَا الرحمةَ والسماحةَ -وخاصةً في المعاملاتِ التجاريةِ- إلّا مَن رحمَ اللهُ -تعالى-، وكأنَّ القومَ تناسُوا حديثَ سيدِنَا رسولِ اللهِ : “مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ” [رواه البخاري ومسلم].وفي روايةٍ لمسلمٍ: “مَنْ لا يَرْحَمْ النَّاسَ لا يَرْحَمْهُ اللَّهُ -عز وجل-“. ومِن السماحةِ: أنْ تدفعَ بالتي هي أحسنُ، وتتحملَ مِن أخيكَ خطؤَهُ وزلتَهُ، وتعفُو عن هفوتِهِ وغفلتِهِ، فقد قِيلَ: “مِن عادةِ الكريمِ إذا قدرَ غفرَ، وإذا رأَى سترَ”.

وعاشرْ بمعروفٍ وسامحْ مًن اعتدَى *** ودافعْ ولكنْ بالتي هي أحسنُ

فاللهَ اللهَ في السماحةِ في البيعِ والشراءِ،، اللهَ اللهَ في التعاملِ بالحسنَى، اللهَ اللهَ في المعاملاتِ، فالدينُ المعاملةُ.

حفظَ اللهُ مصرَ قيادةً وشعبًا مِن كيدِ الكائدين، وحقدِ الحاقدين، ومكرِ الـماكرين، واعتداءِ الـمعتدين، وإرجافِ الـمُرجفين، وخيانةِ الخائنين.

كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه  

   د/ محمد حرز

 

_______________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »
error: Content is protected !!