أخبار مهمةالخطبة المسموعةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة القادمة ، خطبة الجمعة القادمة لوزارة الأوقاف المصرية مكتوبة word pdfعاجل

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : حرمة الدماء والأموال والأعراض في ضوء خطبة حجة الوداع ، للدكتور محمد حرز

خطبة الجمعة القادمة بعنوان : دين الإنسانية في أسمى معانيها ” حرمة الدماء والأموال والأعراض ” في ضوء خطبة حجة الوداع ، للدكتور محمد حرز ، بتاريخ 8 ذو الحجة 1445هـ ، الموافق 14 يونيو 2024م

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 14 يونيو 2024م بصيغة word بعنوان :دين الإنسانية في أسمى معانيها ” حرمة الدماء والأموال والأعراض ” في ضوء خطبة حجة الوداع ، للدكتور محمد حرز.

 

لتحميل خطبة الجمعة القادمة 14 يونيو 2024م بصيغة pdf بعنوان :دين الإنسانية في أسمى معانيها ” حرمة الدماء والأموال والأعراض ” في ضوء خطبة حجة الوداع ، للدكتور محمد حرز.

عناصر خطبة الجمعة القادمة 14 يونيو 2024م بعنوان : دين الإنسانية في أسمى معانيها ” حرمة الدماء والأموال والأعراض ” في ضوء خطبة حجة الوداع .

 

أولًا: خطبةُ الوداعِ وما أدراكَ ما خطبةُ الوداعِ؟

ثانيًا: تعظيمُ شأنِ الدماءِ وجرمُ إراقتِهَا بغيرِ حقٍّ

ثالثًا: حرمةُ الأموالِ والاعراضِ في دينِنَا.

رابعًا وأخيرًا : وقفةٌ مع يومِ عرفةَ.

 

ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 14 يونيو 2024م بعنوان : دين الإنسانية في أسمى معانيها ” حرمة الدماء والأموال والأعراض ” في ضوء خطبة حجة الوداع : كما يلي:

 

حرمةُ الدماءِ والأموالِ والأعراضِ في ضوءِ خطبةِ الوداعِ للدكتور/  محمد حرز..

بتاريخ: 5 من ذي الحجة  1443هــ – 14 يوليو 2024م

الحمدُ للهِ، القائلِ في محكمِ التنزيلِ: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾المائدة:3، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه، أولٌ بلا ابتداءٍ وآخرٌ بلا انتهاءٍ، الوترُ الصَّمَدُ الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، وَأشهد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عن عمرَ بنِ الخطابِ أنَّ رَجُلًا مِنَ اليَهُودِ قالَ له: يا أمِيرَ المُؤْمِنِينَ، آيَةٌ في كِتَابِكُمْ تَقْرَؤُونَهَا، لو عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ، لَاتَّخَذْنَا ذلكَ اليومَ عِيدًا، قالَ: أيُّ آيَةٍ؟ قالَ: {اليومَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ علَيْكُم نِعْمَتي ورَضِيتُ لَكُمُ الإسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، قالَ عُمَرُ: قدْ عَرَفْنَا ذلكَ اليَومَ، والمَكانَ الذي نَزَلَتْ فيه علَى النبيِّ ﷺ، وهو قَائِمٌ بعَرَفَةَ يَومَ جُمُعَةٍ( متفق عليه، فاللهم صلِّ وسلمْ وزدْ وباركْ على النبيِّ المختارِ، خيرُ مَن صلَّى وصامَ وتابَ وأنابَ ووقفَ بالمشعرِ وطافَ بالبيتِ الحرامِ وعلى آلهِ وصحبهِ الأطهارِ الذين حجُّوا واعتمرُوا فكان حجهُم مقبولًا وسعيهُم مشكورًا وذنبهُم مغفورًا  وسلمْ تسليمًا كثيرًا. …أمَّا بعدُ ….. فأوصيكُم ونفسِي أيُّها الأخيارُ بتقوى العزيزِ الغفارِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (أل عمران :102)

عبادَ اللهِ (حرمةُ الدماءِ والأموالِ والأعراضِ في ضوءِ خطبةِ الوداعِ  ) عنوانُ وزارتِنَا وعنوانُ خطبتِنَا

عناصرُ اللقاءِ:

أولًا: خطبةُ الوداعِ وما أدراكَ ما خطبةُ الوداعِ؟

ثانيًا: تعظيمُ شأنِ الدماءِ وجرمُ إراقتِهَا بغيرِ حقٍّ

ثالثًا: حرمةُ الأموالِ والاعراضِ في دينِنَا.

رابعًا وأخيرًا : وقفةٌ مع يومِ عرفةَ.

أيُّها السادةُ: بدايةً ما أحوجنَا في هذه الدقائقِ المعدودةِ أنْ يكونَ حديثُنَا عن حرمةِ الدماءِ والأموالِ والأعراضِ في ضوءِ خطبةِ الوداعِ، وخاصةً ونحنُ نعيشُ زمانًا استباحَ فيهِ الكثيرُ مِن الناسِ إلّا ما رحمَ اللهُ جلَّ وعلَا الدماءَ والأموالَ والاعراضَ ولا حولَ ولا قوةَ إلَّا بالله ، وخاصةً ونحن نعيش زمانًا ضاعتْ فيهِ الحقوقُ، وتطاولَ الكثيرُ مِن الناسِ إلّا ما رحمَ اللهُ على الحرماتِ، وأصبحَ أكلُ الحقوقِ وانتهاكُ الحرماتِ أمرًا سهلًا ولا حولَ ولا قوةَ إلّا بالله.

العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : حرمة الدماء والأموال والأعراض في ضوء خطبة حجة الوداع

أولاً: خطبةُ الوداعِ وما أدراكَ ما خطبةُ الوداعِ ؟

أيُّها السادةُخطبةُ الوداعِ وما أدراكَ ما خطبةُ الوداعِ؟ خرجَ النبيُّ ﷺ في أكثر مِن مائةِ ألفِ حاجٍ وحاجةٍ وهو يقولُ:(خذُوا عنِّي مناسكَكُم)، وهو ينادِي في الناسِ: أيُّها الناسُ اسمعُوا وعوا لعلِّي لا ألقاكُم بعدَ عامِي هذا وهو ينادِي في الناسِ السكينةَ  السكينةَ حجاجَ بيتِ اللهِ الحرامِ، خطبةُ الوداعِ وما أدراكَ ما خطبةُ الوداعِ؟ خطبةٌ عصماءٌ جامعةٌ نافعةٌ مانعةٌ وجلتْ منها القلوبُ وذرفتْ منها العيونُ بالدموعخطبةُ الوداعِ وما أدراكَ ما خطبةُ الوداعِ؟ عطرٌ يفوحُ شذاهُ وعبيرٌ يسمُو في علاه، خطبةُ الوداعِ وما أدراكَ ما خطبةُ الوداعِ؟ خطبةٌ حوتْ كلَّ تعاليمِ الإسلامِ ومقاصدهِ ومبادئهِ، خطبةٌ غيرتْ مجرَى التاريخِ، خطبةٌ ودّعَ النبيُّ ﷺ أصحابَهُ بل إنْ شئتَ فقلْ: ودّع النبيُّ ﷺ الأمةَ الإسلاميةَ جمعاء، خطبةُ الوداعِ وما أدراكَ ما خطبةُ الوداعِ؟  هي البيانُ الختاميُّ للإسلامِ بنصِّ القرآنِ ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾المائدة:3، خطبةُ الوداعِ وما أدراكَ ما خطبةُ الوداعِ؟ خطبةٌ بلّغَ النبيُّ ﷺ فيها الرسالةَ وأدّى الأمانةَ ونصحَ الأمةَ فكشفَ اللهُ به الغمةَ وهو يسألُهُم: ألَا هل بلغت؟ فيقولونَ جميعًا: اللهُمَّ نعم، فيقولُاللهُمَّ فاشهدْ، خطبةٌ ماتَ بعدَهَا إمامُ الأنبياءِ وإمامُ الأتقياءِ وإمامُ الأصفياءِ، وصعدتْ أطهرُ روحٍ عرفَهَا التاريخُ إلى ربِّها، خطبةُ الوداعِ وما أدراكَ ما خطبةُ الوداعِ؟ أولُ ميثاقٍ عالميٍّ للمحافظةِ على حقوقِ الإنسانِ وكيفَ لا؟ والحقوقُ مصانةٌ والأعراضُ مصانةٌ والدماءُ مصانةٌ، هكذا أعلنَهَا نبيُّنَا ﷺ: أتَدْرُونَ أيُّ يَومٍ هذا؟، قُلْنَااللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، فَسَكَتَ حتَّى ظَنَنَّا أنَّه سَيُسَمِّيهِ بغيرِ اسْمِهِ، قالَ: أليسَ يَومَ النَّحْرِ؟ قُلْنَا: بَلَى، قالَ: أيُّ شَهْرٍ هذا؟، قُلْنَا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، فَسَكَتَ حتَّى ظَنَنَّا أنَّه سَيُسَمِّيهِ بغيرِ اسْمِهِ، فَقالَ أليسَ ذُو الحَجَّةِ؟، قُلْنَابَلَى، قالَ أيُّ بَلَدٍ هذا؟ قُلْنَا: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، فَسَكَتَ حتَّى ظَنَنَّا أنَّه سَيُسَمِّيهِ بغيرِ اسْمِهِ، قالَ: أليسَتْ بالبَلْدَةِ الحَرَامِ؟ قُلْنَا: بَلَى، قالَ: فإنَّ دِمَاءَكُمْ وأَمْوَالَكُمْ علَيْكُم حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَومِكُمْ هذا، في شَهْرِكُمْ هذا، في بَلَدِكُمْ هذا،إلى يَومِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، ألَا هلْ بَلَّغْتُ؟ قالوا: نَعَمْ، قالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ)(متفق عليه)، أيُّها السادةُ: لقد أعلنَ الناطقُ الرسميُّ باسمِ الدولةِ الإسلاميةِ آنذاك أنَّ الإسلامَ هو الدينُ الرسميُّ للدولةِ، وأعلنَ البراءةَ مِن المشركين ومِن أعمالِهِم ، ونشرَ الإعلانَ شفهيًّا عن طريقِ الرجالِ، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ )جِئْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ بِبَرَاءَةٍ فكُنَّا نُنَادِي إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ ، وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَهْدٌ فَأَجَلُهُ أَوْ أَمَدُهُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِذَا مَضَتِ الْأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَإِنَّ ( اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ )، وَلَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، يقولُ أبو هريرةَ: فَكُنْتُ أُنَادِي حَتَّى صَحِلَ صَوْتِي ) الترمذي. اللهُ أكبرُ تُنادِي الأوطانُ وأنتَ تدعُوا فلا لبّيكَ إلَّا لك، ويُمسكُكُ الأهلُ وأنتَ تدعُوا فلا لبّيكَ إلَّا لك، ويدعوكَ المالُ والولدُ إلي أنْ يظلَّ الإنسانُ خليفتَهُم وأنت تدعُو فلا لبّيكَ إلّا لك، سبحانَ مَن قدّسَ البيتَ وعظمَهُ، سبحانَ مَن جعلَ مكةَ هي البلدُ الحرامُ، سبحانَ مَن خصَّهَا دونَ بقاعِ الأرضِ بالتقديسِ والإعظامِ، سبحانَ مَن هدي خليلَهُ إليهَا بعدَ طولِ شوقٍ وهيامٍ، سبحانَ مَن فجَّرَ زمزمَ لإسماعيلَ إجلالًا لهُ وإكرامًا، سبحانَ مَن جعلَ مكةَ مشرقًا للنورِ بعد أنْ كانتْ مصدرًا لكلِّ ظلمٍ وظلامٍ، سبحانَ مَن جعلَهَا أصلَ التوحيدِ بعدَ أنْ كانتْ مصدرًا لعبادةِ الأصنامِ، سبحانَ مَن اصطفَي رسولَهُ منها وجعلَهُ رسولًا لخيرِ دينٍ هو الإسلامُ، سبحانَ اللهِ وبحمدهِ سبحانَ اللهِ العظيم .

لبَّيكَ ربِّي وإنْ لم أكنْ بينَ الزحَامِ مُلبيًّا   *** * لبَّيكَ ربِّي وإنْ لم أكنْ بينَ الحجيجِ ساعيًا

لبَّيكَ ربِّي وإنْ لم أكنْ بينَ عبادِكَ داعيًا   ** *  لبيكَ ربِّي وإنْ لم أكنْ بينَ الصفوفِ مصليًّا

لبَّيكَ ربِّي وإنْ لم اكنْ بينَ الجموعِ لعفوِكَ طالبًا *** لبَّيكَ ربِّي فاغفرْ جميعَ ذنوبِي أدقهَا وأجلهَا

العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : حرمة الدماء والأموال والأعراض في ضوء خطبة حجة الوداع

ثانيًا: تعظيمُ شأنِ الدماءِ وجرمُ إراقتِهَا بغيرِ حقٍّ.

أيُّها السادةُ: مِن الأسسِ العظيمةِ التي قامتْ عليهَا الشريعةُ الإسلاميةُ والتي أعلنتهَا خطبةُ الوداعِ  تحقيقُ مصالحِ العبادِ في دنياهُم وأخراهُم، ومِن أعظمِ صورِ حفظِ مصالحِ العبادِ في هذهِ الشريعةِ الغراءِ مراعاةُ الضرورياتِ الخمسِ التي أوصتْ الشريعةُ بالحفاظِ عليهَا ورعايتِهَا وهي: حفظُ الدينِ، والنفسِ، والعرضِ، والمالِ ، والنسلِ، ويتفرعُ عن حفظِ النفسِ حفظُ الدماءِ مِن أنْ تهدرَ وتسفكَ بغيرِ حقٍّ ،وسفكُ الدماءِ بغيرِ حقٍّ مِن الكبائرِ المهلكاتِ، فعَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ عَنِ الكَبَائِرِ، قَالَ: (الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ)، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: (الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ)، وبمَا إنّنَا نعيشُ في زمانٍ قد تلاطمتْ فيهِ أمواجُ الفتنِ التي تحيرَ فيها أصحابُ العقولِ والفِطَن، فتنٌ تدعُ الحليمَ حيرانَ، ومِن أعظمِ تلك الفتنِ ضررًا وأشدهَا على الناسِ وقعًا وخطرًا سفكُ الدمِ الحرامِ بغيرِ حقٍّ، فإنّهَا مِن أعظمِ البلايَا وأطمِّ الرزايَا، خاصةً وقد أخبرَ النَّبيُّ ﷺ أنَّهُ ستأتِي فتنٌ في آخرِ الزمانِ يكثرُ فيها القتلُ ويُستهانُ بأمرِ الدماءِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الْهَرْجُ) قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (الْقَتْلُ الْقَتْلُ).بل يكثرُ القتلُ حتى لا يدرِي القاتلُ فيمَا قَتلَ ولا المقتولُ فيمَا قُتِلَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِي أَيِّ شَيْءٍ قَتَلَ، وَلَا يَدْرِي الْمَقْتُولُ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ قُتِلَ). ولكَ أنْ تتصورَ فظاعةَ الأمرِ وهولَهُ، فيتمادَى الناسُ في القتلِ حتى يقتلَ الرجلُ جارَهُ وأقاربَهُ وأرحامَهُ، عن أَبي مُوسَى الأشعري -رضي اللهُ عنه-، قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ لَهَرْجًا)، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: (الْقَتْلُ)، فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَقْتُلُ الْآنَ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَيْسَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ، وَابْنَ عَمِّهِ وَذَا قَرَابَتِهِ)، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَعَنَا عُقُولُنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (لَا، تُنْزَعُ عُقُولُ أَكْثَرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَيَخْلُفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنَ النَّاسِ لَا عُقُولَ لَهُمْ). بل لكَ أنْ تتخيلَ شدةَ البلاءِ وكثرةَ الفتنِ والهرجِ، حتى يصلَ الأمرُ بالرجلِ العاقلِ المتمسكِ بدينِهِ أنَّهُ ليمرَّ على القبرِ ويتمنَّى أنْ يكونَ مكانَ صاحبِهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ عَلَى الْقَبْرِ فَيَتَمَرَّغُ عَلَيْهِ، وَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَكَانَ صَاحِبِ هَذَا الْقَبْرِ، وَلَيْسَ بِهِ الدِّينُ إِلَّا الْبَلَاءُ). وقد حدثَ ما أخبرَ بهِ النبيُّ ﷺ مِن كثرةِ القتلِ والتساهلِ فيهِ حتى إنّكَ لا تدرِي علامَ يقتتلُ الناسُ، وربّمَا قاتلَ بعضُهُم بعضًا على أمورٍ يسيرةٍ ولكنَّ الشيطانَ لم يتركْهُم حتى أوقعَهُم في سفكِ الدماءِ، كما في حديثِ جَابِرٍ -رضي اللهُ عنه- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ). لذا وقفَ النبيُّ ﷺ بعرفاتٍ وهو ينادِي في الناسِ وهو يودعُ الصحابةَ بل إنْ شئتَ فقلْ وهو يودعُ الأمةَ الإسلاميةَ جمعاء أيُّها الناسُ ( إِن َّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وأعْراضَكُم عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا ) (متفق عليه)، إذًا فدمُ المسلمِ وعرضُهُ ومالُهُ حرامٌ، لا يجوزُ أنْ يُعتدَي عليه بغيرِ حقٍّ، لقولِ النبيِّ ﷺ كما في حديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: ( كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ) رواه مسلم، فحياةُ الإنسانِ مقدسةٌ … لا يجوزُ لأحدٍ أنْ يعتديَ عليها، والإنسانُ بنيانُ الربِّ ملعونٌ مَن هدمَهُ، بل لو تتبعتَ المعاصي كلَّهَا لم تجدْ معصيةً فيها فسادٌ يساوي فسادَ الشركِ والقتلِ أبدًا  يا ربِّ سلِّمْ !! لذا قال ﷺ: ( كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلَّا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا أَوْ مُؤْمِنٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا) رواه أبو داود، وفي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه ، عن النبيِّ ﷺ قَالَ: لَوِ اجْتَمَعَ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَأَهْلُ الأَرْضِ عَلَى قَتْلِ رَجُلٍ مُؤْمِنٍ لَكَبَّهُمُ اللَّهُ فِي النَّارِ )، وفي صحيحِ البخاري عنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا)، فحرمةُ الدمِ مصانةٌ في الدينِ يا سادةٌ، وممَّا يبينُ عظمَ شأنِ الدماءِ: أنَّها أولُ ما يُقضَى فيهِ بينَ العبادِ يومَ القيامةِ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ -رضي اللهُ عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ)، ولزوالُ الدنيا أهونُ عندَ اللهِ مِن قتلِ مُسلمٍ بغيرِ حقٍّ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو والبراءِ بنِ عازبٍ -رضي اللهُ عنهم-، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: (لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ (مؤمن) بِغَيْرِ حَقٍّ)، ومِمّا يوضحُ ويبينُ عظيمَ شأنِ الدماءِ  في الشريعةِ الإسلاميةِ: أنَّ الشريعةَ  حرمتْ التعدِّي  على  دماءِ  غيرِ المسلمينَ بغيرِ حقٍّ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: (أَلَا مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهِدًا لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَقَدْ أَخْفَرَ بِذِمَّةِ اللَّهِ، فَلَا يُرَحْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ خَرِيفًا). بل توعدَ اللهُ جلَّ وعلا بالنارِ على مجردِ الحرصِ على قتلِ المسلمِ بغيرِ حقٍّ وإنْ لم يقعْ ذلك، فعَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: ذَهَبْتُ لِأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ (يعني عليا)، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ، قَالَ: ارْجِعْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: (إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ) قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا القَاتِلُ، فَمَا بَالُ المَقْتُولِ؟ قَالَ: (إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ)، وكيفَ لا ؟ وحرمةُ دمِ المسلمِ أعظمُ عندَ اللهِ مِن حرمةِ البيتِ الحرامِ والشهرِ الحرامِ واليومِ الحرامِ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-، قَالَ: نَظَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: (مَرْحَبًا بِكِ مِنْ بَيْتٍ مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَلَلْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةَ عِنْدَ اللهِ مِنْكِ، إِنَّ اللهَ حَرَّمَ مِنْكِ وَاحِدَةً وَحَرَّمَ مِنَ الْمُؤْمِنِ ثَلَاثًا: دَمَهُ، وَمَالَهُ، وَأَنَ يُظَنَّ بِهِ ظَنَّ السَّوْءِ). فما أعظمهَا وربِّ الكعبةِ مِن شريعةٍ غراء، وما أحرصهَا على حفظِ دماءِ الناسِ، وما أبعدهَا عن التهمِ التي تُنسبُ إليهَا مِن المغرضينَ بأنّهَا شريعةٌ تتشوقُ لسفكِ دماءِ الناسِ، واللهِ ثُمَّ واللهِ إنَّ هذا لهو البهتانُ العظيمُ.

العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : حرمة الدماء والأموال والأعراض في ضوء خطبة حجة الوداع

ثالثًا: حرمةُ الأموالِ والأعراضِ  في دينِنَا.

أيُّها السادةُ: خطبةُ الوداعِ هي البيانُ الختاميُّ للإسلامِ  لذا ينبغِي أنْ تكونَ محفورةً في العقولِ والقلوبِ ودستورًا وبيانًا شافيًا للحقوقِ والواجباتِ وكيف لا؟ ولقد جاءتْ محافظةً على الأموالِ والأعراضِ، فعن أبي بكرةَ رضي اللهُ عنه قال: خَطَبَنَا النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: “أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: أَيُّ شَهْرٍ هَذَا ؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، فَقَالَ: أَلَيْسَ ذُو الحَجَّةِ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: أَيُّ بَلَدٍ هَذَا ؟ قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الحَرَامِ؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ” متفق عليه.

والأموالُ مصانةٌ في دينِنَا وكيفَ لا؟ والمالُ مُصانٌ كصيانةِ العِرضِ والنفسِ، قالَ -جلَّ وعلا-: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ({البقرة : 188}، ولقولِ النبيِّ ﷺ: ( لا يَحِلُّ مالُ امرِيءٍ مُسلمٍ إلَّا بِطِيبِ نفسٍ مِنهُ) رواه أحمد والبيهقي، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي اللهُ عنه- قَالَ: قَالَ  ﷺ: ( لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً، يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ)، لذا حرَّمَ النبيُّ ﷺ الربَا، فقالَ في خطبةِ الوداعِ: ( وَإِنَّ كُلَّ رِبًا مَوْضُوعٌ وَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ، قَضَى اللَّهُ أَنَّهُ لا رِبًا وَإِنَّ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ) رواه الترمذي، وحرَّمَ الإسلامُ أكلَ حقوقِ الناسِ، فعَنْ أَبِي  امامةَ -رضي اللهُ عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: ( مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ ) فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: ( وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ )، لذا قال النبيُّ ﷺ: ( مَن كانتْ لهُ مَظْلَمَةٌ لأخيهِ من عِرْضِهِ أوْ شيءٍ، فلْيَتَحَلَّلْهُ منهُ اليومَ، قبلَ أنْ لا يكونَ دينارٌ ولا دِرْهَمٌ، إنْ كانَ لهُ عَمَلٌ صالحٌ أُخِذَ منهُ بقدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وإنْ لمْ تكُنْ لهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ من سَيِّئاتِ صاحبهِ فحُمِلَ عليهِ) . وليعلمْ العاقلُ أنَّ الدنيا زائلةٌ، وأنَّهُ موقوفٌ ومسئولٌ بينَ يدَيِ اللهِ تعالى عن كلِّ ما اكتسبَهُ وكلِّ ما أنفقَهُ، ففي حديثَ أبي برزةَ الأسلمِي رضى اللهُ عنه قال، قال رسولُ اللهِ ﷺ: ” لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلاهُ، وَعَنْ مَالِهِ فِيمَا أَنْفَقَهُ وَمِنْ أَيْنَ كَسَبَهُ، وَعَنْ عَلِمهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ؟، فانتبهْ فالمالُ ستسألُ عنهُ سؤالينِ يومَ القيامةِ يومَ الحسرةِ والندامةِ يومَ تقفُ بينَ يدَي اللهِ حافيًا عاريًا لا حولَ لكَ ولا قوةَ مِن أينَ أكتسبتَهُ؟ وفيمَا أنفقتَهُ ؟ أكتسبتَهُ مِن الحلالِ وأنفقتَهُ في الحلالِ أم في الحرامِ؟ ولقد كثرتْ في المحاكمِ الخصوماتُ والقضايَا والمشكلاتُ بسببِ المظالمِ ومِن الناسِ، مَن يعلمُ أنّهُ هو الظالمُ ويريدُ الانتصارَ على خصمِهِ وأخذَ حقِّهِ وربَّمَا غلبَ بالحجةِ وقضَى لهُ القاضِي بمالِ أخيهِ على نحوِ ما ظهرَ لهُ، فلا يظنُّ أحدٌ أنَّ حكمَ القاضِي يحلُّ الحرامَ أو يحرمُ الحلالَ؛ لأنَّ القاضِي ليس لهُ إلّا الظاهر بمَا يسمعُ مِن الخصمينِ، وأمّا الباطنُ فهو إلى اللهِ هو الذي يحكمُ بهِ يومَ تُبلَى السرائرُ ولا يوجدُ في ذلك اليومِ للظالمِ مِن قوةٍ ولا ناصرٍ، قال ﷺ: (إنَّما أنا بَشَرٌ وإنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، ولَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكونَ ألْحَنَ بحُجَّتِهِ مِن بَعْضٍ، فأقْضِي علَى نَحْوِ ما أسْمَعُ، فمَن قَضَيْتُ له مِن حَقِّ أخِيهِ شيئًا، فلا يَأْخُذْهُ فإنَّما أقْطَعُ له قِطْعَةً مِنَ النَّارِ)، وقال ﷺ: (لِكُلِّ غادِرٍ لِواءٌ يَومَ القِيامَةِ، فيُقالُ: هذِه غَدْرَةُ فُلانٍ)، وعن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه عن النبيِّ قال: قال اللهُ تعالى: (قالَ اللَّهُ: ثَلاثَةٌ أنا خَصْمُهُمْ يَومَ القِيامَةِ: رَجُلٌ أعْطَى بي ثُمَّ غَدَرَ، ورَجُلٌ باعَ حُرًّا فأكَلَ ثَمَنَهُ، ورَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أجِيرًا فاسْتَوْفَى منه ولم يُعطِه أجرَه)، وليحذرْ المماطلُ في سدادِ الحقوقِ والديونِ، وصدقَ النَّبِيُّ ﷺ إذ يقولُ: (لَيُّ الواجدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وعقوبَتَهُ)، وصدقَ النَّبِيُّ ﷺ إذ يقولُ: ( من أخذ أموالَ النَّاسِ يريدُ أداءَها أدَّى اللهُ عنه ومن أخذ أموالَ النَّاسِ يريدُ إتلافَها أتلفه اللهُ)، فالحذرَ الحذرَ مِن حقوقِ الناسِ.

تابع / خطبة الجمعة القادمة بعنوان : حرمة الدماء والأموال والأعراض في ضوء خطبة حجة الوداع

ومِن الآفاتِ الكبرَى والمصائبٍ العُظمَى التي نجدُهَا انتشرتْ وتفاقمتْ وتعاظمتْ في مجتمعِنَا عادةُ القِيلِ والقال، وقالَ فلانٌ، وبلغنِي عن فلانِ، استباحةٌ للأعراضِ بلا حدودٍ، ومِن أعظمِ الدروسِ المستفادةِ مِن خطبةِ الوداعِ: أنَّ الأعراضَ أمانةٌ، والأعراضَ مصانةٌ وانتهاكهَا جرمٌ خطيرٌ وأعظمُ خيانة في الأعراضِ هي جريمةُ الزنا والعياذُ باللهِ، فالزنَا عارٌ يهدمُ البيوتَ الرفيعةَ، ويطأطئُ الرؤوسَ العاليةَ، ويشردُ الأسرَ الآمنةَ ،ويسودُ الوجوهَ النيرةَ، ويخرسُ الألسنةَ البليغةَ. يا ربِّ سلِّم، لذا كانتْ جريمةُ الزنَا مِن أعظمِ الجرائمِ، وأبشعِ الذنوبِ، ومِن أكبرِ الكبائرِ عندَ علامِ الغيوبِ، وستيرِ العيوبِ، قال اللهُ فيها: {وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} [سورة الإسراء:32]، فالأعراضُ أمانةٌ: فلا تتحدثْ في أعراضِ الناسِ بالغيبةِ والنميمةِ؛ لأنَّ الغيبةَ والنميمةَ تعدُّ خيانةً والعياذُ باللهِ. بل لمَّا وقعَ ماعزٌ في جريمةِ الزنَا وأقامَ النبيُّ ﷺ الحدِّ سَمِعَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ انْظُرْ إِلَى هَذَا الَّذِي سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَمْ تَدَعْهُ نَفْسُهُ حَتَّى رُجِمَ رَجْمَ الْكَلْبِ فَسَكَتَ عَنْهُمَا ثُمَّ سَارَ سَاعَةً حَتَّى مَرَّ بِجِيفَةِ حِمَارٍ شَائِلٍ بِرِجْلِهِ فَقَالَ أَيْنَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ فَقَالَا نَحْن يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ انْزِلَا فَكُلَا مِنْ جِيفَةِ هَذَا الْحِمَارِ فَقَالاَ يَا نبي اللَّهِ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ هل يَأْكُلُ مِنْ هَذَا فقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(أكلاكم آنِفًا من لحم  أَخِيكُمَا أَشَدُّ مِنْ أَكْلٍما مِنْ جيفَةِ حِمَارٍ )، يا ربِّ سلِّم،  وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ الْآنَ لَفِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ يَنْغمِسُ فِيهَا)(متفق عليه)، ولم يكنْ مِن هديهِ يا سادةٌ إذا أخطأَ إنسانٌ أنْ يقولَ ما بالُ أقومٍ، إلَّا في الأعراضِ يا سادة، فقال أين فلانٌ وفلانٌ ؟لماذا؟ لأنَّ الأعراضَ مصانةٌ في دنينِنَا، اللهُ أكبرُ كم لوثتْ أفواهُنَا بأكلِ لحومِ إخوانِنَا، اللهُ أكبرُ كم لوثتْ أسنانُنَا بتمزيقِ إخوانِنَا، ولا حولَ ولا قوةَ إلَّا باللهِ، فلا يحلُّ لعبدٍ أنْ ينالَ مِن عِرضِ أخيهِ، ولا أنْ يتّهمَ أحدَهُم بالفاحشةِ بحالٍ مِن الأحوالِ، لماذا لأنَّ الأعراضَ ليستْ مستباحةً  في دنينِنَا ياسادة، للهِ درُّ القائل:

احْفَظْ لِسَانَك أَيُّهَا الْإِنْسَانُ   ***  لَا يَلْدَغَنَّكَ إنَّهُ ثُعْبَانُ

كَمْ فِي الْمَقَابِرِ مِنْ قتيل  لِسَانِهِ   ***   كَانَتْ تَهَابُ لِقَاءَهُ الشُّجْعَانُ

أقولُ قولِي هذا واستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم

الخطبةُ الثانيةُ الحمدُ للهِ ولا حمدَ إلَّا لهُ وبسمِ اللهِ ولا يستعانُ إلّا بهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَه وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ  ……………………وبعدُ

العنصر الرابع من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : حرمة الدماء والأموال والأعراض في ضوء خطبة حجة الوداع

رابعًا وأخيرًا: وقفةٌ سريعةٌ مع يومِ عرفةَ.

أيُّها السادةُ: يومُ عرفةً وما أدراكَ ما يومُ عرفةَ ؟ إنَّهُ اليومُ الذي أكملَ اللهُ فيه الدينَ، وأتمَّ بهِ علينَا النعمةَ، {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}المائدة:3، وهو اليومُ المشهودُ، قال ربُّنَا: ﴿ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾ البروج: 3. قال أبو هُرَيْرَةَ رضي اللهُ عنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: “الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَالْيَوْمُ الْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالشَّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ…”؛ رواه الترمذي، ويومُ عرفةَ هو الوترُ الذي أقسمَ اللهُ بهِ في قولهِ: ﴿ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْر ﴾ [الفجر: 3]، قال ابنُ عباسٍ: “الشفعُ يومُ الأضحَى، والوترُ يومُ عرفة)، ويومُ عرفةَ يومُ مغفرةِ الذنوبِ، ويومُ العتقِ مِن النيرانِ، قالَ النبيُّ ﷺ: (ما من يومٍ أكثرُ مِن أنْ يعتِقَ اللهُ فيه عبيدًا من النَّارِ من يومِ عرفةَ) رواه مسلم. ويقبلُ اللهُ فيه الدعواتِ قال النبيُّ ﷺ: (خيرُ الدعاءِ دعاءُ يومِ عرفة)، ويباهِي بأهلِ عرفةَ ملائكتَهُ كما قال نبيُّنَا ﷺ: (إنَّ اللهَ يُباهي بأهلِ عرفاتٍ أهلَ السماءِ اشهَدُوا ملائكتِي أنِّي قد غفرتُ لهم) رواه أحمدُ، فاللهَ اللهَ في اغتنامِ النفحاتِ بالصيامِ والتقربِ إلي اللهِ، اللهَ اللهَ في التوبةِ والرجوعِ إلى اللهِ، البدارَ البدارَ قبلَ فواتِ الأوانِ بفتحِ صفحةٍ جديدةٍ مع علامِ الغيوبِ وستيرِ العيوبِ. وقلْ لنفسِكَ

يا مَن بدنياهُ اشتغلْ … وغرَّهُ طولُ الأمل

ولم يزلْ في غفلةٍ … حتى دنَا منه الأجل

الموتُ يأتي بغتةً … والقبرُ صندوقُ العمل               

                                                                     كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه

                                                                            د/ محمد حرز

                                                                     إمام وخطيب بوزارة الأوقاف

_______________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »